Date: Apr 1, 2019
Source: جريدة النهار اللبنانية
البابا فرنسيس اختتم زيارته للمغرب بقداس حاشد: "استمرّوا في تنمية ثقافة الرحمة"
المصدر: "أ ف ب"
ترأّس البابا فرنسيس في الرباط أمس، قداساً حاشدا شارك فيه آلاف، في ختام زيارته الرسمية للمغرب التي تميزت بالدعوة الى الحوار بين الأديان وحماية المهاجرين، فضلا عن تحذير لمسيحيي المغرب من القيام بأنشطة تبشيرية.

وخصص البابا اليوم الثاني من زيارته للقاء المسيحيين، بحيث التقى أساقفة وراهبات في كاتدرائية الرباط، قبل أن يترأس قداسا حاشدا في الملعب الرياضي مولاي عبد الله.

وحض المصلين الذين غصت بهم القاعة، على "الاستمرار في تنمية ثقافة الرحمة"، منبها الى ان "الميل إلى الاعتقاد بأن الحقد والانتقام أشكال شرعية للحصول على العدالة بطريقة سريعة وفعالة، يهددنا على الدوام".

وبلغ عدد المشاركين في القداس نحو 10 آلاف شخص، أغلبهم من إفريقيا جنوب الصحراء، فضلا عن أوروبيين وآسيويين.

ويحتضن المغرب أقليّة صغيرة من المسيحيين يقدر عددها بـين 30 الفا و35 ألفا، يشكل المهاجرون من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء غالبيتها العظمى، ويمارسون شعائرهم بكل حرية، بينما يضطر معتنقو المسيحية من المغاربة إلى التخفي.

وردد المصلون أناشيد بالفرنسية على إيقاعات إفريقية، في انتظار وصول البابا، ملوحين بأعلام صغيرة للمغرب والفاتيكان، بينما اختار آخرون رفع أعلام بلدانهم الأصلية، مثل ليبيريا ولبنان وإيطاليا.

وحضر القداس وزير الخارجية والتعاون ناصر بوريطة، ووزير الشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، ووزير الداخلية عبد الوافي الفتيت، ورئيس الطائفة اليهودية بالمغرب سيرج بيرديغو.

وأدى أناشيد كورالية نحو 500 منشد ومنشدة جاؤوا من مختلف أنحاء البلاد.

ويقول المهاجر من ساحل العاج المقيم بالرباط فيكي (22عاما) مبتسما: "يبدو أن كل العاجيين المقيمين في المغرب تجمعوا هنا"، معربا عن "سعادته الغامرة" لرؤية البابا مباشرة.

ويشعر المهاجر من بوركينا فاسو سامبا (18 سنة) بـ"تأثر عميق" لرؤية البابا. ويقول هذا الشاب الذي يحلم بالعبور نحو أوروبا: "منذ مدة وأنا أنتظر هذه اللحظة".

والتقى البابا مساء السبت مهاجرين في مركز جمعية "كاريتاس" الكاثوليكية الخيرية، حيث شدّد على "حقّ أي إنسان في ضمان مستقبله"، مندّداً بـ"أشكال الترحيل الجماعية".

وبات المغرب طريقاً رئيسية لعبور المهاجرين من جنوب الصحراء نحو أوروبا. وأحبطت السلطات المغربية عام 2018 نحو 89 ألف محاولة للهجرة، بينها 29 ألفاً في عرض البحر، وفقا لأرقام رسمية.

وزار البابا فرنسيس صباح اليوم جمعية خيرية تديرها راهبات ومتطوعون على بعد قرابة 20 كيلومتراً جنوب العاصمة الرباط. والتقى أطفالا يتابعون علاجا في مركز صحي بهذه الجمعية.

ثم كان على موعد مع أساقفة وراهبات في كاتدرائية الرباط، حيث دعا المسيحيين في المغرب الى ان يجتهدوا "في خدمة العدالة والسلام وتربية الأطفال والشباب، وحماية ومرافقة المسنين والضعفاء وذوي الاحتياجات الخاصة والمضطهدين".

