Date: Oct 19, 2020
Source: موقع النهار العربي - لبنان
نظرة سوداوية من صندوق النقد لاقتصادات الشرق الأوسط: الخليج الأكثر ضغوطاً... ولبنان ‏الأعلى خطراً
لميا نبيل
زاد صندوق النقد الدولي من نظرته السوداوية تجاه اقتصادات منطقة الشرق الأوسط في أحدث ‏تقاريره الاقتصادية عن "الشرق الأوسط وآسيا الوسطى"، والصادر ظهر اليوم الاثنين، بما يتسق مع ‏مخاوفه العامة حيال الاقتصاد العالمي، مشيراً إلى أن الندبات الاقتصادية الناجمة عن تفشي وباء ‏‏"كوفيد-19" قد تستمر آثارها بالمنطقة لما قد يصل إلى 5 سنوات، وربما تقترب بعدها معدلات ‏النمو من مسارها السابق لتفشي الجائحة.‏
 
ويضع محللو الصندوق الانخفاضات الشديدة في الطلب على النفط وأسعاره، في صدارة  ‏الأسباب التي تكمن وراء توقعاتهم للنمو بنسبة سالب 6.6 في المئة في عام 2020 لمصدري ‏النفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان. إضافة إلى الضرر الذي ‏لحق بالتجارة والسياحة، والذي يعوض في الغالب الفوائد من انخفاض أسعار النفط لمستوردي ‏النفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان - مما يؤدي إلى تراجع النمو ‏بنسبة متوقعة تبلغ سالب 1 في المئة لهذه البلدان. كما تأثرت منطقة القوقاز وآسيا الوسطى مع ‏انكماش متوقع بنسبة 2.1 في المئة في عام 2020، مدفوعاً بتباطؤ كبير بين مستوردي النفط ‏في المنطقة.‏
 
ويقول الصندوق في تقريره: "تواصل جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) الانتشار عبر منطقة ‏الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، رغم التزام البلدان جانب الحذر وهي تشرع في إعادة فتح ‏اقتصاداتها. وقد أدت إجراءات التصدي للجائحة التي لزم اتخاذها على مستوى الصحة العامة إلى ‏الحد بدرجة كبيرة من حرية الحركة وترتبت عليها تكلفة اقتصادية باهظة.
 
ونتيجة لذلك، يُتوقع ‏انخفاض إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في المنطقة بنسبة 4.1 في المئة عام 2020،‏ وهذا الانكماش ‏أكبر بمقدار 1.3‏ نقطة مئوية مما كان متوقعاً في نيسان (إبريل) الماضي. وفي ظل تباطؤ وتيرة ‏التعافي العالمي، تستمر مخاطر التطورات المعاكسة في الهيمنة على الآفاق مع استمرار الجائحة ‏في الضغط على قدرات البلدان. ومن المتوقع أيضاً أن يشهد أكبر عشر شركاء تجارية لبلدان ‏الشرق الأوسط وآسيا الوسطى انكماشاً إضافياً بمقدار 1.5 نقطة مئوية.‏
 
وحول أخطر أوضاع المنطقة، يفيد الصندوق بأن المخاطر تتفاقم مع تجدد الأعمال العدائية في ‏منطقة الصراع بإقليم ناغورني كاراباخ. ولا يزال لبنان على وجه الخصوص يمر بوضع ‏صعب، حيث يبلغ حجم الأنكماش المتوقع 25 في المئة خلال 2020، فقد شهد هذا البلد اضطرابات ‏سياسية في تشرين الأول (أكتوبر) 2019،‏ وتفاقمت مع التخلف عن سداد دين سيادي في آذار (مارس) الماضي‏ للمرة ‏الأولى في تاريخ لبنان. ووقع البلد في دوامة التضخم المفرط نتيجة تدهور العملة المحلية (التي ‏تراجع سعر صرفها الموازي بنسبة 70 في المئة‏ منذ نهاية 2019)،‏ وفرض ضوابط رأسمالية غير ‏رسمية من جانب فرادى البنوك، ونقص في النقد الأجنبي، مما تسبب بدوره في نقص الغذاء ‏والكهرباء وارتفاع مستومات الفقر. وفي آب (أغسطس)، اندلع انفجار هائل في مرفأ بيروت نتجت ‏منه خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات. وأدى ذلك إلى استقالة الحكومة وتجدد الاحتجاجات؛ ‏مما ساهم في تفاقم الصعويات وحالة عدم اليقين في البلاد.‏
 
