Date: Feb 27, 2020
Source: جريدة الشرق الأوسط
البرلمان التونسي يمنح الثقة لحكومة الفخفاخ
جلسة التصويت على الحكومة الجديدة تتحول إلى محاكمة للفخفاخ
تونس : «الشرق الأوسط أونلاين»
صوت البرلمان التونسي في ساعة مبكرة من صباح اليوم (الخميس)، لصالح منح الثقة لحكومة رئيس الوزراء المكلف إلياس الفخفاخ.

وجاء ذلك بموافقة 129 عضواً ورفض 77 عضواً وامتناع نائب واحد عن التصويت من أصل عدد نواب البرلمان المؤلف من 217 مقعداً.

جلسة التصويت على الحكومة الجديدة تتحول إلى محاكمة للفخفاخ
نواب انتقدوا تمسكه بجنسيته الفرنسية... وآخرون أكدوا خضوعه لمساومات الأحزاب


تونس: المنجي السعيداني
واجه إلياس الفخفاخ، رئيس الحكومة التونسية المكلف، خلال عرضها، أمس، على البرلمان لنيل الثقة، انتقادات حادة، تجاوزت الحديث عن أولويات البرنامج الحكومي لتشمل الجوانب السياسية المتعلقة بالحكومة المرتقبة.

وتراوحت الانتقادات بين وصف الحكومة بأنها «ثمرة فساد سياسي»، واعتبارها حكومة تابعة لـ«دار الشيخ». في إشارة إلى عقد مجموعة من اللقاءات السياسية في دار راشد الغنوشي، رئيس «حركة النهضة»، الحزب الإسلامي المتزعم للمشهد السياسي التونسي.

وقال رئيس الحكومة المكلّف، في كلمة افتتاح الجلسة أمام 180 نائباً، إن فريقه الوزاري سيعمل «لكي يسترجع الثقة في قدرة تونس على النهوض والشموخ والرقي».

وتضم الحكومة التي قدمها الفخفاخ، منذ أسبوع، 32 عضواً، ما بين وزير وكاتب دولة، من بينهم 17 مستقلاً، و6 عن حزب «النهضة» الأول في البرلمان، من حيث عدد المقاعد، إذ يشغل 54 مقعداً من أصل 217.

وقدم الفخفاخ أولويات برنامج عمل حكومته «القوية والقادرة والمستعدة للتضحيات»، الذي يرتكز أساساً على محاربة الجريمة، ومقاومة غلاء الأسعار، وإنعاش الاقتصاد، وتفكيك منظومة الفساد، وإصلاح قطاعات الإدارة العمومية والصحة والتعليم.

وأسند الفخفاخ وزارات السيادة إلى شخصيات مستقلة، هم رئيسة المحكمة الابتدائية والقاضية ثريا الجريبي (العدل)، والمستشار القانوني في رئاسة الجمهورية الذي تم تعيينه مؤخراً، وهو خبير في اللجنة الوطنية لمقاومة الفساد، هشام المشيشي (الداخلية)، والخبير في القانون الدولي عماد الحزقي (الدفاع)، وخريج المدرسة القومية للإدارة بباريس، والسفير السابق لدى سلطنة عمان نور الدين الري (الخارجية).

وجاءت جلسة التصويت أمس إثر قبول «النهضة» بحكومة الفخفاخ، بعد رفضها التشكيلة الأولى التي قدمها. وعنونت صحيفة «المغرب»، أمس: «حكومة الفخفاخ اليوم أمام أول اختبار لها في البرلمان... الرجل يتجه اليوم إلى البرلمان مدعوماً بأربع كتل برلمانية: (النهضة) و(الكتلة الديمقراطية) و(تحيا تونس) و(الإصلاح)، مقابل معارضة ثلاث كتل هي (قلب تونس) و(الدستوري الحرّ) و(ائتلاف الكرامة)، أي أن الحكومة مرشحة لنيل نحو 120 نعم».

وقرّر «قلب تونس» عدم منح الثقة للحكومة المقترحة، مجدداً تأكيده على انضمامه لصفوف المعارضة، وعلّل الحزب قبوله بتشكيلة الفخفاخ بالوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب، الذي تمر به البلاد، والذي يتطلب حكومة في أقرب الآجال، وكذلك بالوضع الإقليمي، خصوصاً التصعيد العسكري في ليبيا، وتداعياته على تونس.