واستقبله بالزغاريد والتصفيق أساقفة وراهبات جاؤوا إلى الكاتدرائية الواقعة وسط العاصمة، من مدن مختلفة ومن بلدان إفريقيا الغربية، وبينهم من التقط صورا للذكرى بكاميرات الهاتف.

وفي هذه المناسبة، حيا البابا الأب جان بيار شوماخر (95 عاما)، وهو الوحيد الذي لا يزال حيا بين راهبين نجيا من مذبحة تيبحرين بالجزائر، والتي أودت بحياة سبعة رهبان سنةعام 1996، ويعيش في المغرب منذ 2000.

وقال شوماخر لوكالة "فرانس برس" عن لقائه بالبابا: "إنه في غاية الأهمية، سيظل في ذاكرتي".

وحذر البابا، في كلمته في كاتدرائية الرباط، مسيحيي المغرب من القيام بأية أنشطة تبشيرية. وقال: "دروب الرسالة لا تمر من خلال أنشطة التبشير التي تقود دوما إلى طريق مسدود".

وخرج عن نص خطابه المكتوب ليقول: "رجاء لا تبشير!". وتابع وسط تصفيق الحاضرين: "عدد المسيحيين في هذا البلد صغير. لكن هذا الواقع ليس بمشكلة في نظري، رغم أنني أدرك أنه قد يصعب عيشه أحيانا بالنسبة الى البعض".  مذكرا الحاضرين أن "رسالتنا كمعمدين وكهنة ومكرسين لا يحددها بشكل خاص العدد أو المساحة التي نشغلها، وإنما القدرة على خلق التغيير والدهشة والتعاطف".

وجدد الملك محمد السادس، في خطاب ألقاه السبت أثناء استقبال البابا في مسجد حسان التاريخي بالعاصمة، على أنه "المؤتمن على حماية اليهود المغاربة، والمسيحيين الآتين من الدول الأخرى، والذين يعيشون في المغرب".

ولم يشر الخطاب إلى وجود آلاف المغاربة الذين يعتنقون المسيحية، والمعرّضين للملاحقة إذا جاهروا باعتناق دين آخر غير الإسلام بموجب قانون يجرّم التبشير.

ويعاقب هذا القانون بالسجن لمدة تراوح من ستة أشهر الى ثلاث سنوات، كل شخص "استعمل وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى".

منذ 2017، بدأت أقلية من المغاربة من معتنقي المسيحية تطالب علناً بـ"الاعتراف القانوني" بها. ويرفع نشطاء حقوقيون وبعض المثقفين مطلب احترام "حرية الضمير" منذ سنوات.

ودعت "تنسيقية المسيحيين المغاربة"، غير المعترف بها رسمياً، السلطات إلى ضمان "الحريات الأساسية التي لا يزال هؤلاء المسيحيون المغاربة محرومين منها"، واغتنام زيارة البابا للحوار حول حرية الضمير والدين لجميع المغاربة.

وقال البابا في كلمته السبت، في مسجد حسان أمام نحو 12 ألف شخص، إنّ "حرية الضمير والحرية الدينية- التي لا تقتصر على حرية العبادة فحسب، انما ايضا يجب أن تسمح لكل فرد بالعيش وفقا لاقتناعاته الدينية- ترتبطان ارتباطاً وثيقاً بالكرامة البشرية".

وتميزت زيارة البابا فرنسيس للمغرب بإصدار نداء مشترك مع العاهل المغربي يدعو إلى الحفاظ على القدس، "تراثا مشتركا" للأديان التوحيدية الثلاثة.

وغادر البابا فرنسيس المغرب عصر اليوم، وهي الزيارة الثالثة له لبلد عربي بعد مصر والإمارات. وسبق أن زار البابا الراحل يوحنا بولس الثاني  المملكة عام 1985.