Date: Nov 23, 2018
Source: جريدة النهار اللبنانية
اتفاق سوتشي ... هديّة غير مقصودة من ترامب لإردوغان؟
جورج عيسى
الوضع في إدلب ومحيطها لم يعد هادئاً كما في كان عليه في النصف الثاني من أيلول ومعظم شهر تشرين الأوّل. فمنذ أسبوعين اشتبكت القوّات الحكوميّة مع مقاتلي المعارضة في محافظة حماة خلال إحدى أعنف المعارك التي شهدها شمال غرب سوريا خلال عام بحسب المرصد السوريّ لحقوق الإنسان. وقد قُتل أكثر من 20 مقاتلاً من جيش العزّة وأصيب العشرات في أكبر خسائر بشريّة بين صفوف المعارضة في تلك المنطقة منذ أشهر. على الرغم من الهجوم الكبير والحصيلة المرتفعة من القتلى، لم يكن هنالك توقّع بحصول هجوم كبير من قوّات النظام بعدما انسحبت الأخيرة عقب تلك الاشتباكات وفقاً لما قاله مدير المرصد رامي عبد الرحمن في حديث إلى وكالة الصحافة الفرنسيّة.

خلال الأسبوع الماضي، تجدّدت الاشتباكات في ريف حماة الشماليّ الغربيّ عند الأطراف الخارجيّة للمنطقة المنزوعة السلاح بعدما هاجمت مجموعات جهاديّة مواقع لقوّات النظام ممّا أدّى إلى مقتل تسعة منها على الأقلّ. لم يُبنَ اتّفاق سوتشي على أرضيّة صلبة، إذ هنالك تباينات بين الأطراف المشمولة به. فالرئيس السوريّ بشّار الأسد قال سابقاً إنّ هذا الاتّفاق موقّت، فيما تعتمد إيران نظرة متشدّدة إزاء ضرورة استرجاع دمشق سيطرتها على الأراضي السوريّة كافّة. لكن بحسب بعض المراقبين، لم يكن هذا الاتّفاق سيّئاً لدمشق و طهران، طالما أنّه من الناحية المبدئيّة، ستلتزم أنقرة بتفكيك المجموعات الجهاديّة وعلى رأسها "هيئة تحرير الشام". لكن حتى ولو فشلت تركيا في تحقيق هذه المهمّة، هل تتّجه إيران إلى إنهاء اتّفاق سوتشي؟

الموقف الإيرانيّ

إذا تمّ تحييد العامل الروسيّ في هذا الإطار، قد لا تكون طهران نفسها مستعجلة لإنهاء مفاعيل سوتشي. من حيث الشكل، يمكن ألّا تكون مرتاحة لاتّفاق ثنائيّ يخصّ سوريا لم تكن مشاركة فيه. بالرغم من أهمّيّة هذه النقطة، قد لا تكون الأخيرة العامل الوحيد الذي تأخذه طهران على محمل الجدّ. إنّ هجوماً عسكريّاً تشنّه على إدلب سيعني بالدرجة الأولى تدفّق مئات الآلاف من اللاجئين إلى تركيا، وهو أمر لا يمسّ مباشرة المصالح الإيرانيّة، لكنّه بالمقابل، قد يضرّ علاقتها مع الأتراك تحديداً، وهو موضوع لا تريده خصوصاً في المرحلة الحاليّة.

يمكن أن يعود غياب اللهجة التصعيديّة الإيرانيّة تجاه إدلب في الفترة الأخيرة إلى كون طهران تواجه الحزمة الثانية من العقوبات الأميركيّة. كانت تركيا إحدى الدول الثماني التي حصلت على إعفاءات موقّتة بخصوص شراء النفط الإيرانيّ. الإعفاء بحدّ ذاته قد لا يكون عاملاً مؤثّراً في العلاقات الثنائيّة. ما قد تأخذه طهران بالاعتبار هو التصريحات المتكرّرة التي أطلقها مسؤولون أتراك حول عدم التزامهم بالعقوبات الأميركيّة طوال الأشهر الماضية. ففي تمّوز، قال وزير الخارجيّة التركيّ مولود جاويش أوغلو إنّ سلطات بلاده أبلغت رسالة إلى وفد أميركيّ من مسؤولين في وزارتي الخزانة والخارجيّة مفادها أنّ أنقرة ستشتري النفط من إيران بغضّ النظر عن العقوبات المفروضة. أتى ذلك بعد أقلّ من شهر على تصريح مماثل لأوغلو حول الموضوع نفسه. اللافت أكثر كان ما أعلنه إردوغان بعد حصوله على الإعفاء والذي هاجم فيه العقوبات بشدّة: "العقوبات الأميركيّة على إيران خاطئة. بالنسبة إلينا هي خطوات هادفة إلى زعزعة توازن العالم. لا نريد العيش في عالم إمبرياليّ".

