Date: Aug 1, 2019
Source: جريدة الشرق الأوسط
احتدام الجدل حول التوازن الطائفي في الوظائف العامة بلبنان وحادثة الجبل تحيي مطلب إلغاء المحاكم الاستثنائية
بيروت: كارولين عاكوم
وقّع رئيس الجمهورية ميشال عون القانون المتعلق بنشر موازنة عام 2019 الذي أقرّه البرلمان قبل أسبوعين، فيما بقيت المادة 80 المرتبطة بحفظ حق الناجحين في مجلس الخدمة المدنية معلّقة لرفض رئيس الجمهورية ميشال عون و«التيار الوطني الحر» لها انطلاقاً من مطالبته بالمناصفة الطائفية في الوظائف الرسمية التي كانت تطبق منذ اتفاق الطائف في المراكز الأولى فقط.

وبعدما وقّع رئيس الجمهورية قانون الموازنة المتضمنة المادة 80، أرسل رسالة، أمس، إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، طلب فيها تفسير المادة 95 من الدستور المتعلقة بإلغاء الطائفية السياسية، في ظل الخلاف حولها بين من يعتبر أنها تقتصر على وظائف الفئة الأولى ومَن يطالب بتطبيقها على كل الوظائف، وهو ما أدى إلى تجميد مراسيم تعيين الناجحين في امتحانات مجلس الخدمة المدنية في وظائف عدة منذ أشهر، علماً بأن مفاعيل النتائج تسقط بعد مرور سنتين.

وهذا الاختلاف في مقاربة هذه القضية أتى بعد تصاعد الحديث الطائفي في الفترة الأخيرة في لبنان حيث أطلق عدد من نواب «تيار المستقبل» مواقف منتقدة لوزير الخارجية جبران باسيل، الرافض للمادة 80 ليعود الأخير ويردّ ملوّحاً بـ«خيارات أخرى لمواجهة العدّ بين المسلمين والمسيحيين».

وقال باسيل: «لا يهددنا أحد بالعدّ لأن هذا التهديد ينقلب على صاحبه، ونحن لنا خياراتنا أيضاً، وخياراتنا كلها وطنية تحافظ على هذا البلد الذي نعرف كيف نحافظ عليه ولا نتخلى عنه، ومَن يتكلم بالعدّ ويشكك بهذه المبادئ يكون هو من يتخلص من لبنان ومن صيغته».

وفيما يضع النائب في «التيار الوطني الحر» آلان عون، موقف باسيل في سياق الردّ على الفريق الآخر وفي إطار الرسائل المتبادلة، ينتقد «حزب القوات» على لسان مسؤول الإعلام والتواصل في «القوات اللبنانية» شارل جبور، الطريقة التي ينطلق منها باسيل للمطالبة بالمناصفة معتبراً أنها تعيد لبنان إلى مرحلة ما قبل الحرب الأهلية. ويرفض النائب عون في تصريح لـ«الشرق الأوسط» وضع مواقف «التيار» في إطار العودة للحرب الأهلية، مؤكداً أن ما يحصل اليوم هو إعادة الأمور إلى موقعها الطبيعي وتحديداً إلى البرلمان الذي يجمع مختلف الأطراف لإجراء حوار وطني حول هذه المادة ووضع تفسير نهائي لها، وهو ما قام به رئيس الجمهورية.

ومع تشديد جبور أن «القوات» بقدر ما تطالب بالتوازن والتنوع في الإدارات الرسمية يؤكد أهمية إعطاء المواطن الثقة بأن الآليات الدستورية تخوله تبوؤ مناصب بالكفاءة والجدارة بمعزل عن الطائفة. ويضيف «لا أعتقد أن أحداً في لبنان يريد أن تكون الإدارة من لون واحد لكن عندما تُطرح قضية كهذه لا بد من طرحها بعيداً عن التشنج والفرز الطائفي الذي بات يعيدنا إلى مرحلة ما قبل الحرب الأهلية، وهذا ما لن نقبل به وسنبقى نتصدى له».

