| | Date: Aug 10, 2018 | Source: جريدة النهار اللبنانية | | بعد عظة البابا تواضروس... صراع الكنيسة القبطية يتجه إلى الهدوء | القاهرة - ياسر خليل
يبدو أن الغموض الذي أحاط بحادثة القتل المروّعة التي تعرض لها #الأنبا_أبيفانيوس، أسقف ورئيس دير الأنبا مقاريوس، في وادي النطرون (111 كيلومتراً شمال القاهرة)، صباح يوم الأحد 29 تموز الماضي، بدأ يتكشف، بعد خروج بعض التسريبات عن احتجاز النيابة لوائل سعد، وهو راهب جرد بعد الحادثة بوقت قصير، وكان اسمه الرهباني هو أشعياء المقاري. وخضع للتحقيقات أيضاً مسؤول الكاميرات بالدير، وبعض العمال.
وخرجت التسريبات بعد عظة البابا تواضروس الثاني، بطريرك الأورثوذكس في مصر، مساء أمس، وذكر البابا في عظته عدة نقاط محورية، تشكل نقطة تحول في مدى إمكانية كشف لغز الواقعة الغامضة، منها أن "ما حدث للأنبا أبيفانيوس يجب أن ينظر إليه كجريمة، وأي جريمة فيها جانٍ ومجنى عليه، سواء كان 1 أو 10، لافتاً إلى أن التحقيقات ما زالت جارية".
وقال للأقباط: "لا تهتزّوا سواء واحد انتحر أو منتحرش، وهو نفس ما فعله يهوذا حين خان أستاذه، واعرفوا أيها الأحباء إننا فى الكنيسة لدينا ضمير ومسؤولية أمام الله، ولا نتحرك بفكر العالم، أو سياسات العالم، وانتبهوا إلى الصفحات الصفراء".
وأكد محللون متخصصون في شؤون الكنيسة القبطية في أحاديث سابقة لـ"النهار" أن كشف الجاني في قضية مقتل الأب أبيفانيوس، سيحدث تحولاً في توازنات الصراع الدائر منذ سنوات بين الجناح التنويري بقيادة البابا تواضروس، والحرس القديم المحسوب على البابا السابق الأنبا شنودة الثالث، والذي كشفته للرأي العام، حادثة القتل البشعة.
محاولة الانتحار
وكان الراهب المشلوح أشعياء المقاري، الذي ما زال في بدايات عقده الرابع من العمر، حاول الانتحار بالسم بعد صدور قرار تجريده من الرهبنة، وعودته إلى حياته السابقة للرهبنة، واسمه العلماني وائل سعد. وفور إعلان التجريد اتجهت شكوك البعض نحوه، معتقدين أنه المتهم الرئيسي في حادثة القتل، لكن الكنيسة نفت ذلك في بيان رسمي، وأكدت أن الشلح يتعلق بأسباب رهبانية بحتة.
وقالت مصادر مقربة من الكنيسة لـ"النهار" إن الراهب المشلوح كان كثير المشاكل مع الأنبا أبيفانيوس، وخضع لتحقيقات كنسية، كادت تؤدي إلى تجريده، وطرده من دير مقاريوس، لكن عدداً كبيراً من الرهبان، بلغ أكثر من 50 راهباً وقعوا التماساً للبابا تواضروس في 20 شباط الماضي، طالبوا فيه بالعفو عنه.
وتقول المصادر إن الأنبا أبيفانيوس تشفع له بنفسه عند البابا، ما جعل بطريرك الأقباط يوافق على العفو عنه، خاصة وأن رئيس دير مقاريوس الراحل، كان واحداً من أقرب المقربين من البابا. وكان يُعدّ من أعمدة الجناح التنويري، ومن أقدر قيادات الكنيسة على الرد بحجج قوية على الجناح المتشدد دينياً، المتمثل في الحرس القديم.
جريمة داخلية
منذ الساعات الأولى على وقوع جريمة مقتل الأنبا أبيفانيوس، وآراء أغلب المحللين والمتخصصين في الشأن القبطي، اتجهت نحو أن تكون الجريمة قد ارتكبت من داخل الدير. وأكد أحد المصادر المقربة من الدير أن المنطقة التي قتل فيها الأسقف، والتي تبتعد أمتاراً عن "قلايته" (مسكنه في الدير)، هي منطقة لا يستطيع أي أحد التحرك فيها، ومحظور التجول فيها إلا لمن يرتدون الزي الأسود (ملابس الرهبان)، كما أن "قلاية" رئيس الدير بشكل خاص، هي من المناطق التي تحظى بقدر من السرية، ولا يعرف موقعها أحد من خارج الدير المحصّن بأسوار عالية، ولا حتى العمال التابعون للدير نفسه.
