Date: Jan 28, 2020
Source: جريدة الشرق الأوسط
لبنان: محاصرة المحتجين للمعابر تدفع النواب للعبور سراً إلى البرلمان
البرلمان يقر موازنة العام 2020 وسط مقاطعة ومعارضة كتل أساسية
بيروت: يوسف دياب
نجح مئات المحتجين، أمس، في محاصرة مبنى المجلس النيابي اللبناني وقطع الطرق المؤدية إليه وسط بيروت، وذلك لمنع النواب من الوصول والمشاركة في إقرار الموازنة، وهو ما فرض على رئيس المجلس نبيه برّي حصر النقاشات بجلسة واحدة انتهت ظهراً بعدما كان مقرراً لها أن تستغرق يومين.

وتزامن انعقاد الجلسة التي حضرها 76 من أصل 128 نائباً، مع تحركات شعبية على الأرض، وإجراءات أمنية مشددة، فرضتها القوى الأمنية لا سيما فرقة مكافحة الشغب، بمؤازرة من وحدات الجيش اللبناني سواء في ساحة النجمة، أو الشوارع والممرات المؤدية إلى مقر البرلمان. ويحتج معارضون على إقرار الموازنة رغم تضمنها أرقاماً يقولون إنها لا تتطابق مع أرقام الواردات والنفقات، وتفتقر إلى إجراءات تخفيف العجز، ولا تضع حداً لتنامي الدين العام.

وتأثرت وقائع الجلسة داخل القاعة العامة بما يجري خارج المجلس، ما دفع بالرئيس برّي إلى منع أي نائب من مغادرة مبنى المجلس، لأنه لن يستطيع العودة إلى داخله. وقال: «عملنا السبعة وذمّتها حتى مكنّا النواب من الوصول إلى المجلس»، ولذلك فإنه يجب عدم السماح بخروجهم خشية ألا يتمكنوا من العودة. ودخل الكثير من النواب مقر المجلس في إطار خطة أمنية محكمة بقيت سريّة لتأمين انعقاد جلسة الموازنة، في وقت حصلت احتكاكات بين متظاهرين ومواكب بعض النواب، قبل أن يتدخّل الجيش ويسهّل اجتياز المشرّعين الحواجز البشرية التي أقامها المحتجون.

وشهدت مداخل مجلس النواب عمليات كرّ وفرّ بين القوى الأمنية والمتظاهرين الذين توزّعوا على كلّ المداخل المؤدية إلى مقرّ البرلمان، سواء من جهة ساحة الشهداء، باب إدريس، مدخل شارع المصارف، لكنّ أكثرها حدّة كانت عند المدخل القريب من مبنى صحيفة «النهار» حيث وقعت مواجهات بين فرقة مكافحة الشغب والمتظاهرين الذين تمكن بعضهم من إزالة السياج الشائك والعوائق الحديدية، ما استدعى تدخلاً فورياً للقوى الأمنية التي أخرجت المحتجين ودفعتهم إلى التراجع عشرات الأمتار، وعندها بدأ المحتجون برشق القوى الأمنية بالحجارة. وأفيد بوقوع عدد من الإصابات، إذ نقلت سيارات الصليب الأحمر ثمانية مصابين إلى المستشفيات، فيما قدّم مسعفون مساعدة لـ19 مصاباً في مكان المواجهات التي أدت إلى اعتقال أربعة أشخاص واقتيادهم إلى ثكنة الحلو التابعة لقوى الأمن الداخلي للتحقيق معهم.

وعبّر محتجون عن غضبهم للتعامل الأمني معهم بـ«طريقة مستفزّة»، مشيرين إلى نصب حواجز على الطريق بين طرابلس بيروت، حيث تم إخضاع القادمين من شمال لبنان إلى العاصمة عبر الحافلات إلى تدقيق بهوياتهم، ونزع أقنعة كان يرتديها بعضهم للوقاية من تأثيرات القنابل المسيلة للدموع والقنابل الدخانية. وأكد بعض المحتجين الاستمرار بـ«الضغط حتى إسقاط حكومة حسّان دياب، التي تشكل استمراراً للحكومة السابقة»، بحسب رأيهم. وطالبوا النواب الذين تغيّبوا عن جلسة إقرار الموازنة بـ«تقديم طعن أمام المجلس الدستوري لإبطالها، لأنها موازنة غير دستورية وستزيد من نسبة العجز في الموازنة، وخالية من أي بنود إصلاحية».

