Date: Nov 30, 2019
Source: جريدة الشرق الأوسط
حراك الجزائر يجددّ رفضه للانتخابات و«الوصاية الأجنبية»
الجزائر: بوعلام غمراسة
بينما أظهر آلاف الجزائريين أمس تمسكا برفض انتخابات الرئاسة، المقررة في 12 من الشهر المقبل، أنهت تنظيمات كبيرة، مقربة من الحكومة، تحضيرات لتنظيم مظاهرة بالعاصمة اليوم للاحتجاج على «التدخل السافر في شؤون الجزائر الداخلية»، ردا على لائحة أصدرها الخميس، تدين اعتقال المتظاهرين والتضييق على وسائل الإعلام.

ونزل إلى شوارع العاصمة عدد كبير من نشطاء الحراك للتأكيد على مطلب إطلاق سراح عشرات الأشخاص، الذين اعتقلتهم السلطات بسبب انخراطهم في الحراك الشعبي المتواصل منذ 9 أشهر، كما هاجموا المتنافسين الخمسة على «الرئاسية»، الذين وصفوهم بـ«مرشحي العصابة»، ورفعوا شعارات معادية لقائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح، الذي يقف – بحسبهم - «حائلا دون تحقيق مطلب رحيل رموز النظام».

وهتفت مجموعة من الناشطين بحياة إبراهيم لعلامي، وهو شاب من شرق العاصمة اعتقل وتعرض لسوء معاملة في مركز الأمن، حسب تنظيمات حقوقية طالبت بفتح تحقيق في الحادثة. ولوحظ انتشار مكثف لرجال الأمن مع معداتهم، وشاحنات لرش المياه بأهم شوارع العاصمة.

وكانت المظاهرات كبيرة وحاشدة في أهم مدن البلاد، حيث ردد الآلاف الشعارات والمطالب نفسها. لكن رغم ذلك يوجد اعتقاد راسخ لدى غالبية المراقبين بأن الانتخابات ستجرى في موعدها، رغم إصرار المتظاهرين على إلغائها. كما يتوقع المراقبون أنفسهم استمرار الحراك بعد الانتخابات.

في غضون ذلك، أعلنت النقابة المركزية تنظيم مظاهرة كبيرة اليوم بأشهر ساحات الحراك وسط العاصمة، وذلك بهدف دعم قائد الجيش، والتنديد بلائحة أصدرها البرلمان الأوروبي حول الوضع في الجزائر. ويرتقب أن تحشد النقابة أهم الأحزاب الموالية للسلطة، ومئات الجمعيات والتنظيمات، التي تستعين بها في خطة تنظيم «الرئاسية». وستكون المظاهرة بمثابة رد على الحراك الشعبي بشأن موقفه من الانتخابات، رغم أن أمين عام النقابة سليم لعباطشة أكد في بيان أنها «اتخذت موقف الحياد» من العملية الانتخابية.

ففي قرار رمزي يفتقد إلى قيمة إلزامية، قدمه نائب فرنسي، أدان النواب الأوروبيون بشدة «الاعتقالات التعسفية وغير القانونية، والاحتجاز والتخويف والاعتداءات»، التي تحصل في الجزائر. وبموجب هذا المقترح، دعا الاتحاد الأوروبي حكومة الجزائر إلى «إيجاد حل سياسي وسلمي للأزمة».

كما أدان أعضاء البرلمان الأوروبي «الاحتجاز والتخويف والاعتداءات» على الصحافيين والنقابيين والناشطين في الدفاع عن حقوق الإنسان والمتظاهرين. فيما أشار النائب الأوروبي الفرنسي رافايل غلوكسمان، الذي يقف وراء المقترح، إلى أنّه «حان الوقت لإظهار أننا متضامنون مع الجزائر».

وردا على ذلك، قالت وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية في اليوم نفسه، وببيان شديد اللهجة، إنه «بإيعاز من مجموعة من النواب متعددي المشارب وفاقدي الانسجام، منح البرلمان الأوروبي نفسه، بكل وقاحة، حرية الحكم على المسار السياسي الراهن في بلادنا، في الوقت الذي يستعد فيه الجزائريون لانتخاب رئيس جديد للجمهورية بكل ديمقراطية وشفافية».