ويقول الكاتب والمفكر جمال أسعد لـ"لنهار": "إنه على الرغم من أن التحقيقات لم تكشف بعد عن الجاني، لكن منذ اللحظات الأولى فإن المنطق يقودنا إلى أن الجريمة ارتكبت من داخل الدير، ولم ترتكب من خارجه، خاصة وأنه يخضع لنظام حراسة قوي ومشدد، وهذا ما أكده البابا تواضروس أمس في عظته".
وأضاف الكاتب المهتم بالشأن القبطي: "لقد دعوت إلى أن يتم التفكير في القضية بصورة منفتحة، وأن توضع كل الاحتمالات على الطاولة، فلا يجب أن نقول هذا لا يمكن أن يحدث، وهذا عيب لا يجب أن نفكر فيه، فكل الاحتمالات واردة في هذه القضية. وكشف الجاني سوف يكون له عظيم الأسر على مستقبل الصراع الذي استمر سراً لسنوات بين تلامذة الأنبا متّى المسكين (التنويريين)، وتلامذة البابا شنودة".
تحوّل مهم
شكل مقتل الأنبا أبيفانيوس، صدمة كبيرة، لم تُصِب المسيحيين المصريين فحسب، ولكن أثرت في جميع المواطنين تقريباً، بطريقة أو بأخرى. فالكنيسة في نظر أغلبهم هي هدف للجماعات الجهادية، ولم يسمع أحد عن حادثة قتل داخل الأديرة أو الكنائس القبطية على مدار العقود الماضية، وهو ما دفع البعض إلى وصف الحادثة بأنها واقعة غير مسبوقة، وذهب البعض إلى أنها عمل إرهابي.
الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، صاموئيل تادرس، يؤكد أن هذه ليست الحادثة الأولى من نوعها، فقد سبقها مقتل الأنبا ثاؤفيليس مطران القدس والشرقية والقناة بالرصاص في مزارع دير الأنبا أنطونيوس بوش، بمحافظة بني سويف في العام 1945.
ويضيف: وفي العام 1951 قتل الأنبا مرقس، أول أسقف مصري لجنوب أفريقيا، بالرصاص في سيارته الخاصة، بعد خروجه من دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون.
وفي سنة 1963 قتل الأنبا يوأنس مطران الجيزة والقليوبية في حادث غامض، بعد أن دُسّ له السمّ في علبة الدواء الخاصة به. لافتاً إلى أن هذه الحوادث جميعها قُيّدت ضد مجهول، وتناساها الناس مع مرور الزمن.
وتوقع متخصصون في الشأن القبطي، أول الأمر، أن تقيَّد قضية مقتل الأنبا أبيفانيوس ضد مجهول كسابقاتها، خاصة وأن أجهزة المراقبة في الدير نالها تخريب، وتعرض القرص الصلب الخاص بالجهاز الذي يسجل ما ترصده الكاميرات للكسر، وفق ما أفاد بعض التقارير.
الصراع يتجه إلى الهدوء
وأكدت مصادر مقربة من الكنيسة لـ"النهار" أن الصراع الدائر بين الجناح التنويري، والحرس القديم، في اتجاهه للاحتواء والهدوء في الفترة المقبلة، خاصة بعد عظة البابا، التي أشار فيها بوضوح إلى أن جريمة مقتل الأنبا أبيفانيوس وقعت داخل الدير، وليس من مصلحة أحد التستّر عليها. وتشكل القضية الحالية ورقة ضغط كبيرة على الحرس القديم.
وتقول الصحافية المتخصصة في الشأن القبطي، وفاء وصفي، في تدوينة على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي: "قبل إلقاء البابا تواضروس العظة، أمس، كانت هناك أخبار حول القضية. فور انتهاء العظة أخذت التسريبات تتصاعد، وهذا قد يؤدي إلى اقتراب إعلان نتيجة التحقيقات الرسمية".
وأضافت "قطعاً ستكون هناك مراعاة لبعض الظروف الاستثنائية التي نمر بها، لكن ستكون هناك شفافية كبيرة جداً وعدم تستُّر على مجرم أو مخالف، وهو الأمر الذي سيساعد كثيراً في اجتياز المحنة بسرعة كبيرة... هذه المحنة كشفت وجهاً جديداً ومطلوباً سيكون له فضل كبير في القضاء على صراع كبير يدور منذ سنوات... الصراع بدأ يخبو فعلياً.. ولكن الأيام فقط ستؤكد لنا هذا". | |
|