Date: Jul 3, 2019
Source: جريدة الشرق الأوسط
مرض السبسي يفجّر جدلاً في تونس حول التحضير لـ«انقلاب أبيض»
توقعات بأن يعلن رئيس الجمهورية استدعاء الناخبين إلى اقتراع أكتوبر
تونس: كمال بن يونس
فجّر مرض الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، وإعلان نقله فجأة إلى المستشفى العسكري مرتين في أسبوع واحد، أزمة سياسية وإعلامية داخل مراكز صنع القرار، وبين النخب ووسائل الإعلام التونسية، في ظل اتهامات بمحاولة تنفيذ «انقلاب أبيض» ضد السبسي، وأيضاً ضد رئيس البرلمان الذي يعاني بدوره من المرض ومن تقدم السن.

وتتجه الأنظار حالياً إلى قصري رئاسة الجمهورية في قرطاج، ورئاسة الحكومة في القصبة، في انتظار حسم بعض القضايا الخلافية المصيرية، وهو أمر يُتوقع البت فيه هذا الأسبوع.

وأوضح خبراء في القانون الدستوري التونسي أنهم ينتظرون إجراءات سياسية عاجلة من المقرر الإعلان عنها خلال أيام، ومن بينها إصدار «أمر رئاسي» بدعوة الناخبين إلى الاقتراع العام يوم 6 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، استكمالاً للمسار الانتخابي الذي بدأ منذ أسابيع، ويوشك أن يلغى في صورة عدم صدور هذا الأمر قبل انتهاء الأسبوع الجاري، أي قبل 3 أشهر من موعد الاقتراع العام، بحسب ما ينص عليه الدستور.

وتبادل زعماء أحزاب، في الحكم والمعارضة، ونقابيون اتهامات بمحاولة توظيف مرض الرئيس سياسياً، وإقحامه في الصراعات على السلطة. فقد اتهمت البرلمانية القيادية في حزب «آفاق تونس»، ريم محجوب، أطرافاً سياسية في الائتلاف الحاكم بـ«اللهفة على الحكم»، وبمحاولة دفع البلاد نحو «فراغ سياسي ودستوري». كما اتهم راشد الغنوشي، زعيم حركة «النهضة»، في حوار تلفزيوني مطول، أطرافاً سياسية لم يسمها بالتورط في «مخطط للتخلص من الرئيس»، دون أن يكشف الجهة التي يتهمها.

في المقابل، اتهمت أطراف سياسية وإعلامية يسارية بعض قيادات «النهضة» بأنها هي من يحاول تنظيم «انقلاب أبيض» داخل البرلمان، وبأنها تسعى إلى تعويض رئيس البرلمان محمد الناصر، المريض البالغ 85 عاماً، بنائبه الأول في البرلمان القيادي في «النهضة» المحامي عبد الفتاح مورو، أو برئيس الحكومة السابق علي العريض. ويهدف هذا التغيير، بحسب المروجين له، إلى تعيين شخصية قيادية في «النهضة» على رأس الدولة، خلفاً للباجي قائد السبسي (93 عاماً)، في حال إعلان أطبائه أو رئاسة الجمهورية عن «شغور» المنصب بسبب مرض الرئيس وعجزه عن ممارسة كل مهامه على رأس القوات المسلحة والدبلوماسية التونسية.

ويذكّر مثل هذا السيناريو التونسيين بالتقرير الطبي الذي اعتمد عليه رئيس الحكومة زين العابدين بن علي، في نوفمبر 1987، لتبرير إقالة الرئيس الحبيب بورقيبة وهو في الـ87 من عمره. لكن عبد الفتاح مورو، القيادي في «النهضة»، رد بقوة على مروجي مثل هذا السيناريو، وكشف أنه كان على رأس الذين اتصلوا هاتفياً برئيس البرلمان المتغيب منذ مدة بسبب المرض، وأنه كان من بين من اقترحوا عليه زيارة مكتبه وعقد اجتماع مع رؤساء الكتل البرلمانية، ونشر صورة تطمئن الشعب، وتفند إشاعة تسميمه وعجزه، وهو ما حصل فعلاً.

إلا أن سياسيين من حزب «النداء»، بينهم رئيس كتلته في البرلمان سفيان طوبال، ردوا على هذه الرواية، ونسبوا إلى أنفسهم وحزبهم إجهاض «محاولة انقلاب أبيض داخل البرلمان»، قالوا إن قيادات في «النهضة» فكّرت فيها، في ضوء ما تردد عن عجز رئيس الجمهورية عن ممارسة مهامه مؤقتاً أو بصفة دائمة.

واشتدت الاتهامات المتبادلة بالتورط في «انقلاب أبيض» يستهدف رئاستي الجمهورية والبرلمان عندما تأكدت مشاركة شخصيات برلمانية وسياسية وإعلامية من الصف الأول في نشر إشاعة عن وفاة الرئيس السبسي يوم الخميس 27 يونيو (حزيران) الماضي، بعد فترة من الإعلان عن نقله إلى المستشفى العسكري للعلاج بسبب «أزمة حادة»، مع دعوة الشعب إلى الدعاء له. وقد اعتذرت بعض تلك الشخصيات عن إعادة الترويج لإشاعة الوفاة من خلال تدوينات على وسائل التواصل الاجتماعي. كما فنّد إشاعة الوفاة أو عجز الرئيس عن ممارسة مهامه عدد من كبار السياسيين التونسيين الذين زاروا قائد السبسي في المستشفى العسكري، ومن بينهم رئيس الحكومة يوسف الشاهد، ووزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، وراشد الغنوشي زعيم «النهضة»، وحافظ قائد السبسي نجل الرئيس ورئيس أحد أجنحة حزب «النداء».

بدورها، أعلنت الناطقة باسم رئاسة الجمهورية، سعيدة قراش، أن رئيس الدولة سيعود إلى قصر قرطاج في ظرف وجيز بعد أن تحسنت حالته الصحية.

وقد اعتبر عدد من خبراء القانون الدستوري، ومن بينهم جوهر بن مبارك وسليم اللغماني وقيس سعيد، أن على رأس أولويات قائد السبسي بعد استئناف نشاطه قريباً الظهور في مكتبه، والتوقيع على الأمر الرئاسي الخاص بدعوة الناخبين إلى انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) البرلمانية، ثم انتخابات ديسمبر (كانون الأول) الرئاسية. وأكد هؤلاء الخبراء أن كسب هذا الرهان سيعني تجنيب البلاد أزمة شرعية سياسية، وخلافات ستبرز في حال شغور منصب الرئاسة لاحقاً حول الشخصية التي ينبغي أن تتسلم شؤون البلاد في المرحلة الانتقالية، وهل تكون رئيس الحكومة يوسف الشاهد أم رئيس البرلمان محمد الناصر الذي يشكو بدوره من أمراض كثيرة ومن تقدمه في السن.