Date: Nov 22, 2018
Source: جريدة النهار اللبنانية
ترامب في مواجهة تقرير "السي آي إي" يتمسَّك بالعلاقات مع السعوديّة "الشريك الراسخ"
واشنطن - هشام ملحم 
في بيان رئاسي غير معهود في تاريخ المواقف والبيانات الرئاسية الاميركية، دافع الرئيس دونالد ترامب عن المملكة العربية السعودية، رافضاً تقويم وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إي" أن ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان هو الذي أمر بقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده باسطنبول الشهر الماضي.

شدد ترامب في بيان أملاه على مساعديه، على أنه لن يضحي بالعلاقات الاميركية-السعودية بسبب جريمة قتل خاشقجي وكأنه يساوي بين مستقبل السعودية ومستقبل الامير محمد بن سلمان. وأراد ترامب من بيانه انهاء الجدل الحاد والواسع الذي لا يزال مستمراً في البلاد منذ مقتل خاشقجي في 2 تشرين الاول الماضي.

لكن ردود الفعل السريعة واللاذعة التي قوبل بها البيان من المحللين ومن المشرعين من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، تؤكد بوضوح لا لبس فيه ان "قضية خاشقجي" سوف تبقى مخيمة بظلها الكبير على الخطاب السياسي في واشنطن، وعلى العلاقات الاميركية - السعودية لوقت طويل.

ومع ان ترامب قال إن أجهزة الاستخبارات الاميركية ستواصل "تقويمها " لكل المعلومات، إلا أنه عبّر عن اقتناعه بأن الولايات المتحدة " قد لا تعرف أبداً كل الحقائق المحيطة بالسيد جمال خاشقجي... ومن الممكن ان ولي العهد كان على علم بهذا الحدث المأسوي، ولكن يمكن ألا يكون على علم به".

إيران، إيران، إيران

وتضمن البيان الذي كان بعنوان "أميركا أولاً" والمؤلف من 633 كلمة في ثماني فقرات، ثماني علامات تعجب، وست إشارات الى ايران مقابل خمس إشارات الى خاشقجي. لا بل استرعى الانتباه ان ترامب الذي افتتح بيانه بالاشارة الى ان "العالم هو مكان خطير جداً"، أضاف بعد ذلك أن "دولة ايران على سبيل المثال مسؤولة عن حرب دموية بالوكالة ضد السعودية في اليمن...".

وبدا واضحاً أن ترامب أراد ان يضع الولايات المتحدة والسعودية واسرائيل في خندق واحد في مواجهة ايران وخطرها الإقليمي، لتبرير تمسكه بالعلاقة مع السعودية للرأي العام الاميركي. وهو كان صرح قبل أيام في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" الاميركية للتلفزيون بان ولي العهد أكد له خمس مرات انه لم يأمر بقتل خاشقجي، موحياً بأنه يصدقه.

وفي اشارة أثارت الكثير من الاستنكار لأنها اعتبرت تشويهاً لسمعة الضحية، لمح ترامب الى انه يوافق على اتهامات السعودية لخاشقجي بأنّه كان "عدواً للدولة" وعضوا ًفي جماعة "الاخوان المسلمين".

وكعادته في الأسابيع التي تلت مقتل خاشقجي، أوضح ترامب ان صون مصالح الولايات المتحدة في استمرار انتاج النفط السعودي وبيعه بأسعار معقولة وشراء المملكة الأنظمة العسكرية الأميركية ودعم الرياض لسياسات أميركا في المنطقة، هي الأولويات التي تطغى على أي اعتبارات أخرى. ومن هنا إشارته إلى السعودية "كحليف كبير" وان "الولايات المتحدة تعتزم البقاء شريكاً راسخاً" للسعودية.

وأبلغ ترامب الصحافيين وهو يغادر البيت الابيض في طريقه إلى فلوريدا حيث سيمضي عطلة عيد الشكر: "أنا لن أدمر اقتصادنا من طريق التصرف الغبي مع السعودية".

المشتريات السعودية

وحرياً على عادته أيضاً بالغ ترامب وغالى كثيرون في حجم مشتريات السعودية من البضائع والاسلحة الاميركية، وقال إن الرياض وافقت على أن تنفق وأن تستثمر في الولايات المتحدة مبلغ 450 مليارات دولار، بما في ذلك 110 مليار دولار لشراء الأسلحة، وان ذلك سيوجد مئات الآلاف من الوظائف. وعلى رغم المقالات التي دحضت هذه الارقام الخيالية، وأكدت ان مجموع قيمة العقود العسكرية التي وقعت معظمها ادارة الرئيس السابق باراك أوباما تراوح بين أربعة و14 مليار دولار، وان الوظائف التي ستوجدها هي أقل من 18000 وظيفة، إلا أن ترامب لا يزال يواصل الحديث عنها. وحذر من انه إذا ألغت هذه العقود، فإن ذلك سوف يخدم روسيا والصين لأن السعودية ستلجأ اليهما للتسلح.