ومن الناحية القانونية يلفت وزير الداخلية السابق والخبير القانوني زياد بارود، إلى أن خطوة رئيس الجمهورية دستورية وهي تندرج ضمن صلاحياته وتعديلها يتطلب أكثرية موصوفة في مجلس النواب. ويوضح أنه إذا لم يكن تفسير المادة 95 من قبل البرلمان متوافقاً مع نتائج امتحانات وظائف الخدمة المدنية فهذا يعني إسقاط المادة 80 في الموازنة.

وفيما يرى بارود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن الخلاف على تفسير هذه المادة هو سياسي بالدرجة الأولى، يؤكد أن إضافة المادة 80 إلى الموازنة من الأساس هي مخالفة دستورية انطلاقاً من أن مشروع الموازنة يجب أن يكون محصوراً في الوضع المالي للدولة بعيداً عن أي أمور أخرى مرتبطة بتعديل القوانين وغيرها.

من هنا يرى بارود أن ما يُطرح حول المادة 80 من الموازنة والمادة 95 من الدستور والخلاف حولهما وما يرافق ذلك من تشنّج على خلفية طائفية، لا يقتصر عليهما بقدر ما يخفي أموراً أخرى قد تأخذ البلد إلى ما هو أكثر خطورة. ويشير كذلك إلى أن التفاهمات الوطنية التي كرّست المناصفة بناءً على تفاهمات وطنية كانت إيجابية في كثير من الأحيان، ويسأل: «كم من مادة دستورية لا تطبَّق ويتم خرقها ومن ضمنها عدم تشكيل الهيئة الوطنية التي تضمنتها المادة 95 بالدستور؟». ويسأل في الوقت نفسه عن سبب طرح هذه القضية في الوقت الحالي بعد نحو 30 سنة من اتفاق الطائف الذي أُضيفت إليه هذه المادة.

هذا السؤال يردّ عليه النائب عون قائلاً: «في السنوات الماضية سُجل خلل في غياب المسيحيين الفعلي عن الدولة وهو ما انعكس على تمثيلهم في الإدارة، واليوم لا بد من تصحيح الوضع خصوصاً بعدما ظهر هذا الخلل بشكل نافر في عدد من المباريات الأخيرة التي أُجريت وأسهم في وضع هذه القضية على الطاولة لبحثها»، مع تأكيده ضرورة أن يترافق معيار الكفاءة ضمن الطوائف مقترحاً تحديد كوتا معينة لكل منها وعدم قبول الراسبين حتى لو لم يتم تأمين هذه الكوتا.

وفي رسالته إلى رئيس البرلمان نبيه بري، دعا الرئيس عون، حسب بيان صادر عن مكتبه، إلى مناقشة مجلس النواب، وفقاً للأصول، المادة 95 من الدستور ولا سيما الفقرة «ب» منها الواردة تحت عنوان «وفي المرحلة الانتقالية»، معطوفة على الفقرة «ي» من مقدمة الدستور وفقاً لقواعد التفسير الدستوري، وذلك «حفاظاً على ميثاقنا ووفاقنا الوطني وعيشنا المشترك، وهي مرتكزات كيانية لوجود لبنان وتسمو فوق كل اعتبار، مع حفظ حقنا وواجبنا الدستوريين من موقعنا ودورنا وقَسمنا، باتخاذ التدبير الذي نراه متوافقاً والدستور في المسائل المطروحة في الرسالة». وأعرب الرئيس عون عن أمله في أن يسهم تفسير مجلس النواب في الإضاءة الوافية له ولأي سلطة دستورية معنية بالمسائل التي وردت في الرسالة.

ولفت البيان إلى أن رسالة الرئيس عون أتت في ضوء اللغط الذي رافق إقرار المادة 80 من موازنة عام 2019 لا سيما الفقرة الأخيرة منها، ما يتطلب جلاءه، خصوصاً أن نقاشاً مستفيضاً حصل بين المكونات السياسية حول الخلل الميثاقي في اعتماد نتائج المباريات التي تضمنتها المادة 80 المذكورة في قانون الموازنة لعام 2019، وابتكرت حلولاً -أو كانت في طور الابتكار– لتفادي هذا الخلل قبل تدخل المشترع، فضلاً عن أن مشاريع المراسيم المعنية لم تصدر بسبب الخلل المذكور الذي شابها بشكل فاضح.