تأثير متباين ‏
 
ومقارنة بتوقعات نيسان (أبريل) من تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي، ورغم تطبيق مجموعة من السياسات ‏الداعمة، يبدو أن تعديل توقعات النمو يعكس أيضاً تأثيراً أشد عمقاً لحالة الإغلاق العام على ‏حرية الحركة ‏مما كان متوقعاً، بالإضافة إلى ضعف النمو العالمي. ومقارنة بالمناطق ‏الأخرى، ‏يتسق حجم الانكماش في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى ‏عموماً مع الأوضاع في البلدان ‏المصدرة للنفط والبلدان المتوسطة الدخل ‏في أفريقيا جنوب الصحراء، وإن كان أقل من معدلات ‏الانكماش المسجلة ‏في أميركا اللاتينية والكاريبي بحوالي النصف؛ وهو ما يعكس التأثير الأقل ‏حدة للجائحة على المنطقة على أساس سنوي مقارن. وبالرغم من ظهور بعض بوادر التعافي في ‏مؤشرات مديري المشتريات خلال الشهور الأخيرة، فإن المؤشرات الاقتصادية لا تزال ضعيفة، ‏عند المستوى الحدي عموماً للتوسع الاقتصادي.‏
 
كذلك تأثر طلب المستهلكين سلباً نتيجة ضعف التدفقات من السياحة وتحويلات المغتربين التي ‏تعد من مصادر الدخل الأساسية في المنطقة. وانخفضت أعداد رحلات الطيران الدولية القادمة ‏إلى بلدان كثيرة حتى كادت تتوقف،‏ وتراجعت تحويلات المغتربين بنسب تراوحت بين 6 في المئة على ‏أساس سنوي مقارن في أوزيكستان، وأكثر من 25 في المئة في جمهورية قيرغيزستان خلال النصف ‏الأول من العام. ‏ ولا تتوافر بيانات حديثة عن الدول الهشة، ولكن من المرجح أن يكون التأثير ‏كبيراً في بلدان مثل اليمن وسوريا اللذين يعتمدان بدرجة كبيرة على التحويلات، وقد تؤثر هذه ‏الانخفاضات بدورها تأثيراً كبيراً على معدلات الفقر وعدم المساواة. ‏
 
وشهدت التدفقات الرأسمالية تقلبات حادة في شهري آذار (مارس) ونيسان (أبريل) حيث تقدر التدفقات الخارجة ‏من منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بحوالى 6 إلى 8 مليارات دولار خلال هذه الفترة. ‏واستقرت التدفقات الخارجة منذ ذلك الوقت، وشكلت الإصدارات السيادية لبلدان الشرق الأوسط ‏وآسيا الوسطى ما يزيد على ‏‎40 ‎‏ في المئة من الإصدارات السيادية في جميع الأسواق الصاعدة منذ نهاية ‏آذار (مارس). غير أن التدفقات الخارجة التراكمية من المنطقة منذ بداية الأزمة لا تزال سالبة ويتجاوز ‏مجموعها 5 مليارات دولار.‏
 
‏إشادة بعدد من السياسات... وانتفاد لأخرى
 
ورغم المخاطر، أشاد الصندوق بالعديد من الإجراءات التي تمت في المنطقة، إذ نفذت غالبية ‏البلدان مجموعة من السياسات على صعيد الصحة والمالية العامة والنقد والقطاع المالي للحد من ‏الأثر المباشر للجائحة. وعكفت جميع البلدان تقريباً على زيادة القدرات في قطاع الصحة. ‏وتضمنت الإجراءات المتخذة الإعفاء من ضرائب المستلزمات الغذائية والطبية، وزيادة الإنفاق ‏على الأجهزة والإمدادات الطبية، وصرف بدلات لموظفي الرعاية الصحية، وزيادة الطاقة ‏الاستيعابية للمستشفيات، وبناء مرافق العزل.‏
 
