Date: Jul 16, 2019
Source: جريدة النهار اللبنانية
لبنان: "انتفاضة" سنيّة شعارها العودة إلى اتفاق الطائف
بعد تحوّل لقاءاتهم الدورية إلى ما يُشبه "التجمّع" الدائم، فرضت زيارة رؤساء الوزراء السابقين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمّام سلام للمملكة العربيّة السعوديّة ولقاؤهم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، نفسها على جدول الأحداث السياسيّة اللبنانية أمس، فطغى خبرها على ما عداه، خصوصاً أنه يحمل في طيّاته الكثير من الرسائل، ويؤسّس لمرحلة جديدة من التعامل السياسي، حتّى يمكن اعتبار ما بعد الزيارة ليس كما قبلها، إذا صحّت التوقّعات الإيجابيّة المرافقة لها، إذ لم تقتصر الزيارة، استناداً إلى متابعيها، على صورة تذكاريّة للقاء الذي أعدّ له جيّداً قبل حصوله. وإذا كان لغط رافق الكلام المنقول عن العاهل السعودي من أن "ما يصيب أهل السنّة في لبنان يصيبنا"، فإن المعنى يكمن في اللقاء والمطالب التي رافقته، ذلك أن التركيز على المطالبة بدعم موقع رئاسة الحكومة لا يخرج عن الهواجس السنيّة المتعلّقة باستضعاف هذا الموقع، خصوصاً منذ تولّي الرئيس ميشال عون سدّة الرئاسة ومحاولته بالممارسة، استعادة صلاحيّات الرئاسة الأولى التي انتزعت منها في اتفاق الطائف. والمطلب الأساس للرؤساء الثلاثة في السعوديّة كان إعادة الاعتبار الى اتفاق الطائف، وهو المطلب الذي يتضمّن صراحة إعادة الاعتبار الى موقع الرئاسة الثالثة، بعدما نيطت السلطة الإجرائيّة بمجلس الوزراء مجتمعاً.

وبعد سلسلة لقاءات في الداخل، كان آخرها مع الرئيس سعد الحريري مساء الأحد، توجّه رؤساء الوزراء السابقين إلى المملكة العربيّة السعوديّة، حيث عقدوا لقاء مع خادم الحرمين الشريفين في قصر السلام في جدّة عنوانه إعادة الاعتبار إلى "اتفاق الطائف"، أمّا المضمون فهو وضع السُنّة في لبنان، الذي لا يمكن فصله عن وضعهم في سوريا والعراق.

وبعد اللقاء الذي استمرّ 35 دقيقة، كشف ميقاتي أن "العاهل السعودي شدّد على ضرورة المحافظة على لبنان، وقريباً هناك خطوات سعوديّة نحو الدولة اللبنانيّة تنسجم مع ما يتمنّاه كل لبناني مخلص". وقال: "همّنا هو إنقاذ البلد في ظل الصعوبات التي نمر فيها، ومن الضروري دعم لبنان عبر الوحدة الوطنيّة وليس عبر المهاترات".

وجاء في بيان رسمي عن اللقاء أن "خادم الحرمين الشريفين أكّد حرص المملكة القوي والثابت على لبنان واستقلاله وسيادته، وصون اتفاق الطائف لكونه الاتفاق الذي أنهى الحرب الداخليّة في لنان، وأكّد أهميّة صيغة العيش المشترك بين جميع اللبنانيّين بشتّى طوائفهم وانتماءاتهم وكل ذلك تحت سقف الدستور واحترام القوانين واحترام الشرعية العربيّة والدولية. وإن المملكة لن تدّخر جهداً من أجل حماية وحدة لبنان وسيادته واستقلاله. كما أكّد خادم الحرمين الشريفين رغبته الصادقة بزيارة لبنان الذي يعتبره المنتدى الأفضل في الوطن العربي ويكنّ له كل المحبّة والتقدير وله فيه ذكريات طيّبة".

ووصف مصدر وزاري لـ"النهار" الزيارة بأنّها في "غاية الأهميّة" لأنّها "تؤسّس لمرحلة جديدة في التعامل مع المملكة التي تراجعت علاقتها بلبنان كثيراً، واعتبرت لبنان ساحة لإيران وحزب الله. لكن قراءة معمّقة لمسار العلاقة وتراجع الدور السعودي في المنطقة عموماً، ومحاصرتها بالأزمات في اليمن والبحرين وقطر والعراق، جعلت القيادة تُعيد النظر في السياسة المتّبعة".

ومنذ سنوات عدّة وتحديداً منذ العام 2008، يشعر السُنّة في لبنان بأن هناك استفراداً واستضعافاً لموقع رئاسة الحكومة، فمنذ أحداث 7 أيار وهم يبحثون عن نوع من التوازن لاقناع الخصم بالتسويات الممكنة.

