Date: Jun 1, 2019
Source: جريدة الشرق الأوسط
رموز دينية تقترح مرحلة انتقالية بـ«حكومة كفاءات» في الجزائر
فتح تحقيق قضائي بعد وفاة ناشط حقوقي خلال سجنه
الجزائر: بوعلام غمراسة
اقترحت رموز دينية في الجزائر «مرحلة انتقالية» تُسند لمن يحظى بموافقة أغلبية الشعب على تولي مسؤولية قيادة الوطن «نحو انتخابات حرة ونزيهة وذات مصداقية»، بينما تواصلت المظاهرات الشعبية الحاشدة للأسبوع الـ15.

وبعكس «مليونيات الجمعة» التي جرت في الأسابيع الـ14 الماضية، تميّز «حراك الجزائر»، أمس، بحضور قوي لأفراد الطائفة الإباضية، ذات اللسان الأمازيغي، وسط المتظاهرين، بغرض التنديد بوفاة الطبيب كمال الدين فخار، وهو أحد أعضائها، بالسجن، وذلك في ظروف غامضة.

سار الإباضيون، أمس، بشوارع العاصمة بزيهم الأبيض الذي يميّزهم، وهم يصرخون بصوت واحد: «يا للعار يا للعار... الدولة قتلت فخار». وفي العادة، يتصف الإباضيون، وهم من كبار التجار في البلاد، بالهدوء، ونادراً ما يشاركون في مظاهرات ذات أبعاد سياسية.

وتوفي فخار (56 سنة) متأثراً بإضراب عن الطعام، دخل فيه باليوم الموالي لسجنه بتاريخ 31 مارس (آذار) الماضي، بغرداية (600 كلم جنوب). ونقل إلى المستشفى المحلي بعد تدهور حالته الصحية. ولمّا ازدادت حالته سوءً نقلته سلطات السجن إلى مستشفى قرب العاصمة حيث تُوفي. وسُجن فخار بسبب تهجم في شريط فيديو على قضاة غرداية. وعدّ الإباضيون، أو «بنو ميزاب» نسبة إلى منطقة الميزاب حيث ينتشرون بكثافة (جنوب)، موت فخار «اغتيالاً سياسياً»، فقد عُرِف بمعارضته الشديدة لنظام الحكم وتم سجنه عدة مرات بسبب مواقفه. وعاشت غرداية عامي 2015 و2016 مواجهات عرقية دامية بين الإباضيين والمالكيين (العرب)، وكان فخار في قلب الحدث.

وطالب المتظاهرون في كل أنحاء البلاد قيادة الجيش التي تُسيّر شؤون الحكم، بتلبية مطالبهم، وتتمثل في تنحية رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، ورئيس الوزراء نور الدين بدوي، وبإلغاء الانتخابات الرئاسية المقررة في 4 يوليو (تموز) المقبل. وفي أحيان كثيرة، هاجموا رئيس أركان الجيش الجنرال قايد صالح الذي يرفض عزل بن صالح بدوي، ويصرّ على الانتخابات الرئاسية.

واختلفت المواقف من الجنرال بين من يوافق رأيه بخصوص رفض المرحلة الانتقالية والتوجه إلى الانتخابات في أقرب وقت، وآخرين يعتبرونه «عقبة أمام حل سياسي للأزمة»، على أساس أنه لا يريد الخروج عن الحل الدستوري الذي يعني استمرار بن صالح رئيساً مؤقتاً، فيما يرفضه الحراك بحجة أنه من «بقايا النظام البوتفليقي». واقترح صالح منذ أيام حواراً بين الطبقة السياسية، لكنه لم يوضح آلياته وما إذا كانت الأحزاب الموالية للرئيس السابق معنية به. ولوحظ انتشار مكثّف لرجال الأمن بالساحات العامة التي احتضنت المظاهرات بكل مدن البلاد، لكنهم كانوا أقل «عدوانية» مع المتظاهرين مقارنة بالجمعة الماضي الذي عرف مناوشات بين الطرفين.

وفي سياق ذي صلة، طرح رجال دين بارزون خطة للخروج من المأزق تتكوّن من عدّة عناصر، على رأسها «تفعيل المادتين 6 و7 من الدستور»، اللتين تنصان على أن الشعب «مصدر السلطة وهو صاحب السيادة». وبحسب أصحاب الخطة، «قدّم الشعب استفتاء في مختلف جمعات الحراك يغني عن أي استفتاء آخر».

ويوجد ضمن المجموعة التي صاغت الحلول محمّد الطاهر آيت علجت «عميد علماء الجزائر» (102 سنة)، وعبد الرزاق قسوم رئيس «جمعية العلماء المسلمين الجزائريين»، وسعيد شيبان وزير الشؤون الدينية سابقاً، إضافة إلى علماء دين ومفكرين وشيوخ زوايا كبيرة لتعليم القرآن.