وأكدت الوزارة أن «هؤلاء النواب ذهبوا إلى حد منح أنفسهم، دون عفة ولا حياء، الحق في مطالبة البرلمان الجزائري بتغيير القوانين التي اعتمدها نوابه بكل سيادة». وقالت إن «البرلمان الأوروبي أبان بهذا التصرف ازدراءه، ليس للمؤسسات الجزائرية فحسب، بل لآليات التشاور الثنائي التي نص عليها اتفاق الشراكة، بما فيها تلك المتعلقة بالمجال البرلماني».

وتابع البيان موضحا: «لقد أكد البرلمان الأوروبي من خلال استجابته لإيعاز هؤلاء البرلمانيين المحرضين أنه يعمل بشكل مفضوح للترويج لأجندة الفوضى المقصودة، التي سبق للأسف تنفيذها في العديد من الدول الشقيقة»، مشيرا إلى «ما قام به أحد البرلمانيين الأوروبيين من إشادة بالاستعمار الذي سمح، حسبه، بحرية ممارسة الشعائر الدينية خلال 132 سنة من احتلال الجزائر». يقصد ما دار من نقاش حول الوضع في الجزائر بالبرلمان الأوروبي قبل إصدار اللائحة.

وبحسب البيان، فإن الجزائر «تدين وترفض شكلا ومضمونا هذا التدخل السافر في شؤونها الداخلية، وتحتفظ لنفسها بالحق في مباشرة تقييم شامل ودقيق، لعلاقاتها مع المؤسسات الأوروبية كافة، قياسا بما توليه هذه المؤسسات فعليا لقيم حسن الجوار والحوار الصريح، والتعاون القائمين على الاحترام المتبادل».

وعلى صعيد متصل بالحراك الشعبي، أوقفت أجهزة الأمن الجزائرية بالجزائر العاصمة أمس 25 متظاهرا على الأقل، وذلك قبل بدء المظاهرة الأسبوعية ضد النظام، بحسب ما أفاد مراسلو وكالة الصحافة الفرنسية.

وقبل أكثر من ساعتين من بدء المظاهرة بعد صلاة الجمعة، تجمع مئات المحتجين في وسط العاصمة، وهتفوا بصوت واحد: «نقسم لن تكون هناك انتخابات»، و«هذه بلادنا ونحن من يقرر». في إشارة إلى الانتخابات الرئاسية المقررة في 12 من ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

وأوقفت قوات الأمن، التي انتشرت بكثافة بمناسبة يوم الجمعة الحادي والأربعين للتظاهر، العديد من الشبان لدى اقترابهم من قوات الأمن. كما تم توقيف آخرين قرب مديرية شرطة وسط المدينة، واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق المتجمعين، بحسب شهود.

مطالب بفتح تحقيق في الجزائر حول «وقائع عنف» ضد متظاهرين
الجمعة 29 نوفمبر 2019
الجزائر: بوعلام غمراسة

طالب تنظيم حقوقي جزائري مستقل عن الحكومة بفتح تحقيقات حول «وقائع عنف وسوء معاملة»، تعرض لها متظاهرون على أيدي رجال أمن خلال فترة اعتقالهم بمراكز الأمن. وفي غضون ذلك، عاد الهدوء إلى مدينة البويرة (شرق) بعد ليلة عاصفة، ميزتها مواجهات بين قوات الأمن ومئات المتظاهرين، الذين حاولوا منع علي بن فليس، المترشح لانتخابات الرئاسة المقررة بعد أسبوعين، من عقد تجمع في إطار حملته الانتخابية.

وقال سعيد صالحي، نائب رئيس «الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان»، في بيان أمس، إن ناشطين بالحراك «كانوا عرضة لعنف وسوء معاملة أثناء اعتقالهم واحتجازهم بمراكز الأمن»، وذكر بالاسم شابين معروفين لدى المتظاهرين محلياً، هما إبراهيم لعلامي من برج بوعريريج (شرق)، ويونس رجدال من وهران (غرب)، من دون تحديد تاريخ الوقائع. لكنه سبق أن نشرت صحف أخباراً، مفادها أنهما اعتقلا خلال وجودهما على رأس احتجاجات معادية لمترشحين، كانوا بصدد عقد تجمعات في إطار الحملة الانتخابية التي انطلقت منذ 13 يوماً.

وطالب صالحي النيابة بـ«إطلاق تحريات بصفة عاجلة لكشف الحقيقة، وتفعيل العدالة». مشيراً إلى أن رجال الأمن «مطالبون باحترام الأشخاص الموقوفين تحت النظر، وحماية حقوقهم التي يكفلها القانون، وبعدم المسّ بسلامتهم الجسدية والعقلية، فتلك ضمانات ينبغي توفيرها مهما كانت الظروف».