وبيّن الفخفاخ، في كلمته، أنه، وإثر نيل الثقة «سننطلق في تعبئة الموارد المالية سواء في الأسواق العالمية، أو من المؤسسات الدولية المالية، وسنتعهد بإيقاف التداين الذي عوض أن يوجه للاستثمار والمشروعات، يوجه للاستهلاك».

ويأتي في صدارة الاهتمامات أيضاً ملف التشغيل والتضخم، والشروع في تنفيذ المشروعات الكبرى. لكن تبدو المهمة عسيرة مع تسجيل نسبة بطالة في حدود 14.9 في المائة وتضخم من 5.9 في المائة. في حين لم يتجاوز إجمالي النمو الاقتصادي 1 في المائة في 2019 في مجتمع يبلغ عدد سكانه 11.8 مليون شخص. ولذلك حذر خبراء من أن استمرار هذه المؤشرات قد يقود إلى احتجاجات اجتماعية، خصوصاً داخل المناطق التي تشكو من تهميش تنموي منذ عقود، ما يجعل الحكومة في مواجهة مطالب الشارع، بدلاً من الدخول مباشرة في إنجازات تستجيب بها لتلك المطالب.

وأكد الفخفاخ أن السنوات التسع الماضية شهدت تفشي الفساد، وانهيار القدرة الشرائية، فضلاً عن غلاء المعيشة، وتنامي الهجرة غير الشرعية. ووضع في أعلى سلم اهتمامات الحكومة المنتظرة، مقاومة الجريمة والعبث بالقانون، ومقاومة غلاء الأسعار والغش، وتوفير متطلبات العيش الكريم والتصدي للمحتكرين ومقاومة التهريب، إضافة إلى مراقبة مسالك التوزيع والتصدي للمحتكرين، وانعاش الاقتصاد وحماية المؤسسات الصغرى والمتوسطة، مع تقديم حلول عملية ودعم المستثمرين والمصدرين والتصدي للتعقيدات الإدارية.

من جانبه، حث راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، البرلمان الذي يتولى رئاسته، على العمل على تقديم مبادرة للمصالحة الوطنية الشاملة، واستكمال مسار العدالة الانتقالية بهدف القطع مع ممارسات الماضي، داعياً إلى الإسراع في إرساء المحكمة الدستورية التي يخول لها الدستور تطبيق القانون، وتقديم قراءة دستورية لمختلف فصول الدستور التي تخضع للتأويلات.

في غضون ذلك، دعا «الاتحاد العام التونسي للشغل» (نقابة العمال) الحكومة المرتقبة إلى الالتزام بتعهدات الحكومات السابقة، وتطبيق الاتفاقيات المبرمة، احتراماً لمصداقية التفاوض بين ممثلي النقابات والحكومة.

ولم تخلُ مداخلات نواب البرلمان من تصريحات حادة تجشاه الحكومة المرتقبة، إذ اعتبرت عبير موسي، رئيس كتلة الحزب الدستوري الحر (معارض)، حكومة الفخفاخ المقترحة «ثمرة فساد سياسي»، مبرزة أن الفساد انطلق مع حكومة «الترويكا» التي تزعمتها «حركة النهضة» بعد الثورة، والتي تقلد الفخفاخ مناصب داخلها، وقالت: «سنحاسبكم وسنتابعكم وسنعارضكم»، متهمة الفخفاخ بأنه جاء لتدمير الدولة عبر حكومة دون رؤية أو برنامج.

أما النائب الصافي سعيد، فقد عبر، إلى جانب عدد من النواب، عن استيائه الشديد من إصرار رئيس الحكومة على الاحتفاظ بجنسيته الفرنسية، قائلاً: «لا أقبل برئيس حكومة وُلد تونسياً، لكنه يصر على أن يبقى فرنسياً». كما عاب على بعض وزراء الفخفاخ تمتعهم بجنسية أجنبية، واصفاً هذا الأمر بـ«العار والعيب»، واعتبر أن الحكومة «ذاهبة إلى التفرقة، ولن تعمر طويلاً».

في السياق ذاته، اتهم فيصل التبيني، النائب عن حزب «صوت الفلاحين» (معارض)، حكومة الفخفاخ بالخضوع لمساومات الأحزاب السياسية.وأكد أنه لن يصوت لصالح الحكومة، مشيراً إلى أن من مصلحة تونس «إعادة الانتخابات، حيث إن المشكل يكمن في النتائج التي أفرزتها الانتخابات البرلمانية الماضية».