كيف "عزّز" ترامب موقف إردوغان؟

قد تكون الرؤية التركيّة إحدى أهمّ الأسباب التي تجعل طهران تتفادى إغضاب الرئيس التركيّ في مسألة إدلب. في 17 تشرين الأوّل، نقل موقع "ذا نايشن" عن ممثّل المعارضة السوريّة في أستانا أحمد توما السؤال التالي: هل تظنّ أنّ إيران تريد أن تغضب تركيا، دولة مجاورة ستحتاج إليها لتخفيف مفاعيل الحصار والعقوبات على إيران؟". وبالتالي، إنّ قرار ترامب بفرض العقوبات على إيران، عزّز بطريقة غير مقصودة الموقع التفاوضيّ لإردوغان خلال محادثاته مع الروس والإيرانيّين حول مصير إدلب. وكان لدى سام هيلر، المحلّل السياسيّ في الشأن السوريّ ضمن "مجموعة الأزمات الدوليّة" رأي مشابه في هذا الإطار.

ليس عاملاً أساسيّاً

لا يوافق جميع المراقبين على هذه النظرة. يعبّر الصحافيّ ورئيس "المرصد الجيو-استراتيجيّ للشرق الأوسط وشرق المتوسّط" الدكتور نِك بانايوتيدس عن رأي مختلف بحيث لا يرى في العقوبات الأميركيّة على إيران عاملاً أساسيّاً في التوصّل إلى اتّفاق سوتشي. يشرح بانايوتيدس ل "النهار" أنّ الاتفاق حصل على توقيع قوة عظيمة، وهي روسيا حليفة إيران في سوريا والتي كان دعمها أساسيّاً لنجاة النظام. يضيف الباحث أنّه بعدما تمّ ضمان مصلحتها في البلاد، لم ترد طهران مواجهة مواجهة مسلّحة في إدلب بالتحديد بما يمكن أن يؤدّي إلى تصعيد خارج عن السيطرة بين قوى عظمى وإقليميّة وبشكل محتمل بين الحلفاء". يذكّر بانايوتيدس بوجود "توازن قوى دقيق في المنطقة" بين "إيران وروسيا اللتين تدعمان الأسد وتركيا التي تعارض الأسد في مواجهة الولايات المتّحدة وإسرائيل المعارضتين للأسد".

لكن ماذا عن إطار معارضة إردوغان للعقوبات؟

يرى بانايوتيدس أنّ العلاقات بين واشنطن وأنقرة تتحرّك على "مسار غريب" يلخّص وضع العاصمتين بأنّهما "ليسا صديقتين ولا عدوّتين"، والثغرات بينهما مستمرّة بغضّ النظر عن زيارة بومبيو لتركيا أمس. طالما أنّ هذا مستمرّ، "هنالك عنصر من غياب اليقين ومصدر محتمل لغياب الاستقرار يضافان إلى معادلة سوريا-الشرق الأوسط". وأضاف: "جميع الأطراف المنخرطة في النزاع، من ضمنها إيران، تعلم ذلك وهي حذرة جدّاً في حسابات سياساتها الخارجيّة". من هنا، لدى طهران وأنقرة "العديد من المصالح المكمّلة من الطاقة والاقتصاد وصولاً إلى المسائل السياسيّة، بغضّ النظر عن واقع أنّهما تدعمان أفرقاء مختلفين في الحرب الأهليّة السوريّة. وتجسّد ذلك حين وضعت الديبلوماسيّة التركيّة نفسها ضدّ قرار ترامب بسحب الولايات المتّحدة من الاتفاق النووي الإيراني لسنة 2015 وحين أعلنت لاحقاً بصراحة أنّها لن تلتزم بالعقوبات".

إذاً، بينما يجد متابعون أنّ العقوبات على إيران ونيّة تركيا في عدم الامتثال لها أعطت إردوغان موقعاً مميّزاً في المفاوضات حول مصير إدلب، يرى آخرون أنّ العلاقات بين تركيا وإيران لها إطار أبعد من العقوبات. فهل يؤثّر أيّ من المسارين المحتملين على ديمومة اتّفاق سوتشي؟