Date: Aug 24, 2020
Source: جريدة الشرق الأوسط
استياء روسي من أداء تركيا في شمال غربي سوريا
موسكو: رائد جبر
تزايدت الترجيحات في موسكو حول احتمال احتدام الموقف في إدلب، على وقع الانتهاكات المتواصلة والصراعات الداخلية بين الفصائل المسلحة، وفشل تركيا في ضبط الموقف. واللافت أن خبراء في روسيا ربطوا بين الوضع المتفاقم في إدلب وخطوات موسكو لتعزيز وتوسيع حضورها العسكري المباشر على الأرض، في إطار الاتفاق الجديد الذي وقعه الروس مع السلطات السورية أخيراً لتوسيع مساحة الأراضي الملحقة بقاعدة «حميميم»، قرب اللاذقية.

وبدا أن الاستياء الروسي بسبب تصاعد التوتر حول إدلب تزايد في الفترة الأخيرة. واتخذت بيانات وزارة الدفاع الروسية لهجة أكثر حدة، خصوصاً حيال الدور المطلوب من تركيا. ودعت الوزارة، في بيان لها أمس، أنقرة إلى اتخاذ إجراءات لـ«ضمان النظام» على الأراضي التي تنتشر فيها القوات التركية، ووقف ما وصف بأنه «أنشطة إجرامية» للجماعات المسلحة الموالية لها.

وأوضح رئيس المركز الروسي للمصالحة في سوريا، اللواء ألكسندر شيربيتسكي، أن الجانب الروسي «رصد اشتباكات كثيرة بين مختلف الفصائل المسلحة، ما أسفر عن سقوط قتلى بين المدنيين». وقال إن «هذه الأعمال غير القانونية تؤدي إلى تفاقم أزمة اجتماعية واقتصادية عميقة، وتهدد حياة وسلامة الآلاف من المدنيين السوريين»، لافتاً إلى أن «عناصر الجماعات المسلحة الموالية لتركيا تقوم بسرقة ممتلكات المواطنين والمعدات في المنشآت الحيوية الخاصة بتزويد السكان بالمياه والكهرباء».

ودعا شيربيتسكي الجانب التركي إلى «اتخاذ إجراءات لضمان النظام في الأراضي التي تنتشر فيه القوات المسلحة التركية، ووقف الأنشطة الإجرامية للجماعات المسلحة الخاضعة لسيطرتها».

وكانت موسكو قد تجنبت في السابق توجيه انتقادات إلى تركيا، أو إلى المجموعات المسلحة السورية القريبة منها، ووجهت أصابع الاتهام في كل الهجمات التي انطلقت من إدلب ومحيطها إلى الفصائل التي لا تخضع لسيطرة تركية، ما لفت الأنظار إلى دوافع موسكو لتغيير لهجتها حيال الفصائل المدعومة من جانب تركيا.

وفسر خبراء روس ذلك بتوقعات روسية لتفاقم الموقف في المحافظة، واحتمال اندلاع مواجهات جديدة. وأفادت صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» بأنه يجري «ارتسام عمليات قتالية جديدة في الأفق السوري، يُنتظر أن يشارك فيها الطيران الحربي الروسي». ولفتت إلى أن «خطط القوات الروسية للاستقرار في سوريا لفترة طويلة، وهو ما يؤكده الاتفاق الموقع مع نظام بشار الأسد، بإنشاء مركز طبي لرعاية الطيارين الحربيين الروس وتأهيلهم في محافظة اللاذقية السورية، تواجه تساؤلات جدية، على خلفية مقتل جنرال روسي في سوريا أخيراً».

ونقلت أن «إحدى الجماعات الموالية لتركيا أقرت بمسؤوليتها عن العملية الإرهابية التي أودت بالجنرال. وإذا كان المسلحون الذين تمولهم أنقرة قد ظهروا بالفعل في وسط سوريا، وفي الأراضي التي تسيطر عليها قوات الأسد، فإن القيادة الروسية في حاجة إلى تعزيز الإجراءات الأمنية عند مرافقة القوافل في مناطق الصراع المحتملة».

