|
|
Date: Nov 11, 2019 |
Source: جريدة الشرق الأوسط |
|
الأزمة الحكومية في لبنان تقترب من الحسم |
تريث بتحديد مصير التسوية الرئاسية في لبنان |
بيروت: محمد شقير
مع دخول الأزمة الحكومية اللبنانية في مرحلة الحسم، بدءاً من اليوم، تترقّب الأوساط السياسية الموقف النهائي الذي سيتخذه رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري، وما إذا كان على استعداد للعودة على رأس الحكومة الجديدة في حال أبدت الأطراف المعنية بتشكيلها تفهمها للمواصفات والمعايير التي يطرحها، أم أنه سيُخلي الساحة لمرشح آخر، فيما يسعى «التيار الوطني الحر» وبعض حلفائه للبحث عن مرشح بديل من باب الاحتياط والتحسُّب، وإن كان هؤلاء يدركون أن مجرد اللجوء إلى مثل هذا الخيار يمكن أن يُقحم البلد في مواجهة.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر سياسية أن الحريري في اجتماعه، مساء أول من أمس، بالوزير علي حسن خليل، المعاون السياسي لرئيس البرلمان نبيه بري، وحسين خليل، المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، لم يتخذ قراره النهائي وترك الباب مفتوحاً للقيام بجولة من المشاورات مع حلفائه، رغم أن موفد «حزب الله» كان ينتظر منه أن يقول الكلمة الفصل في خصوص موقفه من المخارج المطروحة كأساس لتأليف الحكومة ليكون في وسع نصر الله أن يبني موقفه في ضوء قراره النهائي، وذلك في خطابه الذي سيلقيه بعد ظهر اليوم.
وأكدت المصادر السياسية أن الحريري وإن كان يفضّل العودة إلى «السراي الكبيرة» على رأس حكومة تكنوقراط تتشكل من اختصاصيين ويتمثل فيها «الحراك الشعبي» ويُفترض أن تُحدث «صدمة سياسية» تؤدي تدريجياً إلى خفض منسوب الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية، فإنه في المقابل ليس في وارد موافقته على تشكيل حكومة تكنو - سياسية كيف ما كان، وبالتالي لديه شروط ومواصفات تتجاوز توزير وجوه نافرة أو استفزازية إلى شكل الحكومة وتركيبتها.
وبكلام آخر رأت المصادر نفسها أن توزير الوجوه النافرة استبعد كلياً من الحكومة الجديدة بغية تبريد الأجواء من ناحية ومحاكاة «الحراك الشعبي» من ناحية ثانية، وتقول إن رئيس «التيار الوطني» الوزير جبران باسيل بات على علم باستبعاده، لكنه يحاول أن يقبض ثمن إخراجه بالحصول على حصة وازنة في الحكومة العتيدة.
وكشفت أن الحريري ليس في وارد القبول بتركيبة وزارية تجمع بين الاختصاصيين والتكنوقراط يشعر بأنه وحيد فيها في حال أصر رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع على قرارهما بعدم المشاركة، علما بأنه سيكون للأخير موقف نهائي بعد اجتماع «تكتل لبنان القوي» مساء اليوم، إضافة إلى أنه سيردّ على موقف نصر الله من الحكومة الجديدة.
وقالت المصادر السياسية إن الحريري قد لا يرأس حكومة مختلطة لا يشارك فيها «التقدمي» و«القوات» في مقابل وجود ممثلين عن «قوى 8 آذار» و«التيار الوطني» فيها، وإن كانت تراهن على الاتصالات التي تشمل جنبلاط بالدرجة الأولى ويشارك فيها بري في محاولة لإقناعه بأن يتمثل فيها، مع أن هناك من يستبعد عودته عن قراره.
ولم تؤكد المصادر نفسها ما إذا كانت الاتصالات، مباشرة أو غير مباشرة، ستشمل جعجع للغرض نفسه، وإن كانت تسأل عما إذا كان الحريري سيرأس حكومة من دون «القوات» في حال عدول جنبلاط عن عزوفه في المشاركة، وبالتالي الاستعاضة عن غياب «القوات» بتوزير وجوه تتقاطع مع «الحراك الشعبي».
ويبدو من السابق لأوانه استقراء المواقف النهائية قبل انطلاق مروحة الاتصالات وتحديداً مع «التقدمي» الذي يبدو حتى إشعار آخر أنه سائر على طريق «كسر الجرة» مع رئيس الجمهورية ميشال عون و«التيار الوطني» اللذين أحبطا - كما تقول المصادر السياسية - اندفاعة جنبلاط للحوار وإصراره على طي صفحة الخلاف الذي تسببت به الحرب الأهلية ومضيّهما في استهدافه.
