Date: Aug 26, 2018
Source: جريدة النهار اللبنانية
هل تبيع تركيا إدلب إلى الروس؟
جورج عيسى 
أن يلتقي وزيرا الخارجيّة الروسيّ والتركيّ مرّتين خلال عشرة أيّام، وأن يتوجّه وزير الدفاع ورئيس جهاز المخابرات التركيّين إلى روسيا مرّتين في أسبوع واحد، فهذا يعني على الأرجح وجود مواضيع أكثر من ملحّة بحاجة للتباحث بين الطرفين. ومن شبه المؤكّد أن تكون إدلب على رأس أولويّات المسائل التي تتطلّب هذا المقدار من الإلحاح.

خلال مؤتمر صحافيّ مع نظيره الروسيّ سيرغي لافروف، قال وزير الخارجيّة مولود جاويش #أوغلو يوم أمس الجمعة إنّ "حلّاً عسكريّاً سيسبّب كارثة ليس فقط لمنطقة إدلب وإنّما أيضاً لمستقبل سوريا. يمكن للمعارك أن تستمرّ لفترة طويلة". هذه الأجواء توحي بأنّ المعركة باتت قريبة. فما هي سيناريوهاتها وما هو مداها الزمنيّ والميدانيّ؟ وكيف تسير الاستعدادات للحرب المقبلة بالتزامن مع المفاوضات الروسيّة والتركيّة؟

مجموعة من الأسئلة طرحتها "النهار" على الصحافيّة والكاتبة السياسيّة المتخصّصة في شؤون سوريا والشرق الأوسط إيفا كولوريوتي التي استندت إلى مصادر ميدانيّة وديبلوماسيّة خاصّة لرسم صورة عن الاحتمالات المرتقبة.

عاملان أساسيّان

تشير كولوريوتي بداية إلى أنّ العمليّة العسكريّة في إدلب متوقّعة لكن لا قرار نهائيّاً بعد بشنّها. "التعزيزات الهائلة التي استقدمها نظام الأسد وحلفاؤه من إيران ولبنان وروسيا لا تعطي الصورة الكاملة عن نوع العمليّة. هنالك عاملان يجب دراستهما بالتفصيل حول هذه العمليّة: داخليّ وخارجيّ".

شكّلت إدلب وجهة أساسيّة لمقاتلي المعارضة وعائلاتهم الذين انخرطوا في "مصالحات" النظام التي أجراها برعاية روسيّة. يضاف إلى ذلك أنّ إدلب هي المحافظة التي تسيطر عليها عسكريّاً وبشكل أساسيّ "هيئة تحرير الشام" أو "جبهة النصرة" سابقاً المرتبطة بتنظيم "القاعدة". وسبق لزعيمها أبو محمد الجولاني أن حذّر المقاتلين في إدلب يوم الثلاثاء من تسليم السلاح إلى الجيش السوريّ واصفاً ذلك ب "الخيانة". وسيكون لهذا الواقع القدرة على تحديد المسار المقبل للعمليّات العسكريّة.

"العامل الداخليّ هو أنّ معركة إدلب ستكون أوّل معركة يُختبر فيها إسلاميّو المعارضة السوريّة المسلّحة. في #الغوطة و #درعا و #القلمون وريف #حمص الشماليّ، كانت نسبة الإسلاميّين بين الثوار صغيرة جدّاً، بينما في إدلب سيكونون على خطوط المواجهة في القتال. أكثر من 20 ألف مقاتل ينتمون إلى فصائل ذات عقائد دينيّة قويّة يعقّدون المسرحين اللوجستيّ والعسكريّ للمعركة". وتضيف كولوريوتي: "من خلال اتصالاتي المباشرة مع مصادر محلّيّة في إدلب، تمّ إبلاغي بأنّ حالة التأهّب في آخر حصن للمعارضة السوريّة تقترح بأنّ المعركة، لو أطلقها الأسد وحلفاؤه، لن تكون كأيّ معركة سابقة".

"العامل الخارجيّ لهذه المعركة يُختصر مبدئيّاً بالموقف التركيّ. بغضّ النظر عن زيارة #لافروف أنقرة أواسط الشهر (الحاليّ) وخلق انطباع بأنّ اتّفاقاً تمّ التوصّل إليه بين الطرفين ويقترح بيع تركيا لثوّار إدلب، على الأرض لا مؤشّر إلى خطوة كهذه". توضح كولوريوتي أنّ مسؤولين في نقاط التفتيش التركيّة، وبعد ساعات فقط على انتهاء المؤتمر الصحافيّ المشترك بين وزيري الخارجيّة، سارعوا إلى طمأنة سكّان المنطقة. كذلك، "شدّدوا على أن لا عمليّة عسكريّة في المستقبل المنظور، علماً أنّ هذا لا يعكس الواقع الحقيقيّ".

