|
|
Date: Jan 5, 2019 |
Source: جريدة الشرق الأوسط |
|
الحريري يميل للموافقة على عقد جلسة لحكومة تصريف الأعمال لإقرار الموازنة |
جنبلاط يعتبر الموضوع «أكثر من ضروري» والعونيون غير متحمسين لاقتراح بري |
بيروت: بولا أسطيح
لم يتخذ رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري حتى الآن قرارا نهائيا بخصوص الدعوة التي وجهها رئيس المجلس النيابي نبيه بري لحكومة تصريف الأعمال، التي يرأسها الحريري أيضا، لدراسة موازنة عام 2019، وإحالتها إلى البرلمان لإقرارها، إلا أن القيادي في تيار «المستقبل» مصطفى علوش أشار إلى أن الحريري ليس بعيداً عن هذا التوجه، مرجحاً عقد جلسة قريبة للحكومة للبت في هذا الملف، خصوصاً أن هناك سابقة في هذا المجال وليست المرة الأولى التي تقضي فيها الضرورة بأن يتم إقرار الموازنة في ظل حكومة تصريف أعمال.
واعتبر علوش في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن من يعرقل تشكيل الحكومة الجديدة لا يبحث عن مزيد من الحجج والمبررات للاستمرار في التعطيل، لافتاً إلى أن الرئيس الحريري لا يمكن أن يقف عقبة أمام إقرار الموازنة.
وعاد لبنان في عام 2017 إلى سكة الانتظام المالي حين أقر أول موازنة بعد 12 عاماً من الصرف وفق القاعدة «الاثني عشرية»، ويتخوف عدد من المسؤولين أن تطول عملية تشكيل الحكومة، وبالتالي العودة للصرف وفق هذه القاعدة، ما دفع الرئيس بري لمطالبة حكومة تصريف الأعمال بالاجتماع لدراسة الموازنة وإحالتها إلى المجلس النيابي، وهي المهمة التي كان يفترض أن تقوم بها الحكومة الجديدة منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كما تنص المادة 83 من الدستور.
وفي حال وافق الحريري على دعوة الحكومة للانعقاد لبحث الموازنة، سيكون ثاني رئيس حكومة بعد الرئيس الراحل رشيد كرامي الذي كان على رأس حكومة تصريف الأعمال في عام 1969، يترأس جلسة لإقرار الموازنة العامة.
وفيما سارع عدد من الكتل النيابية للشد على يد الرئيس بري وأبرزها كتلة «القوات» التي كانت سباقة في الدعوة لعقد جلسات «ضرورة» لحكومة تصريف الأعمال، على غرار جلسات «تشريع الضرورة»، وكتلة «اللقاء الديمقراطي» بعيد اعتبار رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط أن اقتراح بري بعقد جلسة استثنائية لإقرار الموازنة أكثر من ضروري لمحاولة ضبط الإنفاق، مستغربا تردّد البعض، بدت كتل أخرى، وأبرزها تكتل «لبنان القوي» المؤيدة لرئيس الجمهورية، مترددة، خوفاً من أن يعني سير كل القوى في هذا الاتجاه إقراراً بعدم القدرة على تشكيل حكومة جديدة، وتحويل الاستثناء المتمثل باجتماع حكومة تصريف الأعمال إلى قاعدة. وهو ما عبرت عنه مصادر التكتل، مؤكدة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه ليس هناك موقف رسمي نهائي من قيادة «التيار الوطني الحر»، إلا أنها تعتبر أن السير في هذا الاتجاه سيشكل إشارة سلبية سواء للبنانيين أو للمجتمع الدولي حول مصير الحكومة الجديدة. وأضافت: «الغاية هنا لا تبرر الوسيلة، ونحن نستغرب أن يسير الرئيس الحريري الآن في هذا الاتجاه بعدما رفض السير به عندما نصحه حزب (القوات اللبنانية) به».
واللافت أن نائب رئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي، وهو عضو في تكتل «لبنان القوي»، كان سارع إلى إعلان تأييد دعوة بري، مؤكداً بعد لقائه إياه يوم الأربعاء الماضي أن «وجهات النظر متفقة تماما على التوجيه الذي أعطاه فيما يتعلق بشؤون الموازنة والمالية العامة»، معتبرا أنه «أمر باستطاعة الحكومة أن تقدم عليه، وبخصوص الموازنة بشكل خاص وتحيله إلى المجلس النيابي حتى لو كانت حكومة تصريف أعمال. وهذا أمر نحن بأعلى درجات القناعة به لأنه يتعلق بمصالح الدولة العليا وباستمرارية عملها». وأكد مصدر نيابي في «التيار الوطني الحر» أن الفرزلي عبّر عن رأيه الشخصي في هذا المجال وليس عن رأي التيار أو التكتل الذي لم يطرح عليه أي من المسؤولين الموضوع بعد ليبدي فيه موقفاً نهائياً.
