Date: Feb 12, 2019
Source: جريدة النهار اللبنانية
لبنان يتحفّظ عن قبول العروض الإيرانية
تبدأ اليوم "رباعية" جلسات مجلس النواب لمناقشة البيان الوزاري للحكومة التي تتوزع مبدئياً على أربع جلسات نهارية ومسائية الثلثاء والأربعاء لتنتهي بالاقتراع على الثقة بالحكومة بأكثرية يرجح ان تكون كبيرة نظراً الى اتساع قاعدة تمثيل الكتل النيابية في الحكومة ما لم تبرز معطيات معاكسة ومفاجئة. وعلى رغم تركيبة الحكومة التي تضم معظم الكتل فان ذلك لم يخفف القابلية المفرطة للنواب على طلب الكلام في الجلسات المنقولة تلفزيونيا في بث مباشر، فارتفع عدد طالبي الكلام عشية بدء الجلسات الى ما يناهز الخمسين نائبا بما يرسم علامات شك في امكان انتهاء الجلسات ليل غد ما لم يتفق لاحقاً على تقليص العدد.

هذا في المسار الاجرائي للجلسات، أما من جهة المناخ السياسي الذي يواكب النقاش النيابي المفتوح اليوم وغدا فيبدو واضحاً ان الاختراق الذي تحقق في تشكيل الحكومة بعد طول انسداد سياسي لا يعني ان الصورة القاتمة لمعظم ازمات البلاد الاقتصادية والمالية والانمائية والخدماتية ستغيب عن المداخلات، بل على العكس تماماً، فان جلسات الثقة ستشكل المنبر المفتوح لعرض مجمل هذه الازمات وما يطلب من الحكومة لمواجهتها في انتظار رد الحكومة بلسان رئيس الوزراء سعد الحريري الذي بدت مداخلاته وكلماته خلال زيارته لدبي الاحد بمثابة نسخة تقريبية عما يمكن ان يتضمنه رده على مداخلات النواب وخصوصاً لجهة تشديده على الفرصة الاخيرة لاستدراك اي انزلاق نحو انهيار اقتصادي وابرازه الاهمية الكبيرة لتنفيذ مقررات "سيدر" والالتزامات الاصلاحية التي تعهدها لبنان حيالها كما لجهة التشديد على الجدية المصيرية لالتزام مكافحة الفساد.

أما المفارقة اللافتة التي تواكب انطلاق جلسات الثقة، فتتمثل في زحمة الزوار والموفدين الدوليين والاقليميين والعرب لبيروت عقب ولادة الحكومة، الامر الذي بدا كأنه اعادة لوضع لبنان على اجندات الاهتمام الخارجي ولو برز طابع التسابق الديبلوماسي الايراني – العربي كعنوان اساسي لهذه الحركة. واذا كانت لقاءات وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف مع المسؤولين الرسميين وما نقله من رسائل عن استعدادات بلاده للتعاون مع الحكومة في مختلف المجالات شغلت الاوساط السياسية في الساعات الاخيرة، فان الانظار ستتجه من مساء اليوم الى زيارة الموفد السعودي المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا لبيروت والتي تستمر يومين ينقل خلالهما تهنئة العاهل السعودي وولي العهد الى المسؤولين بتشكيل الحكومة. وترددت معلومات غير مؤكدة رسمياً مفادها انه قد يحمل دعماً ذا طابع مالي للبنان عبر القنوات الرسمية للدولة.

ومن المؤشرات البارزة للاهتمام الخارجي بلبنان ، صول المنسق الخاص الجديد للامم المتحدة في لبنان يان كوبيش أمس الى بيروت وشروعه فوراً في مهماته الرسمية بلقاء وزير الخارجية جبران باسيل. وصرح المسؤول الاممي: "يشرفني كثيراً أن يستقبلني بعد ثلاث أو أربع ساعات من وصولي إلى البلاد وزير الخارجية وغيره من كبار المسؤولين في لبنان. اعتبر هذا مبادرة إيجابية للغاية. وأشعر أيضاً بالمديونية لأنني في حاجة إلى الرد بالمثل بسرعة من خلال العمل معًا كشركاء ممتازين مع الدولة والحكومة الجديدة. للأمم المتحدة ولمكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان تاريخ طويل من العمل مع لبنان وتاريخ طويل من المساعدة للبنان. لا يمكنني إلا أن أتعهد أنني في عملي، وعمل زملائي، سنبذل كل جهدنا لكي نواصل هذه الشراكة وهذا التعاون ونعززهما ونرتقي بهما الى مستوى أرفع، ولا سيما في ما يتعلق بتنفيذ جميع ولاياتنا، خصوصاً القرار 1701 ولكن أيضا بالعمل مع أجزاء أخرى من الأمم المتحدة لنكون شريكاً جيداً وموثوقاً به للبلد".