ماذا عن ليونة اللهجة التركيّة إزاء الهجوم المرتقب؟

تفسّر كولوريوتي أنّ تركيا تنظر إلى إدلب من زاويتين: الأولى هي اقتصاديّة إذ إنّ هذه المحافظة، إضافة إلى مناطق عفرين و درع الفرات، أصبحت سوقاً مهمّة للبضائع التركيّة خصوصاً في ظلّ الوضع الاقتصاديّ الحاليّ الذي يفاقم الحاجة التركيّة. وتضيف: "علاوة على ذلك، إنّ أي تحرّك عسكريّ شامل سيطلق موجة من طالبي اللجوء من أكثر من ثلاثة ملايين شخص يعيشون في تلك المنطقة الجغرافيّة ولن تتمكّن تركيا من تحمّلها".

الزاوية الثانية هي سياسيّة. "تركيا مدركة أنّ ورقة إدلب والمناطق المحيطة بها هي آخر أوراقها للتفاوض في سوريا ولذلك ستحاول المحافظة عليها أو الاستفادة منها قدر الإمكان. في هذا الإطار، إنّ أفضل خيار لتركيا هو ذاك الذي قُدّم إلى الطرفين الروسيّ والإيرانيّ في آخر اجتماع لأستانا (عُقد في سوتشي) من خلال ممثّل تركيا".

تتابع كولوريوتي: "أكّد لي مصدر ديبلوماسيّ أنّ هذا المقترح مبنيّ على تقليص خطر الميليشيات المتطرّفة في الشمال السوريّ عبر دفعها إلى الاندماج بما يُسمّى ‘الجبهة الوطنيّة للتحرير‘ التي دمجت مؤخّراً جميع الفصائل القريبة من تركيا في محافظة إدلب. بالمقابل، ستحصل تركيا على ضمانة من روسيا لتشكيل حكومة فيديراليّة في المنطقة لفترة خمس سنوات و(لتحمّل) مسؤوليّة إعادة بنائها. في نهاية فترة السنوات الخمس، ستعلن روسيا إجراء انتخابات برلمانيّة ورئاسيّة في #سوريا وستعود هذه المنطقة إلى حكم #دمشق. هذا المقترح رفضته إيران وتركته موسكو للدراسة".

ماذا عن تأثير التوتّر التركيّ الأميركيّ على مصير إدلب؟

ترى كولوريوتي أنّ التوتّر في العلاقات الثنائيّة بين تركيا والولايات المتّحدة أثّر بشكل مؤكّد على مقاربة أنقرة للعديد من المسائل من بينها فكرة التقرّب أكثر إلى موسكو. "بالرغم من ذلك، إنّ التعاون بين موسكو وأنقرة حول أي مشروع داخل سوريا تمّ بناء على مبدأ مصالح الفريقين كما حصل في حلب مقابل عمليّة درع الفرات وفي ريف حمص الشماليّ مقابل عمليّة عفرين. لكن في الوقت الحاليّ، ليس لدى موسكو ما تقدّمه بالمقابل لأنقرة".

تظهر التفاصيل التي عرضتها كولوريوتي ل "النهار" جزءاً بارزاً من الأسباب التي قد تصعّب إطلاق الهجوم العسكريّ على إدلب لكن من دون أن تلغيه تماماً. من هنا، يمكن تفسير تكثيف الجهود الديبلوماسيّة بين أنقرة وموسكو خلال الأيّام الأخيرة، بأنّه محاولة لإيجاد كوّة في جدار الخلاف حول مصير المنطقة في أسرع وقت ممكن. لكن بحسب اعتقاد الكاتبة، لن تخلو الجهود الديبلوماسيّة من الأعمال العسكريّة المرافقة لها:

"سيبدأ الأسد وحلفاؤه تحرّكاً عسكريّاً في ريف اللاذقيّة الشرقيّ وريف حماه الشماليّ. ستحدّد النتائج على الأرض خلال الأسابيع الأولى مسار المعركة، إمّا التقدّم أكثر وإمّا القبول بتسوية مع أنقرة".