|
|
Date: Feb 4, 2020 |
Source: جريدة الشرق الأوسط |
|
اتهامات لـ«القبعات الزرق» الصدرية بالسعي لفض احتجاجات العراق |
علاوي غازل الحراك ويتجه إلى مراعاة «توازن القوى والمكونات» |
بغداد: فاضل النشمي
تبدو تحولات الحراك الاحتجاجي العراقي حادة هذه الأيام بعد أكثر من أربعة أشهر على انطلاقه في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. فبعد «أسابيع العسل» التي جمعت بين المحتجين في عموم المدن ونظرائهم من أتباع «التيار الصدري» الذين شاركوهم المحن والتحديات المختلفة المتمثلة في حالات الاعتقال والقتل والإصابات على يد القوات الحكومية والفصائل المسلحة الموالية لإيران منذ الأيام الأولى للحراك، انقلب المشهد بطريقة حادة جداً، ليتحول إلى حالة من العداء والاتهامات المتبادلة بين حلفاء الأمس.
وقُتل متظاهر مناهض للحكومة متأثراً بجروحه بعد طعنه بالسكين، أمس، في الحلة (جنوب بغداد)، خلال هجوم على متظاهرين لأشخاص يرتدون «قبعات زرقاً»، كتلك التي يستخدمها أنصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، بحسب ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصادر طبية وأمنية.
وأصيب ثلاثة متظاهرين آخرين بجروح جراء ضربات بالعصي، وفق ما أوضحت المصادر الطبية، خلال الاشتباك الذي انتهى بتدخل القوات الأمنية وإبعاد أصحاب القبعات الزرق من مخيم الاحتجاج أمام مقر مجلس محافظة بابل.
ورغم التغريدة التي أطلقها زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر، أمس، رافضاً أي اعتداء على المتظاهرين، وقال فيها: «عشقت ثورة تشرين، وما زلت أعشقها، عشت معها بكل لحظاتها، بحلوها ومرها»، فإن جماعات الحراك تصر على التشكيك في نياته، خصوصاً مع إشارته إلى أنه يسعى إلى «حماية الثورة وإبعاد القناصين والمندسين عنها».
ويرى طيف واسع من الناشطين أن «الوقائع على الأرض» تناقض تصريحات الصدر، خصوصاً الهجمات التي شنتها جماعات «القبعات الزرق» على ساحة التحرير والسيطرة على بناية المطعم التركي، مقر المحتجين في وسط بغداد، وكذلك الهجمات على المتظاهرين في بابل والنجف والناصرية ومناطق أخرى. كما يتهمونه بالسعي إلى تمهيد الطريق أمام رئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي الذي يرونه «مرشح أحزاب السلطة».
ووقعت صدامات عنيفة بين المتظاهرين في ساحة الاعتصام القريبة من جسر الثورة في محافظة بابل وأصحاب «القبعات الزرق» الصدريين، أمس، بعد محاولات للسيطرة على الساحة ومنصاتها. وأبلغت مصادر «الشرق الأوسط» أن «عناصر من القبعات أطلقوا النار في الهواء لتفريق المتظاهرين وفض الاعتصام». وأكدت أن «الساحة شهدت توافداً كبيراً من قبل أهالي بابل مع لحظة هجوم أصحاب القبعات الزرق على المعتصمين».
وتحدث قائد شرطة محافظة بابل اللواء علي كوة الزغيبي، أمس، عن تفاصيل حادثة الاشتباك بين المتظاهرين وأصحاب «القبعات الزرقاء». وقال في تصريحات صحافية إن «ساحة التظاهر في محافظة بابل كانت هادئة خلال الساعات الأولى من صباح (الاثنين)، قبل أن يصل أصحاب القبعات الزرقاء إلى الساحة».
وأضاف أنه «بعد وصول أصحاب القبعات الزرقاء إلى ساحة التظاهر، حصل اشتباك بينهم وبين المتظاهرين الذين يوجدون داخل الساحة، بعد رميهم بالحجارة لإبعادهم عن المظاهرات، لكن الأجهزة الأمنية تمكنت من فض النزاع بين الجانبين».
وتحدث قائد الشرطة عن وقوع إطلاق نار «من جهة مجهولة المصدر»، وأن أنصار «التيار الصدري» ما زالوا موجودين داخل ساحة التظاهر «وتم عزلهم عن المتظاهرين عن طريق نصب الحواجز».
