Date: May 20, 2018
Source: جريدة النهار اللبنانية
لبنان: حكومة النأي بالنفس رهن التوافقات وتنتظر الغطاء العربي لاطلاق حركتها

نقل زوار قصر بعبدا عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تفاؤله بالمرحلة المقبلة التي يرفع لها عنوان محاربة الفساد، واطمئنانه الى ان ما يجري في المنطقة من تطورات لن يؤثر على الاستقرار الداخلي، ما دامت الحكومة ملتزمة سياسة النأي بالنفس والحياد عن الصراعات، وهو ما سيتكرر في البيان الوزاري للحكومة التي ستشكل قريبا. 

هكذا اعطى رئيس الجمهورية الملامح الاولى لاعتماد بيان وزاري يخلو من الخلافات حول موقف لبنان من مجمل القضايا الخلفية والصراعات في المنطقة وهو بذلك يوجه رسائل مبكرة الى من يعنيهم الامر في الداخل والخارج قبيل انطلاق المرحلة الاولى من المشاورات الحكومية بعدما حسم امر رئاسة مجلس النواب ونيابة الرئاسة وفق ما تشير اليه الارقام.

هذا الموقف، اي النأي بالنفس وبالبلد عن الانقسامات، هو ما الرئيس سعد الحريري في زيارته المرتقبة للسعودية الاسبوع الطالع قبل اجراء استشارات التكليف والتأليف، في محاولة لتوفير التغطية العربية الملائمة لانطلاقة الحكومة المقبلة.

واذا كان البعض يروج لرغبة "حزب الله" في الحصول على حقيبة سيادية، فان مصادر متابعة تؤكد لـ"النهار" استحالة الامر لاسباب عدة منها ان حصول الوزير علي حسن خليل على حقيبة المال، ينهي الحصة الشيعية في الحقائب السيادية الاربعة. كما ان تولي "حزب الله" اي حقيبة سيادية بدل "امل" سيجعل وزير الحزب مضطرا للتعامل مع الغرب وخصوصا مع الولايات المتحدة الاميركية سواء في الخارجية او في الدفاع والمال، وهو امر محرج للطرفين معا، ويمكن في ظل العقوبات المتزايدة على الحزب، ان يعطل التعامل مع لبنان، وتنفيذ الاتفاقات، ولا سيما المساعدات التي اقرت لدعم الجيش اللبناني.

من جهة ثانية، ترى المصادر ان الحزب لن يتمسك بحقيبة سيادية وانما بحقائب خدملتية اساسية، وانه سيعمل على تسهيل عملية التأليف، بل هو يبدي تخوفا من تعطيل مقابل. لكن الحديث يعود عن الثلث المعطّل الذي يبدو الحزب في وارد العودة اليه لحفظ رأسه في ظل التطورات الدراماتيكية التي لا تصب في مصلحته على المستوى الاقليمي. الا ان الجدلية الكبرى تبقى هنا وفق المصادر، في ما اذا كان الرئيس سعد الحريري الذي سلّم بالثلث المعطل للحزب وحلفائه سابقا ونال نصيبه المرّ بفعل هذا التسليم، حينما دخل البيت الابيض رئيس حكومة لبنان وخرج منه رئيس حكومة تصريف اعمال بفعل استقالة "الثلث المعطّل"، سيكون جاهزا لمغامرة من هذا النوع مرة اخرى.

على خط مجلس النواب، تشير المعطيات المتوافرة الى ان النائب المنتخب ايلي الفرزلي قد يحصل لنيابة الرئاسة، في نهاية العملية الانتخابية المجلسية على ما يناهز 73 صوتا توفر فوزه تم احصاؤها على النحو الاتي: كتلة "لبنان القوي" (29 نائبا)، الثنائي الشيعي وحلفاؤه (31 نائبا)، تيار المردة وحلفاؤه (7 نواب) كتلة نواب الحزب السوري القومي الإجتماعي (3 نواب) وكتلة الرئيس نجيب ميقاتي (4 نواب) وسيضاف اليهم بعض النواب المستقلين المرجح خروجهم عن كتلهم في هذا الشأن ومنهم احد نواب تكتل "الجمهورية القوية" عن دائرة زحلة الذي جاهر بانتخاب الفرزلي ايا كان موقف الكتلة من الموضوع. في حين ان مرشح حزب القوات اللبنانية النائب انيس نصار يتوقع ان يحصل على 43 صوتا، يتشكلون من كتلة "الجمهورية القوية" وهم (14 من 15 نائبا)، كتلة المستقبل (20 بدلا من 19 بعد انضمام النائب المنتخب هنري شديد اليها) كتلة اللقاء الديمقراطي (9 نواب) ويمكن ان ينضم اليهم نواب مستقلون او من كتل أخرى، لكن العدد، مهما ارتفع لن يتقدم على ما هو في رصيد الفرزلي.