كما أن «حزب الله» ومعه الرئيس بري وأيضاً الرئيس عون و«التيار الوطني» يصرون على تشكيل حكومة تكنو - سياسية باعتبار غياب الحزب عنها يعني من وجهة نظره أن هناك من يخطط لاستهدافه استجابة لموقف الولايات المتحدة الممعنة في فرض العقوبات عليه.
لذلك يأتي إصرار «حزب الله» على تكريس حضوره في الحكومة الجديدة انطلاقاً من أنه الأقوى على الساحة اللبنانية، وأن تغييبه يعني الإخلال بالتوازن الداخلي الذي يميل لمصلحته وإطاحة نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، إضافة إلى أن مجرد تغييبه يعني أن مثل هذه الخطوة هي من نتاج العقوبات الأميركية.
وعليه فإن الحريري الذي لم يحسم موقفه وإن كان يميل للمجيء بحكومة تكنوقراط، فإن أي قرار آخر يحتاج إلى توفير ضمانات داخلية وخارجية وإن كانت الأخيرة تبقى الأهم لطمأنته إلى عدم وجود نية لاستهداف لبنان ومحاصرته في حال توّجت المشاورات الجارية حالياً بإعطاء الأفضلية لتشكيل حكومة مختلطة سيتمثل فيها «حزب الله» بطريقة أو بأخرى.
إن هذه المشاورات يمكن أن تصطدم برد فعل أميركي يدعو للقلق من أن تبادر واشنطن إلى تطويره باتجاه عدم تمييزها بين موقفها من الحكومة والآخر من مشاركة «حزب الله» وإن كانت مصادر نيابية بارزة تعوّل على دخول دول أوروبية ومنها فرنسا على خط التواصل مع الإدارة الأميركية لإقناعها بإعطاء فرصة للبنان حتى لو شارك «حزب الله» في الحكومة العتيدة لمنع اقترابه من الانهيار الاقتصادي والمالي الذي سيؤدي حتماً إلى إغراقه في الفوضى والفلتان بكل أشكاله.
وفي معرض الحديث عن التأزّم الاقتصادي والمالي الذي يرزح تحت وطأته البلد، فإن الاجتماع المالي الذي رعاه الرئيس عون بعد ظهر أول من أمس، لم يحقق أي جديد ولم يبدّل من واقع الحال المأزوم والذي بات يُنذر بتداعيات ليس من السهل السيطرة عليها.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر وزارية ومصرفية أن طلب المجتمعين من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الاستمرار في اتخاذ التدابير اللازمة للمحافظة على سلامة النقد والاستقرار الاقتصادي وسلامة أوضاع النظام المصرفي «لم يأت مقروناً بخطوات عملية وملموسة، وجاءت نتائج الاجتماع على عكس ما كانت تتطلع إليه جمعية المصارف».
وأكدت المصادر نفسها أن الاجتماع انتهى كما بدأ ولم يحمل أي جديد وعزت السبب إلى تعذّر تعديل قانون النقد والتسليف بما يسمح بفرض قيود لفترة استثنائية على التحويلات المالية إلى الخارج، نظراً للظروف المالية التي يمر بها البلد.
وقالت إن القيود على هذه التحويلات تقوم بها المصارف بناء على تعليمات شفوية صادرة عن سلامة وباتت في حاجة إلى تقنينها من خلال تعديل قانون النقد والتسليف، وهذا ما لم يحصل. وكشفت أن وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية في الحكومة المستقيلة سليم جريصاتي أفتى لحاكم مصرف لبنان باتخاذ القرار في هذا الخصوص استناداً إلى المادة 70 في قانون النقد والتسليف من دون تعديله وبغطاء سياسي تؤمنه الدولة.
كما أن الاجتماع لم يأتِ على ذكر أي موقف من الأزمة الحكومية مع أن مشروع البيان الذي حمله معه رئيس جمعية المصارف سليم صفير إلى بعبدا كان يلحظ ضرورة الإسراع بتشكيل الحكومة لما لها من دور في أن يستعيد البلد ثقته التي لا تزال مفقودة. ولفت صفير، كما قالت المصادر، إلى أن النظام المصرفي وحده لا يستطيع أن يستعيد هذه الثقة في ظل ارتفاع منسوب القلق والخوف لدى اللبنانيين وهو في حاجة إلى الدور المرسوم للدولة في هذا المجال، خصوصا أن الجميع يترقّب من سيشكّل الحكومة ومن هم الوزراء.