ونسبت وكالة "أخبار اليوم" إلى مرجع سنّة "أن رئيس الحكومة سعد الحريري موافق ومطّلع على تحرّك الرؤساء السابقين، إلّا أن موقعه لا يسمح له بالتحرّكل معهم. الهدف الرئيسي من زيارة الملك سلمان هو وضع استراتيجيّة حقيقيّة لدعم اتفاق الطائف بما يؤدّي إلى تخفيف الاستفراد للمرجعيّة السياسيّة السنيّة، وهذا الأمر مُفيد.

وشدّد المرجع على أن الطرح المنطقي هو إعادة تثبيت اتفاق الطائف ومندرجاته، لأن هناك طائفة بأكملها تعتبر نفسها منذ أكثر من 10 سنين انها مهملة ومتروكة وليس لها سند في أي مكان، وذلك على خلاف الشيعة الذين يحظون بدعم إيراني كامل، كما يجد المسيحيّون ملاذاً لهم عند الغرب. وأشار إلى أن القضية لا ترتبك بشخص رئيس الحكومة، بل أن المطروح هو الوضع السنّي العام، حيث يشعر السُنّة وكأنّهم مستهدفون من الجميع وكأنّ هناك مؤامرة ضدّهم".

الموازنة

على صعيد آخر، وفيما يبدأ مجلس النواب اليوم مناقشة مشروع موازنة 2019 لثلاثة أيّام، على وقع تحرّكات اعتراضية بدأت منذ مساء أمس في محيط مجلس النوّاب، صرح رئيس لجنة المال والموازنة النيابيّة ابرهيم كنعان لـ"النهار": "موقفنا هو نفسه منذ العام 2010 برفض التسوية على الحسابات المالية وطلب الحكومة مهلة إضافيّة للتدقيق في الحسابات يبقي الملف مفتوحاً". وقال إن "الموازنة لست مثالية ولكن من الظلم القول إن لا إصلاح فيها وإن كان غير كافٍ إذ كان يمكن إدخال اصلاحات إضافيّة لو أحالت الحكومة الموازنة ضمن المهلة الدستوريّة". وختم بأنّه "يحق للهيئة العامة أن تعدّل في مواد الموازنة لكنني لا أتمنّى لها أن تتحمّل مسؤولية الغاء التعديلات الاصلاحيات للجنة المال والموازنة".

برّي – جنبلاط

في غضون ذلك، استمرّت حملة تبريد الأجواء المتشنّجة التي سادت اثر حادثة قبرشمون، ولهذه الغاية زار رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عين التينة حيث التقى الرئيس نبيه برّي. وقال بعد اللقاء إنه منفتح على لقاء واسع عند رئيس الجمهورية في حضور الرؤساء من أجل طيّ المسألة ومن أجل تنظيم الخلاف. ووصف برّي جوّ اللقاء بأنّه كان "إيجابيّاً جدّاً" وأمل أن تصل الجهود التي يجري العمل عليها على خط التوصل إلى تسوية ذيول حادثة البساتين إلى الحلول المرجوّة والمُنتظرة.

وتبيّن من الأجواء المحيطة بحركة الاتصالات أن ثمّة "خريطة طريق" يجري العمل عليها من أجل تبديد أجواء الخلافات الحالية لإعادة إطلاق عجلة الحكومة.

وينتقد برّي التعطيل الحالي للحكومة التي يصفها بأنّها "مضربة عن الاجتماع". وتُفيد جهات مواكبة أن انفتاح جنبلاط يتجّه إلى اتّساع أكثر من السابق أي بمعنى استعداده للقبول بمقترحات شرط أن تلقى قبول الجميع.

ويستغرب برّي عدم اجتمع الحكومة حتّى الآن، خصوصاً أنّ كل الأطراف يبدون استعدادهم لعقد جلسات "ولماذا لا يجتمعون لا أعرف".

وقال أمام زوّاره إن المسألة ليست تفاؤلاً أو تشاؤماً بل تتعلّق بالبلاد حيث يجب أن تجتمع الحكومة. وهناك أمور أكثر من ملحّة تستدعي ذلك. وعلى الحكومة إحالة قطع حساب 2017 على البرلمان.

وإذا كانت هناك محاولة لتكرار إقرار الموازنة بمعزل عن قطع الحساب، يرد برّي بأنّه إذا كان الأمر يتعلّ4 بكل قطع الحساب يمكن ان يكون هناك كلام آخر. وقطع حساب 2017 مُنجز وجاهز ولا يحتاج سوى إلى إحالته إلى البرلمان.