ومن المتوقع أن يلتقي ترامب ولي العهد السعودي في وقت لاحق من هذا الشهر في قمة مجموعة العشرين الصناعية المقرر عقدها في العاصمة الارجنتينية بوينس أيرس. وأفادت تقارير صحافية ان الامير محمد بن سلمان قد طلب اجتماعاً مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي أطلع عدد من الدول الغربية على مضمون شريط يظهر بشاعة جريمة قتل خاشقجي.

المشرعّون ينتقدون

وسارع المشرعون الاميركيون من الحزبين الجمهوري والديموقراطي الى انتقاد واستنكار بيان الرئيس ترامب وتصريحاته، وعكست مواقفهم رغبتهم القوية في فرض إجراءات عقابية تطاول السعودية كدولة وشخص ولي العهد. وطلب المسؤولان عن لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ رئيسها الجمهوري بوب كوركر، والعضو الديموقراطي الاول فيها بوب مينينديز من الرئيس ترامب في رسالة خطية تفعيل بند في قانون ماغنيتسكي الدولي لمحاسبة المسؤولين الأجانب على انتهاكاتهم السافرة لحقوق الإنسان. وهذا يعني ان إدارة ترامب مضطرة الى الرد عليهما في غضون 80 يوماً في شأن ما اذا كان الامير محمد بن سلمان مسؤولاً عن قتل خاشقجي، مع ما يحمله ذلك من عقوبات ستفرض عليه اذا أكد التحقيق ذلك. وكتب كوركر تغريدة لاذعة جاء فيها: "لم أكن أتصور يوماً يتحول فيه البيت الابيض شركة للعلاقات العامة تعمل لحساب ولي عهد السعودية".

وقال السناتور الجمهوري ليندزي غراهام المقرب من ترامب إن هناك "دعماً من الحزبين لفرض عقوبات جدية على السعودية".

وتوقع زعيم الاقلية الديموقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر ان يتخذ الكونغرس قرارات عقابية في حق السعودية، لكنه لم يفصح عن طبيعتها، قائلاً إن "الديموقراطيون ليسوا وحدهم غاضبين، بل أن الجمهوريين غاضبون أيضاً". وغرّد السناتور الجمهوري راند بول ساخراً: "أنا واثق جداً من ان هذا البيان يعكس السعودية أولاً، وليس أميركا أولاً".

ويرجّح أن تنظم اللجان المختصة في مجلس النواب الديموقراطي مثل لجنة الاستخبارات مطلع السنة الجديدة، جلسات تحقيق للاستماع الى شهادات مسؤولين من وكالة الاستخبارات المركزية، وطلب الاطلاع على الوثائق التي استندوا إليها حين وجهوا اصبع الاتهام إلى ولي العهد السعودي بأنه كان وراء جريمة قتل جمال خاشقجي.

الجبير: الملك سلمان وولي العهد خط أحمر

نفى وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، التقارير الإعلامية التي تحدثت عن تحضير قيادة المملكة لإجراء تغيير في ولاية العهد على خلفية قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده باسطنبول في 2 تشرين الأول.

وصرح لشبكة "سي أن بي سي" الأميركية للتلفزيون في أول تعليق رسمي من سعودي على الأنباء المتعلقة باستعداد بعض أعضاء العائلة المالكة في السعودية لمنع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من اعتلاء العرش: "أؤكد أن هذا الأمر مضحك ويخرج عن كل الحدود التي تطاق". وقال: "إن قيادة المملكة العربية السعودية المتمثلة بالملك وولي العهد تمثل الخط الأحمر بالنسبة لكل سعودي إن كان رجلاً أو امرأة".

وأضاف: "أن البلاد تدعمهما بالكامل، وكل سعودي يشعر أن القيادة تمثله، كما يمثل كل سعودي قيادته. هذه التعليقات التي تم نشرها مثيرة للامتعاض وغير مقبولة على الإطلاق".