ويتخوّف المحتجون من اعتماد القوّة وسياسة القمع من قبل الحكومة الجديدة، حيال تحركاتهم. إلا أن مصدراً أمنياً نفى استخدام القوّة والعنف مع المتظاهرين بهدف وأد الانتفاضة الشعبية. وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن العناصر الأمنية «نفّذت مهمتها بنجاح في حفظ الأمن وتمكين النواب من الوصول إلى مقرّ المجلس». وقال: «ما زلنا ملتزمين بتعليمات وزير الداخلية (محمد فهمي) والمدير العام لقوى الأمن الداخلي (اللواء عماد عثمان)، الرامية إلى حماية المتظاهرين السلميين، وفي نفس الوقت منع أي محاولة للعبث بالأمن والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة». وأشار المصدر إلى أن «الإصابات التي وقعت في صفوف المحتجين (أمس) حصلت خلال عمليات التدافع وليس نتيجة اعتداء أو ضرب متعمّد لهم»، لافتاً إلى «إصابة بعض عناصر الأمن جراء رشقهم بالحجارة والعوائق الحديدية».

واعتبر الناشط في الحراك الشعبي الدكتور مكرم رباح أن «مشكلة لبنان ليست فقط اقتصادية ومالية، بل في السقوط السياسي الذي أوصل البلد إلى الإفلاس». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا خوف على الثورة رغم القمع الذي تتعرّض له». واعترف ضمناً بأن كثيرين انكفأوا وغادروا «ساحات الثورة»، جرّاء الهجوم المضاد عليهم من مناصري «حزب الله» وحلفائه، إلا أنه رأى أن «المواجهة مع المنظومة الفاسدة ليست في الساحات فحسب، بل في المجتمع ككل وحتى في البيوت، والثورة مستمرة حتى تحقيق أهدافها».

البرلمان يقر موازنة العام 2020 وسط مقاطعة ومعارضة كتل أساسية
كتلة «المستقبل» أمّنت النصاب


بيروت: «الشرق الأوسط»
أقر البرلمان اللبناني، أمس، موازنة المالية العامة للعام 2020 التي قدمتها حكومة الرئيس سعد الحريري المستقيلة، في جلسة واحدة وسريعة، للمرة الأولى منذ العام 1992 وبحضور 73 نائباً فقط، وذلك نتيجة مقاطعة كتل نيابية عدة اعتبرت أن جلسة إقرار الموازنة غير دستورية في ظل وجود حكومة جديدة لم تحز على ثقة البرلمان بعد.

ووصل النواب إلى مقر البرلمان صباح أمس بصعوبة، إثر الاحتجاجات التي اندلعت في وسط بيروت. ولم يكتمل نصاب النواب الحاضرين سوى بعد وصول نواب كتلة «المستقبل» النيابية التي أمنت النصاب لكنها صوتت ضد الموازنة انسجاماً مع موقف الكتلة بأن الموازنة بصيغتها المقترحة تحتاج إلى تعديل في أرقامها نتيجة المتغيرات التي شهدها لبنان في الشهور الأخيرة. وتقول كتلة «المستقبل» إن الرئيس سعد الحريري قبل تشكيل الحكومة الحالية كان عازماً على استرداد مشروع الموازنة لإجراء تعديلات عليه في ضوء التطورات المالية والاقتصادية التي عصفت بالبلاد بعد الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وسألت النائبة بهية الحريري رئيس الحكومة الجديد حسان دياب عما إذا كان يتبنى موازنة أعدتها الحكومة السابقة، فأجاب بالإيجاب، قبل أن تبدأ المناقشات التي اقتصرت على مداخلات لـ7 متحدثين، بسبب الوضع الأمني في محيط المجلس. وأقرت الموازنة في جلسة واحدة في يوم واحد، خلافاً لتجارب سابقة حيث كانت مناقشة مشروع قانون الموازنة تمتد ليومين، لتكون هذه المناقشات الأسرع في تاريخ لبنان.

ومثّل الحكومة في الجلسة رئيسها حسان دياب بعدما غاب كامل أعضائها. وأوضح دياب أن «الحكومة في ظل وضعيتها الراهنة قبيل نيلها الثقة هي حكومة تصريف أعمال، ويفترض أن يكون عملها محصوراً بإعداد البيان الوزاري»، مؤكداً في جلسة مناقشة الموازنة في المجلس النيابي «أنه لا يمكن للحكومة استرداد الموازنة». وأكد أن حكومته «لن تعرقل موازنة أعدتها الحكومة السابقة وناقشتها لجنة المال والموازنة النيابية واللجان المشتركة، واكتملت إجراءاتها».

وتحدث الرئيس بري مع الرئيس سعد الحريري لإكمال النصاب، كما تحدث مع رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط لتأمين ميثاقية للجلسة عبر حضور نواب دروز، فحضر النواب فيصل الصايغ وأكرم شهيب وهادي أبو الحسن إلى جانب النائب بلال عبد الله.

وبلغ عدد الحاضرين في الجلسة 73 نائباً من أصل 128 نائباً، وبقي منهم إلى موعد التصويت 70 نائباً، حيث أقرّ مشروع الموازنة بأكثرية النواب الحاضرين، وحازت على موافقة 49 نائباً في مقابل معارضة 13 وامتناع 8 نواب. وتمّ التصويت في جلسة مغلقة وواحدة وبرفع الأيدي.

