Date: May 24, 2018
Source: جريدة الحياة
سباق محموم لتشكيل الحكومة العراقية يقوده الصدر في العلن وسليماني في السر
فيما تبدو اتصالات زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لتشكيل الحكومة العراقية المقبلة، مكثّفة وعلنية، تشير مصادر إلى أن حوارات لا تقل أهمية تجرى في الكواليس بين زعماء حزب «الدعوة» وتيار «الفتح» برعاية قائد «فيلق القدس» الجنرال الإيراني قاسم سليماني لتحقيق الكتلة الأكبر قبل انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان.

وبدت تحركات الصدر أخيراً مكثفة وسريعة، لكنها وفق المقربين، استفزت أطرافاً إيرانية، ما دفع القيادي في التيار ضياء الأسدي إلى تأكيد أن العلاقة مع طهران ثابتة، لكنها ليست علاقة تبعية، نافياً في تصريحات أمس، معلومات تداولتها وسائل إعلام عن وجود اتصالات بين واشنطن وقيادات في تحالف «سائرون» التابع لتيار الصدر.

وقال لوكالة «رويترز» إن الأميركيين استخدموا وسطاء لفتح قنوات مع أعضاء من التحالف، و «سألوا عن موقف التيار الصدري عندما يتولى السلطة. هل سيعيد إلى الوجود أو يستحضر جيش المهدي أم يعيد توظيفه؟ هل سيهاجم القوات الأميركية في العراق؟». وأضاف: «لا عودة إلى المربع الأول. لا ننوي امتلاك أي قوة عسكرية غير قوات الجيش والشرطة والأمن الرسمية».

ونقلت الوكالة عن مسؤول أميركي أمس قوله: «الولايات المتحدة حريصة وراغبة في لقاء مجموعة متنوعة من الأشخاص الذين سيشاركون في الحكومة، والصدر سيكون لاعباً في هذا الأمر». وقال مسؤول أميركي آخر يشارك في الجهود الرامية إلى فهم ما يقوم به الصدر في الوقت الراهن: «يبدو أن وجهات نظره السياسية تختلف... في هذه المرحلة لا نعرف حقاً ماذا يريد».

وكشف مقربون من التيار الصدري لـ «الحياة»، أن السفارة الأميركية في بغداد أرسلت خلال الأيام الماضية وسطاء لجس نبض الصدر في شأن تطبيع العلاقة بين الجانبين، لكن الصدر لم يرد سلباً أو إيجاباً، علماً أنه يتحفظ منذ سنوات عن فتح اتصالات مباشرة مع الجانب الأميركي في مقابل اتصالات مع دول أوروبية كفرنسا وألمانيا. وأضافت المصادر أن زعيم التيار الصدري لا يريد في هذه المرحلة استفزاز الأميركيين، وكان فعل الشيء نفسه عام 2016 عندما دخل أتباعه المنطقة الخضراء، إذ أرسل عبر وسطاء تطمينات بأنهم لن يتعرضوا إلى أمن السفارة الأميركية.

والمشكلة الأساس التي تواجه الصدر في مهمة تشكيل حكومة يريدها أن تجمع تيارات متطابقة معه في الرؤية، مثل تيار «الحكمة» و «النصر»، هي الدور الإيراني الذي يعمل باستمرار من أجل عرقلة التوصل إلى اتفاقات نهائية. وكشفت المصادر أنه «باستثناء اتفاق الصدر مع (رئيس الوزراء) حيدر العبادي (زعيم كتلة النصر) على خطوط تحالف الكتلة الأكبر... فإن مشاورات الأخير مع القوى السياسية لم تتجاوز جس النبض واللقاءات البروتوكولية».

وكان الصدر التقى أمس الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة يان كوبيتش للبحث في تشكيل الحكومة.

وذكر المكتب الإعلامي للصدر أنه «عرض على كوبيتش آخر ما توصلت إليه الحوارات في شأن تشكيل الحكومة». وشدد خلال اللقاء على أن «يكون القرار وطنياً عراقياً»، و «أهمية زيادة دعم ومساندة المجتمع الدولي والأمم المتحدة لخروج العراق من نفق الطائفية والمحاصصة المقيتة ومنع التدخل في ملف الانتخابات حكومياً وإقليمياً».

وفي مقابل تلقي الصدر تأكيدات قوى شيعية وكردية وسنية استعدادها للتحالف معه في تشكيل الحكومة، فإن جبهة يقود مفاوضاتها قيادي في تيار «الفتح»، هادي العامري المقرب من إيران، بالإضافة إلى زعيم «ائتلاف دولة القانون» نوري المالكي، تتلقى في المقابل تأكيدات في شأن رغبة الأطراف نفسها في التحالف معها لتشكيل الكتلة الأكبر.

وفي السياق العام للتسريبات من الجبهتين، فإن أحزاباً وتيارات صغيرة ومتوسطة رُشحت ضمن الائتلافات المختلفة، أو بصورة منفردة، ترفض تقديم أي تأكيدات في شأن اتجاه تحالفاتها، وإن فتح بعضها خطوطاً سرية لطلب وزارات أو مناصب في مقابل الانضمام إلى أي تحالف. وكانت كتلة العبادي تعرضت إلى هزة أمس، بانسحاب 3 من أعضائها يمثلون كتلة «الانتفاضة الشعبانية»، وانضمامهم إلى كتلة «الفتح»، فيما يرى مراقبون أن 10 آخرين يمثلون حزب «الفضيلة»، يخوضون منفردين حوارات مع أطراف مختلفة للبقاء في كتلة العبادي أو الانسحاب منها.

ومع أن الصدر اجتمع أخيراً مع زعيم منظمة «بدر» هادي العامري، وفُسر الاجتماع على أنه محاولة لشق صفوف «الفتح» واجتذاب العامري إلى تحالف منفرد مع الصدر والعبادي، إلا أن مصادر وثيقة الاطلاع تؤكد صعوبة تفكيك تيار «الفتح» (47 مقعداً)، الذي يحظى برعاية إيرانية مباشرة، ويُشرف عليه سليماني.

الأبعد من ذلك، أن التسريبات تؤكد حدوث اجتماعات لشخصيات من حزب «الدعوة» الذي ينتمي إليه العبادي والمالكي، يقودها القياديون في الحزب عبدالحليم الزهيري، وطارق نجم، وعلي الأديب، وجميعهم غير مشتركين في الانتخابات، للبحث في إمكان جمع مقاعد الحزب الموزعة بين «دولة القانون» و «النصر» مجدداً، وإجبار العبادي والمالكي على الانسحاب من سباق تشكيل الحكومة، والعمل على تشكيل ائتلاف شيعي يضمن عدم خروج منصب رئيس الوزراء من الحزب، مشيرة إلى تهديدات تلقاها الحزب فعلاً من إيران بإمكان دعم مرشحين من خارج «الدعوة».