افطار السعودية

من جهة ثانية بدا لافتا الافطار الذي نظمته سفارة المملكة العربية السعودية مساء امس على شرف رئيس الحكومة سعد الحريري في حضور كل مكونات فريق الرابع عشر من اذار سابقا في غياب اي من مكونات الثامن من اذار. ولفت حضور المستشار نزار العلولا المكلف الملف اللبناني، كما لفت بشكل بارز ذكر الوزير المفوض وليد البخاري الرئيس بشير الجميل في اطار حديثه عن شخصيات لبنانية بارزة اي الرئيس كميل شمعون والرئيس رفيق الحريري والامام موسى الصدر والزعيم كمال جنبلاط.


استعدادات للاستحقاقين والحريري ماضٍ في المحاسبة

باستثناء اجتماع طارئ للمجلس الاعلى للدفاع أملته الاوضاع الامنية السيئة في بعلبك، بدا المشهد الداخلي هادئاً وطبيعياً في الاستعدادات الجارية لاستحقاقي انتخاب رئيس مجلس النواب والاستشارات النيابية لتكليف رئيس الوزراء الاسبوع المقبل، علماً ان جلسة أخيرة لمجلس الوزراء ستسبق الاستحقاقين يوم الاثنين وتخصص لاستكمال اقرار جدول أعمال الجلسة السابقة.

واتخذ الوضع الامني في بعلبك بعداً بالغ الحساسية والجدية لجهة الفلتان المستشري، اذ خصص المجلس الاعلى للدفاع جلسته التي عقدها بعد الظهر في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحضور رئيس الوزراء سعد الحريري والوزراء المعنيين وقادة الاجهزة العسكرية والامنية لدرس الاجراءات الحازمة الواجب اتخاذها لوضع حد لهذا التفلت. وكشفت مصادر وزارية لـ"النهار"ان ما استدعى انعقاد المجلس الاعلى للدفاع بشكل طارئ هو اضطراب الوضع الامني في البقاع وتحديداً في مدينة بعلبك. فقد عرض قادة الاجهزة الامنية ما تواجهه قوى الأمن على الارض من تجاوزات وتهديدات وخروج على القوانين والانظمة. وتقرر نتيجة النقاش ان تتخذ اجراءات تعيد الدولة الى المدينة أمنياً وانمائياً، باعتبار ان الحرمان والاهمال هما من الاسباب الرئيسة للواقع السائد.

وعلم ان بعض المداخلات تطرق الى موقف الأحزاب التي تعلن من جهة رفعها الغطاء عن المخلّين بالامن، وتنكفئ كلياً عند تطبيق الاجراءات من جهة أخرى.

وافادت معلومات رسمية انه "بعدما عرض وزير الداخلية والبلديات وقائد الجيش والمدير العام لقوى الامن الداخلي الاوضاع الامنية في منطقة البقاع، ولا سيما في منطقة بعلبك، تقرر اتخاذ القرارات والتدابير الامنية اللازمة. كما اوصى المجتمعون ان يقرّ مجلس الوزراء تنفيذ المشاريع الانمائية الخاصة بمنطقة البقاع عموماً وبعلبك خصوصاً ".

الاستحقاقان  

اما في شأن الاستحقاقات الدستورية المقبلة، فان الثابت ان جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب ستعقد الاربعاء 23 أيار بعد ان يوجه الدعوة اليها رسميا رئيس السن النائب ميشال المر مطلع الاسبوع المقبل. وسيليها تحديد رئيس الجمهورية مواعيد الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الوزراء المكلف. ولكن ليس ثابتا بعد موعد الاستشارات لان معلومات رشحت أمس عن اعتزام الرئيس الحريري القيام بزيارة للرياض الاسبوع المقبل قد تملي التريث في تحديد مواعيد الاستشارات بعد عودته في نهاية الاسبوع المقبل.

