|
|
Date: Jan 29, 2019 |
Source: جريدة الشرق الأوسط |
|
«قوات سوريا الديمقراطية» تحاصر «داعش» في آخر جيوبه شرق الفرات |
البرد والعقوبات يفاقمان معاناة أهالي دمشق... والحكومة تدعو إلى «الاستنفار» |
السوسة (شرق سوريا) لندن: «الشرق الأوسط»
تحاصر قوات سوريا الديمقراطية حاليا تنظيم داعش في منطقة تبلغ مساحتها أربعة كيلومترات مربعة قرب الحدود العراقية وتستعد للتقدم ضده، وفق ما قال قيادي لوكالة الصحافة الفرنسية.
وقال قائد عمليات قوات سوريا الديمقراطية في منطقة هجين هفال روني لوكالة الصحافة الفرنسية: «من ناحية جغرافية لم يبق تحت سيطرة الدواعش سوى أربعة كيلومترات من الباغوز وصولا إلى الحدود العراقية».
ومنذ تأسيسها خاضت هذه القوات، وعمودها الفقري وحدات حماية الشعب الكردية، وبدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، معارك كبرى ضد التنظيم. وطردته من مناطق واسعة في شمال وشرق سوريا.
وأشار القيادي الذي يستخدم اسمه العسكري أن قواته تنتظر «إتمام التحضيرات اللازمة» للتقدم في آخر بقعة يوجد فيها الجهاديون.
وتوقع أن تنتهي السيطرة الجغرافية للتنظيم قريبا «ويبقى التمشيط والتخلص من الفلول والألغام وهذا يحتاج بعضا من الوقت». وأضاف: «مرات كثيرة ناقشنا ما الذي يتيح للدواعش أن يحاربوا والبقاء بهذا التنظيم حتى الآن، هذا يدل على أن قيادات كبيرة ما زالت موجودة في المنطقة».
وأوضح القيادي «لديهم أسرى منا ونحاول الآن استعادتهم وإنقاذ آخر المدنيين هناك. لا نعرف ما إذا كنا سنصل إلى نتيجة»، مشيرا إلى أن قواته تتواصل مع وجهاء في المنطقة بهذا الصدد.
وأشار إلى أن قواته سبق لها أن رفضت طلبا من تنظيم داعش نقله لها وجهاء بالسماح لهم بالانسحاب من المنطقة.
وأشار إلى رصدهم عبر الأجهزة اللاسلكية واستخباراهم الخاصة في الفترة الأخيرة «خلافات بين المهاجرين (المتطرفين الأجانب بحسب تعبير التنظيم المتطرف) من جهة والقيادات العراقية والسورية من جهة ثانية».
وأوضح: «المهاجرون كانوا قيادات كبارا وخصوصا في مرحلة التمدد أما الآن فبات القرار بيد العراقيين أساسا».
ويتوقع القيادي وجود قياديين كبار وخصوصا من الجنسية العراقية في البقعة الأخيرة للتنظيم إلا أنه «ليس لدينا أنباء عن أبو بكر البغدادي».
وتستعد قوات سوريا الديمقراطية لإعلان انتهاء التنظيم المتطرف في مهلة أقصاها شهر، وفق ما كان قال قائدها العام مظلوم كوبانيذلك بعد استعادة الكيلومترات الأخيرة وتمشيط المنطقة.
وفي 10 سبتمبر (أيلول)، أطلقت القوات آخر المعارك لطرد التنظيم من آخر جيب له في شرق سوريا قرب الحدود العراقية بعد أن كان يسيطر في العام 2014 على مساحات شاسعة في سوريا والعراق المجاور وأعلن فيها إقامة «الخلافة الإسلامية» وطبق فيها قواعده المتشددة.
على صعيد ذي صلة، ينهمك محققون من قوات سوريا الديمقراطية غالبيتهم ملثمون، في جمع معلومات شخصية وأخذ بصمات الفارين من الكيلومترات الأخيرة تحت سيطرة التنظيم في خطوة أولى تسبق مسار تحقيق طويل.
