| | Date: Jun 8, 2019 | Source: جريدة الشرق الأوسط | | المبادرة الأفريقية مع انتقال ديمقراطي سريع... واستجابة مشروطة من قوى التغيير | الخرطوم: محمد أمين ياسين - لندن: مصطفى سري - نيويورك: علي بردى
دعا رئيس الوزراء الإثيوبي الدكتور آبي أحمد، في زيارة للخرطوم، استمرت عدة ساعات، في إطار وساطة بين المجلس العسكري الحاكم، وحركة الاحتجاج، إلى انتقال ديمقراطي «سريع» في السودان. وعرض أحمد على الطرفين السودانيين، تفاصيل مبادرة أفريقية وجدت استجابة مشروطة من الطرفين. وطالب رئيس الحكومة الإثيوبي، في بيان، الجيش والقوى السياسية، بضرورة التحلي بالشجاعة والمسؤولية باتخاذ خطوات سريعة نحو فترة انتقالية ديمقراطية توافقية في البلد.
ودخل رئيس الوزراء الإثيوبي والوفد المرافق له في لقاءات مكوكية بين المجلس العسكري وقيادات قوى الحرية والتغيير، منذ وصوله إلى الخرطوم، وحتى مغادرتها، في محاولة لفك جمود المفاوضات بين الطرفين بعد فض الاعتصام بالقوة الاثنين الماضي وراح ضحيته أكثر من مائة شخص بحسب لجنة الأطباء التابعة إلى تجمع المدنيين. واقترح أحمد تشكيل مجلس سيادي من 15 شخصا، يكون الأغلبية فيه للمدنيين، (7 إلى 8) لكن المجلس العسكري تحفظ على المقترح.
وقال المجلس العسكري إنه مستعد للتفاوض. وحسب وكالة السودان للأنباء فقد أكد الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري الانتقالي أن المجلس منفتح للجلوس والتفاوض للوصول إلى حل في أي وقت. كما عبرت قوى الحرية والتغيير عن قبولها الوساطة بشروط محددة.
ويجيء رئيس الوزراء الإثيوبي، إلى الخرطوم، بصفته الرئيس الحالي للهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيقاد) التابعة للاتحاد الأفريقي والتي تقدم المبادرة. وقال أحمد في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه إنه أجرى لقاءات مع أطراف الأزمة السودانية، بدأها مع وفد المجلس العسكري الانتقالي برئاسة عبد الفتاح البرهان، أعقبه لقاء مع وفد من إعلان قوى الحرية والتغيير وقوى سياسية أخرى، داعياً إلى «انتقال ديمقراطي سريع في السودان»، ولفت إلى أن المحادثات مع الأطراف اتسمت بالمسؤولية العالية والوعي بخطورة المرحلة وبالشفافية. وأوضح أنه أجرى مناقشات صريحة مع الجميع اتسمت بروح عالية من المسؤولية والوعي بدقة وخطورة الظرف الراهن، وقال: «يجب أن يتحلى الجيش والقوى الأمنية والشعب والقوى السياسية بالشجاعة والمسؤولية باتخاذ خطوات سريعة للتوجه إلى فترة انتقالية وتوافقية في السودان»، كما دعا الجيش والقوى الأمنية والأحزاب السياسية إلى الابتعاد عن تبادل الاتهامات خلال الفترة المقبلة، لبناء الثقة. وأضاف: «على الجيش السوداني والمنظومة الأمنية أن يركزا جهودهما للدفاع عن سيادة الوطن وحرمته وأمن المواطنين وممتلكاتهم وعلى القوى السياسية التركيز على مصير مستقبل البلاد لا أن تبقى رهينة وضع العقبات ومعوقات الماضي البائدة».
