| | Date: Oct 19, 2020 | Source: موقع النهار العربي - لبنان | | نظرة سوداوية من صندوق النقد لاقتصادات الشرق الأوسط: الخليج الأكثر ضغوطاً... ولبنان الأعلى خطراً | لميا نبيل
زاد صندوق النقد الدولي من نظرته السوداوية تجاه اقتصادات منطقة الشرق الأوسط في أحدث تقاريره الاقتصادية عن "الشرق الأوسط وآسيا الوسطى"، والصادر ظهر اليوم الاثنين، بما يتسق مع مخاوفه العامة حيال الاقتصاد العالمي، مشيراً إلى أن الندبات الاقتصادية الناجمة عن تفشي وباء "كوفيد-19" قد تستمر آثارها بالمنطقة لما قد يصل إلى 5 سنوات، وربما تقترب بعدها معدلات النمو من مسارها السابق لتفشي الجائحة.
ويضع محللو الصندوق الانخفاضات الشديدة في الطلب على النفط وأسعاره، في صدارة الأسباب التي تكمن وراء توقعاتهم للنمو بنسبة سالب 6.6 في المئة في عام 2020 لمصدري النفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان. إضافة إلى الضرر الذي لحق بالتجارة والسياحة، والذي يعوض في الغالب الفوائد من انخفاض أسعار النفط لمستوردي النفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان - مما يؤدي إلى تراجع النمو بنسبة متوقعة تبلغ سالب 1 في المئة لهذه البلدان. كما تأثرت منطقة القوقاز وآسيا الوسطى مع انكماش متوقع بنسبة 2.1 في المئة في عام 2020، مدفوعاً بتباطؤ كبير بين مستوردي النفط في المنطقة.
ويقول الصندوق في تقريره: "تواصل جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) الانتشار عبر منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، رغم التزام البلدان جانب الحذر وهي تشرع في إعادة فتح اقتصاداتها. وقد أدت إجراءات التصدي للجائحة التي لزم اتخاذها على مستوى الصحة العامة إلى الحد بدرجة كبيرة من حرية الحركة وترتبت عليها تكلفة اقتصادية باهظة.
ونتيجة لذلك، يُتوقع انخفاض إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في المنطقة بنسبة 4.1 في المئة عام 2020، وهذا الانكماش أكبر بمقدار 1.3 نقطة مئوية مما كان متوقعاً في نيسان (إبريل) الماضي. وفي ظل تباطؤ وتيرة التعافي العالمي، تستمر مخاطر التطورات المعاكسة في الهيمنة على الآفاق مع استمرار الجائحة في الضغط على قدرات البلدان. ومن المتوقع أيضاً أن يشهد أكبر عشر شركاء تجارية لبلدان الشرق الأوسط وآسيا الوسطى انكماشاً إضافياً بمقدار 1.5 نقطة مئوية.
وحول أخطر أوضاع المنطقة، يفيد الصندوق بأن المخاطر تتفاقم مع تجدد الأعمال العدائية في منطقة الصراع بإقليم ناغورني كاراباخ. ولا يزال لبنان على وجه الخصوص يمر بوضع صعب، حيث يبلغ حجم الأنكماش المتوقع 25 في المئة خلال 2020، فقد شهد هذا البلد اضطرابات سياسية في تشرين الأول (أكتوبر) 2019، وتفاقمت مع التخلف عن سداد دين سيادي في آذار (مارس) الماضي للمرة الأولى في تاريخ لبنان. ووقع البلد في دوامة التضخم المفرط نتيجة تدهور العملة المحلية (التي تراجع سعر صرفها الموازي بنسبة 70 في المئة منذ نهاية 2019)، وفرض ضوابط رأسمالية غير رسمية من جانب فرادى البنوك، ونقص في النقد الأجنبي، مما تسبب بدوره في نقص الغذاء والكهرباء وارتفاع مستومات الفقر. وفي آب (أغسطس)، اندلع انفجار هائل في مرفأ بيروت نتجت منه خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات. وأدى ذلك إلى استقالة الحكومة وتجدد الاحتجاجات؛ مما ساهم في تفاقم الصعويات وحالة عدم اليقين في البلاد.
