Date: Feb 18, 2020
Source: جريدة الشرق الأوسط
خلافات «مجلس الدولة» الليبي تسلط الضوء على «تغلغل الإخوان»
السراج يعترف بأزمة مالية في طرابلس ويحذّر من «كارثة»
القاهرة: خالد محمود
فيما نفت روسيا، أمس، أن يكون رئيسها فلاديمير بوتين قد أمر بإرسال جنود روس إلى ليبيا، اعترف فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق الليبية، بمشاركة مرتزقة سوريين موالين لتركيا في القتال إلى جانب الميليشيات المسلحة الموالية لحكومته ضد قوات الجيش الوطني في العاصمة طرابلس والتي شهدت إجراءات أمنية مشددة بمناسبة الاحتفال بالذكرى التاسعة للثورة التي أطاحت بنظام العقيد الراحل معمر القذافي.

وقال السراج في تصريحات صحافية: «نعم، يوجد الآن سوريون هنا، أعترف بذلك، ومع ذلك لا ينبغي التركيز على وجودهم مع تجاهل الدعم المرسَل إلى الجانب الآخر». وبعدما أعرب عن إحباطه من المعايير المزدوجة «للمجتمع الدولي والتي سمحت (للمشير خليفة) حفتر بمواصلة الحصار النفطي»، وصف السراج الوضع بأنه كارثي، لافتاً إلى أن البلاد تواجه أزمة مالية نتيجة لذلك.

ورأى أن «حفتر يستخدم الحصار النفطي كوسيلة ضغط أخرى للوصول إلى أهدافه»، مشيراً إلى أن قائد الجيش الوطني الليبي «لم يتمكن من الدخول إلى وسط طرابلس بعد كل هذا الوقت، ولن يتمكن من السيطرة عليها الآن».

ودافع السراج عن الاتفاق المثير للجدل الذي أبرمه مع تركيا، وعدّه استجابة لفيض الدعم العسكري الإقليمي لقوات حفتر.

وكان السراج قد كرر إشارته إلى الخسائر التي تتحملها البلاد نتيجة إغلاق المواقع النفطية، محذراً من كارثة ستطال الجميع إذا استمر هذا «التصرف غير المسؤول». وطالب المجتمع الدولي باتخاذ موقف حازم.

في المقابل، عقّب المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف على تقارير وسائل الإعلام بشأن جنازة لجندي روسي يُزعَم أنه قُتل في ليبيا، بقوله: «لا توجد قوات روسية في ليبيا».

بدورها، هنّأت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا في بيان مقتضب أمس، الليبيين بحلول الذكرى السنوية التاسعة لثورة السابع عشر من فبراير (شباط)، مؤكدةً «التزامها الراسخ بمواصلة جهودها الحثيثة في مختلف المسارات والعمل مع كل الليبيين لإنهاء الوضع الراهن، وتحقيق الأمن والاستقرار، وبناء دولة القانون والمؤسسات والعدالة الاجتماعية».

ودعت ستيفاني ويليامز نائبة رئيس البعثة الأممية التي شاركت في الاجتماع الأول للجنة المتابعة الدولية لمخرجات مؤتمر برلين حول ليبيا على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن، طرفي النزاع في طرابلس إلى «ضبط النفس في جبهات القتال» وحثت «جميع الأطراف على الامتناع عن القيام بأي عمل استفزازي حتى يتسنى للوفود المشاركة في المباحثات العمل في بيئة مواتية للتوصل لوقف إطلاق النار».

كذلك أعرب مجلس النواب الليبي، في بيان بمناسبة الذكرى التاسعة للثورة، عن أمانيه بتحقق وحدة الصف ولم الشمل بين أبناء الشعب الليبي وتحقيق المطالب التي خرجوا من أجلها.

ولفتت الحكومة الموالية للبرلمان في شرق البلاد برئاسة عبد الله الثني، في بيان، إلى أن ذكرى الثورة «تأتي هذا العام في وقت تعاني فيه ليبيا تحديات جمّة بسبب الأطماع التركية الحالمة بغزو بلادنا بمساعدة ثلة من أبناء شعبنا للأسف»، مشيرةً إلى أن وقوف كل الليبيين خلف قواتهم المسلحة لأجل تطهير البلد وتأمين حدوده هو الهدف المنشود لبناء ليبيا الحديثة.

وطبقاً لما أعلنته وزارة الداخلية بحكومة السراج، فقد تم تكثيف الدوريات والتمركزات الأمنية داخل طرابلس في إطار تأمين العاصمة والاستعداد لتأمين الاحتفالات بهذه الذكرى. كما تفقد مسؤولوها مساء أول من أمس، الأوضاع الأمنية داخل المنطقة والحدود الإدارية للعاصمة طرابلس، بينما أقامت مديرية أمن مصراتة احتفالاً بمناسبة بحضور عدد من الأهالي داخل المدينة.

ميدانياً، قال المتحدث باسم قوات حكومة الوفاق المشاركة ضمن «عملية بركان الغضب» إن مدفعيتها الثقيلة تعاملت مساء أول من أمس، مع مواقع تابعة لقوات الجيش الوطني جنوب طرابلس. وأضاف: «تعليماتنا لقواتنا... التعامل بكل قوة والرد على مصادر النيران عند أي خرق».