وفي حال توفر الإجماع السياسي على عقد جلسة استثنائية لحكومة تصريف الأعمال لدراسة الموازنة، لا يبدو أنه ستكون هناك إشكالية دستورية تمنع الاجتماع. وهو ما أكد عليه الوزير السابق والخبير الدستوري إبراهيم نجار لافتا إلى أن انعقاد حكومة تصريف الأعمال يفترض توافر 3 شروط هي الضرورة والعجلة والمصلحة العامة، وهي شروط متوافرة في موضوع الموازنة العامة، خصوصاً أن الدستور اللبناني تحدث عن مهل معينة يتوجب مراعاتها.
واعتبر نجار في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «قد يكون من الأفضل أن يتم حصر الملفات التي ستبحثها حكومة تصريف الأعمال بالموازنة، وإن كانت خطة الكهرباء التي طالبنا بها البنك الدولي ضرورية أيضا». وقال: «الأمر ليس مرتبطا فقط بالموازنة بل بتمكين الحكومة من صرف الأموال ودفع رواتب الموظفين». وكان وزير المال علي حسن خليل نبه إلى أنه «إذا تأخر تشكيل الحكومة شهرا زائدا فإن وزارات قد لا تتوفر لها الأموال وسنكون مضطرين لإيجاد سبل لتأمينها».
عون يعتبر «الحروب الداخلية الباردة» وراء عرقلة تشكيل الحكومة اللبنانية
مصادر «المستقبل»: محاولات شيعية لفرض الشراكة ومخالفة القواعد الدستورية
بيروت: نذير رضا
أدى التعثر في الاتفاق على تشكيل الحكومة اللبنانية إلى مرحلة جديدة من التأزم، دفعت الرئيس ميشال عون إلى القول إن «حروباً داخلية باردة» تعرقل تشكيل الحكومة، تُضاف إلى «خلافات في الخيارات السياسية»، ينظر إليها مقربون من تيار «المستقبل» على أنها محاولة من الطائفة الشيعية لفرض نفسها شريكا دائما بتأليف الحكومات، خلافاً للقواعد الدستورية والأعراف المتبعة؛ «ما يكرس مثالثة عرفية في السلطة»، خلافاً للمناصفة الدستورية بين المسلمين والمسيحيين في لبنان.
وأكد الرئيس عون أمس أن «خلافات في الخيارات السياسية لا تزال تعرقل تشكيل الحكومة»، داعيا جميع الأطراف المعنيين إلى «تحمل مسؤولياتهم الوطنية وتسهيل عملية التشكيل»، وقال: «لقد حافظنا على الأمان والاستقرار في لبنان في زمن الحروب الحارة، فمن غير الجائز إضاعة ما تحقق من خلال الحروب الداخلية الباردة».
ويُضاف موقف عون الأخير إلى موقف سابق له في 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حين أشار إلى «أن هناك من يريدون تغيير التقاليد والأعراف»، من غير أن يسمي أي طرف، علما بأن الدستور اللبناني يمنح رئيسي الجمهورية (الماروني) والحكومة (السنّي) حصرية إصدار مراسيم تشكيل الحكومة، لكنه يلزمهما باستشارات نيابية، تتيح الاطلاع على مطالب الكتل والتيارات السياسية. وتفرض التوازنات السياسية القائمة و«الديمقراطية التوافقية» المعمول بها عرفاً في لبنان النظر في آراء جميع التيارات، ما يتطلب جهوداً مضنية في التفاوض والمواءمة بين النص والأعراف وعدم تجاوز الميثاقية.
وترى مصادر قريبة من «تيار المستقبل» أن الأعراف الجديدة «فرضها الشيعة في لبنان»، قائلة لـ«الشرق الأوسط» إن «الثنائي الشيعي يحاول أن يفرض نفسه شريكا دائما في تأليف الحكومات، خلافاً للنص الدستوري الذي يحصر ذلك برئيسي الجمهورية والحكومة، كما يحاول تثبيت هذا الدور في كل الحكومات اللبنانية اللاحقة». وقالت إن ما يجري «هو تكريس مثالثة عرفية وطبيعية، وليست مثالثة مبطنة»، في إشارة إلى مشاركة الشيعة إلى جانب الموارنة والسنة في هذه المهمة. وقالت المصادر: «إزاء هذا الدور، يبدو أننا نتجه إلى تأزم إضافي»، مشددة على أنه «لا حل يظهر في المدى المنظور لأزمة تشكيل الحكومة، بل نتجه إلى المزيد من التأزم وفقدان الفرص».