فور وصول شاحنات تقلهم من عمق ريف دير الزور الشرقي، يسارع مقاتلون ومقاتلات من قوات سوريا الديمقراطية لإرشاد وتوجيه الرجال والنساء والأطفال. ويكرر أحدهم بصوت مرتفع: «ليذهب الرجال إلى هناك، والنساء إلى الجهة الأخرى».
ويقف الرجال في طابورين، يتقدم كل بدوره إلى المحقق الذي يمسك بآلة صغيرة رقمية لأخذ البصمات، ثم يلتقط صورة ويسأل كل شخص عن اسمه الكامل وجنسيته.
يتلعثم أحد الرجال الملتحين عند سؤاله عن بلده. يتمتم عبارة غير مفهوم قبل أن يجيب بعد تكرار المحقق لسؤاله: العراق. يطلب منه المحقق التوجه إلى محقق ثان من القوات الخاصة في قوات سوريا الديمقراطية ثم يوجه محقق ثالث أسئلة أخرى.
بعد أخذ المعلومات والبصمات منهم، يُطلب من الرجال التوجه إلى مكان تجمع خاص بهم؛ حيث يجلسون في صفوف متراصة منتظمة على الأرض، يبعد الواحد عن الآخر المسافة نفسها.
على مقربة منهم، يتجول عسكريون من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، من دون أن يتضح ما هو الدور الذي يقومون به في عملية الفرز.
ويوضح أحد المحققين، رافضاً الكشف عن اسمه: «يتم تفتيشهم للمرة الأولى عند الجبهة، ثم يحصل تفتيش أدق هنا وتدقيق في المعلومات».
وعدا عن المطلوبين من قوات سوريا الديمقراطية، يبحث المحققون عن أي مشتبه بانتمائهم إلى تنظيم داعش.
ويقول المحقق «تشعر أحياناً أن من يقف أمامك داعشي من طريقة كلامه أو تردده في الإجابة، أو إذا وجدت علامات على يده توحي باستخدام كثير للزناد أو على كتفه جراء حمل جعبهم».
لدى وقوفه في أحد الطوابير، يقول رجل رداً على سؤال حول تأخره في الخروج: «كنت أخاف من الاعتقال»، ثم يضيف: «لكن عائلتي خرجت قبل أسبوع وجرى نقلها إلى مخيم الهول، تواصلت معهم وقالوا لي: أخرج ولن يحدث شيئا».
ويوضح محمد سليمان عثمان، عضو مجلس سوريا الديمقراطي الذي يؤمن وصول النازحين إلى مخيم الهول، أن البعض منهم ينتمون إلى التنظيم. ويقول «منهم من يسلّم نفسه ومنهم من يكون مختبئاً بين المدنيين». ويشرح أن هدف «هذه العملية الأمنية أن نتأكد من هم هؤلاء النازحون، هل هم مدنيون أم مقاتلون مختبئون؟».
وتخضع النساء بدورهن لعملية تفتيش دقيقة على أيدي مقاتلات من قوات سوريا الديمقراطية. ترفع المقاتلة الملثمة النقاب عن وجه كل سيدة وتبحث في حاجياتها جيداً.
ويجري، وفق المحقق، جمع بصمات والتقاط صور للنساء «المهاجرات»، كما يسميهنّ التنظيم، وهن النساء غير السوريات أو العراقيات.
ويكرر مقاتلو قوات سوريا الديمقراطية هذه الإجراءات بشكل شبه يومي في الفترة الأخيرة مع تزايد موجات النزوح من آخر الكيلومترات الواقعة تحت سيطرة تنظيم داعش.
ويقدر المرصد السوري لحقوق الإنسان خروج نحو 11 ألف شخص منذ أسبوع، بينهم نحو 1.500 متطرف، ليرتفع بذلك إلى أكثر من 32 ألفاً عدد الخارجين منذ مطلع الشهر الماضي.
