| | Date: Oct 23, 2020 | Source: جريدة الشرق الأوسط | | سعد الحريري عرّاب «الفرصة الأخيرة» يترأس الحكومة مجدداً رغم الاحتجاجات | بيروت: «الشرق الأوسط أونلاين»
بعد عام على استقالته تحت ضغط الشارع، عاد سعد الحريري رئيساً مكلفاً تشكيل حكومة جديدة حدّد مهمتها بتطبيق الإصلاحات التي تضمنتها المبادرة الفرنسية لضمان الحصول على دعم من المجتمع الدولي يضع حداً للانهيار الاقتصادي.
وطرحت «وكالة الصحافة الفرنسية» عدة أسئلة عن الظروف التي أملت عودة الحريري اليوم وعن مواقف الأطراف المعنية داخلياً وخارجياً؟ وهل ستكون مهمة التأليف سهلة؟
وقالت الوكالة إنه بعد أسبوعين من اندلاع احتجاجات شعبية غير مسبوقة طالبت برحيل الطبقة السياسية في 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019. بادر سعد الحريري إلى تقديم استقالة حكومته.
ومنذ ذلك الحين، يشهد لبنان أزمات متتالية من انهيار اقتصادي متسارع فاقم معدلات الفقر، إلى قيود مصرفية مشدّدة، وتفشّي وباء «كوفيد - 19». وأخيراً انفجار مروّع في مرفأ بيروت.
وتراجع تدريجياً زخم الاحتجاجات في الشارع، ما أعاد بث الحياة في الطبقة السياسية الحاكمة التي كبّلت حكومة الاختصاصيين التي شكّلها حسان دياب بعد سقوط حكومة الحريري الأخيرة، وأدت إلى اعتذار مصطفى أديب عن تشكيل حكومة رغم الضغوط الدولية.
في الثامن من أكتوبر، أعلن الحريري أنه مرشح حكماً لرئاسة الحكومة ضمن ثوابت المبادرة الفرنسية التي تضمنت تشكيل حكومة «بمهمة محددة» تنكبّ على إجراء إصلاحات عاجلة لضمان الحصول على دعم المجتمع الدولي.
ويقدّم الحريري الذي يرأس الحزب السني الأكثر تمثيلاً، نفسه على أنه عرّاب «الفرصة الأخيرة» المتمثلة بالمبادرة الفرنسية، بحسب الوكالة، وقال بعد تكليفه إنه يعتزم تشكيل حكومة «اختصاصيين من غير الحزبيين».
ويقول الباحث والأستاذ الجامعي في بيروت وباريس كريم بيطار إن عودة الحريري مردها أن «الثورة لم تتمكن من إنتاج قيادات وتشكيل جبهة موحدة فيما تمكّنت القوى السياسية التقليدية من رصّ صفوفها بغض النظر عن التباينات والخلافات بينها».
وأضاف: «ربّما يتفهم المجتمع الدولي استياء الشباب اللبناني لعودة الحريري لكنه لا يشاركه الاستياء ذاته لأنهم يعرفون شخصية الحريري وهم معتادون على التعامل معه ويعرفون أن لديه شبكة علاقات، وبالتالي لن يتردد أحد من المجتمع الدولي في العمل مع سعد الحريري، وإن كان لكل طرف أولوية».
وبينما لم تثر تسمية الحريري أي موقف لافت، ركّزت ردود فعل واشنطن والأمم المتحدة على ضرورة أن تنفذ أي حكومة الإصلاحات المطلوبة.
ويختصر مصدر دبلوماسي أوروبي المشهد بالقول: «لبنان اخترع التاريخ الذي يعيد نفسه، نعود مجدداً إلى الحريري».
ونال الحريري تأييد 65 نائباً، فيما كان من بين الممتنعين عن تسميته التيار الوطني الحر الذي يترأسه النائب جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية، وحليفه «حزب الله»، لكن تسمية حركة «أمل» التي يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري، أبرز حلفاء «حزب الله»، لم تكن لتحصل لولا موافقة ضمنية من «الحزب».
أمام الحريري اليوم طريق طويل وصعب في ظل إصراره على تشكيل حكومة لستة أشهر تضمّ اختصاصيين من غير الحزبيين، بينما الصراعات السياسية على النفوذ على حالها.
ويصطدم الحريري بعقبات عدة، أولها مطالبة الأحزاب السياسية الرئيسية بالمشاركة في الحكومة المقبلة.
أما العقبة الثانية فهي تمسّك «حزب الله» مع بري بتسمية الوزراء الشيعة والاحتفاظ بحقيبة المال وسبق للحريري أن أعلن رفضه تكريس هذه القاعدة التي حالت دون ولادة حكومة مصطفى أديب.
ويواجه الحريري المتظاهرين الذين يعتبرونه من أركان طبقة سياسية يطالبون برحيلها، رغم أن رد الفعل الأولي على تكليفه اقتصر على تحركات احتجاجية محدودة قابلها مناصرو الحريري بتحركات مؤيدة.
وفي حال نجاحه في تأليف الحكومة، سيكون الحريري تحت مجهر المجتمع الدولي الذي «لن يكون مستعداً لتقديم أي ليرة للبنان»، من دون تغيير حقيقي وإصلاحات، بحسب الناشط السياسي وأستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت ميشال دويهي.