وتوقفت مساعي تشكيل الحكومة عند أزمة تمثيل «اللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين»، من غير أن يطرأ أي جديد على الملف رغم تفعيل المباحثات بعد عطلة الأعياد. وقال وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل أمس: «لدينا أفكار نقدمها لمشكلة الحكومة ولكن ليس نحن من نصنع الحل ولسنا في سباق سياسي آخر وهذا استحقاق مرتبط فقط بتأليف حكومة وربطه بأي أمر آخر لا يفيد»، مضيفا: «قدمت خمسة أفكار جديدة ونقوم بالاتصالات بعيدا عن الإعلام وننتظر الأجوبة وكلي أمل بنتيجة إيجابية». ورأى باسيل أن «ربط تشكيل الحكومة بالاستحقاق الرئاسي عيب في حق ذكاء اللبنانيين فكيف نعرقل الأفكار التي نقدمها؟»، مؤكدا أن «موضوع الثلث المعطّل مُختلق»، متسائلا: «إذا فشل العهد فهل نعتقد أنه سيكون ثمة رئاسة جمهورية تليق بنا؟».
ورغم أن العقدة الواضحة تتمثل في تمثيل السنة المستقلين، فإن عقداً أخرى تدور في الخفاء، بينها ما عبر عنه وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق بأنّ «هناك صراعاً خفياً لكنّه جدي وعميق حول المسألة الرئاسية، فتح الباب لإخراج كلّ العفاريت السياسية التي نراها وتعطّل تشكيل الحكومة، وتنعكس ظاهرياً بحقيبة أكثر أو أقلّ».
وتُضاف هذه المسألة إلى المخاوف من أن يكون الشيعة يفرضون عرفاً جديداً في المشاركة بالمهمة، وهو ما ينفيه الشيعة، إذ لا يرى الباحث في القانون الدستوري الدكتور وسيم منصوري أن هذه المقاربة دقيقة، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أنه «بحسب المادة 53 الفقرة 2 من الدستور، يكلف رئيس الجمهورية شخصاً بتأليف الحكومة، بعد استشارات نيابية تكون نتيجتها ملزمة، فيما تنص المادة 64 من الدستور على أن يجري الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة استشارات ملزمة مع الكتل السياسية الممثلة في البرلمان، ولا تكون نتيجتها ملزمة لعدم القدرة على التوفيق بين جميع مطالب الكتل السياسية»، مشيراً إلى أنه «ينقل الرئيس المكلف طلبات وتطلعات مختلف الكتل السياسية الممثلة في البرلمان إلى رئيس الجمهورية، وعلى أساسها يتم تأليف الحكومة التي يجب أن تحصل على ثقة البرلمان».
وقال منصوري، وهو اسم مقترح ليكون وزيراً للبيئة في الحكومة العتيدة من حصة رئيس مجلس النواب نبيه بري، إن الإشكالية بموجب المادة 64 تقع في الخلط بين مطالب التيارات السياسية أو الطوائف، شارحاً: «مجلس النواب مقسم بين المسيحيين والمسلمين مناصفة، أي إنه مقسم نسبياً بين الطائفتين والمناطق، ما يعني أن التمثيل مرتبط بانتماء طائفي معين، ما يحتم أخذ آراء فريق سياسي يمثل تلك الطوائف فيصبح هناك لغط بين ما إذا كانت إشكالية تمثيلهم سياسية أم طائفية». ويشدد على أن «الإشكالية دائماً سياسية، لكن الكتل السياسية تمثل الطوائف، ومن هنا يصبح اللغط حول الخلط بين مطالب الطوائف أو مطالب التيارات السياسية».
ومع أن الجانب القانوني لا يظهر مشاركة طائفية من قبل الشيعة في التشكيل، فإن العرف يظهر دوراً من خلال الضغوط السياسية، وهو واقع لا ينفيه المواكبون لمفاوضات تشكيل الحكومة عبر دعم «حزب الله» لمطالب اللقاء التشاوري السني. وأنتج هذا الواقع احتمالات مرتبطة بسؤال: هل هو مطلب شيعي أم مطلب سنّي يؤازره الطرف الشيعي فقط؟ ويرى المواكبون أن الأمر يحتمل الاحتمالين.
ورغم ذلك، تحصر مصادر أخرى مقربة من الثنائي الشيعي الإشكالية بين الأعراف والقانون، في خانة «التجاذب السياسي»، قائلة: «الضغوط السياسية لمختلف الكتل تدخل في إطار التجاذب السياسي، والدليل على ذلك، ما الذي يمنع الرئيسين المخولين بحسب الدستور إصدار مراسيم الحكومة وهما رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، من إصدارها بعد؟» وأشارت المصادر إلى أن العقد التي ظهرت مؤخراً «لا تقتصر على تمثيل اللقاء التشاوري، بل طالت مسألة تبادل الحقائب كما ظهر في الجولة الأخيرة من المفاوضات التي انتهت بالفشل». |
|