| | Date: Sep 7, 2018 | Source: جريدة النهار اللبنانية | | قمّة طهران ومصير إدلب: هجوم واسع أم محدود النطاق؟ | جورج عيسى
تنتظر إدلب قمّة طهران التي ستُعقد اليوم بين رؤساء دول مسار أستانا وهي روسيا وتركيا وإيران. وقبل القمّة المرتقبة نقلت صحيفة "حريت" التركيّة عن الرئيس التركيّ رجب طيّب إردوغان أمله في أن يبعد الاجتماع الثلاثيّ شبح الهجوم العسكريّ على إدلب.
عبّر إردوغان عن نوع من خيبة الأمل الضمنيّة من الروس لكنّه اعترف في الوقت عينه بأهمّيّة التعاون مع موسكو لحلّ الأزمة، إذ قال: "تعاوننا مع روسيا الآن مهمّ جداً. ترمي الولايات المتّحدة الكرة في ملعب روسيا وروسيا ترميها في ملعب الولايات المتّحدة". ووصف الهجوم على إدلب بأنّه "عمليّة لا رحمة فيها" ستؤدّي إلى "مجزرة خطيرة اذا انهالت الصواريخ هناك".
في الوقت عينه، انتقد أردوغان "تطرّف" دمشق، لكنّه أبدى تفاؤله بإمكان أخذ المسار في القمّة المرتقبة إلى نوع من الحلحلة: "سنأخذ الوضع إلى نقطة إيجابيّة في هذه القمّة ... بإذن الله، سنكون قادرين على عرقلة تطرّف الحكومة السوريّة في المنطقة". يبدو من كلام الرئيس التركيّ أنّ احتمال فتح كوّة في جدار الأزمة قد يكون متاحاً، ربّما بناء على نتائج الاجتماعات المكثّفة التي عقدتها أنقرة وموسكو خصوصاً الشهر الماضي. لكنّ التطوّرات السياسيّة في دمشق ربّما كانت تحمل معطيات مختلفة.
خطّا موسكو - أنقرة وطهران - دمشق
في مقابل الاجتماعات التركيّة - الروسيّة، كانت إيران ترسل مسؤوليها إلى سوريا للتشاور مع دمشق في عدد من الملفّات بينها مصير إدلب. وكانت في ذلك إشارة ربّما إلى أنّ أيّ اتّفاق بين موسكو وأنقرة لا يأخذ المصالح الإيرانيّة في الاعتبار لن يُكتب له النجاح. ويتعزز احتمال كهذا مع تحليل لبعض المراقبين يستنبط موقفاً إيرانيّاً جذريّاً لاستعادة السيطرة على كامل الأراضي السوريّة مهما كلّف الأمر.
خلال أقلّ من أسبوعين، زار وزير الدفاع الإيرانيّ الجنرال أمير حاتمي الرئيس السوريّ بشّار الأسد وتبعه في ذلك وزير الخارجيّة محمّد جواد ظريف. بعد قمّة هلسنكي التي جمعت الرئيسين الأميركيّ دونالد ترامب والروسيّ فلاديمير بوتين، وبعد سلسلة من الاتصالات والزيارات بين الروس والإسرائيليّين، تسعى طهران لتفادي أيّ اتّفاق يحجّم نفوذها في الأراضي السوريّة. فإبعاد مقاتليها عن الجنوب السوريّ وتعرّض مراكزها للقصف الإسرائيليّ المتكرّر يفرضان عليها مزيداً من الضغوط لمحاولة تفادي خسارات أخرى في سوريا.
من هنا، كان توقيع طهران ودمشق اتفاقاً دفاعياً مشتركاً لإعادة بناء القوّات السوريّة توصّلت إليه العاصمتان خلال زيارة حاتمي. وجاءت زيارة ظريف في السياق نفسه اذ شدّد على التعجيل في الحلّ في إدلب. وهذا يعني أنّ ما خسرته إيران في الجنوب السوريّ تحاول تعويضه في الشمال، ولذلك يأتي الاستعجال الإيرانيّ لاستعادة دمشق سيطرتها على المنطقة.