وأبقى رئيس الوزراء الإثيوبي، مبعوث الاتحاد الأفريقي إلى السودان، محمد الحسن لبات، ومستشاره الخاص، برير محمود، لمواصلة الوساطة. وأشار رئيس الوزراء الإثيوبي إلى ضرورة أن يتحلى الشعب السوداني بشجاعته المعهودة، «ويتسم بالشرف والعزة»، وقال: «هذه قيمة ثابتة في تاريخه المجيد». وأضاف أن «الفاعلين السياسيين السودانيين مطالبون باتخاذ قراراتهم حول مصير البلاد واستقلاليتها التامة بعيداً عن أي طرف غير سوداني»، مشيراً إلى أن أهمية المحافظة على وحدة واستقرار السودان «يجب أن تبقى هدفاً مقدساً لا مساومة فيه على الإطلاق»، وتابع: «حري بي أن أؤكد أنه في الوقت الذي تواجه فيه الأمة السودانية تحديات جساماً تمس الصميم الوطني لا يجوز أن يكون للأنانية والمصالح الضيقة والدوافع الفئوية والأطماع السياسية الفردية مكان في معالجة الأزمة»، وأضاف أن بعثة الاتحاد الأفريقي وهيئة «إيقاد» ظلتا ولا تزالان تحت التصرف التام للأطراف السودانية لتسهيل توصلهم للاتفاق المنشود في أسرع الآجال.
وقال أحمد إن الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية البنيوية يجب أن تحظى بالقدر الكافي من الاهتمام بما يتطلب ذلك من تنظيم وتخطيط استراتيجي ومنهجي، مشيراً إلى ضرورة إيجاد نهج جديد للحكم الرشيد والتطلع لمشروع لنهضة السودان الجديد، مؤكداً وقوف بلاده مع السودان. وأنهى أحمد الزيارة التي استغرقت ساعات، على أن يعود في غضون أسبوع. وقد ضم الوفد وزير الخارجية الإثيوبي ومستشار رئيس الوزراء للأمن القومي ورئيس جهاز المخابرات الإثيوبي ورئيس هيئة أركان الجيش الإثيوبي والسفير الإثيوبي بالخرطوم.
من جانبه، قال عضو قوى الحرية والتغيير عمر الدقير في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه إن وفده أجرى لقاء رئيس الوزراء الإثيوبي في مقر سفارة بلاده في الخرطوم، وأضاف أن قوى الحرية والتغيير رحبت بالوساطة الإثيوبية، ولكنها وضعت شروطاً تتلخص في ضرورة أن يعترف المجلس العسكري بوزر الجريمة التي ارتكبت في ميدان الاعتصام الاثنين الماضي، والتي راح ضحيتها المئات، وتشكيل لجنة تحقيق دولية لمعرفة مرتكبيها ومحاكمتهم، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، والأسرى والمحكومين إبان نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، فوراً، وإتاحة الحريات العامة وحرية الصحافة ورفع الحصار عن الشعب السوداني، ورفع المظاهر العسكرية في الأماكن العامة، من جميع أنحاء البلاد ورفع الحظر عن خدمات «الإنترنت»، وأضاف: «يجب أن يتم تنفيذ هذه الشروط قبل الحديث عن الآفاق حول المفاوضات وقبل الدخول في المحادثات».
في غضون ذلك، قال المتحدث باسم الحركة الشعبية - شمال عضو وفد قوى الحرية والتغيير مبارك أردول لـ«الشرق الأوسط»، إن «الشروط التي قدمها وفد الحرية والتغيير موضوعية وليست تعجيزية كما يتصور البعض وإنها تؤكد انفتاح قوى الحرية والتغيير لحل الأزمة التي صنعها المجلس العسكري بقتل المدنيين العزل». وأضاف: «نحن قوى مسؤولة ونعبر عن الشعب السوداني الذي يطالب بلجنة تحقيق دولية بعد أن جربنا قبل ذلك لجنة تحقيق كان قد شكلها المجلس في حادثة قتل وقعت في الثامن من رمضان، ولكن لم نر تقريراً وماذا توصلت إليه لجنة التحقيق»، مشيراً إلى أن الوفد طرح أمام رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أعمال الاعتقالات والاعتداءات بالضرب على نائب رئيس الحركة الشعبية ياسر عرمان. وأشار إلى اعتقال القيادي عادل المفتي، وإلى اعتقال عضو وفد الحرية والتغيير محمد عصمت بعد لقاء رئيس الحكومة الإثيوبية بقليل. وأضاف: «هذه رسالة أخرى سالبة توضح عدم جدية المجلس العسكري». وقال أردول إن رئيس الوزراء الإثيوبي أبلغ رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان وطالبه بإطلاق سراح ياسر عرمان وعادل المفتي، وأضاف أن البرهان وعد بأن يتم إطلاق سراحهما اليوم السبت.