وفي محافظة الناصرية، حدثت احتكاكات طفيفة أيضاً بين جماعات «القبعات» والمتظاهرين، انتهت بتدخل بعض الشخصيات المتنفذة في المدينة، فيما رابط بعض عناصر القبعات أمام المدارس في محافظة ميسان، بهدف عدم السماح للمتظاهرين بمنع الدوام فيها.
ووقعت احتكاكات مماثلة بين الجانبين في مدينة النجف، بعد محاولة المتظاهرين قطع الطرق بالإطارات المشتعلة ومحاولة أصحاب القبعات منعهم من ذلك، ما أدى إلى وقوع بعض الإصابات بين صفوف المتظاهرين، استناداً إلى مصادر أمنية في المحافظة.
وإذ يدافع الصدريون عن موقفهم باعتبار ذلك «حماية للثورة عبر عدم السماح للمندسين والمخربين في الوجود بين صفوف المحتجين»، ترفض جماعات الحراك ذلك، وترى أنهم يسعون إلى فض الاحتجاجات بعد نجاح الصدر في إبرام صفقة رئيس الوزراء المكلف مع تحالف «البناء» وبقية القوى السياسية.
وقال الناشط رعد الغزي إن «ما تقوم به جماعات القبعات الزرق يثير الريبة ويكشف عن نيات ربما كانت مبيتة ضد الحراك الاحتجاجي منذ الأيام الأولى». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «مشكلة التيار الصدري وزعيمه، أنهم يريدون مسك تفاحتي السلطة والمعارضة في يد واحدة، وهذا أمر لا يمكن تحقيقه، كما أنهم لم يدركوا حتى الآن التحول العميق على مستوى وعي الشباب الذي جرى بعد أكتوبر. الشباب اليوم قادة أنفسهم ولن يقبلوا بقيادة أي جهة».
وطرح الناشط في الناصرية الصيدلاني علاء الركابي، أمس، مبادرة مؤلفة من خطوات عدة، يمنح خلالها المتظاهرون رئيس الوزراء المكلف مهلة محددة للإيفاء بالتعهدات التي أعلنها والتي تتضمن محاسبة المتورطين في دماء الناس والتمهيد لانتخابات مبكرة. ورغم تشديد الركابي على بقاء المظاهرات للضغط على الحكومة الجديدة، فإن مبادرته قوبلت بالرفض من غالبية الساحات الاحتجاجية التي ترى أن علاوي «مرشح الأحزاب وغير مطابق للمواصفات المطلوبة التي طرحتها الساحات».
وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية عن ناشطين أن أنصار الصدر انتشروا أمس حول المدارس والدوائر الحكومية في الكوت والحلة، لضمان إعادة فتحها بعد أسابيع من الإغلاقات المتقطعة بسبب المظاهرات.
علاوي يبدأ لقاءات «جس النبض»
غازل الحراك ويتجه إلى مراعاة «توازن القوى والمكونات»
بغداد: حمزة مصطفى
بدأ رئيس الوزراء العراقي المكلف محمد توفيق علاوي لقاءات مع قوى وكتل سياسية بهدف «جس النبض»، قبل الشروع في مشاورات تشكيل حكومته، فيما تباينت المواقف داخلياً وخارجياً من تكليفه.
وبدأت كتل وقوى سياسية إطلاق بالونات اختبار لتمرير رسائل إلى علاوي عن شكل الحكومة المقبلة عبر وضع فيتو استباقي، سواء بالتلويح بالتمسك بإبقاء بعض وزراء الحكومة المستقيلة أو اختيار شخصيات سبق لها أن شغلت مواقع حكومية.
وقال مصدر مطلع على لقاءات علاوي لـ«الشرق الأوسط» إن رئيس الحكومة المكلف «يسعى لتشكيل حكومة خارج المحاصصة، وعازم على عدم قبول أي تدخلات أو إملاءات من أي جهة سياسية أياً كانت، من منطلق أن ذلك لو حصل سيكون أول بوادر الفشل الذي لا يريد أن يحسب عليه».
لكن المصدر أضاف أن «توجهات علاوي لم تتضح بعد حيال طريقة اختيار الوزراء، وإن كان على الأرجح سيضع خريطة توازن للمكونات في التشكيلة الحكومية، لكنه لن يكون ملزماً بقبول ما تريده الكتل منه على مستوى الشخصيات، مع حفظ التوازن الذي لا بد من أن يؤخذ بنظر الاعتبار مكوناتياً وبرلمانياً».