تأثير متباين
ومقارنة بتوقعات نيسان (أبريل) من تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي، ورغم تطبيق مجموعة من السياسات الداعمة، يبدو أن تعديل توقعات النمو يعكس أيضاً تأثيراً أشد عمقاً لحالة الإغلاق العام على حرية الحركة مما كان متوقعاً، بالإضافة إلى ضعف النمو العالمي. ومقارنة بالمناطق الأخرى، يتسق حجم الانكماش في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى عموماً مع الأوضاع في البلدان المصدرة للنفط والبلدان المتوسطة الدخل في أفريقيا جنوب الصحراء، وإن كان أقل من معدلات الانكماش المسجلة في أميركا اللاتينية والكاريبي بحوالي النصف؛ وهو ما يعكس التأثير الأقل حدة للجائحة على المنطقة على أساس سنوي مقارن. وبالرغم من ظهور بعض بوادر التعافي في مؤشرات مديري المشتريات خلال الشهور الأخيرة، فإن المؤشرات الاقتصادية لا تزال ضعيفة، عند المستوى الحدي عموماً للتوسع الاقتصادي.
كذلك تأثر طلب المستهلكين سلباً نتيجة ضعف التدفقات من السياحة وتحويلات المغتربين التي تعد من مصادر الدخل الأساسية في المنطقة. وانخفضت أعداد رحلات الطيران الدولية القادمة إلى بلدان كثيرة حتى كادت تتوقف، وتراجعت تحويلات المغتربين بنسب تراوحت بين 6 في المئة على أساس سنوي مقارن في أوزيكستان، وأكثر من 25 في المئة في جمهورية قيرغيزستان خلال النصف الأول من العام. ولا تتوافر بيانات حديثة عن الدول الهشة، ولكن من المرجح أن يكون التأثير كبيراً في بلدان مثل اليمن وسوريا اللذين يعتمدان بدرجة كبيرة على التحويلات، وقد تؤثر هذه الانخفاضات بدورها تأثيراً كبيراً على معدلات الفقر وعدم المساواة.
وشهدت التدفقات الرأسمالية تقلبات حادة في شهري آذار (مارس) ونيسان (أبريل) حيث تقدر التدفقات الخارجة من منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بحوالى 6 إلى 8 مليارات دولار خلال هذه الفترة. واستقرت التدفقات الخارجة منذ ذلك الوقت، وشكلت الإصدارات السيادية لبلدان الشرق الأوسط وآسيا الوسطى ما يزيد على 40 في المئة من الإصدارات السيادية في جميع الأسواق الصاعدة منذ نهاية آذار (مارس). غير أن التدفقات الخارجة التراكمية من المنطقة منذ بداية الأزمة لا تزال سالبة ويتجاوز مجموعها 5 مليارات دولار.
إشادة بعدد من السياسات... وانتفاد لأخرى
ورغم المخاطر، أشاد الصندوق بالعديد من الإجراءات التي تمت في المنطقة، إذ نفذت غالبية البلدان مجموعة من السياسات على صعيد الصحة والمالية العامة والنقد والقطاع المالي للحد من الأثر المباشر للجائحة. وعكفت جميع البلدان تقريباً على زيادة القدرات في قطاع الصحة. وتضمنت الإجراءات المتخذة الإعفاء من ضرائب المستلزمات الغذائية والطبية، وزيادة الإنفاق على الأجهزة والإمدادات الطبية، وصرف بدلات لموظفي الرعاية الصحية، وزيادة الطاقة الاستيعابية للمستشفيات، وبناء مرافق العزل.