ظريف والاستعدادات للدعم

أما في ما يتعلق بلقاءات وزير الخارجية الايراني مع المسؤولين الكبار، فبرز ما كشفه المكتب الاعلامي لرئيس الوزراء عن لقائهما مساء أمس في السرايا، اذ قال ان الوزير ظريف نقل تهنئة الرئيس الإيراني بتشكيل الحكومة اللبنانية، معرباً عن تمنيات إيران بنجاحها في برنامجها للنهوض، وعن استعداد بلاده لمساعدة لبنان في المجالات التي تحددها الحكومة اللبنانية. وشكر الرئيس الحريري الوزير ظريف، مؤكدا أن الحكومة تنطلق في برنامجها للنهوض من مصلحة الشعب اللبناني ومصالح لبنان العليا، لافتاً إلى احترام لبنان لتعهداته والتزاماته تجاه المجتمع العربي والدولي. كما جرت خلال اللقاء جولة أفق في أوضاع المنطقة، ولا سيما منها ما يتعلق بقضية النزوح السوري، والسبل الآيلة الى تحقيق عودة آمنة وكريمة للنازحين في لبنان.

وفي ختام اللقاء استفسر الرئيس الحريري عن جواب الحكومة الإيرانية عن مطالبته بإطلاق اللبناني نزار زكا المسجون في إيران، مشدداً على وجوب إنهاء هذا الملف، بما يشكل مبادرة إيجابية تجاه عائلة زكا والشعب اللبناني عموماً، فوعده الوزير ظريف بالمتابعة.

وعلمت "النهار" ان ظريف عرض في لقائه مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لمروحة واسعة من الخدمات والمساعدات الإيرانية للبنان، من الاقتصادية الى الاجتماعية الى الصحية، وصولاً الى العسكرية، متناولاً مجالات البناء والإعمار، والطاقة، والدفاع، والخبرات، والصحة. لكنه لم يخض في التفاصيل، وكذلك فعل رئيس الجمهورية مكتفياً بالتعبير عن الشكر لهذا الدعم. وحرص المسؤول الايراني على القول إن بلاده تراعي الخصوصية والمصلحة اللبنانيتين، وانه في الامكان دونما احراج تقديم مساعدات كالتي تقوم بين إيران والاتحاد الأوروبي بعيداً من اي محظورات، وفق الآلية المعتمدة مع عدد من الدول الصديقة لإيران. كما شدد على ان إيران تسعى الى أفضل العلاقات مع كل الأطياف اللبنانية وليس فقط مع طرف واحد أو فريق دون آخر. وجدد الدعوة المتكررة من الرئيس الايراني حسن روحاني للرئيس عون لزيارة إيران، وسمع في المقابل الشكر نفسه من غير الخوض في موعد.

وأبلغت مصادر متابعة "النهار" انه في ظل الحصار الدولي على إيران، ثمة محاذير في قبول المساعدات انطلاقاً من التخوّف من تعريض لبنان لضغوط وعقوبات، باعتباره الحلقة الأضعف ولا يمكن اقتصاده ان يتحمل. اما بالنسبة الى قبول مساعدات أو هبات عسكرية من إيران، ففي ذلك استحالة انطلاقاً من ان كل الأسلحة في حوزة الجيش والأجهزة الأمنية هي غربية ولا يمكن ملاءمة السلاح الايراني معها.

بري "نقزان"

ووصف رئيس مجلس النواب نبيه بري زيارة ظريف بانها "ايجابية" وقال: "لا يجب ان نتوتر حيال ما يعرض على لبنان ومساعدة اقتصاده ومؤسساته، وان المطلوب منا جميعاً ان نعمل وفق مصلحة لبنان وضمن الاطر والقواعد الدولية ويجب ألا نحدث كل هذا الضجيج حيال كل ما يطرح على لبنان من أي جهة".

