| | Date: Aug 18, 2018 | Source: جريدة النهار اللبنانية | | الأيزيديّون يصرخون "إبادة"... تراب سنجار يبوح بفظائع مخيفة | هالة حمصي
الذاكرة حيّة، بطعم رائحة دم ابناء الجبل والجوار. في 3 آب 2014، "بدأ مقاتلو تنظيم "الدولة الاسلامية" إبادة الايزيديين في العراق. في كوجو، حاصروهم طوال 12 يوما، ولم يأت أحد للمساعدة. وفي 15 آب، قتلوا الرجال، وخطفوا النساء والاطفال". الذاكرة حية، تكتب وتوثّق. واستمرت فظائع "داعش": اعدام، قتل، تعذيب، خطف، تجويع، تهجير... رمال الأرض الايزيدية تحكي الكثير. وفي الوقائع ما يعجز العقل عن تصوره، ويعجز التراب عن اخفاء هوله.
في الذكرى الرابعة للإبادة الايزيدية، يستمر البحث. العمل هائل، على امتداد عشرات مئات الكيلومترات. بالنسبة الى "يزدا"، هذه المنظمة "الايزيدية الدولية غير الربحية"، متابعة "التوثيق حول المقابر الجماعية ومواقع القتل" شكّل اولوية، منذ تأسيسها في آب 2014، مع معرفتها الجيدة بالتحديات الميدانية.
فـ"الوصول الى اماكن المقابر الجماعية" ليس سهلا اطلاقا. وهناك "احتمال وجود متفجّرات فيها، علما ان الوضع الامني في المنطقة في تغيّر مستمر"، على قول المدير التنفيذي لـ"يزدا" مراد اسماعيل لـ"النهار". ويضيف أيضا "تأثير العوامل الجوية، كالامطار والرياح والحرارة، على المقابر ورفات الضحايا فيها، بعد 4 سنوات على حصول الابادة، في ظل ظروف مناخية وطبيعية متغيّرة".
"سباق مع الوقت"
بعد تقرير رسمي أوّل اصدرته "يزدا" في 28 كانون الثاني 2016، مع منظمة "هيومن رايتس ووتش"، عن المقابر الجماعية المكتشفة في سنجار، نشرت تقريرها الثاني في 3 آب 2018، استكمالاً للأوّل. وعنونته: "Working Against the Clock" (اي نعمل في سباق مع الوقت)، وضمّنته "نتائج لاحقة للتوثيق حول الإبادة الجماعية في جنوب جبل سنجار، إضافة إلى تلعفر وقصر المحراب".
مكتشفات التقرير الجديد تتعلق غالبيتها بـ"بلدات وقرى امكن فريق يزدا الوصول اليها، في وقت لم يكن ذلك ممكنا عند وضع تقرير 2016، اما لانها كانت لا تزال تحت سيطرة "داعش"، اما لوجود الغام فيها او حولها"، على ما تقول مديرة مشروع التوثيق حول المقابر الجماعية في "يزدا" العضو في "ساتر هيومن رايتس فيلوشيب" بكلية الحقوق في هارفرد غولي بور لـ"النهار".
وبموجب ذلك، أمكن المنظمة "توثيق 21 مقبرة جماعية جديدة، اضافة الى العديد من مواقع القتل في سنجار وحولها". المكتشفات الاساسية التي يوردها تقرير 2018 مصدرها خصوصا جنوب جبل سنجار. "هناك وجدنا مقبرتين جماعيتين، في تل عفر وقصر المحراب، مع اعتبار مقبرة "علو عنتر" (قرب تل عفر) الاكبر التي وثقناها حتى اليوم، بحيث نقدر انها تضم أكثر من الف جثة"، على ما تفيد.
اعضاء فريق "يزدا" في مشروع التوثيق أمام مكتب المنظمة في دهوك. وبدا (من اليسار) جنس روبرت جانكي، سراب سليمان، زيد سليم، ماهير بارغاش، روناك إلياس، ندى شياخو، غولي بور، مروان داود، وفرحان دخيل.
سلسلة الإبادة تتوسع في مختلف الاتجاهات، لتشمل دوميز، حاماي، سنجار، حيث وثقت "يزدا" أخيرا 3 مقابر جماعية جديدة فيها، وجدالي (3 مقابر)، سيبا شيخ خضر (4)، كرزرك (2)، كوجو (5)، قصر المحراب، وعلو عنتر. وقد أمكن ايضا "يزدا" تحديد مواقع قتل جديدة عدة في بعض هذه البلدات، وغيرها (تل بنات).
