Date: Oct 8, 2020
Source: جريدة الشرق الأوسط
«حوار بوزنيقة» يُفضي إلى «تفاهمات شاملة» بشأن المؤسسات السيادية
بوزنيقة (المغرب): حاتم البطيوي
أعلن طرفا الأزمة الليبية، الليلة قبل الماضية، في ختام الجولة الثانية من الحوار الليبي، الذي احتضنه منتجع بوزنيقة المغربي (جنوب الرباط)، عن توصلهما إلى «تفاهمات شاملة» بشأن المؤسسات السيادية، مشددين على وجوب أن تقر المؤسسات الدستورية للبلاد هذه التفاهمات، للمضي قدماً في إجراءات تجديد هياكل المؤسسات السيادية.

وقال وفدا المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ومجلس النواب (برلمان طبرق) في بيان صدر في ختام حوار «بوزنيقة2»، الذي انطلق الجمعة الماضي، إن المفاوضات «توجّت بالتوصّل إلى تفاهمات شاملة حول ضوابط وآليات ومعايير اختيار شاغلي المناصب القيادية للمؤسسات السيادية، المنصوص عليها في المادة (15) من الاتفاق السياسي»، المبرم بمنتجع الصخيرات في ديسمبر (كانون الأول) 2015.

وعد الطرفان أن إنجازات جولتي الحوار الليبي بالمغرب «تشكل رصيداً يمكن البناء عليه للخروج بالبلاد إلى الاستقرار، وإنهاء حالة الانقسام المؤسساتي»، لافتين إلى أن العملية السياسية في ليبيا «ما زالت تنتظر دعماً واضحاً، وحقيقياً من المجتمع الدولي».

وعبر الطرفان في بيان تلاه إدريس عمران، عضو وفد مجلس النواب، باسم الطرفين خلال مؤتمر صحافي حضره وزير الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، عن «عزمهما الاستمرار في لقاءاتهما التشاورية بالمملكة المغربية لتنسيق عمل المؤسسات السياسية والتنفيذية والرقابية، بما يضمن إنهاء المرحلة الانتقالية».

كما أوضح الطرفان أنه إدراكاً منهما لأهمية المؤسسات السيادية في إدارة البلاد، وحماية مقدرات الشعب الليبي، فقد اتسمت جلسات الحوار بين وفدي المجلسين «بالمسؤولية الوطنية، وتغليب المصلحة العامة لتجاوز الانقسام السياسي الحالي».

وأشار البيان الختامي إلى أن وفدي الحوار الليبي «يضعان محضر التوافقات، التي تم التوصل إليها في الجولتين الأولى والثانية رهن إشارة مؤسستي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة للمضي قدماً في إجراءات تجديد هياكل المؤسسات السيادية».

كما جدد الطرفان شكرهما لجهود المملكة المغربية «التي كان لها الفضل في تذليل الصعاب من أجل التوصل إلى توافقات ليبية حقيقية، وفي انسجام مع مقتضيات الاتفاق السياسي الليبي». منوهين بـ«التفاعل الإيجابي للممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة إلى ليبيا، ستيفاني ويليامز، التي عملت على خلق جسور للتكامل بين جهود الحوار المختلفة، في أفق بناء عملية سياسية شاملة».

ولم يقدّم البيان أي تفاصيل حول فحوى التوافقات التي تم التوصّل إليها، لكنه أكد في المقابل عزم الطرفين على «الاستمرار في لقاءاتهما التشاورية بالمملكة المغربية لتنسيق عمل المؤسسات السياسية والتنفيذية والرقابية، بما يضمن إنهاء المرحلة الانتقالية».

من جهته، عد وزير خارجية المغرب أن التوافقات التي توصل لها وفدا المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب الليبيين «توافقات حاسمة» في اتجاه اختيار شاغلي المناصب السيادية، وفقاً لما تنص عليه المادة «15» من اتفاق الصخيرات. وقال بوريطة إن هذه التوافقات تم تضمينها في محضر سيتم رفعه إلى رئيسي المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب، منوها بالروح الإيجابية التي سادت جلسات الحوار، الذي «يتوفر على كل مقومات النجاح».

