|
|
Date: Feb 8, 2019 |
Source: جريدة الشرق الأوسط |
|
مظاهرات حاشدة في وسط الخرطوم للمرة الأولى واجهها الامن بالغاز |
والنيابة تؤكد مقتل مدرس بالتعذيب وتطلب تسليم محققين استجوبوه |
الخرطوم: أحمد يونس
تحدى آلاف السودانيين الإجراءات المشددة التي اتخذتها قوات الأمن السودانية وخرجوا في مظاهرة حاشدة في «السوق العربي»، أكبر أسواق الخرطوم، استجابة لدعوة «تجمع المهنيين السودانيين» للتظاهر في «موكب المعتقلين والتعذيب»، فيما قالت النيابة العامة ولجنة التحقيق في ضحايا المظاهرات إن مدرساً اعتقل أثناء الاحتجاجات قُتل بسبب تعرضه للضرب والتعذيب أثناء احتجازه لدى جهاز الأمن والمخابرات في ولاية كسلا.
وجاءت احتجاجات أمس عشية انتقاد الرئيس عمر البشير لـ«قانون النظام العام»، واعترافه بمسوغات الاحتجاجات الاقتصادية التي دفعت الشباب الذين يطالبون بتنحيه إلى الخروج إلى الشوارع.
ودعا «تجمع المهنيين السودانيين» إلى المظاهرات التي أطلق عليها {موكب المعتقلين والتعذيب}، للتنديد باعتقال مئات المتظاهرين وتوقيفهم على إثر الاحتجاجات التي تنتظم في البلاد منذ نحو شهرين.
وعلى رغم تعهد البشير للصحافيين أول من أمس بإطلاق سراح جميع الصحافيين المعتقلين فوراً، إلا أن سلطات الأمن لم تطلق سراح أي معتقل حتى مساء أمس. واعتقلت قوات الأمن أعداداً من المتظاهرين أمس.
واعتبر مراقبون المشاركة الواسعة في احتجاجات أمس مؤشراً على أن «موجة الاحتجاجات» لم تبدأ في التداعي، خصوصاً أنها نجحت للمرة الأولى في الوصول إلى وسط الخرطوم الذي تحوله قوات الأمن إلى ما يشبه الثكنة. وقال شهود إن المتظاهرين هتفوا: «رص - اجمع - العساكر رص... الليلة تسقط بس»، فيما استخدمت قوات الأمن أنواعاً جديدة من قاذفات قنابل الغاز المسيلة للدموع، تطلق أربع قنابل دفعة واحدة. وقال فيصل، وهو متظاهر شاب، لـ«الشرق الأوسط» إن المحتجين اتبعوا أمس {تكتيكاً جيداً لخداع قوات الأمن والوصول إلى المكان المقرر للتظاهرات التي ووجهت بعنف لافت».
واعترف الرئيس عمر البشير لصحافيين دعوا إلى مقر إقامته على عجل، بأن الذين ينادون بتنحيه شباب غالبيتهم فتيات صغيرات في السن، معتبراً «قانون النظام العام» والتضييق الذي تفرضه أجهزة تطبيقه سبباً رئيسياً في نقمتهم عليه.
ويعطي «قانون النظام العام» سيئ الصيت، صلاحيات واسعة لأجهزة الضبط بانتهاك الخصوصية، والاعتداء على الحريات الشخصية، في ما يتعلق بالمظهر والزي والسلوك الشخصي والاجتماعي للمواطنين، وبموجبه يمكن اعتبار أي تجمع بين رجال ونساء مخالفة له، ما جعله يبدو قانوناً يستهدف النساء بشكل خاص، فضلاً عن كونه يمنعهن من ارتداء «البنطال» ويفرض عليهن وضع غطاء الرأس، وإلاّ اعتبرن يرتدين زيّاً فاضحاً يخضعن بموجبه لمحاكمات إيجازية تصدر عنها عقوبات بالجلد والسجن والغرامة.
