Date: Nov 24, 2018
Source: جريدة الشرق الأوسط
اغتيال «مهندسيّ» لافتات كفرنبل ومعارضيّ النظام و«داعش» و«النصرة»
مسلحون أطلقوا النار على رائد فارس وحمود جنيد في شمال سوريا
لندن: إبراهيم حميدي
اغتال مجهولون في كفرنبل في ريف جبل الزاوية، أمس، الناشطين الإعلاميين رائد فارس وحمود جنيد، اللذين عرفا بمعارضتهما للنظام السوري و«داعش» و«جبهة النصرة»، في وقت لا تزال «النصرة» تعتقل زميلهما المحامي ياسر سليم.

وعرف الثلاثة، مع آخرين، بأنهم وراء لافتات كفرنبل التي انتشرت في السنوات الماضية داخل سوريا وخارجها، وباتت هذه البلدة المجهولة «عاصمة الثورة السورية» ورمزاً للعلمانية والسلمية في الحراك السوري منذ انطلاقه في 2011. وارتبط اسمهم بالمظاهرات الأسبوعية التي كانت تشهدها كفرنبل، ولقيت شعاراتها صدى إعلامياً واسعاً.

وقال صديق لرائد وحمود، في اتصال هاتفي أجرته «الشرق الأوسط» إلى كفرنبل، أمس، إنهما كانا مع ناشط ثالث بصدد الانتقال قبل صلاة الجمعة من كفرنبل إلى مدينة معرة النعمان في ريف إدلب لتغطية المظاهرات الأسبوعية التي تجري بعد صلاة الجمعة. وتابع: «كانت سيارة (فان) تنتظرهم في الطريق. أطلق مجهولون النار عليهم. الناشط الثالث خاف واختبأ بالسيارة. لكن رائد وحمود وقفا رغم إصابتهما، فنزل المهاجمون وأطلقوا رصاصات على كل منهما للتأكد من أنهما قُتلا».

رائد (مواليد كفرنبل في 1970) كان يدرس في كلية الطب في جامعة حلب قبل أن يفتح مكتب تعقيب معاملات في بلدته. وشارك في الاحتجاجات لدى بدئها بما في ذلك مظاهرات إدلب في بداية أبريل (نيسان) 2011، وعندما شككت دمشق بصدقية المظاهرات، أطلق فكرة تاريخ المظاهرات.

حمود (مواليد كفرنبل 1979)، كان يعمل شرطياً ثم انشق مع دخول الجيش إلى بلدته في يوليو (تموز) 2011. وشكل مع رائد «تنسيقية كفرنبل» وإذاعة «فرش» وكتابة لافتات كفرنبل الشهيرة.

ياسر سليم، محامٍ من البلدة، وكان من المشاركين في كتابة اللافتات. تضامن مع مخطوفي السويداء على أيدي «داعش» قبل شهرين، فقام عناصر «النصرة» بخطفه. ورغم الوساطات من وجهاء البلدة، قال عناصر التنظيم إن سليم «أراد حرق (المحكمة الشرعية) في بلدة كفرنبل».

وكانت «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً) اعتقلت في يناير (كانون الثاني) 2016 فارس مع زميل له. وتم استهداف مقر إذاعة «فرش» بهجمات عدة ومصادرة مملكاتها. لكنهما لم تكن المرة الوحيدة التي يتعرض فيها للمضايقات. وكان أول اعتقال في 26 ديسمبر (كانون الأول) 2014، وقال أحد العاملين في الإذاعة لـ«الشرق الأوسط» أمس: «وقتذاك تنظيم (جند الأقصى) اعترض على كون مجلة تابعة للإذاعة تضامنت مع صحافي (شارلي إبدو) في فرنسا بعد الهجمات عليها».

وبعد اعتقال لأيام، جرى توقيع «اتفاق» بين رائد والمتطرفين برعاية ووساطة قياديين في «النصرة»، بينهم أبو ماريا القحطاني. ومنذاك، تخلت الإذاعة عن بث الأغاني «الخلاعية». ومنذ سبعة أشهر، باتت الإذاعة تضع أصوات حيوانات بما في ذلك قبل نشرة الأخبار.

ورغم تعرضهم لتهديدات، استمر الثلاثة وآخرون في النشاط بكفرنبل الواقعة تحت سيطرة «النصرة»، وبدأوا بتوسيع النشاطات، بحيث شملت الدراما مع الاقتراب من إطلاق محطة تلفزيونية تابعة لـ«فرش». وبعد قرار إدارة الرئيس دونالد ترمب قبل أشهر قطع المساعدات عن إدلب، كتب فارس مقالاً في الإعلام الأميركي حذر فيه من أن ذلك سيؤدي إلى «ولادة (داعش) ثانية وثالثة» وإضعاف المدنيين.

ونقل صديق لرائد التقاه أول من أمس عنه قوله: «الأشهر الثلاثة المقبلة ستكون عصيبة»، لافتاً إلى أنه كان يتوقع أن يخطف أو يتعرض لمضايقات وليس للقتل. وتابع: «أعداؤهم هم: النظام و(داعش) و(النصرة). النظام غير موجود وليست هناك خلايا لـ(داعش) في كفرنبل، وهناك اعتقاد واسع أن (النصرة) وراء العملية لأن الهدف أكبر من رائد... إنه الثورة المدنية والعلمانية. التصفية رسالة لكفرنبل وإدلب والجميع».

وتُعدّ إدلب التي تؤوي مع مناطق محاذية لها نحو ثلاثة ملايين نسمة، المعقل الأخير للفصائل المعارضة والمتطرفة في سوريا. وكثيراً ما تشهد عمليات قتل وتفجيرات.

وتخضع إدلب وريفها لاتفاق بين روسيا وتركيا عرف باتفاق سوتشي، ونص على إقامة «منطقة عازلة» بين قوات الحكومة والمعارضة بعرض بين 15 و20 كيلومتراً، وسحب عناصر «النصرة» والمتطرفين منها. وشهدت إدلب في الأشهر الماضية عمليات اغتيال وخطف كثيرة، في وقت تضغط موسكو على أنقرة لاستعجال تنفيذ اتفاق سوتشي بـ«عزل» الإرهابيين وتحييدهم.

وتجنب قادة «النصرة» الظهور في كفرنبل بعد اغتيال رائد وحمود. وغابوا عن التشييع الذي شارك فيه نحو خمسة آلاف شخص. وسار المشيعون على أقدامهم أو على دراجات نارية بصمت، حيث رُفع جثمان رائد ملفوفاً بعلم المعارضة... وكأنها اللافتة الأخيرة التي «كتبها» رائد وحمود.