|
|
Date: Oct 15, 2020 |
Source: جريدة الشرق الأوسط |
|
تحذير من تبعات تأخر الإصلاحات الاقتصادية في العراق |
ورقة الكاظمي الإصلاحية البيضاء تصطدم بسوداوية الأفكار السياسية |
بغداد: فاضل النشمي
فيما تراهن حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي على «الورقة البيضاء» للإصلاح الاقتصادي التي أطلقتها، أول من أمس، لمواجهة المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، تواجه الورقة ذاتها وجهات نظر متقاطعة بشأن جدواها وقدرتها على إصلاح سنوات طويلة من الإخفاق وسوء الإدارة والفساد التي أوصلت البلاد إلى حافة الإفلاس.
وحذر مقرر اللجنة المالية في مجلس النواب أحمد الصفار، أمس، من أن «الوضع المالي في العراق سيذهب نحو المجهول، في حال عدم تطبيق الإصلاحات بالبلاد». وقال الصفار في تصريحات إن «اللجنة المالية عقدت اجتماعا مع وزير المالية علي علاوي والخبراء الذين عملوا على إعداد التقرير وتسلمنا ورقة الإصلاح من الوزير، وستأخذ الوقت المطلوب (لدراسة) الورقة ومدى عقلانية الإجراءات التي تُتخذ من قبل الحكومة». ولفت إلى أن «الورقة تشمل قراءة جيدة للوضع المالي والأسباب التي أدت إلى هذه الأزمات، والمراحل الموجودة بها معقولة، من خلال إصلاح النفقات العامة والإيرادات العامة».
ورغم تأكيد الصفار على أن «الورقة البيضاء» تختلف عن الدراسات والمقترحات التي أنجزتها الحكومات السابقة وأنها تهدف إلى إصلاح المعضلة الاقتصادية، فإن أطرافا تشكك بجدوى الورقة وقدرتها على الإصلاح. ويقول أستاذ الاقتصاد في الجامعة المستنصرية الدكتور ميثم لعيبي: «أول ما يمكن مناقشته هنا هو لماذا الورقة البيضاء... هذا المصطلح يشير إلى تقرير أو دليل موجز عن قضية معقدة، ومساعدة القارئ في حل مشكلة أو اتخاذ قرار».
وأضاف لعيبي لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه أول نقطة تحسب لورقة الكاظمي، إذ إنها أطلقت لتثير المزيد والمزيد من الجدل والنقاش حولها، ويبدو أن هذه غاية مقصودة تماما، إذ جاء في نهاية ديباجتها، أنه سيتم إطلاق خطة تنفيذية تفصيلية والأخذ بملاحظات مجلس النواب والوزراء، إضافة إلى تقديم تفاصيل تشريعية مطلوب تعديلها لتنفيذ الورقة».
لكن في مقابل ذلك، والكلام للعيبي: «واضح أن الورقة المقدمة فيها ما يكفي من التفاصيل بحيث يمكن القول إنها طموحة جدا، خصوصا إذا ما قارنا ذلك بعمرها المفترض المحدد بـ3 سنوات، فيما يفترض أن عمر حكومة الكاظمي التي أعدت الورقة قصير جدا ومحدد بوظائف معينة هي إجراء الانتخابات وتسيير عجلة الدولة، ولعل الورقة تمنحنا مؤشرا على أن هناك تأسيسا لحكومة طويلة تريد أن تستمر، سواء من خلال صناديق الاقتراع أو من دونها».
لكنه لفت إلى أن «الورقة تغطي مساحة واسعة من المواضيع التي لم تستطع حكومات متعاقبة إنجاز جزء يسير من أهدافها، رغم أن الورقة بالتأكيد تضع أصبعها على أغلب جروح الاقتصاد العراقي، اللهم إلا قضية الفساد ووجود إرادة محلية ودولية وكفاءات لتنفيذها. وما عدا ذلك، فإن الجميع لن يستطيع الإتيان بأفضل منها».
في المقابل، يرى أستاذ الاقتصاد في جامعة بغداد الدكتور عماد عبد اللطيف سالم أن «مضمون الورقة البيضاء التي أعدتها وزارة الماليّة وتم إقرارها من قبل الأمانة العامة لمجلس الوزراء، والتفاصيل المتعلقة بتنفيذ محاورها الرئيسة وغيرها، كلّها موجودة في خطة التنمية الوطنية 2018 - 2022 التي لم يقرأها أحد».
