| | Date: Nov 22, 2018 | Source: جريدة الشرق الأوسط | | دروز السويداء يرفضون محاولات دمشق إعادتهم إلى «بيت الطاعة» | لندن - بيروت: «الشرق الأوسط»
بعد نحو 8 سنوات من اندلاع الحرب في سوريا، يتمسّك سليم برفضه أداء الخدمة العسكرية الإلزامية، على غرار غالبية الشبان الدروز من أبناء محافظة السويداء، غير آبهين بدعوة حازمة وجهتها لهم دمشق مؤخراً للالتحاق بالجيش.
وبعد أيام من تحرير نساء وأطفال دروز من السويداء خطفهم تنظيم داعش لأكثر من 3 أشهر بعد هجمات شنها في المحافظة، وكانت الأكثر دموية ضد الأقلية الدرزية في البلاد، دعا الرئيس بشار الأسد أبناء المنطقة للالتحاق بالجيش، عادّاً التخلف عن ذلك بمثابة «تهرب من خدمة الوطن».
وطيلة سنوات النزاع، تمكن دروز سوريا، الذين يشكلون 3 في المائة من السكان، من تحييد أنفسهم عن تداعياته إلى حد كبير. فلم يحملوا إجمالاً السلاح ضد النظام ولا انخرطوا في المعارضة، باستثناء قلة. وتخلف عشرات آلاف الشبان عن التجنيد الإجباري، مستعيضين عن ذلك بحمل السلاح دفاعاً عن مناطقهم فقط، بينما غضّت دمشق النظر عنهم.
ويقول سليم (27 عاماً)، وهو متخلف عن التجنيد ويستخدم اسماً مستعاراً، لوكالة الصحافة الفرنسية: «لا أريد أن تكون لي بصمة في حمام الدم السوري (...) لا أرغب في أن أقتل ابن حماة وحمص أو أي محافظة أخرى ليبقى فلان على كرسيه». ويضيف: «الجيش مقبرة للعمر والحياة، خصوصاً أن لا سقف يحدد مدة الخدمة خلال سنوات الحرب».
وباتت الخدمة الإلزامية تستمر سنوات عدة جراء الحرب، بعدما كانت مدتها الأساسية تقتصر على نحو عامين فقط.
وخشية توقيفه على حواجز قوات النظام واقتياده إلى التجنيد، يحصر سليم تنقلاته ضمن حدود محافظته فقط.
وتوجد الحكومة السورية في محافظة السويداء عبر المؤسسات الرسمية والمراكز الأمنية، فيما ينتشر الجيش حالياً على حواجز في محيط المحافظة.
وكان سليم حمل السلاح مع مقاتلين محليين لصد هجوم شنّه التنظيم المتشدد في 25 يوليو (تموز) الماضي على مدينة السويداء وريفها الشرقي، ما تسبب بمقتل أكثر من 260 شخصاً. وخطف التنظيم حينها نحو 30 شخصاً، أفرج عن 6 منهم الشهر الماضي بموجب اتفاق تبادل أسرى مع دمشق. وفي 8 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أعلنت دمشق عن تحرير باقي المختطفين في عملية عسكرية. وكان 5 منهم قتلوا خلال فترة الاحتجاز جراء إعدامات أو اشتباكات، كما توفيت امرأة مسنة.
وأثناء استقباله وفداً من المختطفين المحررين وعائلاتهم الثلاثاء الماضي، ربط الأسد بين الهجوم وغياب انتشار الجيش. وقال: «لو كان كل الناس ملتحقين، لكان الجيش تواجد في كل المناطق. لذلك أنا أقول، كل واحد تهرب من خدمة الجيش، هو تهرب من خدمة الوطن (...) ويتحمل ذنباً في كل مخطوف وشهيد». يستغرب سليم تصريحات الأسد ويرى فيها نبرة تهديد. ويوضح: «للمتخلفين عن الخدمة أسبابهم (...)، والنظام يقول لنا: (داعش أو الالتحاق بالخدمة)»، مؤكداً رفضه لها حتى لو فرضها النظام بالقوة.