بعد إنهاء عملية الفرز، يتمّ نقل النساء والرجال غير المشتبه بانتمائهم إلى صفوف التنظيم نحو مخيم الهول شمالاً. ويخضعون هناك مجدداً لتحقيق موسّع، بينما يتم توقيف المطلوبين أو المشتبه بهم.
البرد والعقوبات يفاقمان معاناة أهالي دمشق... والحكومة تدعو إلى «الاستنفار»
دمشق: «الشرق الأوسط»
أعلنت الحكومة السورية أمس «حالة الاستنفار القصوى في مواجهة آثار العقوبات الاقتصادية الجديدة على سوريا»، بالتزامن مع تفاقم الأزمة الإنسانية في دمشق وتراجع توفر الحاجات الرئيسية.
وكانت الحكومة دعت لإجراءات «استثنائية» لتخفيف آثار العقوبات في كل المجالات المتعلقة بـ«احتياجات المواطنين الاستهلاكية والصحية والخدمات بمختلف أشكالها».
وجاء في بيان الحكومة الذي نشرته صباح أمس أن عنوان الخطة البديلة هو الاعتماد على الذات في مواجهة المتغيرات والتحديات القادمة؛ حيث ستقوم الحكومة باتخاذ قرارات «جريئة وغير تقليدية» حتى لو اقتضى ذلك إعادة «توجيه مسارات الإنفاق في قوام الموازنة العامة» لصالح التركيز على المشروعات الإنتاجية والصغيرة في كل محافظة وتأمين مستلزمات الدولة الأساسية وتعزيز العملية الإنتاجية، لا سيما بالنسبة (للنفط والقمح والدواء)، إضافة إلى مستلزمات القوات المسلحة.
وشهدت الأيام الماضية حالات وفاة مفجعة، بينها وفاة أب مع أطفاله الثلاثة اختناقاً بمدفأة غاز في منزلهم في حي الشعار في حلب ومقتل سبعة أطفال أشقاء في حادث مشابه في دمشق أول من أمس، موضوع المعاناة الإنسانية. وبدا أن فقدان الكثير من الحاجات الضرورية جعل من الحياة في دمشق صعبة وبات بعض سكانها «يفضلون الموت عن الحياة»، مع تزايد حالات الفقر بشكل كبير ووصولها إلى مستويات متدنية للغاية، خصوصاً مع البرد الشديد في هذا الشتاء.
وبخلاف تصريحات، مسؤولي الحكومة السورية، قبل قدوم فصل الشتاء، بأن الوضع في البلاد يتجه إلى «التحسن»، فوجئ سكان العاصمة والأرياف المحيطة بها مع اشتداد موجة البرد، بنقص كبير في وقود التدفئة، وبإعادة انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، وكذلك انقطاع الغاز المنزلي.
«أبو إياد» أب لثلاثة أطفال، وفي ظل أقسى فصل شتاء يمر على الأهالي منذ بدء الحرب وتم خلاله الإعلان عن العديد من حالات الوفاة بسبب البرد، لم يتمكن من الحصول على 200 ليتر مازوت (سعر الليتر 180 ليرة سورية) تخصصها الحكومة للأهالي لاستخدامها في عملية التدفئة، لأن إمكانياته المادية لا تسمح له بدفع ثمنها دفعة واحدة، وفي نفس الوقت تمتنع محطات الوقود عن بيع الأهالي كميات قليلة.
الأب وعائلته الذين يعيشون في شمال دمشق بشقة قيد الإنشاء مؤلفة من غرفة وموزع ومنافع، يضع كل واحد منهم قبعة صوفية على رأسه تغطي أذنيه، ويلفون أنفسهم بأغطية لمقاومة البرد القارس، ويقول الأب لـ«الشرق الأوسط» وهو يتظاهر أمام أولاده بالتغلب على الموقف: «حياة مرّة. لم تمر علينا سابقاً، لم تمر على أحد، ولكن لا نستطيع فعل شيء إلا الصبر».وبينما كان أزيز الرياح شديدة البرودة يصفر في الغرفة، بعد تمزق النايلون المغطي للنافذة، وترشح قطرات الماء من السقف، وتتجمع في وسطها، لتضفي عليها مزيدا من البرودة، كان الأولاد يرتجفون تحت الأغطية حتى أنهم لا يحسنون التحدث من شدة البرد.
