Date: May 28, 2018
Source: جريدة الحياة
مراهنة على تفاهم بين عون و الحريري يسرّع ولادة حكومة يأملها بري قبل عيد الفطر
بيروت - وليد شقير
نقل زوار رئيس المجلس النيابي نبيه بري عنه تشديده على ضرورة السرعة في إنجاز الحكومة الجديدة آملاً بأن ترى النور قبل عيد الفطر منتصف الشهر المقبل. ويشدد بري مثلما فعل غداة انتهاء الانتخابات النيابية، على ضرورة الإسراع في إنجازها لأن ورشة العمل المطلوبة للنهوض بالوضع الاقتصادي والمالي لا تحتمل التأجيل، إذا كان لبنان سيستفيد من الدعم الدولي الذي تلقاه.

وخرج زوار بري بانطباع بأن ما يحكى عن حسم عدد من الحقائب وأسماء الوزراء غير صحيح بل إن البحث بتوليفة الحكومة سيبدأ اليوم مع الاستشارات الرسمية التي يبدأها الرئيس المكلف سعد الحريري، لتجرى بعدها الاتصالات البعيدة من الأضواء لطبخ الصيغة النهائية. ويرجّح بري قيام حكومة من ثلاثين وزيراً من دون استبعاد إمكان توسيعها إلى 32 لتوزير علوي وممثل عن الأقليات.

وأوضح زوار رئيس البرلمان أنه لا يقيّد نفسه بمبدأ فصل النيابة عن الوزارة في انتظار موقف القوى الأخرى. وكان 3 فرقاء التزموا هذا الفصل هم: حزب «القوات اللبنانية»، «حزب الله» و «تيار المستقبل». أما بالنسبة إلى البيان الوزاري للحكومة فإن بري يرى أن البرنامج الانتخابي الذي أعلنه يمكن أن يصلح ليكون في صلبه.

من جهة ثانية قال قطب سياسي لـ «الحياة» إن تكرار غير فريق وآخرهم الأميـــن العام لـ «حزب الله» السيد حســــن نصرالله، بأن العقوبات الأميركية الخليجية على قيادات فيه لن تؤثر في تأليف الحكومة، يعود إلى اقتناع عام بأن الإجراءات المتخذة لها سياق أكبر من لبنان ويتعلق بالصراع الدولي والإقليمي مع إيران وتدخلها في الحروب في الإقليم، وبصواريخها الباليستية.

ويعتبر القطب نفسه أن حتى الدول التي أعلنت العقوبات حريصة على حفظ استقرار البلد، وفي المقابل فإن لا مصلحة لـ «حزب الله» بأن يعرقل تأليف الحكومة في ظل المستجدات الإقليمية المتسارعة لأن استقرار دوره في البلد ضروري له عبر قيام الحكومة. وعلى رغم أن نصرالله أكد أن لا علاقة لدعوته إلى تسريع التأليف بالقلق من العقوبات، فإن القطب السياسي يرى أن من المفيد للحزب ألا يظهر بمظهر من يعرقل التأليف. وأضاف: «لربما إدراك الرئيس الحريري هذه الحقيقة هو الذي دفعه إلى التأكيد أن الوضع الإقليمي سيسرع إنجاز الحكومة».

التفاهم و «المثالثة المبطنة»

ويرجّح القطب نفسه ألا تكون هناك مشكلة على صعيد التمثيل الشيعي والتمثيل السني. ويرى أنه في كل الأحوال هناك غير الحزب من الفرقاء سيضع العراقيل أمام التأليف، لا سيما لجهة «الكباش» بين «التيار الوطني الحر» ورئيسه الوزير جبران باسيل، وحزب «القوات اللبنانية»، على الأحجام في التركيبة الحكومية. فالتمثيل المسيحي لا يتوقف على «التيار الوطني الحر» بل على مطالب «القوات اللبنانية « و «تيار المردة» فضلاً عن الأخذ في الحساب أن شعار تشكيل «حكومة وحدة وطنية جامعة» قد يفرض عدم تجاهل حزب «الكتائب».

ويقول القطب نفسه أن «التيار الوطني الحر» (وربما «حزب الله») سيسعيان إلى استخدام ورقة تمثيل النائب طلال أرسلان، ما سيحوّل التمثيل الدرزي إلى عقدة، هذا فضلاً عن أن عودة مجموعة من النواب الموالين للنظام السوري إلى البرلمان قد تدفع «حزب الله» إلى المطالبة بضم من يمثلهم إلى الحكومة، عبر بعض المناورات استناداً إلى قول نصرالله مساء الجمعة إن «وضعنا في المنطقة أفضل»، ويرغب في أن ينعكس ذلك في الحكومة.