وجاء في المادة 95: «على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضمّ، بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء، شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية. وتكون مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية.

وفي المرحلة الانتقالية، تمثَّل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة، على أن تُلغى قاعدة التمثيل الطائفي، ويُعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها، وفيما يعادل الفئة الأولى فيها وتكون هذه الوظائف مناصفةً بين المسيحيين والمسلمين من دون تخصيص أي وظيفة لأي طائفة مع التقيّد بمبدأي الاختصاص والكفاءة».

حادثة الجبل تحيي مطلب إلغاء المحاكم الاستثنائية في لبنان
بيروت: يوسف دياب
ارتفعت مجدداً بعض الأصوات السياسية والقانونية المطالبة بإلغاء المحاكم الاستثنائية في لبنان، والمتمثّلة بالمجلس العدلي الذي يعدّ أعلى هيئة قضائية، والمحاكم العسكرية التي أعطيت صلاحيات واسعة، بعدما كان دورها محصوراً بمحاكمة العسكريين على المخالفات أو الجرائم التي يرتكبونها أثناء الوظيفة.

وتجددت المطالبة بإلغاء هذه المحاكم بعد حادثة الجبل التي وقعت بين مناصرين للحزب التقدمي الاشتراكي الذي يرأسه النائب السابق وليد جنبلاط، وبين مرافقين لوزير شؤون النازحين صالح الغريب، ومقتل اثنين من مرافقيه، وهم من مناصري الحزب الديمقراطي اللبناني الذي يرأسه النائب طلال أرسلان، بعد إصرار الأخير على إحالة هذه الحادثة إلى المجلس العدلي.

ولا يزال جنبلاط يرفض إحالة الحادثة إلى المجلس العدلي، ويرى أن ذلك يمثل استهدافاً سياسياً له ولحزبه، وسخر قبل أيام من اقتراح وزير شؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي (وزير العدل السابق والمحسوب على رئيس الجمهورية) بإحالة القضية إلى المحكمة العسكرية، وقال في تغريدة له: «صدرت فتاوى من كبار المشرعين القانونيين من أمير الزمان وريث السنهوري الجريصاتي، إلى ربما تشكيل محاكم ميدانية وفق الأحكام العرفية، أمثال المهداوي، وكل ذلك لم يسلّم حتى اللحظة أحدهم (أرسلان) أيا من السيّاح في الموكب المسلّح في البساتين (قبرشمون)». وختم جنبلاط تغريدته: «جرّبوا محكمة المطبوعات».

وأوضح مفوّض الإعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي رامي الريس، أن الحزب «سبق وقدّم مشروعاً لاستقلالية القضاء، واقتراحات حول القضاء العسكري والمجلس العدلي، الذي بات نموذجاً قائماً في لبنان فقط، ولم تعد له أمثلة في العالم». وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن «الإشكالية الآن مرتبطة بالحالة اللبنانية؛ حيث تدخل الاعتبارات السياسية في إحالة الملفات إلى المجلس العدلي، من دون أن تسلك المسار القضائي والقانوني الصرف عندما يقع الحادث». 

وأشار الريس إلى أن «الصيغة السياسية التي ترتبط بالملفات وبطريقة الإحالة من قبل مجلس الوزراء، تطرح كثيراً من الشكوك؛ خصوصاً إذا كانت مرتبطة بوضعنا الراهن، الذي يعبّر عن استهداف سياسي وحصار مقصود لجهة سياسية هي الحزب التقدمي الاشتراكي ووليد جنبلاط»، داعياً إلى أن يكون هذا الجدل «مدخلاً لإعادة فتح ملف القضاء بما يحفظ مقتضيات العدالة».