وشدد على أن السعودية "موحدة" في موقفها من قضية مقتل خاشقجي، قائلاً: "إن المملكة متمسكة بقيادتها كما هي متمسكة بالرؤية التي حددها زعماؤنا من أجلنا في إطار رؤية 2030 للمضي في سبيل الإصلاحات... إننا سنواصل التقدم في هذا الاتجاه بصرف النظر عما يقوله أو لا يقوله الناس".

وادلى الجبير بتصريحاته ردا على تقرير وزعته في وقت سابق من هذا الأسبوع وكالة "رويترز"، نقلاً عن "ثلاثة مصادر مقربة من الديوان الملكي السعودي"، مفاده أن العشرات من الأمراء وأبناء العم من فروع قوية لأسرة آل سعود الحاكمة يسعون لتحقيق تغيير في خط الخلافة بسبب الأزمة الناجمة عن مقتل خاشقجي.

وأوضح التقرير أن هذه المجموعة من أفراد العائلة المالكة تناقش مرحلة ما بعد وفاة العاهل السعودي الحالي الملك سلمان بن عبد العزيز، وإمكان تنصيب شقيقه الأمير أحمد بن عبد العزيز، ملكاً.

ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية عن الجبير في تعليق سعودي رسمي على تقويم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إي" الذي جاء فيه أن الوكالة تعتقد أن الامير محمد بن سلمان هو من أمر بقتل خاشقجي : "نحن في المملكة نعلم أن مثل هذه المزاعم في شأن ولي العهد لا أساس لها من الصحة تماماً ونرفضها بشكل قطعي سواء كانت من خلال تسريبات أو غيره... هي تسريبات لم يعلن عنها بشكل رسمي وقد لاحظت أنها مبنية على تقويم وليس أدلة قطعية".

وكان مصدر مطلع على تقويم "السي آي إي" كشف أنه يستند الى حد كبير إلى أدلة ظرفية مرتبطة بالدور المحوري الذي يلعبه الأمير محمد في إدارة الحكومة السعودية.

وسئل الجبير أيضاً عن تصريحات أدلى بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وقال فيها إن القتل كان بأمر من أعلى مستويات القيادة ولكن ليس الملك سلمان على الأرجح، الأمر الذي سلط الضوء على ولي العهد، فأجاب: "سبق لنا ان استفسرنا من الجانب التركي على أعلى المستويات عن المقصود بهذه التصريحات وأكدوا لنا بشكل قطعي أن ولي العهد ليس المقصود بهذه التصريحات".

ترامب

والثلثاء، تعهد الرئيس الاميركي دونالد ترامب أن يظل "شريكاً راسخاً" للسعودية على رغم قوله إنه "قد يكون وارداً جداً" أن الأمير محمد بن سلمان كان على علم بخطة قتل خاشقجي.

وفي تحد لضغوط المشرعين الأميركيين لفرض عقوبات أشد على السعودية، قال ترامب أيضاً إنه لن يلغي العقود العسكرية مع المملكة لأن "حماقة" كهذه لن تفيد سوى روسيا والصين اللتين تنافسان واشنطن في سوق الأسلحة.

وأمس، أشاد ترامب في تغريدة على "تويتر" بالسعودية لمساعدتها في خفض أسعار النفط. وقال: "أسعار النفط تنخفض. رائع! هذا شبيه بخفض ضريبي كبير لأميركا والعالم. هنيئا! 54 دولاراً، كانت للتو 82 دولاراً. شكرا للسعودية، لكن لنخفض أكثر".

إلى ذلك، صرح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بأن السعودية إتخذت "خطوات إلى الأمام" في ما يتعلق بحقوق الإنسان، وأن من مصلحة واشنطن الحفاظ على علاقات قوية مع الرياض.

وقال في مقابلة إذاعية أورد موقع الخارجية الأميركية نصها : "نعتزم التأكيد أن أميركا تدافع عن حقوق الإنسان دوماً. ورأينا خلال فترتنا في الإدارة أن السعوديين يمضون في هذا الاتجاه فعلاً. أداؤهم ليس مثاليا، ولكن كانت هناك خطوات إلى الأمام بالتأكيد". وأضاف: "كنا واضحين جداً. فنحن نعتزم محاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة (قتل خاشقجي). وقد فعلنا ذلك، اذ فرضنا عقوبات على 17 شخصا، يشغل بعضهم مناصب رفيعة في الحكومة السعودية".

وبدوره قال وزير الدفاع الاميركي جيمس ماتيس، إنه لا يعتقد أن "السي آي إي" أو الحكومة السعودية قد توصلتا يقينا الى المسؤول عن قتل خاشقجي.