Date: Aug 24, 2020
Source: جريدة النهار اللبنانية
هل تعصف انتخابات 2021 بحزب "العدالة والتنمية" المغربي؟
الرباط- خولة اجعيفري
في سياق ظرف صحي غير مسبوق، شرع المغرب في الإعداد للاستحقاقات التشريعية المقبلة، من خلال لقاءات أولية للأحزاب الممثلة وغير الممثلة في البرلمان بُغية الوصول إلى توافق سياسي على المنظومة القانونية التي ستؤطر انتخابات 2021، وما تختزنه من رهانات وتحديات توحي بتغيير جذري في الخريطة السياسية، وتوقعات بأن تعصف رياح صناديق الاقتراع بما لا يبتغيه شراع حزب "العدالة والتنمية" الذي قاد الحكومة على مدار 10 سنوات.
 
وأكدت الحكومة المغربية، حرص الدولة بمكوناتها على الالتزام بالآجال الدستورية للانتخابات، ما يعني أن سنة 2021 ستكون حتماً عاماً انتخابياً، وهو موقف حكومي ينتصر للاختيار الديموقراطي إزاء المواقف التي دعت إلى تأجيل الانتخابات عن موعدها، بحجة واقع الأزمة الاقتصادية والاجتماعية جراء تداعيات فيروس كورونا المستجد، علاوة على احتمال الانحدار القوي لنسبة المشاركة الانتخابية، ما يعزز مشكلة الثقة في السياسة وفي المؤسسات، وما قد يترتب عن ذلك من نتائج قد لا تكون مرجوة، بحسب بعض المحللين.
 
وعقدت وزارة الداخلية المغربية لقاءين حتى الآن وعدت فيهما بـ"ضمان وحماية التعددية الحزبية، والإنصات إلى الفاعلين السياسيين"، و "بالحياد التام إزاء الأطراف المتنافسة كافة، سواء خلال مرحلة الإعداد لمختلف العمليات الانتخابية أو لمناسبة إجرائها"، ملقية بجزء من المسؤولية على الأحزاب المتشددة في هذا السياق على "أن التزام جميع الأطراف بأخلاقيات الانتخابات، وواجب النزاهة والتنافس الشريف، والتحلي بقيم الديموقراطية، أمور ضرورية لمساعدة القائمين على الشأن الانتخابي، وعلى التصدي الصارم لكل التجاوزات".
 
وتسعى المملكة المغربية إلى "ضبط الإيقاع الانتخابي، دونما انتصار لحزب أو آخر" بحسب ما يراه  المحلل السياسي عز الدين منتصر، الذي اعتبر أن "الدولة العميقة ومع حسمها في الالتزام بالانتخابات التشريعية المقبلة رغم الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تمر فيها البلاد على غرار دول العالم، فهي تمد بيدها إلى النفس الديموقراطي، خصوصاً  أنها أفصحت مراراً عن استعدادها لتضمن السيرورة الديموقراطية للاستحقاقات وترفع يدها عن أي تأثير أو أي دعم ممكن لحزب معين دون آخر".

وأشار منتصر في حديث الى "النهار العربي"،  أنه "حتى هذه الساعة تبدو الدولة منغمسة في تطويق وتدبير الأزمة الوبائية بالبلاد، فيما يبدو أنها لم تحدد حزباً مفضلاً للمرحلة المقبلة".
 
وتعليقاً على ما اذا كانت للانتخابات المقبلة تكلفة سياسية مهمة تقلب موازين القوى، وتعصف بالمناخ الانتخابي الحالي، أي بحزب "العدالة والتنمية" بعد ولايتين متتاليتين على رأس الحكومة، قال المحلل السياسي إن "المؤشرات الأولية تقول إن مطلب تعزيز المسار المؤسساتي والديموقراطي يستدعي التخلي عن حزب العدالة والتنمية وهي التوقعات الغالبة التي قد تفرزها صناديق الاقتراع ولن تكون مفاجئة، خصوصاً مع كمية الإحباط التي تطغى على الشارع المغربي عقب ولايتين للحزب لم يقدم ولم يؤخر سياسياً واجتماعياً، بل زادت حدة التفاقم، وهذا أيضاً يفسح المجال لرهانات أخرى".
 
من جانبها، لم تكشف الأحزاب السياسية عن تصوراتها للانتخابات المقبلة حتى الآن، لكن وبحسب ما أوردته وزارة الداخلية بعد اجتماعها مع الأحزاب غير الممثلة في البرلمان، فإن بوادر بعض الهواجس تسيطر على النقاش الانتخابي، خصوصاً عندما طرح بعض الأحزاب مطالب تخص تجديد اللوائح الانتخابية والتقطيع الانتخابي، والاقتراع الفردي، وإلغاء العتبة، والتمويل، والحق في الولوج إلى الإعلام العمومي، والتصويت ببطاقة التعريف الوطنية.
 