واستُخدمت سياسة المالية العامة كذلك للتخفيف من أثر الصدمة على الأسر والشركات، وبلغ متوسط تكلفة مجموعة الإجراءات المالية العامة في المنطقة، بما في ذلك الإجراءات خارج الميزانية، حوالي 2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وهو أقل من المتوسط في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية الذي يبلغ حوالي 3 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. وتضمنت الإجراءات المتخذة على جانب الإيرادات الإعفاء من دفع الإيجارات وضرائب العقارات والأراضي، وتأجيل إقرارات ومدفوعات ضرائب الأفراد والشركات أو الإعفاء منهاء وتعليق مختلف الرسوم والغرامات الحكومية أو تخفيضها. وركزت إجراءات الإنفاق على زيادة إعانات البطالة، والتحويلات النقدية إلى الأسر منخفضة الدخل، والدعم المالي المقدم للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، والدعم المالي على رسوم المرافق. وقدمت حكومات عديدة أيضاً قروضاً مدعمة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، والشركات العاملة في القطاعات الأكثر تضرراً والأسر منخفضة الدخل. غير أن الدعم المستمد من المالية العامة لم يتحول إلى دفعة مالية تنشيطية في عدد من الحالات، نظراً للإجراءات الموازنة التي اتخذتها البلدان أيضاً على جانبي الإيرادات والمصروفات.
كذلك اعتمدت البنوك المركزية في المنطقة على السياسة النقدية والمالية، بما في ذلك الأدوات غير التقليدية. ففي البلدان ذات العملات المرنة، تم استخدام سعر الصرف كهامش وقائي مع تعرضه لمجموعة من التخفيضات في منتصف آذار (مارس)، ثم عاد للارتفاع جزئياً بعد ذلك. وعلى مستوى البلدان ذات العملات المربوطة، كان أداء غالبية دول مجلس التعاون الخليجي (باستثناء عُمان) أفضل نسبياً مقارنة بفترة صدمات النفط السابقة، وهو ما دعمه إصدار السندات وتعافي أسعار النفط. وبنهاية شهر آب (أغسطس)، كانت معظم البنوك المركزية قد خفضت أسعار الفائدة الأساسية. وفي البلدان ذات العملات المربوطة والتعويم الموجه وأسعار الصرف المعدلة دورياً، تم تخفيض أسعار الفائدة تماشياً مع الاحتياطي الفدرالي. وجاءت أعمق التخفيضات في مصر وباكستان، حيث بلغت التخفيضات التراكمية 300 و625 نقطة أساس على التوالي، مع قيام مصر بخفض أسعار الفائدة مرة أخرى بقيمة 50 نقطة أساس في نهاية شهر أيلول (سبتمبر).
وقام نصف البنوك المركزية في المنطقة بضخ سيولة إضافية في الأجهزة المصرفية تجاوز مجموعها 40 مليار دولار. واستخدمت البنوك المركزية أيضاً أدوات عديدة لزيادة الإقراض، بما في ذلك تخفيض نسبة الاحتياطي الإلزامي، والتشجيع على تأجيل سداد مدفوعات القروض واستخدام ترتيبات إعادة الشراء، ودعم السيولة لأغراض الإقراض وضمان القروض، وتخفيض تكلفة إعادة التمويل.
وقام حوالى نصف البنوك المركزية بالمنطقة بتيسيير السياسة المالية الكلية، حيث تم إرخاء المتطلبات الرأسمالية المضادة للاتجاهات الدورية، مع تخفيض متطلبات نسب السيولة وكفاية رأس المال في الوقت نفسه، إلى جانب إرخاء قواعد تصنيف القروض ورصد المخصصات في بعض البلدان.
ونفذت السلطات أيضاً مجموعة من الأدوات للتأثير في تدفقات السلع ورأس المال، ففي عدد من البلدان ذات أسعار الصرف المرنة، تم تنفيذ تدخلات في سوق النقد الأجنبي للحيلولة دون اضطراب الأوضاع السوقية والتصدي لضغوط التخفيضات المفرطة (مصر وإيران وطاجيكستان وتركمانستان). وفرضت بلدان عديدة بعض القيود على التجارة (الجزائر وإيران والأردن وكازاخستان وموريتانيا وباكستان والصومال والسودان وطاجيكستان وتركمانستان)، وضوابط سعرية على السلع الأساسية والطبية. وبالرغم من قوة الضوابط المفروضة على التدفقات الرأسمالية في بعض البلدان قبل وقوع الجائحة، لم يتم استخدام إجراءات إضافية لإدارة التدفقات الرأسمالية إلا في حالات محدودة للغاية حتى الآن.