والنواب المؤيدون هم من «التيار الوطني الحر»، كتلة «الوفاء للمقاومة»، وكتلة «التنمية والتحرير»، والحزب «السوري القومي الاجتماعي»، إضافة إلى النائبين نقولا نحاس وعدنان طرابلسي.

وفي حين امتنع نواب «اللقاء الديمقراطي» عن التصويت، كان لافتاً انقسام نواب «المستقبل» بين الامتناع والمعارضة. كما انقسمت كتلة «المردة» البالغ عدد أعضائها 5 نواب بين مؤيد ومعارض وممتنع عن التصويت. وكان أبرز الغائبين عن الجلسة تكتل «الجمهورية القوية» إضافة إلى كتلة «الكتائب» التي أعلن رئيسها النائب سامي الجميل مقاطعة «جلسة غير دستورية».

وقالت مصادر سياسية مواكبة للجلسة لـ«الشرق الأوسط» إن انعقاد الجلسة أمس «قطع الطريق على الإنفاق على القاعدة الاثني عشرية (خارج الموازنة) الذي تنتهي مهلة الإنفاق عبرها نهاية هذا الشهر، وأعاد النبض للحياة السياسية في داخل المؤسسات، وأكد حضور وجهوزية القوى الأمنية وهيبتها التي أثبتت أنها قادرة على فرض الأمن وإعادة الانتظام للمؤسسات الرسمية وفق المعايير القانونية الدولية، على ضوء عدم تسجيل أي استخدام مفرط للقوة في مواجهة المتظاهرين».

وأمنّت كتلة «المستقبل»، التي قررت الحضور في الدقائق الأخيرة بعدما عقدت صباحاً اجتماعاً في بيت الوسط برئاسة النائبة بهية الحريري، النصاب للجلسة. وإزاء اللغط المثار في بعض وسائل التواصل الاجتماعي حيال مشاركة الكتلة في جلسة الموازنة، أعلنت كتلة «المستقبل» النيابية، في بيان، أنها صوتت ضد الموازنة «انطلاقا من قناعتها أن الأرقام الواردة فيها لم تعد تعكس الواقع، لأن الاقتصاد اختلف حجماً ونوعاً عما كان عليه عندما أقرت الحكومة السابقة مشروع الموازنة». وأشارت إلى أن موقف الكتلة المبدئي «كان بوجوب انتظار حصول الحكومة الحالية على الثقة قبل مشاركتها في جلسة مناقشة الموازنة». وأضافت «أما ولم يأخذ المجلس النيابي برأي الكتلة حول انتظار الثقة، فإن الكتلة طالبت دولة رئيس الحكومة حسان دياب في الجلسة بإعلان تبنيه لمشروع الموازنة، منعاً لأي تأويلات أو ذرائع لاحقة، خصوصاً في ظل الموقف الملتبس بهذا الشأن لرئيس الحكومة وبعض الوزراء فيها سابقاً. وقد أعلن الرئيس دياب تبنيه الصريح لهذه الموازنة، رداً على سؤال مباشر من الكتلة». وأكدت الكتلة أنها «ستواصل التزامها بالعمل لاحترام الدستور واستمرارية مؤسسات الدولة، انطلاقاً من تحمل مسؤولياتها الوطنية، ووضع الجميع، حكومة ومجلساً، أمام مسؤولياتهم، وهو ما حصل اليوم (أمس)».

وغرّد رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط عبر «تويتر» قائلاً: «خطوة تصديق الموازنة أفضل من الفراغ واعتماد القاعدة الاثني عشرية. يبقى على الحكومة أن تطرح الإصلاحات الجدية وفي مقدمتها قطاع الكهرباء مع الهيئة الناظمة وقانون استقلالية القضاء. إنه بداية طريق طويل آخذين بالاعتبار القوى وأشباح الماضي المهيمنة على الحكومة والتي لا تبشر بالخير».

وأقر مجلس النواب المادة 7 من الموازنة وفق تعديل لجنة المال والموازنة لجهة فرض الرقابة على القروض والهبات وفق الآلية التي تراعي الدستور وقانون المحاسبة العمومية. كما أقر المجلس المادة 36 وفق صيغة لجنة المال والموازنة والمتعلقة بالقروض المتعثرة الإسكانية والصناعية والزراعية والسياحية. كما علّق الملاحقات القضائية بحق المتعثرين في القروض المدعومة وإعطاء فترة سماح 6 أشهر.

وفي ختام الجلسة، أكد النائب إبراهيم كنعان «أن الموازنة أفضل من لا موارنة فما شهدناه من هدر وعدم رقابة جاء بغياب السقوف والضوابط منذ العام 2005». واعتبر «أن المطلوب بعد إقرار الموازنة خطة إنقاذية تضعها الحكومة، ونحن مستعدون للتعاون لإنقاذ البلد». وأشار إلى «أن على المعارضة قبل الموالاة التعاون للإنقاذ فالموازنة خطوة يجب أن تستتبع بخطوات أخرى».