من جهته، قال القيادي في قوى الإجماع الوطني ساطع الحاج لـ«الشرق الأوسط» إن قوى الحرية والتغيير تتمسك بشروطها وستقوم بتقييم اجتماع مناديبها مع رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، أمس، وأضاف: «لا بد من سحب قوات الدعم السريع من العاصمة وإبعاد قائدها محمد حمدان حميدتي نائب رئيس المجلس العسكري وتشكيل لجنة تحقيق دولية ولن يكون هناك أي تفاوض ما لم يتم اتخاذ هذه الإجراءات وتنفيذها»، وقال إن قوى الحرية والتغيير طالبت بعملية تسليم وتسلم والانتقال إلى سلطة مدنية خلال الفترة الانتقالية.
من جهة ثانية، طالب ممثلو الدول الأفريقية الثلاث في مجلس الأمن، جنوب أفريقيا وغينيا الاستوائية وساحل العاج، المجلس العسكري الانتقالي في السودان بالعودة إلى الحوار بهدف الاستجابة السريعة لتطلعات الشعب السوداني المشروعة، وفقاً لمبادرة الاتحاد الأفريقي. وتحدث مندوبو الدول الثلاث التي تشغل مقاعد غير دائمة في مجلس الأمن وممثلة مفوضية الاتحاد الأفريقي لدى الأمم المتحدة، فنددوا «بشدة بالمأساة»، آسفين على وقوع خسائر في الأرواح. وذكّروا في هذا الصدد السلطات الانتقالية بـ«التزامها حماية المدنيين واحترام حقوقهم». وقال المندوب عن جنوب أفريقيا جيري ماثيو ماتجيلا: «نصر على ضرورة إجراء تحقيق لتوضيح الأحداث التي وقعت في الثالث من يونيو (حزيران) في السودان بهدف تقديم المسؤولين عن قتل السودانيين الأبرياء إلى العدالة على النحو المطلوب من مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي».
وكان مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي قد عقد جلسة طارئة الخميس حول الأزمة الجارية في السودان، واختتمها باعتماد بيان قرر فيه تعليق مشاركة جمهورية السودان بشكل فوري في جميع نشاطات الاتحاد حتى إنشاء سلطة انتقالية بقيادة مدنية، باعتبارها السبيل الوحيد للسماح للسودان بالخروج من الأزمة الحالية، بحسب السفراء الأربعة.
وحض بيان الاتحاد الأفريقي المجلس العسكري الانتقالي على «العودة إلى الحوار الداخلي بهدف الاستجابة السريعة والفعالة للتطلعات المشروعة للشعب السوداني»، داعيا إياه إلى العودة أيضاً إلى الإطار الذي أنشأه الاتحاد الأفريقي والقائم على أساس أولوية المبادرة الأفريقية في البحث عن حل دائم للأزمة في السودان. وقرر مجلس السلم والأمن أيضاً تعزيز فريق التيسير التابع للاتحاد الأفريقي في السودان والعمل من كثب مع الهيئة الحكومية (إيقاد)، التي تضم بلدان القرن الأفريقي، لتعزيز التآزر والاتساق في إعادة أصحاب المصلحة السودانيين إلى الحوار.
وأكدوا أولوية المبادرات التي تقودها أفريقيا في البحث عن حل دائم للأزمة في السودان، داعين جميع الشركاء إلى دعم جهود الاتحاد الأفريقي والإيقاد والامتناع عن أي عمل من شأنه تقويض المبادرة الأفريقية. وقال: «يجب ألا يكون هناك تدخل خارجي من قبل أي طرف في أي وقت في عملية حل الأزمة الحالية. سيواصل الاتحاد الأفريقي مراقبة الوضع في السودان من كثب، وفي حال فشل المجلس العسكري الانتقالي في تسليم السلطة إلى سلطة انتقالية بقيادة مدنية، فسيقوم مجلس السلام والأمن تلقائيا بفرض تدابير عقابية على الأفراد والكيانات التي تعرقل إنشاء سلطة انتقالية مدنية». | |
|