مقابر... ولا تحقيق بعد!
رغم مرور 4 سنوات على الابادة، فان الأرض تواصل البوح بأسرارها المخيفة. المعلومات التي توردها "يزدا" تستند الى "شهادات شهود او ناجين وصور توثيقية، وليس على ادلة جنائية"، على ما توضح. المكتشفات في تقريرها الجديد، كما في السابق، حول "عدد الضحايا وسبب موتهم واعمارهم وجنسهم، تستند ايضا الى "شهادات شهود وناجين".
في التقديرات المعلنة، "قُتِل 3100 يزيدي، اما اعداما، اما تجويعا او بسبب التجفاف، خلال احتلال تنظيم "الدولة الاسلامية" لسنجار (تم خطف 6800 امرأة وطفل على الاقل. ويعتقد ان نحو 3 آلاف امرأة لا يزلن في الاسر"). ارقام "تقريبية"، ونبش المقابر ليس متاحا بعد. "يزدا تحرص على عدم بعثرة هذه المواقع، اولا لان بعثرة المقابر يخل بالقوانين العراقية، ثانيا لاننا لسنا خبراء في الطب الشرعي"، على قول بور.
مقابر جماعية يخلّفها "داعش"، وفظائعه على وسع أرض الايزيديين. ما يأسف له اسماعيل هو ان "لا استجابة، حتى اليوم في موضوع المقابر الجماعية للأيزيديين، بحيث لم يتم التعامل معها بما يحفظ الكرامة الانسانية للضحايا". ويقول: "لم يتم التحقيق في المقابر، ولم يتم حمايتها، ولم تتم ازالة الرفات. من شأن هذه المقابر، بعد اربع سنوات على الإبادة، ان تتأثر بفعل العوامل الجوية، كالامطار والرياح والحرارة، ويُخشَى على رفات الضحايا في ظل هذه الظروف. لذلك نولي، كمنظمة، التوثيق اهمية كبيرة، في ظل غياب عمل حكومي او دولي حول المقابر".
خوف وعدم ثقة
شعور بـ"الحزن"، باللاعدالة، بالظلم، ينتاب فريق "يزدا" كلّ مرة يقف أمام مقبرة جماعية جديدة. "هذه المقابر تجعل الايزيديين يشعرون بعدم رغبة في العودة الى اراضيهم، لان هذه العودة تعني ان يجدوا احباءهم مطمورين في مقابر جماعية"، على قول بور. وهذا يعني ايضا، بالنسبة الى العديد منهم، ان "يحرصوا على الحفاظ على مواقع هذه المقابر، عبر تسييجها بأنفسهم، في بعض الحالات، احتراما لضحايا الابادة، ومنعا لبعثرة رفاتهم".
الجرح الايزيدي بليغ، والنزف مستمر. ما يبديه ايزيديون كثيرون في سنجار والجوار هو "شعور بعدم الثقة، وخوف متواصل من تعرضهم لاعتداءات وانتهاكات جديدة، في ظل غياب المحاسبة حاليا". وتتدارك بور: "لم يتم تقديم أحد الى المحاكمة في هذه الابادة. من تتم محاكمتهم في العراق يمثلون امام المحكمة بتهمة الإرهاب. وهذا لا يفيد كثيرا في محاسبة الجرائم المرتكبة بحق الايزيديين. لذلك تطالب يزدا بتحديد هذه الجرائم على انها ابادة وجرائم حرب، وبمحاكمة الاشخاص المسؤولين عنها، بموجب القانون".
اياً تكن صعوبة الموقف والظروف، فان فريق "يزدا" "اظهر قوة وشجاعة كبيرة في القيام بمهمته، والتزاما حقيقيا من اجل تحقيق العدالة لضحايا الابادة"، وفقا لبور. على غرار المجتمع الأيزيدي، "لا نريد ان ينسى العالم هذه الابادة، كما حصل في إبادات اخرى. وسنقوم بأمور اكبر في المستقبل".
الى جانب مطالبة "يزدا" بـ"الاعتراف بالإبادة الايزيدية" ومحاسبة المسؤولين عنها، يشدد اسماعيل على طلب آخر هو ان "يؤمن العراق، بمساعدة المجتمع الدولي، وفريق التحقيق الحالي، برئاسة السيد كريم خان، الخبرات والاموال اللازمة للتحقيق في المقابر الجماعية الايزيدية وازالتها، بما في ذلك توفير التكنولوجيا للتعرف الى هوية الضحايا في هذه المقابر". | |
|