واستُخدمت سياسة المالية العامة كذلك للتخفيف من أثر الصدمة على الأسر والشركات، وبلغ ‏متوسط تكلفة مجموعة الإجراءات المالية العامة في المنطقة، بما في ذلك الإجراءات خارج ‏الميزانية، حوالي 2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وهو أقل من المتوسط في اقتصادات الأسواق ‏الصاعدة والاقتصادات النامية الذي يبلغ حوالي 3 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. وتضمنت ‏الإجراءات المتخذة على جانب الإيرادات الإعفاء من دفع الإيجارات وضرائب العقارات ‏والأراضي، وتأجيل إقرارات ومدفوعات ضرائب الأفراد والشركات أو الإعفاء منهاء وتعليق ‏مختلف الرسوم والغرامات الحكومية أو تخفيضها. وركزت إجراءات الإنفاق على زيادة إعانات ‏البطالة، والتحويلات النقدية إلى الأسر منخفضة الدخل، والدعم المالي المقدم للمشروعات ‏الصغيرة والمتوسطة، والدعم المالي على رسوم المرافق. وقدمت حكومات عديدة أيضاً قروضاً ‏مدعمة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، والشركات العاملة في القطاعات الأكثر تضرراً ‏والأسر منخفضة الدخل. غير أن الدعم المستمد من المالية العامة لم يتحول إلى دفعة مالية ‏تنشيطية في عدد من الحالات، نظراً للإجراءات الموازنة التي اتخذتها البلدان أيضاً على جانبي ‏الإيرادات والمصروفات.‏
 
كذلك اعتمدت البنوك المركزية في المنطقة على السياسة النقدية والمالية، بما في ذلك الأدوات ‏غير التقليدية. ففي البلدان ذات العملات المرنة، تم استخدام سعر الصرف كهامش وقائي مع ‏تعرضه لمجموعة من التخفيضات في منتصف آذار (مارس)، ثم عاد للارتفاع جزئياً بعد ذلك. وعلى ‏مستوى البلدان ذات العملات المربوطة، كان أداء غالبية دول مجلس التعاون الخليجي (باستثناء ‏عُمان) أفضل نسبياً مقارنة بفترة صدمات النفط السابقة، وهو ما دعمه إصدار السندات ‏وتعافي أسعار النفط. وبنهاية شهر آب (أغسطس)، كانت معظم البنوك المركزية قد خفضت أسعار ‏الفائدة الأساسية. وفي البلدان ذات العملات المربوطة والتعويم الموجه وأسعار الصرف المعدلة ‏دورياً، تم تخفيض أسعار الفائدة تماشياً مع الاحتياطي الفدرالي. وجاءت أعمق التخفيضات في ‏مصر وباكستان، حيث بلغت التخفيضات التراكمية ‏‎300‎‏ و625 نقطة أساس على التوالي، مع ‏قيام مصر بخفض أسعار الفائدة مرة أخرى بقيمة 50‏ نقطة أساس في نهاية شهر أيلول (سبتمبر).‏
 
وقام نصف البنوك المركزية في المنطقة بضخ سيولة إضافية في الأجهزة المصرفية تجاوز ‏مجموعها 40  مليار دولار. واستخدمت البنوك المركزية أيضاً أدوات عديدة لزيادة الإقراض، ‏بما في ذلك تخفيض نسبة الاحتياطي الإلزامي، والتشجيع على تأجيل سداد مدفوعات القروض ‏واستخدام ترتيبات إعادة الشراء، ودعم السيولة لأغراض الإقراض وضمان القروض، وتخفيض ‏تكلفة إعادة التمويل.  ‏
 
وقام حوالى نصف البنوك المركزية بالمنطقة بتيسيير السياسة المالية الكلية، حيث تم إرخاء ‏المتطلبات الرأسمالية المضادة للاتجاهات الدورية، مع تخفيض متطلبات نسب السيولة وكفاية ‏رأس المال في الوقت نفسه، إلى جانب إرخاء قواعد تصنيف القروض ورصد المخصصات في ‏بعض البلدان.  ‏
 
ونفذت السلطات أيضاً مجموعة من الأدوات للتأثير في تدفقات السلع ورأس المال، ففي عدد ‏من البلدان ذات أسعار الصرف المرنة، تم تنفيذ تدخلات في سوق النقد الأجنبي للحيلولة دون ‏اضطراب الأوضاع السوقية والتصدي لضغوط التخفيضات المفرطة (مصر وإيران ‏وطاجيكستان وتركمانستان). وفرضت بلدان عديدة بعض القيود على التجارة (الجزائر وإيران ‏والأردن وكازاخستان وموريتانيا وباكستان والصومال والسودان وطاجيكستان وتركمانستان)، ‏وضوابط سعرية على السلع الأساسية والطبية. وبالرغم من قوة الضوابط المفروضة على ‏التدفقات الرأسمالية في بعض البلدان قبل وقوع الجائحة، لم يتم استخدام إجراءات إضافية لإدارة ‏التدفقات الرأسمالية إلا في حالات محدودة للغاية حتى الآن.‏
 