كما أوضح بوريطة أن هذه المقومات «تتمثل بداية في الدعم الواضح من الملك محمد السادس، ومن المملكة، لكل ما فيه استقرار ليبيا، وإخراجها من الأزمة التي تعيشها منذ سنوات»، مبرزاً أن رؤية العاهل المغربي «تقوم على الدعم اللامشروط للإخوة الليبيين في كل مبادراتهم للوصول إلى توافقات، وإلى حلول لأزمتهم».

وبشأن المقوم الثاني، قال بوريطة إنه يتمثل في كون المغرب سيبقى بتعليمات ملكية «محتضناً كل الإخوة الليبيين دون تمييز بينهم»، موضحاً أن «موقفنا حياد إيجابي لمساعدتكم على تجاوز العقبات، وطي صفحة الخلافات».

أما المقوم الثالث لنجاح هذا الحوار، حسب بوريطة، فيتمثل في أنه «حوار ليبي - ليبي، وليس حواراً حول ليبيا؛ ووضعه الليبيون من دون تأثير أو تدخل، وهو ما يعد عنصراً أساسياً، باعتباره يفسح المجال لليبيين ليصلوا إلى توافقات»، مذكراً بأن وفدي الحوار في بوزنيقة «أثبتا أن هذه المقاربة ناجعة، وتؤكد أن ليبيا لا تحتاج لوصاية أو تدخل».

وأضاف بوريطة أنه من مقومات نجاح الحوار الليبي أنه يراهن على المؤسسات الشرعية في ليبيا، وهي المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب، بوصفهما «نواتين أساسيتين لأي حل في ليبيا، انطلاقاً من شرعيتهما وروح المسؤولية التي تميزهما».

وخلص بوريطة إلى أن الدينامية التي أطلقتها جلسات الحوار الليبي في بوزنيقة «ستكون عنصراً أساسياً لتحقيق تقدم في مسارات أخرى»، مؤكداً لأعضاء الوفدين: «إننا ننتظركم قريباً جداً للاستمرار في هذا الحوار، الذي سيمكننا من المضي بعيداً في حلحلة مجموعة من القضايا، التي تهم الشعب الليبي وتهم حل الأزمة في ليبيا».

وأسفرت الجولة الأولى من الحوار الليبي في بوزنيقة عن توصل الطرفين إلى اتفاق شامل حول المعايير والآليات الشفافة والموضوعية لتولي المناصب السيادية بهدف توحيدها.

«جبهات الرفض» تعترض على {التوافقات} الليبية في المغرب
قللت من نتائج الاجتماع... ورأت فيه «مجرد توصيات»


القاهرة: جمال جوهر
غداة الإعلان عن انتهاء وفدي مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» في ليبيا من التوقيع في المغرب على تفاهمات حول آليات، ومعايير كيفية اختيار شاغلي المناصب القيادية للمؤسسات السيادية، وفقاً للمادة 15 من اتفاق الصخيرات، ظهرت اعتراضات عديدة، تقلل من نتائج هذا الاجتماع، الذي احتضنته مدينة بوزنيقة في جولتين منفصلتين، ورأت فيه «مجرد توصيات» سترفع إلى المنتدى السياسي المزمع عقده في جنيف «قد تقبل أو ترفض».

ويرى جل المعترضين على هذه التفاهمات أن وفدي المجلسين لا يعكسان حقيقة الوزن النسبي لعموم النواب والسياسيين في البلاد، وأن مهمتهما كانت تشاورية فقط. لكن هناك من ذهب أبعد من ذلك، استنادا إلى الفقرة الثانية من المادة 15 باتفاق (الصخيرات) الموقع في المغرب نهاية 2015، التي تنص على ضرورة توفر ثلثي مجلس النواب زائد واحد للتصويت في حال التنصيب، أو الإعفاء لأي شخصية من المناصب السبعة السيادية، في حين أن غالبية النواب والأعضاء بالمجلسين غير موافقين على هذه التفاهمات من الأساس.

والمناصب السبعة هي محافظ مصرف ليبيا المركزي، ورئيس ديوان المحاسبة، ورئيس المحكمة العليا، والنائب العام ورئيس جهاز الرقابة الإدارية، ورئيس جهاز مكافحة الفساد، ورئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات.

