Date: Aug 10, 2018
Source: جريدة الحياة
الحفاظ على الإدارة الذاتية هاجس الأكراد في محادثاتهم مع دمشق
القامشلي (سورية) - أ ف ب
يشكل الحفاظ على الإدارة الذاتية التي كرسوها في مناطق سيطرتهم خلال سنوات النزاع، الهاجس الأكبر لدى أكراد سورية في محادثاتهم مع دمشق، في وقت يرجح محللون أن ترفض الحكومة السورية القبول بأي شكل من الحكم الذاتي على أراضيها.

وبعدما تمكنوا من طرد تنظيم «داعش» من مناطق واسعة في شمال سورية وشمالها الشرقي، يجد الأكراد أنفسهم اليوم مضطرين للتفاوض مع دمشق، في ظل تمكن القوات الحكومية من استعادة السيطرة على مساحات واسعة من البلاد، وبعد إبداء الأميركيين، أبرز داعميهم، رغبتهم في مغادرة سورية.

وقال القيادي الكردي البارز صالح مسلم: «نحاول الحفاظ على كل ما بنيناه من نظام الإدارة والديموقراطية والمؤسسات، لكن هناك ذهنية لن تقبل بهذا الأمر مباشرة، لذلك سيتم بالتدريج وعبر مفاوضات تتوزع على مراحل».

واستضافت دمشق في 26 تموز (يوليو) الجولة الأولى من المفاوضات الرسمية بين ممثلين عن الإدارة الذاتية الكردية والحكومة السورية، انبثق عنها تشكيل لجان على مختلف المستويات، الاقتصادية والسياسية والخدمية والعسكرية.

وعانى أكراد سوريا خلال عقود من سياسة التهميش التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة في حقهم، لكن نفوذهم تصاعد تدريجياً مع انسحاب قوات النظام من مناطقهم بدءاً من العام 2012. وتمكنوا إثر ذلك من بناء مؤسسات على أنواعها وإعادة إحياء لغتهم وتراثهم. وأعلنوا تأسيس إدارة ذاتية في ثلاث مقاطعات.

ويؤكد مسلم أن «سورية لن تعود كالسابق، بل يجب أن تكون لامركزية ديموقراطية»، موضحاً أن «لدينا مشروعنا الذي نعتقد أنه يُشكل مثالاً لكل سورية، ونحن متمسكون به».

وفيما لم تتطرق دمشق رسمياً الى المفاوضات الجارية بين الطرفين، حدد «مجلس سورية الديموقراطية» (مسد)، الذراع السياسي لـ «قوات سورية الديموقراطية» (قسد) المؤلفة من فصائل كردية وعربية، هدف اللجان التي تم تشكيلها بـ «رسم خارطة طريق تقود إلى سورية لامركزية».

ويرى الخبير في الشؤون الكردية موتلو جيفير أوغلو أنه مع بلوغ النزاع خواتيمه «ستبقى الحكومة، وقسد بقيادة الأكراد، اللاعبين اللذين يسيطران على الغالبية الكبرى من مساحة سورية». ويضيف: «بطريقة أو بأخرى، ستجد هذه القوى حلاً إن كان بالقتال أو بالسلم».

وتسيطر «قسد» التي تتلقى دعماً أميركياً عبر التحالف الدولي على نحو ثلاثين في المئة من مساحة البلاد، لتكون بذلك ثاني قوة مسيطرة على الأرض بعد النظام السوري.

ومع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب مراراً رغبته بسحب قواته من سوريا، باعتبار أن مهمتها «تقترب من نهايتها»، يقول جيفير أوغلو: «لا أحد يعرف ماذا سيحصل.. وهذه الصورة الضبابية تدفع بالأكراد للتفاوض بجدية أكبر (...) مع دمشق».

ويعول الأكراد بشكل أساسي في مفاوضاتهم مع دمشق على فكرة أنه لن يتم التعامل معهم مستقبلاً كما في الماضي. ويقول مسلم: «لم نكن سابقاً في الحسبان، أما اليوم، فقد جرى تغيير كل المعادلات بإرادتنا وتنظيمنا ودفاعنا، وسندافع عما أسسناه»، مؤكداً «أننا لا نؤمن بالتسليم والاستسلام، بل نطالب بالعيش كل واحد بلونه وصوته وحريته، فالحقوق لا تحتاج الى تفاوض وهي الحقوق الثقافية والسياسية والادارية والإدارة الذاتية».

ولن يقبل الأكراد الذين «يسيّرون منذ سنوات شؤونهم في الادارة الذاتية» بحسب جيفير أوغلو «بعودة الأيام الخوالي». ويضيف: «أعتقد أن هذا هو الخط الأحمر بالنسبة إليهم» في مفاوضاتهم مع دمشق.

وتصر دمشق على استرداد كل الأراضي السورية بما فيها مناطق الأكراد، إلا أن رئيسة الهيئة التنفيذية لـ «مسد» الهام أحمد، التي ترأست وفد التفاوض إلى دمشق، تصر على أن الإدارة الذاتية هي إحدى «مكتسبات حربنا على داعش ومواجهتنا الاستبداد». وتقول إن القضية الكردية «هي أولى القضايا التي يجب إيجاد حل عادل لها» في سورية.

في المقابل، ترغب دمشق بعودة كاملة لجيشها ومؤسساتها إلى المناطق ذات الغالبية الكردية. ويجزم مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في دمشق بسام أبو عبدالله، بأن «الدولة السورية لن تقبل بالإدارة الذاتية». ويوضح: «ليس هناك شيء إسمه إدارة ذاتية، هناك فقط لامركزية إدارية تقوم على البلديات». ويسأل: «إذا أنجزنا البلديات، ماذا يريدون أكثر؟».

وتقترح دمشق كبديل عن الحكم الذاتي تفعيل قانون الادارة المحلية الرقم 107 للعام 2012، لمنح البلديات صلاحيات واسعة. ويؤكد أبو عبدالله أن «البنى العسكرية (للأكراد) ستفكك مستقبلاً» الأمر الذي تجزم أحمد بأنه «غير مطروح على طاولة المفاوضات حالياً».

وتبدو الفجوة كبيرة بين مطالب الطرفين، ما يصعب فرص الوصول إلى اتفاق سريع.

وقال الباحث في معهد «تشاثام هاوس» حايد حايد، إن «النظام، مستمداً عزيمته من مكاسبه العسكرية الأخيرة، يبدو أكثر تصميماً من أي وقت مضى على منع قيام أي مراكز سلطة موازية في سورية». وأشار في مقال نشره أخيراً، إلى أن «الفجوة الهائلة بين ما يحاول الطرفان إنجازه، تجعل من الصعب التخيل أنه سيكون بإمكانهما التوصل إلى اتفاق جوهري في وقت قريب».