ويرى أستاذ العلاقات الدولية خطار أبو دياب، المواكب لوضع دروز السويداء، في تصريحات الأسد «تهويلاً لن ينفع»، عادّاً أنه «يريد أن يأخذ أهل السويداء ليكونوا طعماً لمعارك مستقبلية».
وبقيت محافظة السويداء بمنأى نسبياً عن الحرب، باستثناء هجمات محدودة بين 2013 و2015 شنتها فصائل معارضة بعضها إسلامي متطرف، وتصدت لها مجموعات محلية أبرزها «مشايخ الكرامة»، التي ضمت رجال دين ومقاتلين رافضين لتجنيد الدروز خارج مناطقهم.
ويقول نور رضوان (26 عاماً)، مدير «شبكة السويداء 24» المحلية للأنباء، للوكالة: «استفاد النظام من العنف المفرط الذي ارتكبه (داعش) ليحاول إعادة السويداء إلى بيت الطاعة، وها هو اليوم وبكل صراحة يعرض مقايضة: أمنكم وحمايتكم مقابل خدمتكم» في الجيش.
في عام 2014، ومع توسّع المعارك في سوريا، بدأ الأهالي بمحاصرة كل مركز أمني يُعتقل فيه أحد أبنائهم لتخلفهم عن الخدمة حتى إطلاق سراحهم، بينما لم تقدم دمشق المنشغلة بجبهات أخرى على أي ردود فعل.
ويرى رضوان أنّ النظام حاول «احتواء أي حركة احتجاجية بأقل الخسائر انطلاقاً من تعامله مع الأقليات بحذر شديد».
لكن ذلك لم يمر من دون ثمن. ويتحدث سكان من المدينة عن فلتان أمني شهدته المحافظة خلال السنوات الماضية، عبر عمليات خطف مقابل فدية وقتل، من دون أي تدخل للمراكز الأمنية التابعة للنظام. كما اتهم البعض على مواقع التواصل الاجتماعي قوات النظام بإفساح المجال أمام الهجوم الأخير للتنظيم للضغط على أبناء المحافظة.
ويقول الناشط والباحث همام الخطيب (37 عاماً) لوكالة الصحافة الفرنسية، إن السويداء تتحول ليلاً إلى «مدينة أشباح، يحمل المتنقلون فيها أسلحة فردية لحماية أنفسهم». ويضيف: «يستخدم النظام طرقاً أخرى في عقاب السويداء، مثل (داعش) بدلاً من البراميل، أو الفوضى والجريمة بدلاً من الاعتقالات».
بعد هجمات السويداء، انكفأ التنظيم إلى منطقة تلول الصفا المتاخمة للمحافظة، قبل أن يتعرض لغارات كثيفة ويخوض اشتباكات ضد قوات النظام التي تمكنت السبت الماضي من بسط سيطرتها على المنطقة. وانسحب مقاتلو التنظيم، وفق مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن، إلى البادية، بناء على اتفاق مع دمشق التي تلقت وعوداً من مشايخ دروز بالعمل على إقناع الشباب بالالتحاق بالجيش في حال إبعاد خطر التنظيم عن المحافظة.
ويقدر «المرصد» وجود 30 ألف شاب درزي متخلفين عن الخدمة، لافتاً إلى اجتماعات متتالية يجريها ضباط روس مع مشايخ دروز لتسوية هذا الملف. ورغم ذلك، فإن عدي الخطيب (25 عاماً) يصرّ على رفض التجنيد لأن «الحرب مستمرة والقتل مستمر. ونحن لسنا آلة للقتل».
ويضيف الشاب القاطن في السويداء: «شبّان السويداء متخلفون عن الجيش، وأنا منهم، لكننا نحن من تصدينا لاعتداء (داعش) والجيش لم يساندنا». ويتساءل: «كيف بإمكاننا اليوم أن نخلي المنطقة ونلتحق بالجيش؟ محافظتنا أولى بشبابها». | |
|