وقال جمال شلوف، رئيس ‏مؤسسة (سلفيوم) للدراسات والأبحاث‏ بجامعة قاريونس في بنغازي‏، إن مخرجات بوزنيقة 2 «عبارة عن توصيات سترفع إلى المنتدى السياسي المفترض انعقاده بجنيف، قد تقبل أو ترفض من المنتدى، بحسب تصريح المستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب قبل أيام»، مسائلاً: «لماذا إذن هذا الجهد والتنازل باتفاق (الصخيرات) بعد رفضه في جلسة برلمانية سابقة؟».

وبخصوص حوار بوزنيقة 2، الذي انتهى بالمغرب مساء أول من أمس، رأى شلوف «أن الاعتراف بمواد في الاتفاق السياسي كصيغة تشريعية هو إقرار ضمني بمخرجاته، ومن بينها جدلية صحة قرارات المجلس الرئاسي، برئاسة فائز السراج، ومنها مذكرات التفاهم مع الأتراك المعلنة وغير المعلنة، بما فيها ترسيم الحدود البحرية والتنازل عن قاعدة الوطية وميناء مصراتة كقواعد عسكرية تركية». مشيرا إلى أن «ما تم الاتفاق عليه في بوزنيقة حتى الآن يمثل فقط فريقي الوفدين، إلى أن يتم التصويت عليه بالأغلبية من مجلسي النواب والاستشاري (الأعلى للدولة) كل على حدة، كما جاء في الاتفاق السياسي، أو اعتمادها من البرلمان، وهذا ما لا أتمنى حدوثه».

جبهة الرافضين لمخرجات «بوزنيقة 2» اتسعت لتضم حراك «إنقاذ ليبيا من الفساد والمفسدين»، الذي ينضوي تحته المئات من شبان مدينة بنغازي، وبعض البلدات الأخرى من المحتجين على تردي الأوضاع المعيشية بالبلاد.

وقال «الحراك» إنه رغم ترحيبه بلجوء الأطراف الليبية المتنازعة إلى الحوار، إلا أنه يؤيد موقف المجلس الأعلى للقضاء بشأن رفضه الشديد لمخرجات بوزنيقة بخصوص السلطة القضائية، أو محاولة التدخل في شؤونها والتعدي عليها، والمساس باستقلالها بالمخالفة للإعلان الدستوري وقانون نظام القضاء وتعديلاته.

وأضاف الحراك في بيان، أمس، أن مقومات الدولة المدنية تتمثل في استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، والبعد عن محاولة تسييسها، أو التأثير عليها، لافتاً إلى أن السلطة القضائية «هي الحامي للحقوق والحريات، والملاذ الآمن في إحقاق الحق وإقامة العدل بين الناس، حاكمين أو محكومين».

وبأسلوب لا يخلو من السخرية، قال النائب أبو بكر أحمد سعيد، إنه «بعد نحو 5 أعوام تذكر زملاؤنا ممن شاركوا في لقاءات بوزنيقة أن هناك اتفاقاً سياسياً وُقِّع عام 2015، يضم مادة تتعلق بتسمية المناصب السيادية، وكأنهم لم يسمعوا عنها إلا في عام 2020»، متابعاً: «هم أنفسهم عرقلوا الاتفاق السياسي طوال الأعوام الماضية، وهاهم اليوم يتفقون على تقسيمها وفقاً لشروطهم ومعاييرهم».

ومضى سعيد النائب عن مدينة ترهونة (غرب) يقول في حسابه على فيسبوك أمس: «مع تحفظنا على مثل هذه اللقاءات غير الشرعية، لكن أي خطوة للتقارب أعتبرها جيدة، حتى وإن جاءت متأخرة أعواما».

ويرى كثير من السياسيين في ليبيا أن أكثر عوائق اتفاق بوزنيقة تكمن في كونه غير ملزم للأغلبية من نواب البرلمان، فضلاً عن أنه يتطلب التئام غالبية أعضائه، وهذا غير ممكن لانقسامه بين مجلسين في شرق وغرب ليبيا.