وكانت السياسات التي تم إقرارها عبر المنطقة بالغة الأهمية في التعامل مع الأثر المباشر للأزمة، غير أن عدداً من المجالات يتطلب اهتماماً من جانب صناع السياسات.
توصيات هامة
ولا يزال ضمان كفاية الموارد المتاحة للنظم الصحية وتوجيه برامج الدعم بدقة نحو الفئات المستحقة من الأولويات العاجلة. وعلى المدى القريب، يتعين على الحكومات وصناع السياسات مواصلة العمل بحسم لتأمين الوظائف وتوفير السيولة للشركات والأسر وحماية الفقراء ووضع خريطة طريق اقتصادية مصممة بدقة لتحقيق التعافي. وسيكون من الضروري اتخاذ المزيد من الإجراءات لمعالجة مواطن الضعف الملحة في البلدان التي تعاني من ضيق الحيز المالي لضمان سلاسة التعافي والحفاظ في الوقت نفسه على استدامة الأوضاع الاقتصادية الكلية.
ماذا عن المستقبل؟
وتشير التوقعات إلى تغير مستوى إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في البلدان المصدرة للنفط بالشرق الأوسط بنسبة سالب 6.6 في المئة في 2020، ويأتي ذلك الضعف عقب أداء فاتر في 2019 الذي شهد تراجعاً طفيفاً في مستويات النشاط بنسبة 0.3 في المئة، وهو ما يتجلى في القطاعات النفطية وغير النفطية على حد سواء. ويُتوقع انكماش إجمالي الناتج المحلي النفطي بنسبة 7.7 في المئة، مما يعكس اتفاقيات بلدان "أوبك+" بشأن تخفيض الإنتاج نتيجة تباطؤ الطلب الخارجي والداخلي على النفط والعقوبات الأميركية المفروضة على الصادرات الإيرانية. وتشير التوقعات أيضاً إلى انكماش إجمالي الناتج المحلي غير النفطي بنسبة 5.8 في المئة، وهو ما يعكس أساساً انهيار قطاع الخدمات بسبب تراجع الطلب المحلي والخارجي.
وتؤدي الاضطرابات في التجارة والسياحة وتحويلات المغتربين إلى موازنة معظم المنافع المتحققة للبلدان المستوردة للنفط نتيجة تراجع أسعار النفط. وتواصل هذه العوامل، إلى جانب إجراءات العزل، تثبيط النمو الذي يُتوقع حالياً وصوله إلى سالب 1 في المئة، عقب ارتفاعه بنسبة 2.8 في المئة في 2019. ومن المتوقع أن تسجل جميع بلدان هذه المجموعة باستثناء مصر نمواً سلبياً العام الجاري، مع تعافي النمو ليصل إلى 2.2 في المئة في 2021. ويُتوقع تسجيل انكماشات كبيرة في المغرب والأردن بنسبة 7 و5 في المئة على الترتيب بسبب التأثير الحاد على السياحة والصناعات التحويلية في ظل استمرار تباطؤ النمو لدى الشركاء التجاربين وتعطل حركة النقل الجوي. وبالنسبة الى مصر، تنعكس أوجه ضعف النمو خلال النصف الثاني من العام في تخفيض التوقعات للسنة المالية 2020-2021 التي بدأت في تموز (يوليو).