وتقترح الخطة «مرحلة انتقالية تُسند لمن يحظى بموافقة أغلبية الشعب لتولي مسؤولية قيادة الوطن، نحو انتخابات حرة ونزيهة وذات مصداقية». ومن يتولى المرحلة الانتقالية مُطالَب بتعيين حكومة «من ذوي الكفاءات العليا، وممن لم تثبت إدانتهم في أي فترة من فترات تاريخنا الوطني»، كما هو مدعو لتعيين «لجنة مستقلة للإشراف على الانتخابات المقبلة وتنظيمها، ومراقبتها، من البداية إلى النهاية».

وتتضمّن الخطة تنظيم «ندوة حوار وطني شامل لا تُقصي أحداً، تكون مهمتها وضع أسس معالم المستقبل، وفتح (خارطة طريق) لرسم سياسة جديدة تحصّن الوطن والمواطن، من الوقوع من جديد في التعفن السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي أو الاجتماعي، وإنقاذ الوطن من كل أنواع التبعيّة أو الولاء لغير الشعب». كما تتضمن «فتح مجال التنافس أمام كل الشرفاء والنزهاء، الذين يتوقون إلى قيادة الوطن بعزة وإباء نحو غد أفضل، التزاماً بالحفاظ على وحدة الوطن، وحماية مكاسبه وتنمية مواهبه وحسن استغلال طاقاته وموارده».

وناشد أصحاب المبادرة «النخبة السياسيّة، كي ترقى إلى مستوى مطالب الحراك، في وجوب القطيعة مع ممارسات الماضي، بكل مفاسدها ومفسديها، وتقديم التضحيات من أجل فتح صفحة جديدة نحو المستقبل الأفضل. ويرفع علماء الجزائر أصواتهم عالية، بأن المرحلة قد بلغت من الخطورة والتأزم، ما يتطلب التدخل العاجل والسلمي والتوافقي».

توقيف 30 شاباً قبل التجمّع الاحتجاجي الأسبوعي في العاصمة الجزائرية
الجزائر: «الشرق الأوسط أونلاين»
أوقفت الشرطة الجزائرية أمس (الجمعة) حوالى 30 شخصاً معظمهم من الشباب، من المارة في العاصمة على مشارف ساحة البريد المركزي نقطة تجمع المحتجين ضد النظام أسبوعياً.

وطلب شرطيون باللباس المدني بطاقات الهوية والهواتف من المعنيين قبل تفتيشهم وادخالهم عربات الأمن. وغادرت ثلاث عربات على الاقل مليئة بالموقوفين المكان باتجاه مراكز أمنية، وحلت محلها عربات أخرى.

ورغم ذلك، تظاهر المئات في يوم الجمعة السادس عشر من عمر الحراك للمطالبة بتغيير رموز نظام الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة.

كما استنكر المتظاهرون الظروف الغامضة لوفاة الناشط السياسي كمال الدين فخار في السجن دون توجيه أي تهمة إليه. ودعوا إلى إزالة القيود المطبقة على حرية التعبير وإلى إعادة النظر في نظام الحبس الاحتياطي لسجناء الرأي.

من جهة اخرى، أكّد المحامي صلاح دبوز إطلاق سراح الناشط والمدون وأمين نقابة مجلس أساتذة الثانويات الجزائرية عوف حاج إبراهيم من سجن ولاية غرداية في جنوب البلاد، بعد حبسه ثلاثة أشهر وإضرابه عن الطّعام هو وفخّار الذي توفي قبل أيام بعد نقله في حالة حرجة إلى مستشفى «فرانز فانون» في البليدة على مسافة 50 كيلومتراً من العاصمة.

محاولات من الرئاسة والحكومة لتجاوز «عقدة الشرعية» في الجزائر
فتح تحقيق قضائي بعد وفاة ناشط حقوقي خلال سجنه

الجمعة مايو 2019 
الجزائر: بوعلام غمراسة

يحاول طاقم رئيس الوزراء الجزائري، نور الدين بدوي، فك الحصار المفروض عليه منذ بداية الانفجار الشعبي ضد النظام، عن طريق وضع أجندة أنشطة حكومية بالداخل والخارج. وامتنعت وسائل الإعلام الخاصة عن نقل أعمال وتصريحات الوزراء، تماشيا مع مطالب ملايين المتظاهرين بتنحية رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، وحلّ الحكومة التي عيّنها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، في 11 مارس (آذار) الماضي قبل ثلاثة أسابيع من استقالته.

وتسلم بن صالح رئاسة الدولة في 09 أبريل (نيسان) الماضي في إطار المادة 102 من الدستور، التي تنص على أن رئيس «مجلس الأمة» (الغرفة البرلمانية الثانية) يرأس البلاد لمدة 90 يوما، في حال استقالة الرئيس المنتخب. وتنتهي هذه المدة بتنظيم انتخابات رئاسية، وهي مقررة في 04 يوليو (تموز) المقبل، مرفوضة شعبيا ويتمسك بها الجيش كحل للأزمة.

