Date: Feb 6, 2020
Source: جريدة الشرق الأوسط
«المرتزقة»... سلاح المتحاربين في ليبيا من عهد القذافي حتى معركة طرابلس
القاهرة: جمال جوهر
يتكتم الموالون لحكومة «الوفاق» في العاصمة الليبية طرابلس على توافد مئات الأجانب على مدينتهم، بوصفها «معلومات عسكرية». لكن من ينتظرون قدوم «الجيش الوطني» يقولون إن جل المناطق القريبة من مناطق الاشتباك «تشهد منذ قرابة شهرين وجوهاً لم يألفوها من قبل، بعضها تحمل ملامح تركية وأخرى أفريقية، تقلهم سيارات عسكرية، أو يتسوقون من المتاجر».

وقال الناشط المدني يعرب البركي لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن «المناطق المتاخمة لمحاور القتال تشهد حالياً عملية توافد كبير لعناصر، يبدو عليها ملامح غير عربية»، لافتاً إلى أن «هذه الأعداد في تزايد مستمر».

وأضاف البركي، وهو اسم مستعار لدواع أمنية، أن «غالبية هذه العناصر من جنسية تركية، وبأعداد كبيرة (...) وهؤلاء يشترون أغراضهم وطعامهم من المحلات، ويتحركون في المناطق القريبة من تمركزاتهم، ومن السهل رصدهم والتعرف عليهم، رغم تعاليهم على المواطنين».

الحديث عن استعانة طرفي الحرب في ليبيا بـ(المرتزقة)، لم يعد سراً في كثير من جوانبه. فرئيس البعثة الأممية في البلاد الدكتور غسان سلامة، حذر من أن «طرفي الصراع ينتهكان حظر السلاح»، مؤكدا أن «المرتزقة لا يزالون يتدفقون على ليبيا»، وهي التقارير التي لم ينكرها فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي، أو ينفي الاستعانة بهم في مواجهة قوات «الجيش الوطني». كما تخوف قادة أفارقة حضروا اجتماعاً مؤخراً في برازافيل بالكونغو من «استخدام المقاتلين الأجانب والمرتزقة بما يسهّل العبور والنقل والتوظيف غير القانوني».

وتابع البركي، الذي يعيش في إحدى المدن الواقعة في قلب المعارك العسكرية، أن المواطنين «وخاصة المتضررين من الميليشيات المسلحة على مدار السنوات الماضي، باتوا مستائين من الوجود التركي في مناطقهم».

ما ذهب إليه البركي أكده مصدر عسكري تابع لحكومة «الوفاق»، مكتفياً بالقول: «من حقنا الدفاع عن مدننا وديارنا من المعتدي»، لكنه اتهم في المقابل قوات الجيش الوطني، التي يرأسها المشير خليفة حفتر، بـ«الاستعانة بـ(مرتزقة) روس، ومن جنسيات أفريقية عديدة». وأضاف المصدر العسكري متسائلا: «هذا ما أثبته تقرير لجنة الأمم المتحدة الأخيرة، فكيف تعتبون على المقتول، ولا تلومون القاتل؟».

وتتفاوت أعداد (المرتزقة)، الذين قيل إنهم توافدوا على ليبيا. فمدير المرصد السوري المعارض رامي عبد الرحمن قال إن عددهم وصل إلى 3600 عنصر حتى منتصف الأسبوع الحالي. لكن المتحدث باسم «الجيش الوطني» اللواء أحمد المسماري، قدرهم بـ6000 عنصر حتى الآن، وذهب إلى أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يستهدف إرسال 18 ألف عنصر. لكن ما بين هذه التقديرات وتلك، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن عملية نقل تجري «لمئات المقاتلين» من منطقة خفض التصعيد في إدلب شمال سوريا إلى ليبيا، للمشاركة في القتال الدائر هناك، وفق ما جاء في معرض رده على أسئلة لصحيفة «روسيسكايا غازيتا»، التي نشرها الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الروسية، حسب وكالة «سبوتنيك».

ورأى المحلل السياسي الليبي عبد العظيم البشتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «استعانة الأطراف الليبية المتصارعة بقوات أجنبية من (المرتزقة) تشكل منعطفاً خطيراً في شكل ومستوى الصراع في ليبيا»، معتبرا أن «تسريب هذه المعلومات بدأ من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي أعلن عن وجود قوات ومستشارين عسكريين روس في بنغازي، والرئيس الروسي بوتين نفسه لم ينكر هذا الأمر، وقال فقط إنها قوات غير نظامية».

وأضاف البشتي موضحا: «يتم تداول تقارير عن وجود قوات سودانية ومن (الجنجاويد)، وهو الأمر الذي برره السراج، الذي يعتبر نفسه في موقف دفاع شرعي عن العاصمة. لكنه بذلك يقدمنا لقمة سائغة في فم إردوغان المفتوح، والذي تسكن عقله الأحلام الإمبراطورية». وذهب البشتي إلى أن الرئيس التركي «يرسل إلى ليبيا المئات، إن لم يكن الآلاف من (المرتزقة)، وهكذا تم تدويل الصراع بشكل صريح بدخول أطراف عربية ودولية في أتون الصراع الدائر».

في سياق ذلك، نقلت وكالة «أسوشييتد برس» عن قائدين من ميليشيات طرابلس أن أنقرة «جلبت أكثر من 4 آلاف مقاتل أجنبي إلى طرابلس»، وسط انقسام بين الميليشيات من أن تشوه انتماءات هذه العناصر صورة قوات «الوفاق». لكن هناك من يرى ضرورة وجود هذه القوات لصد هجوم حفتر.

ونشرت «الشرق الأوسط» نهاية الشهر الماضي اعترافات لأحد قيادات ميليشيا «كتيبة ثوار طرابلس»، يدعى عاطف برقيق، حيث قال إن إردوغان، عوض أن يرسل جنوده للقتال في معركة طرابلس، وفقاً للاتفاقية الموقعة مع رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، اكتفى بمدهم بمقاتلين من عناصر «المرتزقة».

وعلّق عضو مجلس النواب المستشار محمد بشير على مشروع قرار معدل، تقدمت به بريطانيا لشركائها في مجلس الأمن الدولي مطلع الشهر الحالي، يُطالب بسحب المرتزقة من ليبيا، وقال إن هذا القرار «يعد تحولاً كبيراً باتجاه إسناد الحل إلى الجامعة العربية والاتحادين الأفريقي والأوروبي، مما يعني أنها انحازت إلى الحلف المناوئ لإردوغان».

وأضاف البشير في حديث لـ«الشرق الأوسط» أمس، أن «المجتمع الدولي يتصارع على مصالحه داخل ليبيا بأيد ليبية، وهو ما يعني (الحرب بالوكالة)»، مستغرباً «عدم إعلان المبعوث الأممي أسماء الدول المتداخلة، التي تدفع بـ(المرتزقة) إلى ليبيا».