وستؤدي الأزمة أيضاً إلى تفاقم التحديات الاقتصادية والإنسانية بالنسبة للدول الهشة والتي تمر بصراعات. وتشير التوقعات إلى انكماش بنسبة 13 في المئة تقريباً في هذه البلدان خلال 2020، عقب تسجيل نمو معتدل بنسبة 2.4 في المئة في 2019، وسينشأ عن ذلك تراجع حاد في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي، من 2900 دولار في الفترة 2018-2019، إلى أقل من 2000 دولار في 2020؛ أو 5 دولارات يومياً تقريباً. وتشير توقعات المدى المتوسط أيضاً إلى خسائر أكثر استدامة وتأثير غائر أكثر عمقاً بالتالي على إجمالي الناتج المحلي.
وفي بيئة يشويها تراجع الطلب، يُتوقع استمرار انخفاض التضخم في معظم بلدان المنطقة. ويعد كل من لبنان والسودان المتأثرين بأزمات اقتصادية عميقة استثناء ملحوظاً، حيث يواجه لبنان تضخماً مفرطاً بسبب نقص الغذاء والكهرباء وانهيار سعر الصرف، بينما لا يوجد في السودان أي بوادر على انحسار التضخم الذي تسارعت وتيرته بدءاً من عام 2018. وبوجه عام، فإن مخاطر ارتفاع التضخم نتيجة تراخي السياسات النقدية لا تزال منخفضة بسبب تباطؤ النشاط الاقتصادي.
كذلك ستؤدي الأزمة إلى تدهور كبير في الحسابات الخارجية على مستوى البلدان المصدرة للنفط خلال 2020 نتيجة التراجع الحاد في حجم الصادرات النفطية. حيث يتوقع أن يسجل رصيد الحساب الجاري عجزاً بنسبة 3.4 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، مقابل فائض بنسبة 3.2 في المئة عام 2019.
وبالنسبة للبلدان المستوردة للنفط، تعد الصورة مشوشة بشأن الحسابات الخارجية، حيث تشهد تحسناً طفيفاً نتيجة تراجع الواردات. ويتوقع ارتفاع عجز المالية العامة خلال 2020 مقارنة بـ2019 على مستوى البلدان المستوردة للنفط، مع تراجع أرصدة المالية العامة فيها بمقدار 0.6 نقطة مئوية (إلى سالب 7.9 في المئة من إجمالي الناتج المحلي) في 2020.
وبالنسبة الى البلدان المصدرة للنفط بالشرق الأوسط، يُتوقع أن يصل عجز المالية العامة غير النفطي إلى 33 في المئة من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، وهو نفس مستواه تقريباً عام 2019 بالرغم من الاستجابة على مستوى السياسات. ويرجع ذلك إلى إعادة توزيع النفقات والإجراءات المتخذة على جانب الإيرادات لموازنة زيادة الإنفاق الصحي والاجتماعي.
ولا يزال غطاء الاحتياطي المتوقع كافياً عموماً، حيث يتجاوز أربعة أشهر من الواردات في معظم البلدان، نظرا لأن تراجع الواردات ساهم في تعويض أثر خسائر الاحتياطي. ولكن يتعين على البلدان القليلة التي يُتوقع تراجع غطاء الاحتياطي لديها بدرجة كبيرة الانتباه لذلك (البحرين وجيبوتي وباكستان والسودان وتونس).
وخلال عام 2021 سيستحق على المنطقة سداد ديون خارجية بقيمة 5 مليارات دولار تقريباً، ومعظمها مدفوعات لخدمة ديون سيادية. وتحديداً، ستبلغ مدفوعات سداد الدين الخارجي أكثر من 7 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في تونس، وحوالي 4 في المئة في كل من البحرين وجورجيا وباكستان وقطر وتركمانستان. وانتهجت البلدان حتى الآن استراتيجيات مختلفة لتمويل الاحتياجات الأكبر، بما في ذلك إصدارات الدين الخارجي، واللجوء إلى الأسواق المحلية للحصول على التمويل، والتمويل النقدي، وتخفيض الهوامش الوقائية من خلال استخدام الاحتياطيات وصناديق الثروة السيادية والودائع.