في سياق ذلك، اعتقلت قوات الأمن أمس رساماً بمدينة وهران يدعى عبد الحميد أمين، واحتجزت أغراضه بعد تفتيش ورشة الرسم التي يملكها. وكان من بين المحجوزات لوحتان زيتيتان، واحدة تظهر قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح، والرئيس الانتقالي عبد القادر بن صالح، ورئيس الوزراء نور الدين بدوي، وهم يعزفون موسيقى على ظهر سفينة توشك على الغرق. بينما يبدو الركاب في حالة هلع يصرخون، وهو وصف مستلهم من أحداث فيلم «تيتانيك» الشهير، والمعنى أن رجال السلطة لا يعبأون بـ«مصير الجزائر التي توجد على حافة هاوية». أما في اللوحة الثانية فيظهر قايد صالح مع بن صالح، وهما يخيطان ثوب «سوبرمان» على مقاس المرشح للانتخابات عبد المجيد تبون الذي كان واقفاً أمام نافذة يتابع ما يجري خارج الحجرة، فيما تبدو صورة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة معلقة. ولا تعرف التهمة التي تلاحق الرسام، لكن يرجح أنها تتعلق بـ«الإساءة لرموز الدولة».

إلى ذلك، قالت مصادر طبية بمستشفى البويرة (100 كيلومتر شرق العاصمة)، أن نحو 20 جريحاً تلقوا العلاج ليلة الأربعاء، إثر إصابتهم في مواجهات مع قوات الأمن، التي صدّت محاولات متظاهرين منع المترشح بن فليس من تنظيم تجمع مع أنصاره. ورغم حالة الاضطراب الكبيرة التي عاشتها المدينة، فقد عقد رئيس الوزراء السابق لقاءه، وعاد الهدوء إلى البويرة صباح أمس. فيما يستمر المتنافسون الخمسة في خوض حملتهم، وسط تعزيزات أمنية كبيرة، بسبب حالة «الرفض الشعبي للانتخابات».

وفي خطاب جديد، هو الخامس منذ بداية الحملة الانتخابية، قال رئيس أركان الجيش، أمس، أثناء زيارته مقر الحرس الجمهوري بالعاصمة، إنه «سبق أن حذر من مخطط دنيء يستهدف الجزائر، وقد تمكنّا من كشفه وفكّ خيوطه، وإفشال المؤامرة التي كانت تُحيكها العصابة وأعداء الجزائر. فبفضل إدراكنا في الجيش الوطني الشعبي لأبعاد هذه المخططات الخبيثة وإدراك الشعب الجزائري لخطورتها، تم إحباطها بفضل حرصنا على مصلحة الوطن، التي التزمنا وتعهدنا بحمايتها والدفاع عنها، مهما كانت الظروف والأحوال»، من دون توضيح من يقصد، ويرجح أن كلامه موجه للمتظاهرين بسبب رفضهم «الرئاسية»، والذين كثيراً ما وصفهم بـ«الشرذمة» و«أذناب العصابة».

وأكد صالح أن «أبناء الشعب المُخلِصين يقفون صفاً واحداً دعماً للمسار الانتخابي، ومساندة للجيش الوطني الشعبي في مواقفه، ملتفّين حول مقاربته البنّاءة لتجاوز المرحلة الحساسة التي تمر بها البلاد، وذلك يترجم درجة النضج العالية لأبناء الجزائر، ووعيهم بما يحاك ضد بلدنا من مكائد ودسائس ومؤامرات لعرقلة مسيرة الجزائر والجزائريين، كما يعكس من جانب آخر ترسّخ قيم الإخلاص والوفاء لديهم وروحهم الوطنية الفياضة، المعتزة بالانتماء لجزائر التضحيات والبطولات، والمبادئ الوطنية الحقّة، التي لن تحيد عنها أبداً مهما عَظُمت التحديات وتعددت الرهانات». مشيراً إلى أن القيادة العسكرية «تعهدت أمام الله والوطن والتاريخ أن لا طموح لها سوى الحفاظ على سكينة وطمـأنينة الجزائريين وعلى الجزائر آمنة، مستقرة وشامخة أمام كيد الأعداء والمتآمرين». وسبق لقايد صالح أن صرّح بأنه لا يطمح للحكم، وأنه لا يدعم أي مترشح للرئاسة.