ويلاحظ القطب السياسي أن دور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في معالجة هذه العقد سيكون أساسياً خصوصاً أن الرئيس الحريري سبق أن أكد أن تفاهمه معه أدى إلى معالجة الكثير من القضايا الشائكة وأنه لن يبقى أسير التعطيل بل سيستفيد من التوافق بينه وبين رئيس الجمهورية لتسريع التأليف. فلا مصلحة لعون أن يحصل التأخير لأنه يهمه إطلاق عجلة المشاريع الموعودة في البلد عبر الاستثمارات ومكافحة الفساد والهدر، على أن يأخذ وقته في السعي إلى اتفاق على إستراتيجيا دفاعية ومعالجة أزمة النازحين اللتين تتعلقان بالوضع الإقليمي المعقّد، مع استمرار كل الجهود لإبقاء المواجهة الأميركية - الإيرانية خارج البلد، وهذا ممكن.

إلا أن القطب نفسه يلفت إلى أن تمرير الحكومة على قاعدة الفهم الذي قدمه الوزير جبران باسيل لـ «الميثاقية» بتقاسم الأقوى في كل مكون طائفي الحصص، يحمل معه أخطار تكريس المثالثة بين المسيحيين والشيعة والسنة بطريقة مبطنة. وسيكون على الرئيس الحريري أن يتجنب ذلك. ومع استناده إلى تعاونه مع الرئيس عون، فإن قوى مسيحية أخرى لها وزنها قد تكون عوناً له على الحؤول دون تكريس هذا التوجه، ومنها «القوات اللبنانية» و المردة» برئاسة سليمان فرنجية على الصعيد المسيحي، فضلاً عن رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط ونواب مستقلين.

عقدتان وتوازن التمثيل

ويضيف مصدر سياسي بارز على ذلك بالقول إن من مصلحة الحريري إحداث توازن دقيق في التمثيل على الصعيد المسيحي. فالجهد الذي يبذله الوزير باسيل من أجل تحجيم «القوات اللبنانية» في الحكومة هو مطلب لـ «حزب الله» ويمكن القول إن «التيار» يسلّف الحزب في هذا التوجه، لأن الأخير لم يغادر توجسه من التحالف بين «التيار» وبين «القوات» منذ انتخاب العماد عون رئيساً، وليس منزعجاً من حصول التباعد بين الثنائي المسيحي خلال السنة الماضية. بل إن المصدر إياه يعتبر أن الحزب نجح في استثمار مساحة البعد بين القطبين المسيحيين بعد انتخاب عون رئيساً.

وفي شأن عقدة التمثيل الدرزي يعتقد المصدر السياسي البارز بأن الحريري الحريص على أجواء التوافق بين الرئاسات الثلاث، لن يقفز فوق حرصه على العلاقة مع جنبلاط، ولن يتجاهل تضامن الرئيس بري مع موقف رئيس «الاشتراكي»، في حال تسلّح الوزير باسيل باتفاقه مع الوزير طلال أرسلان للعمل على توزير الأخير. فالمصادر المطلعة على نتائج اجتماع بري وجنبلاط مطلع الأسبوع الماضي ترجح اتفاقهما على مسائل كثيرة منها التمثيل الدرزي.

ملفات تهم المجتمع الدولي

وفي وقت تراقب سفارات الدول الغربية والعربية كيفية انعكاس نتائج الانتخابات على التركيبة الحكومية، من باب استشراف مقاربتها المقبلة للملفات التي تهم المجتمع الدولي، بدءاً بمكافحة الفساد، مروراً بالنأي بالنفس عن حروب المنطقة ومناقشة الإستراتيجية الدفاعية، توقفت أوساط مراقبة أمام ما قاله الرئيس عون في خطابه خلال الإفطار الجامع الذي أقامه الثلثاء الماضي حين أكد ضرورة قيام «حكومة يمكنها التعامل مع الوضعين الإقليميى والدولي». وتقول هذه الأوساط إن تفسير كلامه يحمل وجهين: الأول ألا تستفزّ الحكومة دول الغرب والولايات المتحدة ودول الخليج العربي التي تأخذ المزيد من الإجراءات ضد إيران و «حزب الله»، والثاني أن تضم الحكومة وجوهاً قادرة على التعاطي مع النظام السوري لأن رئيس الجمهورية يردّد أمام من يلتقيه من سياسيين لبنانيين وموفدين أجانب، بأن لا بد من التواصل مع الحكومة السورية من أجل إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، في وقت يخوض باسيل معركة ديبلوماسية مع الأمم المتحدة حول «العودة الآمنة». وهو موضوع خلافيّ بين المسؤولين اللبنانيين إذ إن الحريري ليس بوارد القبول بتواصل حكومي مع النظام السوري.

وترى الأوساط المراقبة أن التوازن في الحكومة دقيق جداً لجهة الأبعاد الإقليمية لسياساتها المقبلة، في وقت يحتاج لبنان إلى المساعدات التي وُعد بها في مؤتمر «سيدر» للاستثمار في بناه التحتية، والتي استندت إلى الثقة الدولية بالحريري والمراهنة على خطه المعتدل.