وفي ما بعد عام 2020، ستظل التحديات مخيمة على آفاق مختلف بلدان المنطقة على الأرجح. ففي عام 2021 يُتوقع تسجيل نمو موجب ولكن بطيء في جميع بلدان المنطقة ما عدا لبنان وعُمان. وبالنسبة للبلدان المستوردة للنفط، سيشهد عام 2021 تعافياً كافياً لعودة إجمالي الناتج المحلي الحقيقي إلى مستواه عام 2019، وإن كان سيظل أقل كثيراً مقارنة باتجاهات ما قبل الأزمة. وفي المقابل، ستتراجع مستويات إجمالي الناتج المحلي في بلدان الشرق الأوسط المصدرة للنفط عن مستويات عام 2019 بحوالي 4 في المئة. لكن حتى هذه النتائج المتواضعة يتوقف تحققها على مسار الجائحة الذي ينطوي على درجة كبيرة من عدم اليقين. وعلى المدى المتوسط، لن تكفي معدلات النمو لعودة مستويات إجمالي الناتج المحلي إلى الاتجاهات العامة لما قبل الأزمة نظراً لأنه من المتوقع استمرار الأثر الغائر للأزمة على الاقتصاد في المستقبل القريب.
سيناريوات مختلطة وسط عدم يقين
ورغم أن الآفاق لا تزال مشوبة بقدر هائل من عدم اليقين... فعلى الجانب الإيجابي، من الممكن تسارع وتيرة التعافي العالمي عن المتوقع نتيجة الاستمرار في تقديم الدعم من المالية العامة وتدني معدلات الإصابة.
ومن الممكن أيضاً التوصل إلى لقاح آمن وفعال وتوزيعه على نطاق واسع، واستحداث أدوية وعلاجات جديدة لمكافحة المرض. ويمكن كذلك تسارع وتيرة التطور التكنولوجي الرقمي، مما سيؤدي إلى تحولات هائلة في القطاعات التي لديها موظفون قادرون على العمل من المنزل.
غير أن الأزمة أدت إلى تفاقم مجموعة من مواطن الضعف المهمة في المنطقة، والتي تشمل مستويات الدين المفرطة وتنامي احتياجات التمويل، والانكشاف لتقلبات أسواق النفط، وارتفاع معدلات البطالة والعمالة بالقطاعات غير الرسمية، وجميعها عوامل قد تؤدي إلى تعطيل وتيرة التعافي واشتداد وطأة التداعيات.
ونتيجة لذلك؛ تزداد احتمالات تحقق سيناريو أكثر سوءاً من المتوقع. ففي ظل الارتفاعات الأخيرة في أعداد الإصابات بفيروس "كوفيد-19" في العديد من بلدان العالم التي أعادت فتح اقتصاداتها، سيؤدي الاستمرار في تعليق واستثناف الإجراءات الاحتوائية إلى استمرار حالة عدم اليقين التي تؤثر في الشركات والأسر لفترة أطول والحد من إمكانية التخطيط على المدى الطويل. وقد لا تنجح الشركات التي اجتازت الإغلاق العام الأول في ذلك مجدداً إذا ما تكرر الأمر نظراً لأن استمرار الحاجة إلى التباعد الاجتماعي لا يزال يؤثر في القطاعات كثيفة الاعتماد على التواصل والاحتكاك. وفي ظل تدني فرص التمويل المتاحة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة نسبياً على مستوى المنطقة، قد تتحول شواغل السيولة إلى حالات إعسار فعلية. وسيؤدي الاستمرار في تعليق واستثئناف الإجراءات الاحتوائية إلى انخفاض متواصل في مستويات الإنتاجية نظراً لأن الإجازات غير مدفوعة الأجر وساعات العمل المخفضة ستؤدي في نهاية المطاف إلى خسائر دائمة في الوظائف. وسيفاقم ذلك من معدلات البطالة - التي يُتوقع أن تظل مرتفعة بالفعل لفترة طويلة - ومستويات الفقر. | |
|