خلافات «مجلس الدولة» الليبي تسلط الضوء على «تغلغل الإخوان»
القاهرة: جمال جوهر
تكشف المناكفات السياسية الدائرة داخل ردهات المجلس الأعلى للدولة في العاصمة الليبية طرابلس عن خلافات عميقة تتسع رقعتها كل يوم في كواليس هذا المجلس الاستشاري، بين خالد المشري رئيسه الحالي القيادي (المستقيل) من حزب العدالة والبناء، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وسلفه عبد الرحمن السويحلي، وصلت إلى حد إطلاق اتهامات ومزاعم بحصول تآمر وتزوير.

وأزيح السويحلي عن رئاسة مجلس الدولة في انتخابات جرت في أبريل (نيسان) عام 2018، لكن منتقدين قالوا إن ذلك التغيير كان مجرد «تمثيلية» تمت وفق «صفقة متفق عليها»، أكثر من كونه يمثل انتقالاً سلساً للسلطة. ولم تمض بضعة أشهر حتى طفت على السطح خلافات بين الطرفين.

وفي أحدث خلاف، قال السويحلي، الذي ترأس المجلس الأعلى منذ انعقاده للمرة الأولى في 6 أبريل (نسيان) 2016، إنه خاطب مجلسي النواب (في طرابلس) والدولة بشكل رسمي، و«طالبتهما، وفقاً للاختصاصات المنوطة بالسلطة التشريعية حسب الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي، بإيقاف رئيس ديوان المحاسبة (...) عن العمل، وتكليف وكيل الديوان مؤقتاً بدلاً منه»، بالإضافة إلى مطالبته بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة للنظر فيما سماه «واقعة التلفيق» ضده التي اعترف بها رئيس ديوان المحاسبة، كما قال.

وانتقد السويحلي توظيف ديوان عام المحاسبة (أعلى سلطة رقابية مالية في ليبيا) من قبل حزب «العدالة والبناء» (الذراع السياسية لجماعة إخوان ليبيا)، كأداة لتصفية الحسابات السياسية الشخصية معه «في تجاهل تام لاستقلالية هذا الجهاز الرقابي السيادي، مما قد يُزعزع الثقة في كل ما يصدر عنه من تقارير وبيانات». والسويحلي، الذي يوصف بأنه رجل مصراتة القوي، يمتلك نفوذاً غير عادي لدى الكتائب العسكرية في المدينة التي تحارب «الجيش الوطني»، فضلاً عن أنه عضو في المجلس الأعلى للدولة، ونائب مُنتخب أيضاً عن المدينة ذاتها منذ 2014، قبل أن يتم عزله من المجلس.

وطالب السويحلي، في موقفه الجديد «بتشكيل لجنة من أعضاء مجلس الدولة المعروفين باستقلاليتهم وعدم انتمائهم لحزب العدالة والبناء للتحقيق مع المشري» لتحديد ما سماه «تواطؤه وتورطه المُثبت بالوقائع والمستندات في هذه المؤامرة» التي استهدفت الإساءة له، و«لحقت سلبياتها المجلس كمؤسسة سيادية عليا»، على أن تنشر نتائج التحقيق للرأي العام.

ونهاية الأسبوع الماضي، قال السويحلي: «‏دَعوتُ رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، في خطاب رسمي، إلى اتخاذ الخطوات الإدارية والقانونية العاجلة للتحقيق» في اتهام رئيس ديوان المحاسبة لمدير مكتب السراج باحتمال ارتكاب جرم التزوير في واقعة التلفيق التي تورط فيها رئيس ديوان المحاسبة والمشري ضده، مضيفاً: «ستكون واقعة التلفيق بداية نهاية تغلغل عصابة حزب العدالة والبناء في مفاصل الدولة».

ورأى مقرر مجلس النواب الليبي، صالح قلمة، لـ«الشرق الأوسط»، أن هذه الحرب بين حزب الإخوان ممثلاً في المشري، ورئيس مجلس الدولة السابق عبد الرحمن السويحلي، هي «استباق لما هو قادم». وقال إن «الإخوان المسلمين وحزبهم كانوا سبباً في انتخاب السويحلي لدورتين متتاليتين في مجلس الدولة، لكن بعد اشتداد عظمهم انقلبوا عليه، باعتبار أنه لا ينتمي إلى حزبهم، مستغلين في ذلك نفوذه الاجتماعي والمكاني (لكونه من مصراتة)، ومن ثم عزله».

وعد المحلل السياسي الليبي عبد العظيم البشتي أن «الصراع الدائر الذي طفا على سطح المشهد في ليبيا، بين المشري والسويحلي، لا يعدو كونه منافسة على المصالح». وأضاف البشتي لـ«الشرق الأوسط»: «ما يحدث برأيي ليس خلافاً سياسياً، ولا هو اكتشاف متأخر لهذه الحقيقة، أو حتى صحوة ضمير... فالحقيقة التي يعرفها الجميع هي أن غالبية أعضاء المجلس الأعلى من الإخوان».

ورأى أن السويحلي غاضب لأنه أطيح به من السلطة، وهو «لا يحتمل أن يكون بعيداً عن الأضواء». وتابع: «هو يعرف جيداً أن الإخوان هم من يسيّرون المجلس منذ بداية تأسيسه، وهم من يتخذون القرارات فيه»، معتبراً أن «الإخوان يشكلون خطراً حقيقياً على الدولة المدنية التي نحلم بها».

وسبق لخالد المشري أن أعلن في يناير (كانون الثاني) العام الماضي استقالته وانسحابه من جماعة «الإخوان المسلمين»، لكن هناك من يرى أن موقفه ليس سوى مناورة من أحد مؤسسي حزبها السياسي ورجلها القوي في أحد أجهزة السلطة بطرابلس.