ومنذ توليه الرئاسة، لم يعقد بن صالح مجلسا للوزراء مع أنه يملك هذه الصلاحية، ولم يلتق بأي عضو من الطاقم الحكومي. ولم يخرج إلى الميدان ولا مرّة واحدة، وبعض الأنشطة التي قام بها جرت داخل مبنى الرئاسة، ومنها تسلم أوراق اعتماد سفراء أجانب واستقبال بدوي. كما أنه أبعد عدة مسؤولين بأجهزة حكومية وفي القضاء ووسائل إعلام حكومية، وعيّن آخرين بدلا عنهم.

من جهته، نظّم وزير الخارجية، أول من أمس، إفطارا بـ«المركز الدولي للمحاضرات» بالعاصمة، للاحتفال بمرور 56 سنة على تأسيس «منظمة الوحدة الأفريقية» (تحولت إلى الاتحاد الأفريقي منذ 1999). وحضر الحفل سفراء أجانب والوزراء، وقاطعته وسائل الإعلام باستثناء وكالة الأنباء الحكومية. وردّد صابري بوقادوم في كلمة قرأها على المدعوين، ما سبقه إليه وزراء خارجية سابقين بخصوص «مبادئ الدبلوماسية الجزائرية»، وعلى رأسها «عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى».

وحاول عدّة وزراء النزول إلى الميدان لمتابعة مشروعات معطّلة منذ بداية الحراك الشعبي، وكلّهم وجدوا أنفسهم وسط احتجاجات بالمناطق التي زاروها. وتعرّضوا لمواقف محرجة للغاية، وبعضهم نجا من الاعتداء. وكان آخرهم وزير الطاقة محمد عرقاب، الذي سافر إلى تندوف (800 كلم جنوب العاصمة)، على أمل أن يتمكن من مشاركة سكان بلدة صحراوي فرحتهم بوصل بيوتهم بالغاز الطبيعي، غير أنه وجد بالمطار متظاهرين رافعين لافتات ترفض زيارته، وتطلب منه «العودة إلى العاصمة لأن الشعب يرفضك، كما يرفض حكومتك ورئيس دولتك».

وقبل أسبوعين، واجهت وزيرة البريد هدى فرعون مظاهرة كبيرة بمدينة خنشلة (600 كلم شرق)، واضطرت لقطع زيارتها وعادت إلى مقر وزارتها. أما أكثر الوزراء نشاطا، فهو المكلف بقطاع الرياضة سليم برناوي الذي صوَره التلفزيون الحكومي يقوم «بزيارة مفاجئة» لمنشأة رياضية مهملة بالعاصمة، بمكان بعيد عن وسط المدينة. وواجه انتقادا حادا بعدما صرّح بأن الجزائر «تملك القدرة على تنظيم كأس العالم لكرة القدم»، مذكّرا بذلك تصريحا مشهورا للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة يعود إلى عام 2009، جاء فيه: «بإمكان الجزائر أن تنظم 3 دورات لكأس العالم».

على صعيد منفصل، أعلنت وزارة العدل الجزائريّة ليل أول من أمس أنّها أمرت بـ«إجراء تحقيق شامل» لتوضيح ظروف وفاة الناشط الحقوقي الجزائري كمال الدين فخار. وتوفي فخار الثلاثاء في مستشفى البليدة، بعد أن كان نُقل «في حالة غيبوبة» من جناح المساجين في مستشفى غرداية، وفق ما أفاد محاميه الذي ندّد بـ«تحامل القضاء ضدّه».

وقالت وزارة العدل، في بيان نقلته وكالة الصحافة الفرنسية، إنّها أصدرت تعليمات إلى أجهزتها المعنيّة لإجراء «تحقيق شامل في ظروف» وفاة فخار. وبحسب المصدر، توفي فخار الثلاثاء بمستشفى البليدة (50 كلم جنوب الجزائر) حيث تمّ نقله في حالة غيبوبة من مستشفى غرداية (480 كلم جنوب الجزائر).

وسبق لفخار، وهو طبيب، أن دخل في إضراب عن الطعام لأكثر من مائة يوم أثناء عقوبة بالسجن لسنتين بين 2015 و2017 بتهم منها «المساس بأمن الدولة»، وهي التهمة نفسها التي سجن بسببها في 31 مارس (آذار).

ولم يتوقّف عن الإضراب إلا بعد إلحاح الأطباء واكتشاف إصابته بالتهاب الكبد الفيروسي، كما كان قد صرّح بنفسه. وشهدت غرداية مطلع عام 2015 مواجهات بين السكّان من أصول عربيّة والميزابيين الأمازيغ أسفرت عن مقتل 23 شخصاً وتوقيف أكثر من مائة، بينهم فخار الذي ألقي عليه القبض في 9 يوليو (تموز) من السنة نفسها.

وطالبت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان بكشف «حقيقة وفاة» فخار الذي يوصَف بأنّه «سجين رأي». من جهتها، طلبت جبهة القوى الاشتراكيَّة، أقدم حزب معارض في الجزائر بـ«تسليط الضوء على ظروف هذه الوفاة».