لكن المتظاهرين لم يعبأوا بتصريحات البشير المتعلقة بقانون النظام العام، وقال ناشط إنهم لم يخرجوا من أجل إسقاط القانون، {بل لإسقاط النظام وقوانينه، واستعادة الحرية}.
وقال «تجمع المهنيين السودانيين» في نشرة على موقعه على الإنترنت أمس، إن مناطق «السوق العربي، والديوم الخرطوم، والكلاكلة، وبانت، والخرطوم 3. بري، والشجرة الحامداب، والحلفايا، وشمبات، وامتداد ناصر، وأركويت، والصحافة» بالعاصمة، إضافة إلى مدن «أربحي، وخشم القربة، وود سلفاب» شاركت بكثافة في مظاهرات أمس.
وبحسب صفحة التجمع على الإنترنت، فإن «الدراميون» سيروا موكباً أمام المسرح القومي بأم درمان، وهم يرددون: «الثورة لازم تبدأ من المسرح، وفي المراكز الشبابية». واعتبر خروج المتظاهرين رغم الاستنفار الأمني «بطولة لافتة».
من جهة أخرى، قال رئيس النيابة العامة ولجنة التحقيق في ضحايا المظاهرات عامر محمد إبراهيم إن المعلم أحمد الخير الذي لقي حتفه يوم الجمعة الماضي، توفي {لتأثره بالضرب بآلة حادة أثناء احتجازه لدى جهاز الأمن والمخابرات}، وإن النيابة طلبت تسليمها رجال الأمن الذين ألقوا القبض عليه وحققوا معه للتحقيق معهم حول الجريمة.
وأوضح إبراهيم أن التقرير الطبي كشف أن المجني عليه توفي نتيجة لتأثره بالضرب بآلة صلبة في منطقة الظهر والكليتين وما بين الفخذين، بيد أنه لم يتعرض لاعتداء جنسي بآلة صلبة كما تردد بعيد مقتله، مكذباً تصريحات سابقة لوالي ولاية كسلا ومدير شرطته وجهاز الأمن.
وقال والي كسلا ومدير شرطتها من قبل، إن المعلم توفي متأثراً بتسمم غذائي أثناء اعتقاله، فيما أثبت التقرير الطبي أن العينات التي أخذت من المجني عليه، لا توجد بها أي مواد سامة.
وبحسب رئيس لجنة التحقيق، فإن تقرير الطبيب الشرعي أكد أن الوفاة حدثت نتيجة «إصابات حيوية» في الظهر والإليتين وما بين الفخذين بآلة صلبة مرنة، وأن المجني عليه توفي نتيجة لهذه الإصابات.
وكشف إبراهيم عن طلب النيابة من جهاز الأمن والمخابرات تسليمها الفريق الذي أجرى التحقيق مع المعلم القتيل والمجموعة التي اقتادته من منطقته «خشم القربة» إلى مدينة كسلا. واندلعت الاحتجاجات في 19 ديسمبر (كانون الأول)، تلقائياً في مدن سودانية احتجاجاً على سوء الأحوال الاقتصادية، وندرة وغلاء السلع الأساسية والوقود والنقود والدواء والخبز، ثم تحولت لمظاهرات ينظمها التجمع المهني تطالب بتنحي الرئيس عمر البشير وحكومته، انتشرت سريعاً في معظم مدن وبلدات البلاد وتحولت الخرطوم لمركز ثقل رئيسي لها، كأكبر تحد يواجه الرئيس البشير وحكومته التي تسيطر على البلاد طوال ثلاثة عقود. وواجهت الأجهزة الأمنية المظاهرات بالقوة، ما أدى إلى مقتل أكثر من ثلاثين متظاهرا بحسب حصيلة رسمية، فيما تقول المعارضة ومنظمات حقوقية دولية، إن العدد تجاوز الخمسين قتيلاً، وقال حزب الأمة القومي إن خمسة منهم على الأقل لقوا حتفهم جراء التعذيب بمعتقلات الأمن، فضلاً عن مئات الجرحى والمصابين والمعتقلين من قادة المعارضة والنشطاء والمهنيين. |
|