وزير العدل السابق أشرف ريفي، الذي قدّم اقتراح قانون بهذا الخصوص في عام 2015، جدد مطالبته بإلغاء المحاكم الاستثنائية، واعتبر أن «القضايا التي تسند إلى هذه المحاكم يفترض أن تكون من صلاحية قضاء متخصص وليس قضاء خاصاً». وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن اقتراحه إلغاء المحاكم الاستثنائية يأتي «استجابة لمطالب الأمم المتحدة المتكررة، الداعية إلى تعديل قانون المحكمة العسكرية، التي لم يعد لها مثيل في العالم، وهي أعطيت صلاحيات واسعة؛ حيث تتشكّل من أربعة ضباط وقاضٍ واحد، في حين أن المدنيين يجب أن يحاكموا أمام هيئة قضائية»، معتبراً أن «معايير العدالة يجب أن تكون موحدة في كلّ دول العالم التي تحترم حقوق الإنسان».

وأشار ريفي إلى أن الأمم المتحدة «لا تنفك تطالب بإلغاء المجلس العدلي؛ لأن أحكامه غير قابلة للاستئناف والطعن»، مشدداً على أن «أهم الخطوات الإصلاحية تكمن في إصلاح القضاء، وإلغاء المحاكم الاستثنائية». وقال: «يوم كنت وزيراً للعدل شكلت لجنة برئاسة القاضي بركان سعد (رئيس هيئة التفتيش القضائي حالياً)، وتضم كبار القضاة والمحامين ورجال القانون، وبعد 8 أشهر وضعت اللجنة مشروعاً يرمي إلى الانتقال من المحاكم الخاصة إلى المحاكم المتخصصة، تكون حضارية، وأودعت الاقتراح رئاسة الحكومة ولم يؤخذ بهذا الاقتراح».

وتتقاطع الرؤية القضائية مع المواقف السياسية حيال المحاكم الاستثنائية في كثير من المواضيع، إذ اعترف النائب العام التمييزي السابق القاضي حاتم ماضي، بأن «هذه المحاكم غير موجودة في الدول الأوروبية والعالم المتحضّر؛ لكنها موجودة لدى دول وأنظمة أخرى». وأوضح في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «لا يوافق على إلغاء المجلس العدلي نظراً لأهميته؛ خصوصاً لجهة سرعة إجراءاته والضمانة التي يشكلها قضاته؛ لكن يمكن إدخال تعديلات على نظامه، بحيث تصبح المحاكمة على درجتين، وهذا يمثّل ضمانة للمتقاضين». أما فيما يخصّ المحاكم العسكرية، فاعترف ماضي بوجود «مشكلة حقيقية تتمثل في أن هذه المحاكم مؤلفة من ضباط ليست لديهم خلفية قانونية، كما أن أحكام المحاكم العسكرية غير معللة، وهذا خطأ يجب الاعتراف به».

ولا يمكن إهمال البعد السياسي لمطلب إلغاء المحاكم الاستثنائية، إذ يعتبر وزير العدل السابق أشرف ريفي، أن «(حزب الله) يتخذ من المحكمة العسكرية وسيلة لمحاكمة خصومه وتبرئة جماعته والمحسوبين عليه، بدليل عدم محاكمة المتهم بقتل النقيب الطيار سامر حنّا، الذي أخلي سبيله بعد شهرين من توقيفه». وسأل: «هل يعقل إذا كان هناك عشرون مدنياً وعسكري واحد في القضية نفسها، أن يحال الجميع إلى المحكمة العسكرية؟». 

وتطرق وزير العدل السابق إلى حادثة الجبل، وخلفيات المطالبة بإحالتها إلى المجلس العدلي، فقال: «قضاة المجلس العدلي هم من أرفع قضاة لبنان ومشهود لهم بالنزاهة؛ لكن المحقق العدلي يعين من قبل وزير العدل (المحسوب على «التيار الوطني الحر»)، فمن يضمن أن يكون المحقق العدلي غير منحاز؟».