ونقلت وكالة الجمهورية الاسلامية الايرانية للانباء "إرنا" عن ظريف: "نبذل جهدنا لإيجاد (حلّ) للوضع في إدلب بخروج الإرهابيّين من هذه المنطقة بأقلّ نسبة من الكلفة البشريّة". لكنّ ذلك لا يعني أنّ "الكلفة البشريّة" ستقف عائقاً أمام الإيرانيّين لتنفيذ خطّتهم.
نهاية أستانا؟
الدكتور عمير أنس، البروفسور المشارك في جامعة "يلديريم بيازيد" – أنقرة، أبلغ "النهار" ان الاستعجال الإيرانيّ - السوريّ لإطلاق هجوم على إدلب، يمكن أن ينهي عمليّة أستانا. وقال :"مسار أستانا وصل إلى مرحلة حرجة جدّاً حيث أنّ الهجوم على إدلب سينهي عمليّاً المسار السياسيّ". وأضاف: "بالفعل تريد إيران مع نظام الأسد كامل سوريا مع أو من دون (اللجوء إلى) القوّة". لكنّ ما يسترعي الانتباه في تحليله، إشارته إلى أنّ التحرّك العسكريّ سيجعل الموقف الروسيّ أكثر محدوديّة: "سيصير (دور) الروس عارضاً أكثر حالما يبدأ الأسد العمليّة العسكريّة".
أواخر آب الماضي، أعرب وزير الخارجيّة التركيّ مولود جاويش أوغلو عن تخوّف بلاده من الهجوم المرتقب الذي "ستكون له عواقب إنسانيّة وسيؤثّر على الجميع، ليس فقط على تركيا بل على أوروبّا أيضاً". وقال: "هناك بعض الجماعات المتطرّفة، والسبيل الأفضل هو تحديدها وفصلها عن البقيّة وبعدها القضاء عليها"، شارحاً أنّ التنسيق بين تركيا وروسيا مستمرّ لا على المستوى الوزاريّ فحسب بل أيضاً على المستوى الرئاسيّ. ولكن على رغم كلام إردوغان وجاويش أوغلو، قد لا تملك أنقرة فعلاً الكثير من الخيارات، وفقاً لتحليل أنس: "لتركيا خيارات محدودة جدّاً ينبغي أن تكون قادرة ضمنها على محاولة ضغط على هيئة تحرير الشام من أجل التخلّي عن سيطرتها (على المحافظة) وتصفية مجموعتها المتشدّدة تماماً".
خيارات محدودة ومتأرجحة
قد يكون الفصل بين المجموعات المتطرّفة وغير المتطرّفة الذي تحدّث عنه جاويش أوغلو هو الخيار الأخير أمام تركيا لتجنيب إدلب أقسى تداعيات المعركة المقبلة. وسبق لأنقرة أن أصدرت مؤشّرات في هذا المجال، لكنّ مسألة فاعليّة هذا الفصل ستبقى موضع مراقبة بالنسبة الى تأثيرها على حجم الهجوم العسكريّ.
وسلّط البروفسور المشارك في الجامعة التركيّة الضوء على الاحتمالات المقبلة قائلاً: "بما أنّ تركيا أعلنت هيئة تحرير الشام منظّمة إرهابيّة، يبدو أنّ تركيا ستدفع في اتّجاه غارات جوّيّة ولكن مركّزة على أهداف الهيئة عوض عمليّة عسكريّة واسعة النطاق".
قد يقبل المجتمعون في طهران بهذا العرض ما دام يحدّ من كلفة الهجوم على المقاتلين السوريّين والإيرانيّين، كما يخفّف على تركيا أعباء استضافة المزيد من اللاجئين. أمّا روسيا فستكون قد تمكّنت من قيادة مفاوضات سياسيّة ناجحة نسبيّاً. ولكن هل يكفي ذلك لضمان التزام الأطراف الهجوم العسكريّ المحدود؟
أجاب أنس عن أسئلة "النهار" بأنّ "سيناريو هجوم واسع النطاق، حتى الآن، يبدو أقلّ (احتمالاً) إلّا إذا دعم المقاتلون الأكراد النظام بعد اتّفاق بين الأكراد والأسد قيل إنّه قد تمّ التوصّل إليه". | |
|