وأضاف: «لم يكن وزير المالية موجودا في العراق عند إعداد وإنجاز هذه الخطة (في 2018) ولا وزير التخطيط الحالي، ولا مجلس الوزراء الحالي، وهذا لا يعفي الجميع من مراجعة الخطط التي أقرت قبل تسلمهم لمهامهم وهدر الكثير من الوقت والجهد وإعادة اكتشاف العجلة من جديد واعتبار ذلك إنجازا. انتظرنا أشهرا عجافا ليتمّ تقديم ورقة بيضاء سبق للعراق أن أنجز ما هو أفضل منها وأكثر تكاملا قبل سنوات».
من جهة أخرى، وبعد تأخير استمر لنحو 45 يوما، تمكنت حكومة الكاظمي من تمويل مرتبات القطاع العام لشهر سبتمبر (أيلول) الماضي. ورغم النجاح المؤقت الذي أحرزته الحكومة، فإن وزارة المالية شددت على أن «الضغط المالي في البلاد سيستمر في المستقبل المنظور، إذ إن مصدر الدخل الرئيس للبلاد من صادرات النفط سيتأثر باستمرار بالانخفاض العالمي في الطلب والتفشي الهائل لجائحة (كورونا)»، ما يعني أن موظفي القطاع العام سيعانون خلال الشهر الجاري والأشهر المقبلة من مسألة تأخر الرواتب.
وأضافت الوزارة أن البلاد «تواجه حالة طوارئ اقتصادية سيتم تجاوزها بالوحدة الوطنية والتعاون بين كل الأطراف». وناشدت مجلس النواب والجهات ذات الصلة «وضع الحلول السريعة لمعالجة الأزمة الاقتصادية والمالية الحالية».
وسبق أن صادق البرلمان في يونيو (حزيران) الماضي على قانون الإقراض الداخلي والخارجي لتلبية نفقات الحكومة التي أعادت الأسبوع الماضي طلبا مماثلا لقانون جديد، نظرا للمأزق المالي الذي تواجهه نتيجة انخفاض أسعار النفط، وانخفاض صادرات البلاد النفطية بواقع مليون برميل يوميا انسجاما مع مقررات دول «أوبك بلس».
ورقة الكاظمي الإصلاحية البيضاء تصطدم بسوداوية الأفكار السياسية
تتضمن تغييرات بعضها جوهري للواقع الاقتصادي الصعب
الأربعاء 14 أكتوبر 2020
مرة أخرى يفاجئ رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الطبقة السياسية العراقية بما لا يسرّها. فبعد إعلانه تحديد موعد الانتخابات المبكرة وهو ما جعلها ملزمة بالبحث عن مقاربة بين قانون انتخابي جديد اضطرت إلى تشريعه تحت وطأة المظاهرات، وبين كيفية الحفاظ على مصالحها، قدم الكاظمي مؤخراً ما سماها «الورقة البيضاء للإصلاح الاقتصادي» في البلاد.
هذه الورقة تتضمن إصلاحات بعضها جوهري للواقع الاقتصادي في البلاد في ظل تفشي الفساد في كل مرافق الدولة ومؤسساتها؛ الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أصوات هنا وهناك بشأن مدى إمكانية تحقيق مثل هذه الإصلاحات في غضون سنة ونصف السنة من عمر الحكومة أو مدى صلاحيتها في التنفيذ بينما هي حكومة انتقالية مهمتها الإعداد للانتخابات وإعادة هيبة الدولة. لكن واقع الحال يشير إلى أن الطبقة السياسية التي بات همها الوحيد هو المحافظة على مكاسبها وأوزانها السياسية والانتخابية، هي التي تعرقل حتى الآن قانون الانتخابات تحت مبررات شتى، وهي نفسها التي تضع العراقيل أمام الحكومة لإعادة هيبة الدولة.
الكاظمي، وفي أثناء حديثه عن ورقته الإصلاحية، أكد أن حكومته تواجه «ضغوطات وعراقيل»، عادّاً «الورقة البيضاء بداية الإصلاح الاقتصادي». وكان الكاظمي عقد مساء أول من أمس اجتماعاً مع الكتل السياسية بحضور رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي ورئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، وجرى خلال الاجتماع مناقشة الورقة. وأشار الكاظمي، طبقاً لبيان صادر عن مكتبه، إلى «حجم التحديات التي تواجه العراق، سواء على المستوى الصحي وتداعيات جائحة (كورونا)، وعلى المستوى الاقتصادي والأزمة المالية الخانقة، وعلى مستوى التحديات الأمنية الكبيرة»، مؤكداً أنه «رغم ما تواجهه الحكومة من ضغوطات وعراقيل، فإنها مصرّة على العمل الجاد لتجاوز المحنة». وأشار إلى أن «معالجة التحديات الاقتصادية مهمة ليست سهلة، والأزمة الحالية منهجية، لا تتعلق بهذه الحكومة وإجراءاتها، وهي تحتاج إلى إصلاح حقيقي وجذري وخطط طويلة الأمد لتجاوزها»، مشدداً على «ضرورة التكامل في العمل ما بين السلطات لتحقيق ما نسعى إليه».