وكانت السياسات التي تم إقرارها عبر المنطقة بالغة الأهمية في التعامل مع الأثر المباشر ‏للأزمة، غير أن عدداً من المجالات يتطلب اهتماماً من جانب صناع السياسات.‏
 
توصيات هامة
 
ولا يزال ضمان كفاية الموارد المتاحة للنظم الصحية وتوجيه برامج الدعم بدقة نحو الفئات ‏المستحقة من الأولويات العاجلة. وعلى المدى القريب، يتعين على الحكومات وصناع السياسات ‏مواصلة العمل بحسم لتأمين الوظائف وتوفير السيولة للشركات والأسر وحماية الفقراء ووضع ‏خريطة طريق اقتصادية مصممة بدقة لتحقيق التعافي. وسيكون من الضروري اتخاذ المزيد من ‏الإجراءات لمعالجة مواطن الضعف الملحة في البلدان التي تعاني من ضيق الحيز المالي لضمان ‏سلاسة التعافي والحفاظ في الوقت نفسه على استدامة الأوضاع الاقتصادية الكلية.‏
 
ماذا عن المستقبل؟
 
وتشير التوقعات إلى تغير مستوى إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في البلدان المصدرة للنفط ‏بالشرق الأوسط بنسبة سالب 6.6 في المئة في 2020، ويأتي ذلك الضعف‏ عقب أداء فاتر في 2019 ‏الذي شهد تراجعاً طفيفاً في مستويات النشاط بنسبة 0.3 في المئة، وهو ما يتجلى في القطاعات النفطية ‏وغير النفطية على حد سواء. ويُتوقع انكماش إجمالي الناتج المحلي النفطي بنسبة 7.7 في المئة، مما ‏يعكس اتفاقيات بلدان "أوبك+" بشأن تخفيض الإنتاج نتيجة تباطؤ الطلب الخارجي والداخلي على ‏النفط والعقوبات الأميركية المفروضة على الصادرات الإيرانية. وتشير التوقعات أيضاً إلى ‏انكماش إجمالي الناتج المحلي غير النفطي بنسبة 5.8 في المئة،‏ وهو ما يعكس أساساً انهيار قطاع ‏الخدمات بسبب تراجع الطلب المحلي والخارجي.‏
 
وتؤدي الاضطرابات في التجارة والسياحة وتحويلات المغتربين إلى موازنة معظم المنافع ‏المتحققة للبلدان المستوردة للنفط نتيجة تراجع أسعار النفط. وتواصل هذه العوامل، إلى جانب ‏إجراءات العزل، تثبيط النمو الذي يُتوقع حالياً وصوله إلى سالب 1 في المئة،‏ عقب ارتفاعه بنسبة ‏‏2.8 في المئة في 2019. ومن المتوقع أن تسجل جميع بلدان هذه المجموعة باستثناء مصر نمواً سلبياً ‏العام الجاري،‏ مع تعافي النمو ليصل إلى 2.2 في المئة في 2021.‏ ويُتوقع تسجيل انكماشات كبيرة في ‏المغرب والأردن بنسبة 7 و5 في المئة على الترتيب بسبب التأثير الحاد على السياحة والصناعات ‏التحويلية في ظل استمرار تباطؤ النمو لدى الشركاء التجاربين وتعطل حركة النقل الجوي. ‏وبالنسبة الى مصر، تنعكس أوجه ضعف النمو خلال النصف الثاني من العام ‏في تخفيض التوقعات ‏للسنة المالية 2020-2021‏ التي بدأت في تموز (يوليو). ‏
 