وعشية جلسات الثقة اليوم: اعرب بري عن انزعاجه من مواقف بعض مكونات الحكومة حيال بعضها البعض وقال "انا نقزان". وامل في عدم تبديد ما تم البناء عليه حيال الحكومة وانتاجها للتخلص من الازمات والصعوبات التي تهدد البلد.

الحريري: لن أقتنع بسياسة الحزب ولن يقتنع بسياستي فهل نعطل البلد؟

استقبل رئيس الحكومة سعد الحريري في السرايا الحكومية السفير البريطاني كريس رامبلينغ الذي هنأه باسم المملكة المتحدة على تشكيل الحكومة، متطلعا "قدما الى نيلها ثقة البرلمان هذا الأسبوع". وقال: "بناء على النجاح الذي حققه منتدى رجال الأعمال والمستثمرين اللبناني البريطاني، فإننا اليوم، بعد تشكيل الحكومة، سنتمكن معا من وضع ما تقرر في هذا المنتدى حيّز التنفيذ".

وكان الحريري أكد خلال وجوده في الامارات العربية المتحدة نيّة الحكومة محاربة الفساد، نافيا أي علاقة للتدخلات الخارجية في عرقلة الإصلاحات المطلوبة. وقال: "إن أبرز التحديات التي ستواجهها الحكومة هي مواجهة الهدر والفساد"، لافتا إلى أن "محاربة الفساد ستكون من أصعب الأمور التي سنواجهها في لبنان، لكن الإجماع السياسي سيسهل الأمر علينا".

وفي ندوة حوارية مع الإعلامي عماد الدين أديب، في إطار فعاليات "القمة العالمية للحكومات" بدبي، حضرها حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ونحو أربعة آلاف شخصية، قال: "تعرفون أن لبنان خرج من انتخابات نيابية قبل تسعة أشهر، ولكن هذه الانتخابات تأخرت أصلا عشر سنوات لكي تجرى. فكان هناك شد حبال من أجل تشكيل الحكومة، ولكن الآن وصلنا إلى هذا التشكيل. الأهمّ بالنسبة إليّ أننا وضعنا في هذه الحكومة برنامجا واضحا وصريحا بالإصلاحات التي علينا القيام بها لكي نشجع المستثمر العربي والأجنبي على أن يستثمر في لبنان.

نحن في لبنان نعاني الفساد والهدر ونفص الكهرباء، قوانيننا وضعت في الخمسينيات والستينيات ولم نطورها. وحين ذهبنا إلى مؤتمر سيدر، ساعدتنا فرنسا وصندوق النقد والبنك الدوليان. وكل هذا في البيان الوزاري الذي سيشجع المستثمر على أن يأتي إلى لبنان. فعلينا مثلا أن نخفض 1% من العجز على مدى خمس سنوات، وهذه كانت نصيحة صندوق النقد. ومرّرنا تسعة قوانين من أصل 15 قانونا، منها أقرّ والباقي موجود في البيان.

الفارق اليوم أننا اتخذنا قرارا بالإجماع من كل القوى السياسية بأن هذا هو الطريق الوحيد لإنقاذ لبنان. ليس لدينا وقت للترف في السياسة، لأن اقتصادنا قد يتعرض للانهيار. لذلك لا بد من أن نقوم بهذه العملية الجراحية بشكل سريع وبإجماع، وأنا أقول إن هناك إجماعا سياسيا في لبنان على كل الإصلاحات التي وردت في "سيدر" وعلى محاربة الفساد".

ورأى أن "التدخلات الخارجية لا دخل لها في الإصلاحات. مشكلة اللبنانيين اننا نتذرع بهذه التدخلات لكي نعطّل الأمور. ما اتفقنا عليه بين اللبنانيين والقيادات السياسية هو ان الخلافات الإقليمية ستستمر، فأنا لن أقتنع بسياسة حزب الله ونقطة على السطر، ولا حزب الله سيقتنع بسياستي الإقليمية، فماذا نفعل حيال ذلك؟ هل نعطّل البلد أو نضع الخلافات الإقليمية جانبا ونقوم بالإصلاحات التي تنفع المواطن اللبناني؟".

وكان الحريري اجتمع بوزير الصناعة والمال الفرنسي برونو لومير في حضور اعضاء الوفد اللبناني المرافق وعدد من مساعدي الوزير الفرنسي، وتم خلال اللقاء البحث في آفاق التعاون الاقتصادي بين البلدين وسبل تنفيذ قرارات مؤتمر "سيدر".