وهذه على العموم إجراءات تثير مخاوف أحزاب معينة في مقدمها حزب "العدالة والتنمية" نفسه الذي عبر عن رفضه لهذه الاقتراحات أو حتى تضمينها في جدول النقاش الانتخابي، "لما لها من تأثير يضرب في عمق العملية الانتخابية ودمقرطتها" بحسب الباحثة في العلوم السياسية والقانون الدستوري ثورية نبوي التي ترى أن تلبية الدولة لهذه الاقتراحات التي تقدم  بها بعض الأحزاب ورفضها كل من حزبي "الاستقلال" و"العدالة والتنمية"، "ستكون ضربة موجعة لحزب العدالة والتنمية الذي يتزعم الحكومة، لا سيما أنه يستمد قوته من الانتخابات الجماعية وبالتالي فتزامنها مع الانتخابات التشريعية والمحلية سيكون له تأثير حتمي على العملية الانتخابية وبالتالي سيكون هو الخاسر" .
 
وشددت نبوي في حديثها الى "النهار العربي"، على أن "الدولة ليس من مصلحتها معاداة حزب العدالة والتنمية أو عرقلته والدفع به إلى موقع المعارضة نظراً الى شعبيته وقوته في الشارع وباعتباره الحزب الأكثر تنظيماً. ورغم انحسار هذه الشعبية  لكنها لم تختف".
 
وتوقعت الباحثة أن "يشهد الشارع المغربي احتقاناً غير مسبوق في المرحلة المقبلة التي تتزامن مع التحضير للإنتخابات التشريعية، وذلك بسبب تداعيات فيروس كورونا المستجد الذي صعب مهمة توفير مناخ انتخابي للدولة عموماً، وبالتالي لن تغامر الدولة بإبعاد حزب العدالة والتنمية عن دائرتها، ووضعه في الجهة المقابلة التي تتمركز فيها جماعة العدل والإحسان (أكبر تنظيم إسلامي في المغرب وتعتبر محظورة في نظر السلطات) وهو الوضع الذي قد تستغله الجماعة لمصلحتها، بينما لا يخدم مصلحة الدولة نفسها".
 
ويرى المحلل السياسي أحمد مضيف أن حزب "العدالة والتنمية"، الذي أمضى عشر سنوات في رئاسة الحكومة، "لن يبقى في هذا المنصب لولاية ثالثة"، معتبراً أن الانتخابات المقبلة "يجب أن تكون، فرصة لإبعاد الحزب عن قيادة العمل الحكومي، تجديداً للنخب الحكومية والبرلمانية، وضخ نفس جديد في أوصال المشهد السياسي".
 
وقال مضيف إن "حزب العدالة والتنمية فشل في المراحل السابقة، إذ إنه ومنذ توليه رئاسة الحكومة في 2011 أظهر عجزاً كبيراً في ترجمة شعاراته الانتخابية على أرض الواقع، كما أنه اتخذ إجراءات لم يسبقه إليها أي حزب ممن تعاقبوا على قيادة الحكومات السابقة، أدت إلى ضرب القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة عبر تحرير أسعار المحروقات ورفع الدعم عن المواد الأكثر استهلاكاً، والإجهاز على أهم المكتسبات الاجتماعية ومنها على سبيل المثال لا الحصر: الاقتطاع من رواتب المضربين عن العمل تحت شعار الأجر في مقابل العمل، وحرمان أبناء الشعب من العمل بالوظيفة العمومية، والرفع من سن التقاعد ونسبة المساهمة واحتساب منحة معاش الموظف على أساس متوسط أجور السنوات الثماني الأخيرة... وهذه كلها حزمة من الاجراءات التي يتحمل الحزب مسؤوليتها والتي ستجعله خارج دائرة الغالبية الحكومية المقبلة".
 
وفي وقت ذهب مضيف وبعض المحللين السياسيين إلى القول إنه يستحيل تصدر "العدالة والتنمية" المشهد السياسي في انتخابات 2021، يرى آخرون أن الحزب ذا المرجعية الإسلامية سيعود سيحافظ على موقعه  "في ظل عدم وجود أحزاب سياسية بديلة قوية". 

ويبدو النائب الأول للأمين العام للحزب سليمان العمراني واثقاً من أن   "الحزب سيستمر في قيادة المشهد الحزبي، بما يبذله من جهد".
 
ويؤيده الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي أحمد البوز،العمراني، مشيراً إلى أن "المغرب سيعيش نوعاً من الاستمرار  السياسي في ظل غياب عرض سياسي مغرٍ في ساحة التدافع السياسي، والذي يسمح باستقطاب ناخبين يفترض أن يهجروا حزب العدالة والتنمية".
 
ويرى البوز أن "العدالة والتنمية" حالياً، هو "الأكثر تنظيماً والأكثر استقراراً من حيث الكتلة الناخبة التقليدية، والتي نحددها بما بين 800 ألف أو مليون صوت، وهي نسبة مهمة ما زالت تسمح له بالإبقاء على وزنه القوي في العملية الانتخابية وتحقيق انتصارات، وإن كانت لن ترقى إلى مستوى عامي 2011 أو 2016". 
 
يذكر أن هذه الانتخابات، تأتي في ظل تغيير عدد من الأحزاب لقياداتها، فضلاً عن استمرار الصراع والاتهامات المتبادلة بين الأحزاب المشكلة للغالبية الحكومية، والتي تضم أساساً أحزاب "العدالة والتنمية" (125 نائباً من أصل 395 في مجلس النواب الغرفة الأولى للبرلمان)، و"التجمع الوطني للأحرار" (37)، و"الحركة الشعبية" (27)، و"الاتحاد الاشتراكي" (20) و"الاتحاد الدستوري" (23).