لكن «المفاجأة» جاءت على لسان جريصاتي الذي خاطب الحضور بقوله، بحسب المصادر: «عليكم أن تقوموا بشغلكم ونحن من جانبنا نقوم بشغلنا». وعليه لم يكن من ضرورة لهذا الاجتماع لأن من حضره «خرج بانطباع يعكس مدى الارتباك السياسي، وإلا لم يكن جريصاتي مضطراً لمخاطبة المجتمعين بهذه اللهجة وكأن القطاع المصرفي ليس معنياً بتأليف الحكومة». ومع سقوط التسوية الرئاسية، يتأرجح لبنان بين مرحلة سياسية جديدة مؤشرها بداية ولادة الحكومة شبه الجامعة، وإقحام البلد في مواجهة من خلال تشكيل حكومة من لون واحد.
تريث بتحديد مصير التسوية الرئاسية في لبنان
بيروت: بولا أسطيح
لم يسبق للتسوية الرئاسية التي أدت إلى انتخاب ميشال عون رئيساً للبنان في 2016 أن شهدت قطوعاً كالذي تشهده اليوم بعد الانتفاضة الشعبية التي أدت لاستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري. فقرار الأخير التجاوب مع المطلب الرئيسي للمتظاهرين في الشارع، قافزاً فوق إرادة «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» ورئيس الجمهورية، ترك تداعيات كبيرة على هذه التسوية التي كانت تظلل كل الحركة السياسية في السنوات الماضية، لحد إعلان رئيس حزب «القوات اللبنانية»، سمير جعجع، أن «هذه التسوية سقطت حكماً بعد نزول اللبنانيين إلى الشارع في المناطق كافة».
ويتريث الفريقان الرئيسيان اللذان حرصا على التمسك بهذا الاتفاق خلال السنوات الـثلاث الماضية، أي «تيار المستقبل» و«التيار الوطني الحر»، قبل ملاقاة جعجع بإعلان السقوط المدوي، إذ يربطان مصير التسوية بما ستؤول إليه مفاوضات تسمية رئيس الحكومة الجديدة، كما عملية تشكيل هذه الحكومة.
وفيما يعد عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب أسعد درغام أن «إعادة إحياء اصطفاف (تكتلي) 8 آذار و14 آذار، كما مصير التسوية، يتحددان على أثر المسار الذي سيسلكه تشكيل الحكومة»، يرى عضو كتلة «المستقبل» محمد الحجار أن «التسوية الرئاسية قامت أصلاً على هدف أساسي، هو تأمين مصلحة البلد. وبعدما كانت هذه المصلحة تتحقق بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً، رأينا أنها كانت مرتبطة مؤخراً باستقالة الرئيس الحريري، وهذا ما حصل».
وقال الحجار لـ«الشرق الأوسط» إن «تيار المستقبل مستمر بالتسوية، وبالتحديد بالحفاظ على العلاقة التي تجمع الرئيسين عون والحريري، ما دام الفريق الآخر متمسكاً بها، من منطلق أنها تخدم الهدف الأساسي القائم على تأمين المصلحة اللبنانية العليا»، وأضاف: «أما أن يؤدي ذلك إلى إحياء اصطفافي 8 آذار و14 آذار كمعسكرين متواجهين، فأمر مستبعد، خصوصاً بعد التطورات والعناصر الجديدة التي دخلت على الخط أخيراً من خلال الحراك الشعبي».
ويشير درغام إلى أنه «إذا أعيد تكليف الرئيس الحريري بعد الاتفاق على كل ملامح ومراحل المرحلة المقبلة، فعندها يمكن الحديث عن إحياء التسوية وإعطاء دفع لها، ما يترك الاصطفافات السياسية على حالها. أما في حال الذهاب إلى حكومة لا يكون الحريري على رأسها، فإن ذلك لا شك سيؤدي إلى إحياء الاصطفافات التي اعتقدنا أن الزمن قد مر عليها».
وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «بعض ما شهده الشارع أخيراً لجهة التصويب على رئيس الجمهورية والوطني الحر ورئيسه إنما يندرج بإطار المخطط القديم - الجديد الذي يسعى لإفشال العهد»، لافتاً إلى أن «خصوم الرئيس يتكتلون عند كل مناسبة لتوحيد جهودهم في هذا المجال، إلا أن ما حصل في الأسابيع القليلة الماضية يثبت أن نجاح العهد هو نجاح لكل الطبقة الحاكمة، وفشله فشل سيصيب الجميع من دون استثناء».
وفي حين ترى مصادر قيادية في «القوات اللبنانية» أن المرحلة الحالية ليست مرحلة إعادة إحياء الانقسام السياسي التقليدي بين 8 آذار و14 آذار، باعتبار أننا أمام مرحلة خلافية اجتماعياً ومعيشياً، فإنها تلفت إلى أن «التقاطعات والتموضعات السياسية الموجودة، وضمناً التقاطع والالتقاء بين القوات والمستقبل والتقدمي الاشتراكي، مشهد طبيعي، ولكنه ثانوي أمام المشهد الأساسي المتمثل بالانقسام حول المسألة المعيشية». |
|