وواصلت ساحات التظاهر التعبير عن رفضها تكليف علاوي، باعتباره «مرشح الأحزاب السياسية». وفشل ترشيحه مطلع الشهر الحالي في تهدئة الاحتجاجات المتواصلة منذ نحو أربعة أشهر وتطالب بتغيير شامل.
ورفض معظم المتظاهرين علاوي باعتباره قريباً جداً من النخبة الحاكمة. لكن زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر الذي أيد المظاهرات رحب بتكليف علاوي، وحض أتباعه على البقاء في الشوارع، ما أدى إلى انقسام داخل الساحات الاحتجاجية.
وفي مسعى منه لسحب البساط من تحت أقدام الأحزاب التي رهن بعضها الموقف منه بتحقيق تعهداته، أعلن علاوي أن اختياره لمنصب رئيس الحكومة جاء بعد طرح اسمه «في ساحات التظاهر»، مشدداً على أنه «ممثل المحتجين السلميين». وقال علاوي في بيان أمس: «لقد حققت المظاهرات نتائج باهرة برفضها أغلب الطبقة السياسية التي أوصلت البلد إلى هذا الحال المتردي، وتمثلت هذه الإنجازات بوضع قانون جديد للانتخابات وواقع جديد لمفوضية الانتخابات فضلاً عن إسقاط مرشحي الأحزاب لتولي منصب رئيس الوزراء».
وأضاف «على أثر ذلك استجابت مجموعة من النواب المستقلين الذين وصل عددهم إلى نحو 170 نائباً لمطالب المتظاهرين فاختاروا خمسة أسماء من الذين طرحت أسماؤهم وصورهم في ساحات التظاهر، وأجرى هؤلاء النواب المستقلون استفتاء بينهم عن الأسماء الخمسة فوقع اختيار الأغلبية على اسم محمد توفيق علاوي، فكان محمد علاوي بحق ممثلاً عن المتظاهرين السلميين».
ورأى أن «أخشى ما يخشاه الفاسدون هو أطروحات محمد علاوي في إنهاء المحاصصة السياسية فيفقد هؤلاء ما يأملونه من فساد وسرقات، لذلك تحركوا لإشاعة أجواء البلبلة والفوضى وتفريق كلمة المتظاهرين».
وقال: «من هذا المنبر أوجه نداء إلى المتظاهرين الأعزاء كافة لسحب فتيل النزاع والخلافات وعدم إتاحة الفرصة للفاسدين لإرجاع عقارب الساعة إلى الوراء». وأضاف «إننا فقط بروح الأخوة والمحبة والتعاون نستطيع أن ننقذ بلدنا وننهض به ونحقق ازدهاره وتطوره، وبخلافه سنفقد ما تحقق من إنجازات عظيمة وسنجر بلدنا إلى الهاوية إن تخلينا عن روح الأخوة».
وقال النائب عن محافظة بغداد آراس حبيب كريم لـ«الشرق الأوسط»: «بعيداً عن أي ضغوط يمكن أن تمارس على هذه الحكومة، فإن الحكومة التي نريد هي التي تعبر بالعراق من مرحلة تصادم القناعات والإرادات إلى مرحلة الاستقرار والبناء». وأضاف أن «ذلك لن يحصل من دون تشكيلة رشيقة ببرنامج واضح المعالم والأهداف وقدرة على التنفيذ».
ويرى المستشار السابق لرئيس الجمهورية الباحث فرهاد علاء الدين في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «مهمة علاوي تبدو في غاية الصعوبة لجهة التوافق بين نقيضين، هما الشارع والكتل السياسية، لكن في الواقع هذه يمكن أن تكون فرصة لصالحه لو أحسن اختيار الفريق المحيط به واختار الوزراء على أساس مبدأ الكفاءة والنزاهة بدل المحاصصة والمحسوبية».
وأضاف أن «الأحزاب أصبحت اليوم في زاوية ضيقة ولن يكون بإمكانها رفض ترشيحاته للوزراء لو كانت تلك الترشيحات صائبة»، مشيراً إلى أن «الشارع نفسه ليس موحداً ويعاني الكثير من الانقسامات الحادة، ولا يوجد من يمثله، وبالتالي فإنه في حال تمكن من كسب مجموعة منهم فلن يكون هناك ما يمكن أن يخشى منه خصوصاً إذا تمكن من تحقيق جزء من تعهداته». |
|