وستؤدي الأزمة أيضاً إلى تفاقم التحديات الاقتصادية والإنسانية بالنسبة للدول الهشة والتي تمر ‏بصراعات.‏ وتشير التوقعات إلى انكماش بنسبة 13 في المئة‏ تقريباً في هذه البلدان خلال 2020، عقب ‏تسجيل نمو معتدل بنسبة 2.4 في المئة في 2019،‏ وسينشأ عن ذلك تراجع حاد في نصيب الفرد من ‏إجمالي الناتج المحلي، من 2900 دولار في الفترة 2018-2019، إلى أقل من 2000‏ دولار ‏في 2020؛ أو 5 دولارات يومياً تقريباً. وتشير توقعات المدى المتوسط أيضاً إلى خسائر أكثر ‏استدامة وتأثير غائر أكثر عمقاً بالتالي على إجمالي الناتج المحلي.‏
 
وفي بيئة يشويها تراجع الطلب، يُتوقع استمرار انخفاض التضخم في معظم بلدان المنطقة. ويعد ‏كل من لبنان والسودان المتأثرين بأزمات اقتصادية عميقة استثناء ملحوظاً، حيث يواجه لبنان ‏تضخماً مفرطاً بسبب نقص الغذاء والكهرباء وانهيار سعر الصرف، بينما لا يوجد في السودان ‏أي بوادر على انحسار التضخم الذي تسارعت وتيرته بدءاً من عام 2018. وبوجه عام، فإن ‏مخاطر ارتفاع التضخم نتيجة تراخي السياسات النقدية لا تزال منخفضة بسبب تباطؤ النشاط ‏الاقتصادي.‏
 
كذلك ستؤدي الأزمة إلى تدهور كبير في الحسابات الخارجية على مستوى البلدان المصدرة للنفط ‏خلال 2020 ‏نتيجة التراجع الحاد في حجم الصادرات النفطية. حيث يتوقع أن يسجل رصيد ‏الحساب الجاري عجزاً بنسبة 3.4 في المئة من إجمالي الناتج المحلي،‏ مقابل فائض بنسبة 3.2 في المئة عام ‏‏2019. ‏
 
وبالنسبة للبلدان المستوردة للنفط، تعد الصورة مشوشة بشأن الحسابات الخارجية، حيث تشهد ‏تحسناً طفيفاً نتيجة تراجع الواردات. ويتوقع ارتفاع عجز المالية العامة خلال 2020 مقارنة ‏بـ2019 على مستوى البلدان المستوردة للنفط، مع تراجع أرصدة المالية العامة فيها بمقدار 0.6 ‏نقطة مئوية (إلى سالب 7.9 في المئة من إجمالي الناتج المحلي) في 2020.‏
 
وبالنسبة الى البلدان المصدرة للنفط بالشرق الأوسط، يُتوقع أن يصل عجز المالية العامة غير النفطي ‏إلى 33 في المئة من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، وهو نفس مستواه تقريباً عام 2019‏ بالرغم ‏من الاستجابة على مستوى السياسات. ويرجع ذلك إلى إعادة توزيع النفقات والإجراءات المتخذة ‏على جانب الإيرادات لموازنة زيادة الإنفاق الصحي والاجتماعي. ‏
 
ولا يزال غطاء الاحتياطي المتوقع كافياً عموماً، حيث يتجاوز أربعة أشهر من الواردات في ‏معظم البلدان، نظرا لأن تراجع الواردات ساهم في تعويض أثر خسائر الاحتياطي. ولكن يتعين ‏على البلدان القليلة التي يُتوقع تراجع غطاء الاحتياطي لديها بدرجة كبيرة الانتباه لذلك (البحرين ‏وجيبوتي وباكستان والسودان وتونس). ‏
 
‏وخلال عام 2021 سيستحق على المنطقة سداد ديون خارجية بقيمة 5 مليارات دولار تقريباً، ‏ومعظمها مدفوعات لخدمة ديون سيادية. وتحديداً، ستبلغ مدفوعات سداد الدين الخارجي أكثر من ‏‏7 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في تونس، وحوالي 4 في المئة في كل من البحرين وجورجيا وباكستان ‏وقطر وتركمانستان. وانتهجت البلدان حتى الآن استراتيجيات مختلفة لتمويل الاحتياجات الأكبر، ‏بما في ذلك إصدارات الدين الخارجي، واللجوء إلى الأسواق المحلية للحصول على التمويل، ‏والتمويل النقدي، وتخفيض الهوامش الوقائية من خلال استخدام الاحتياطيات وصناديق الثروة ‏السيادية والودائع.‏
 