وطبقاً لما يجري تداوله سواء في وسائل الإعلام المحلية في العراق، وعبر مختلف وسائط التواصل الاجتماعي، فإن هناك انقساماً بشأن ورقة الإصلاح التي قدمها الكاظمي؛ ففيما يرى كثيرون؛ ومنهم نواب وسياسيون ينتمون إلى كتل مختلفة، أن الإصلاح الحقيقي يتطلب اتخاذ إجراءات قد يكون بعضها جراحياً، فإنه في المقابل بدأت قوى سياسية أخرى عن طريق نشر أخبار أو معلومات دون تبنيها بشكل معلن، وصف الورقة البيضاء بأنها «مجرد إنشاء أو أفكار غير قابلة للتحقيق». يحدث ذلك في وقت تقول فيه بيانات وزارة التخطيط إن نسبة البطالة في العراق ارتفعت في أواخر سنة 2019 إلى 40 في المائة بعد أن كانت 22 في المائة، وذلك نتيجة تفشي جائحة «كورونا».
في سياق ذلك؛ أكد عضو البرلمان العراقي والوزير الأسبق للصناعة والعمل والشؤون الاجتماعية، محمد شياع السوداني، أن الورقة الإصلاحية «خارطة طريق» رغم وجود قرارات «موجعة» فيها. وقال في تصريح إن «الورقة حظيت بنقاش أولي، وهذه الخطوة مقبولة؛ لأننا نتكلم على إصلاح شامل، مما يتطلب وجود حاضنة سياسية برلمانية مؤيدة لهذا الإصلاح»، مؤكداً أن «البرلمان سيتعامل مع هذه الورقة واستحقاقاتها».
وتابع السوداني أن «المشكلة هي في تنفيذ هذه الخطط والاستراتيجيات التي قدمت في ورقة الإصلاح، لهذا لا يمكن التلكؤ في أي فقرة إصلاحية». وأكد أن «الإصلاحات تبدأ أولاً من تقليل الإنفاق حتى نتمكن من تسيير عجلة الدولة».
من جهته؛ أكد عضو لجنة التخطيط الاستراتيجي في البرلمان العراقي النائب آراس حبيب كريم لـ«الشرق الأوسط» أنه «بسبب سوء التفكير مرة، والأداء مرة، والفساد على طول الخط؛ فإنه ليست هناك حلول تقوم على منهجية واضحة للأزمات التي يعيشها البلد». وأوضح أن «كثيراً مما يجري في البلد؛ بما في ذلك مسألة تأخير الرواتب، إنما هو أمر طبيعي لسياسات اقتصادية فاشلة طوال الفترة الماضية بسبب عدم وضوح هوية الدولة ما إذا كانت اشتراكية أم رأسمالية تعتمد اقتصاد السوق».
أما عضو البرلمان العراقي عن «تحالف القوى العراقية» عبد الله الخربيط، فيقول لـ«الشرق الأوسط» إن «المطلوب كثير جداً ينبغي عمله من قبل الكاظمي في حال أراد تحقيق الإصلاح الحقيقي في البلاد، والبداية يجب أن تكون في الشركات العامة التي يجب أن تصفى تماماً؛ لأن الـ400 مصنع التي لدينا كلها فاشلة، والشركات العامة كلها خسرانة، والرابح منها بابتزاز الناس أو باستخدام الإعفاءات التي تتمتع بها الشركات الحكومية التي لا تدفع ضرائب بينما تأخذ هي ضريبة من المواطن فتعد نفسها رابحة، بينما الأمر ليس كذلك». وأضاف الخربيط، وهو رجل أعمال أيضاً، أن «الأهم بالنسبة للكاظمي هو التخلص من الهيكل الإداري الفاشل؛ حيث ينبغي تحطيمه أولاً لكي يتحقق الإصلاح المطلوب»، مبيناً أن «تغيير الهيكل لا الأشخاص هو ما يجب عمله». وأشار الخربيط إلى أن «الدستور العراقي ينص على أن العراق يعتمد اقتصاد السوق؛ بينما العقلية التي تتحكم هي العقلية الاشتراكية التي أثبتت فشلها». |
|