أكثر من ذلك، فقد اتهم خبراء تحدثت معهم الصحيفة أنقرة بأنها «تنظم عمليات عسكرية ليس فقط ضد النظام السوري، إنما ضد العسكريين الروس. ويبدو أن هذا النشاط القتالي من جانب أنقرة سوف يزداد».

ورأى الخبراء أن الصدام المقبل بين الجيش السوري والقوات التركية لن يكون في صالح موسكو التي ستدعم القوات الحكومية بالطيران، لكنها لا تمتلك في إدلب قوة مكافئة للقوات التي تمتلكها أنقرة، ما يعني أن احتمال تعرض القوات الروسية لخسائر على أيدي الفصائل التي تدعمها أنقرة وارد.

ولفت الخبير العسكري ألكسندر أوفشينيكوف إلى أن قرار إنشاء مركز طبي قرب حميميم تضمن إشارة للمركز بأنه سيكون «مركزاً لإعادة التأهيل في البحر الأبيض المتوسط»، مشيراً إلى أن «القيادة الروسية تدرك جيداً أن الطيارين الروس في سوريا لا يزال أمامهم عمل قتالي يقومون به. وهناك حاجة إلى نظام إعادة تأهيل لهم في المنطقة المجاورة مباشرة لقاعدة حميميم الجوية العسكرية».

وربط خبير آخر، وهو ألكسندر سيتنيكوف، بين مقتل اللواء الروسي فياتشيسلاف غلادكيخ أخيراً في محافظة دير الزور وقيام تركيا بإنشاء غرفة عمليات «درع السلام» لتنسيق العمليات العسكرية في سوريا كافة، مشيراً إلى أن ما يحدث على الأرض فعلاً هو «تعزيز وجود تركي طويل الأمد، بصفته قوة احتلال في هذا الجزء من سوريا».

وسبب الربط بين الأمرين، وفقاً للخبير، أن أنقرة باتت تتصرف بطريقة أخرى. وفضلاً عن احتمال وقوف أطراف مدعومة من جانبها وراء قتل اللواء الروسي، فقد قامت عن «طريق الخطأ» بإسقاط طائرتين أميركيتين مسيرتين، لافتاً إلى أن هذا «الخطأ» قد يكون مقصوداً بسبب تفاقم استياء تركيا من تحركات واشنطن العسكرية في المنطقة.

ورأى الخبير أن «التطورات الجارية يمكن أن تكون حلقات في سلسلة واحدة» تحمل دلالة على رسائل تركية للروس والأميركيين، مفادها: «لا تتدخلوا في هذه المنطقة، فهي لنا»، مشيراً إلى طموحات توسعية للرئيس التركي رجب طيب إردوغان في منطقة إدلب، و«هذه المنطقة إذا ظهرت كردستان بصفتها دولة، فإنها ستندرج بلا شك في عداد تركيا، وسيكون مصيرها في الغالب مشابهاً لمصير شمال قبرص»، مشيراً إلى أن احتمال وقوع هذا التطور سوف يزداد بشكل كبير مع سقوط الأسد.

أنقرة تؤكد التنسيق مع موسكو لتعزيز نقاطها في إدلب
أنقرة: سعيد عبد الرازق
أثار تحرك تركيا خلال الأيام القليلة الماضية لزيادة تعزيزاتها العسكرية واللوجستية، ورفع وتيرة إرسال الجنود إلى نقاط المراقبة التابعة لها في منطقة خفض التصعيد في شمال غربي سوريا، التساؤلات في ظل التطورات الأخيرة في إدلب، وتصاعد هجمات النظام على المحاور الجنوبية والشرقية لها، وتحرك الطيران الحربي الروسي لضرب مواقع «هيئة تحرير الشام» والتمهيد لقصف النظام على مناطق سيطرة «الهيئة».

وأدخل الجيش التركي منذ الليلة قبل الماضية وحتى فجر (السبت) 5 أرتال عسكرية جديدة، ضمت نحو 145 آلية تحمل معدات عسكرية ولوجستية جرى توزيعها على النقاط التركية، ضمن منطقة خفض التصعيد التي ارتفعت إلى ما يقرب من 65 نقطة.