‏وفي ما بعد عام 2020،‏ ستظل التحديات مخيمة على آفاق مختلف بلدان ‏المنطقة على الأرجح. ‏ففي عام 2021 يُتوقع تسجيل نمو موجب ولكن بطيء في جميع بلدان المنطقة ما عدا لبنان ‏وعُمان. وبالنسبة للبلدان المستوردة للنفط، سيشهد عام 2021 تعافياً كافياً لعودة إجمالي الناتج ‏المحلي الحقيقي إلى مستواه عام 2019، وإن كان سيظل أقل كثيراً مقارنة باتجاهات ما قبل ‏الأزمة. وفي المقابل، ستتراجع مستويات إجمالي الناتج المحلي في بلدان الشرق الأوسط المصدرة ‏للنفط عن مستويات عام 2019 بحوالي 4 في المئة. لكن حتى هذه النتائج المتواضعة يتوقف تحققها ‏على مسار الجائحة الذي ينطوي على درجة كبيرة من عدم اليقين. وعلى المدى المتوسط، لن ‏تكفي معدلات النمو لعودة مستويات إجمالي الناتج المحلي إلى الاتجاهات العامة لما قبل الأزمة ‏نظراً لأنه من المتوقع استمرار الأثر الغائر للأزمة على الاقتصاد في المستقبل القريب. ‏
 
‏سيناريوات مختلطة وسط عدم يقين
 
ورغم أن الآفاق لا تزال مشوبة بقدر هائل من عدم اليقين... فعلى الجانب الإيجابي، من الممكن ‏تسارع وتيرة التعافي العالمي عن المتوقع نتيجة الاستمرار في تقديم الدعم من المالية العامة ‏وتدني معدلات الإصابة.‏
 
ومن الممكن أيضاً التوصل إلى لقاح آمن وفعال وتوزيعه على نطاق واسع، واستحداث أدوية ‏وعلاجات جديدة لمكافحة المرض. ويمكن كذلك تسارع وتيرة التطور التكنولوجي الرقمي، مما ‏سيؤدي إلى تحولات هائلة في القطاعات التي لديها موظفون قادرون على العمل من المنزل.‏
 
غير أن الأزمة أدت إلى تفاقم مجموعة من مواطن الضعف المهمة في المنطقة، والتي تشمل ‏مستويات الدين المفرطة وتنامي احتياجات التمويل، والانكشاف لتقلبات أسواق النفط، وارتفاع ‏معدلات البطالة والعمالة بالقطاعات غير الرسمية، وجميعها عوامل قد تؤدي إلى تعطيل وتيرة ‏التعافي واشتداد وطأة التداعيات.‏
 
ونتيجة لذلك؛ تزداد احتمالات تحقق سيناريو أكثر سوءاً من المتوقع. ففي ظل الارتفاعات ‏الأخيرة في أعداد الإصابات بفيروس "كوفيد-19"‏ في العديد من بلدان العالم التي أعادت فتح ‏اقتصاداتها، سيؤدي الاستمرار في تعليق واستثناف الإجراءات الاحتوائية إلى استمرار حالة عدم ‏اليقين التي تؤثر في الشركات والأسر لفترة أطول والحد من إمكانية التخطيط على المدى ‏الطويل. وقد لا تنجح الشركات التي اجتازت الإغلاق العام الأول في ذلك مجدداً إذا ما تكرر ‏الأمر نظراً لأن استمرار الحاجة إلى التباعد الاجتماعي لا يزال يؤثر في القطاعات كثيفة ‏الاعتماد على التواصل والاحتكاك. وفي ظل تدني فرص التمويل المتاحة للمشروعات الصغيرة ‏والمتوسطة نسبياً على مستوى المنطقة، قد تتحول شواغل السيولة إلى حالات إعسار فعلية. ‏وسيؤدي الاستمرار في تعليق واستثئناف الإجراءات الاحتوائية إلى انخفاض متواصل في ‏مستويات الإنتاجية نظراً لأن الإجازات غير مدفوعة الأجر وساعات العمل المخفضة ستؤدي في ‏نهاية المطاف إلى خسائر دائمة في الوظائف. وسيفاقم ذلك من معدلات البطالة - التي يُتوقع أن ‏تظل مرتفعة بالفعل لفترة طويلة - ومستويات الفقر.‏