وما زاد من معاناة الناس، إعادة النظام العمل ببرنامج «تقنين» التيار الكهربائي في أحياء وسط العاصمة، والذي يتضمن قطعه عنها لفترة ساعتين وتوفيرها لأربع على مدار الـ24 ساعة، مع عدم الالتزام به، فأغلب الأحيان تمتد فترة القطع إلى أربع وست ساعات.
«أبو ممدوح» الذي يعمل سائق «تاكسي أجرة»، يتوقف عن العمل مع غروب الشمس، بسبب حالة رعب تسيطر عليه مع حلول الظلام، ويقول لـ«الشرق الأوسط» وهو يركن سيارته: «الشوارع مظلمة، والمدينة تبدو مخيفة مع خلوها تماما إلا من عناصر الحواجز ومسلحين يقودون دراجات نارية». ويضيف: «يمكن أن يتعرض الشخص لعمليات «تشليح» أو خطف أو سرقة السيارة دون أن يدري به أحد».
برنامج «التقنين» في وسط العاصمة، يهون عما هو عليه في أطرافها وريفها، ذلك أن الكهرباء شبه معدومة، بحسب تأكيد أحد سكان بلدة «بيت سحم» جنوب العاصمة لـ«الشرق الأوسط»، ويقول: «بالكثير نراها ساعة كل ثلاثة أيام!، والناس تعاني الأمرين في شحن المدخرات»، ويضيف في تعليقه على وعود حكومة النظام: «نعيش حاليا أفراح الانتصار. نعم هذه هي ثماره!». وأدى انقطاع التيار الكهربائي إلى تفاقم معاناة الأهالي في تأمين المياه، لأن أغلب المنازل في دمشق وريفها لا تصلها المياه إلا عبر مضخات تعمل على الكهرباء، ويؤكد أوس وهو من سكان حي «القزاز» شرق العاصمة، لـ«الشرق الأوسط»، أن «الأهالي ومنذ الصباح الباكر يتسابقون إلى المنازل التي لديها مولدات كهربائية لتأمين 20 أو 40 في المائة من الماء، لدرجة أنك تشاهد طوابير أمام تلك المنازل، على حين من لديه إمكانيات مادية وهم قلة يشتري من الباعة الجوالين».
وما زاد من بلة طين معاناة الأهالي، هو انقطاع الغاز المنزلي، الذي يستخدمه السوريون للطبخ وبعضهم في التدفئة، بالترافق مع انقطاع الكهرباء والماء و«المازوت»، حيث تشاهد منذ نحو شهر ونصف الشهر حشودا غفيرة تقدر بالمئات تتدافع على سيارات توزيع أسطوانات الغاز في أحياء العاصمة والتي يبلغ السعر الحكومي لتبديل الواحدة منها 2800 ليرة، بينما يصل سعرها في السوق السوداء إلى 10 آلاف ليرة. ويلاحظ، أن معظم كميات الغاز في سيارات التوزيع تذهب إلى عناصر الجيش والميليشيات المسلحة الموالية للنظام. ويروي ممدوح الذي يعيش في أحد أحياء غرب العاصمة لـ«الشرق الأوسط» أنه «منذ الشهر تقريبا يعيش وثلاثة إخوة له على «السندويتش» ولم يتمكنوا من صنع إبريق من الشاي بسبب عدم استطاعته تأمين أسطوانة غاز».
لم تتوقف معاناة الناس على ما سبق من أزمات خانقة شملت معظم المحافظات التي يسيطر عليها النظام، بل فاقمتها موجة ارتفاع أسعار غير مسبوقة، طالت الخضار والفاكهة. |
|