وأرسلت تركيا منذ إعلان وقف إطلاق النار الأخير في إدلب في 5 مارس (آذار) الماضي الذي جاء باتفاق مع روسيا في موسكو، عقب تصعيد من جانب جيش النظام الذي استهدف نقطة مراقبة تركية في 27 فبراير (شباط) ما أدى إلى مقتل 33 جندياً وإصابة العشرات، 6015 آلية، بالإضافة لآلاف الجنود.

وارتفع عدد الشاحنات والآليات العسكرية التي وصلت منطقة «خفض التصعيد» خلال الفترة الممتدة من مطلع فبراير 2020، وحتى الآن، إلى أكثر من 9350 شاحنة وآلية عسكرية تركية دخلت الأراضي السورية، تحمل دبابات وناقلات جند ومدرعات وكبائن حراسة متنقلة مضادة للرصاص، ورادارات عسكرية، بينما بلغ عدد الجنود الأتراك الذين انتشروا في إدلب وحلب خلال تلك الفترة نحو 13 ألف جندي.

وقالت مصادر تركية لـ«الشرق الأوسط» إن تكثيف إرسال التعزيزات جاء بعد زيادة عدد نقاط المراقبة، وإنشاء نقاط جديدة؛ لا سيما في مواقع بالريف الجنوبي لإدلب، نتيجة تصعيد النظام السوري هجماته في جبل الزاوية ومحيطها، فضلاً عن هجماته في ريف إدلب الشرقي، وتحسباً لأي هجمات من أي مجموعات إرهابية.

وأضافت أن تركيا تعمل على زيادة قوة وتحصين نقاط المراقبة التابعة لها، لتثبيت وجودها في منطقة خفض التصعيد في شمال غربي سوريا، وعدم السماح للنظام بالتقدم في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، ما قد يتسبب في موجة نزوح جديدة للمدنيين في إدلب باتجاه الحدود التركية.

وأكد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، مؤخراً، أن تركيا لن تتسامح مع أي هجوم للنظام على نقاط المراقبة التابعة لها، وأنها سترد على أي استهداف لمواقعها.

وعن احتمالات وجود توتر بين أنقرة وموسكو دفع تركيا إلى الدفع بتعزيزات عسكرية مكثفة، تحسباً لوقوع أي عملية واسعة من جانب النظام بدعم من روسيا، أكدت المصادر أن هناك تنسيقاً مستمراً مع الجانب الروسي على المستويين العسكري والسياسي، فيما يتعلق بإدلب وشمال غربي سوريا، وكذلك في شرق الفرات؛ لكن تركيا تعمل على تعزيز نقاط المراقبة التابعة لها، لتكون جاهزة لمواجهة أي هجمات والرد عليها بشكل مناسب.

وأشارت المصادر إلى أن هناك تنسيقاً على أعلى مستوى بين أنقرة وموسكو بشأن التطورات في سوريا؛ لافتة إلى الاتصال الهاتفي بين الرئيسين: التركي رجب طيب إردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، فضلاً عن التنسيق فيما يتعلق بمساعي إحراز تقدم على المسار السياسي وعمل اللجنة الدستورية، وهو ما كان محور مباحثات بين وزيري خارجية البلدين مولود جاويش أوغلو وسيرغي لافروف، الخميس، في اليوم ذاته الذي عقد فيه جاويش أوغلو لقاء مع قادة المعارضة السورية لبحث مسألة اللجنة الدستورية.

على صعيد آخر، قصفت القوات التركية المتمركزة في مارع وكلجبرين مناطق في مدينة تل رفعت، ضمن مناطق انتشار «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في ريف حلب، أمس.

كما نفذت الفصائل الموالية لتركيا، بعد منتصف ليل الجمعة – السبت، قصفاً صاروخياً على مناطق سيطرة «قسد» في الريف الغربي لمدينة تل أبيض، شمال الرقة.