اتهامات لعون باختيار التوقيت الخاطئ لخطابه «الناري»
بيروت: محمد شقير
فوجئت مصادر دبلوماسية عربية ودولية بمضمون الخطاب المتفجر الذي ألقاه رئيس الجمهورية ميشال عون، عشية الاستشارات النيابية المُلزمة لتسمية الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: كنا نفضل من موقعه أن يتوجه إلى اللبنانيين بخطاب يغلب عليه الاعتدال والانفتاح، لتمرير هذا الاستحقاق الذي يُفترض فيه أن ينتقل بالبلد من مرحلة التأزم إلى الانفراج التقليدي الذي يتيح له الإفادة من الفرصة الأخيرة التي وفرها له الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لوقف الانهيار.
واعتبرت المصادر أن عون أخطأ في اختيار التوقيت لتوجيه خطابه «الناري»، وقالت: كنا نترقب منه مع الدخول في استحقاق تشكيل الحكومة أن يدعو اللبنانيين إلى الالتفاف حول حكومة جديدة، كما أبلغه الرئيسان نجيب ميقاتي وتمام سلام، على هامش مشاركتهما أمس في الاستشارات، واللذان شددا على أن أمام لبنان فرصة أخيرة قد لا تتكرر، ولا بد من توظيفها لإنقاذه قبل فوات الأوان، بدلاً من تقاذف المسؤوليات في هذا الظرف الدقيق.
ولفتت المصادر إلى أن عون لم يكن مضطراً للدخول في سجال يراد منه تصفية الحسابات، بدلاً من أن يدعو إلى تضافر الجهود لتمرير تشكيل الحكومة بأقل قدر من التداعيات السلبية، وقالت إنه تحدث وكأنه ناشط سياسي حيناً، وأحياناً قدم نفسه على أنه أقرب إلى خطاب رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل.
ورأت أن ما قاله عون يتعارض مع إصرار تياره السياسي على تقديمه على أنه «الرئيس القوي» الذي استرد صلاحيات رئيس الجمهورية، وأكدت أنه كان في غنى عن وضع العراقيل أمام الرئيس المكلف؛ خصوصاً أن تبريره لعدم قدرته على تحقيق ما تعهد به ليس في محله، إضافة إلى أن نجاح الحكومة الجديدة في نقل البلد تدريجياً إلى مرحلة التعافي سيكون حتماً لمصلحته، بعدما اقترب من الدخول في الثلث الأخير من ولايته الرئاسية.
وسألت المصادر: هل يُعقل أن يشكو عون أمام اللبنانيين وهو الرئيس المنتخب؟ وقالت إن لا مصلحة له في تعداد الشكاوى بذريعة «ما خلوني أعمل شيء»، وبالتالي لم يكن مضطراً لتقديم نفسه على أنه مواطن عادي.
وفي هذا السياق، سألت مصادر سياسية لبنانية عن موقف عون من تحذير وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان من أن التأخير في تشكيل الحكومة يعني أن السفينة ستغرق أكثر، وأن البلد سيتعرض إلى مزيد من الانهيار، وأيضاً التحذير الذي أطلقه من قبله وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو بدعوته للإسراع بتشكيل الحكومة. وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن عون مشمول بهذين التحذيرين، كما الآخرين، وإن كانت مسؤوليته أكبر، نظراً للموقع الأول الذي يحتله. وأكدت أنه لا يحق لرئيس الجمهورية أن يرمي المسؤولية على خصومه، وبشكل غير مباشر على بعض حلفائه، وكأن باسيل لا يتحمل مسؤولية، ومعه المستشار الرئاسي الأول الوزير السابق سليم جريصاتي.
وكشفت أن عون توخى من خطابه تعويم باسيل بدلاً من تحييده فقط، وقالت إن عدم مبادرته إلى مراجعة حساباته سيُقحم البلد في أزمة مفتوحة تتجاوز تداعياتها انتهاء عهده قبل أوانه، إلى استحالة الإفادة من المبادرة الفرنسية، بالتلازم مع حرص واشنطن على الاستقرار لمواكبة انطلاقة مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل.
وأكدت أن ذهاب عون بعيداً في تصعيد موقفه، هو ظن منه أنه الممر الإلزامي لتعويم باسيل واستنهاض قاعدته الشعبية التي أخذت تسجل تراجعاً، مروراً بقصفه السياسي الذي لم يوفر رئيس المجلس النيابي نبيه بري.
ورأت المصادر نفسها أن الأطراف التي استهدفها عون في خطابه المتفجر في محاولة منه لتبرئة ذمته من عجز عهده على تحقيق ما التزم به، لن تلوذ بالصمت، وسترد عليه في الوقت المناسب، وإن كانت ارتأت أن الظروف الراهنة لا تسمح لها بهذا الرد؛ حرصاً منها على تمرير عمليتي التأليف والتكليف.
وحذرت المصادر من أن إعاقة مهمة الرئيس الحريري في تأليف حكومة، ستنعكس سلباً على لبنان؛ لأنه سيُفقده الحصول على الدعم الدولي، شرط الالتزام بالمبادرة الفرنسية وأساسها تحقيق الإصلاحات بدءاً بالكهرباء، وقالت إن تفخيخ تشكيل الحكومة يترتب عليه حرمان الدولة من المساعدات؛ لأن المجتمع الدولي سيلتفت فقط إلى تقديم المساعدات الإنسانية للبنانيين، من دون أي تدخل من السلطة اللبنانية. | |
|