وتحدثت معلومات اخرى عن مزيد من المرونة في مناخ العلاقات بين الرئيسين عون ونبيه بري منذ اجتماعهما الاخير قد تترجم بقيام وزير الخارجية جبران باسيل بزيارة لعين التينة في عطلة نهاية الاسبوع الجاري وقبل جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه. ويبدو ان "التيار الوطني الحر" يتجه الثلثاء المقبل الى ترشيح النائب المنتخب ايلي الفرزلي لمنصب نائب رئيس المجلس ولن يرشح النائب المنتخب الياس بو صعب لاحتمال توزيره لاحقا.

وصدرت مواقف بارزة أمس للرئيس الحريري في اول اجتماع رأسه للمكتب السياسي لـ"تيار المستقبل" بعد الانتخابات وبعد جولة المحاسبة الكبيرة التي اطلقها داخل التيار في نهاية الاسبوع الماضي. وشدد على أن "الانتخابات أخذت من حصتنا لكنها لم تأخذ شيئاً من قوتنا، والتيار الشعبي في كل المناطق كان أكبر استفتاء على قوة التيار وحضوره"، لافتاً إلى أن "الانتخابات كشفت عن أخطاء، وعن خلل في التنظيم، في بعض الدوائر، لكنها كشفت أيضاً أن في التيار شبانا وشابات وكوادر وأعضاء مكتب سياسي تحملوا المسؤولية وقاموا بواجباتهم".

وقال: "لا يجب أن نهرب من الأخطاء في التنظيم والخلل في عمل المنسقيات والماكينة الانتخابية لنرمي المسؤولية على القانون الانتخابي. هذا القانون نحن شاركنا في صياغته، وكان لدينا الجرأة لنقول إننا نريد إجراء انتخابات، ولو كنا نعرف سلفاً ان حصتنا النيابية سوف تنقص. حتى لو حصلت على كتلة نيابية أكبر، ما كان هذا الأمر ليجعلني راضياً عن عمل المنسقيات والماكينة، وخصوصاً في بيروت". وشدد على أن "الانتخابات أصبحت وراءنا، لكن ترتيب البيت الداخلي أمامنا. صحيح أننا لا نريد أن نجلد أنفسنا، ولا نريد أن نعطي أي جهة فرصة للمشاركة في جلد تيار المستقبل، وكلنا نرى الحملات الاعلامية التي تستهدف التيار، وتعمل على تشويه القرارات التي أعلنا عنها، ومحاولة النيل من كرامة أشخاص قدموا للتيار خدمات مشهودة في المرحلة الماضية. ان المهم ردة فعل الناس. الناس تريد محاسبة على كل تقصير، وتريد أن تحمي تيار المستقبل".

التأليف والعقوبات  

وسط هذه الاجواء أبلغت مصادر وزارية لـ"النهار" تعليقاً على العقوبات الاميركية والخليجية على "حزب الله" وتأثيرها على تأليف الحكومة الجديدة أنه لن تكون حكومة من دون الرئيس الحريري كما من دون "حزب الله" وهذه المعادلة لم تتبدل. وقالت إن العقوبات لن تؤثر بشكل مباشر على عملية التكليف والتأليف الحكوميين واذا ما كانت لها تأثيرات فيتوقّع ان تكون في اتجاه أن تشكل حافزاً للقوى السياسية اللبنانية للتسهيل وللتعجيل في ولادة الحكومة، لأن انتظام عمل المؤسسات وحده يحصّن الساحة الداخلية في مواجهة الوضع الدقيق في المنطقة. وفي رأي هذه المصادر، أن المناخ الاقليمي ضاغط وغير مريح وخصوصاً مع الحلول السياسية التي تطبخ، والدليل أن لقاء الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين وبشار الاسد كان واضحاً بأنه يصبّ في اتجاه الحل السياسي ويؤشر لما يجري اعداده من تسوية. لكن المظلة الدولية على لبنان قائمة، ولن تخرقها حتى اسرائيل، عملاً بقرار دولي كبير.

ولا تخفي المصادر الوزارية، أن استشارات التكليف المتوقع الدعوة اليها عقب الافطار الرئاسي في بعبدا الاربعاء، تنحو بما لا لبس فيه الى تسمية الرئيس الحريري، انطلاقاً من تقاطعات داخلية وخارجية، مع نفي قاطع لإمكان حصول أي ضغوط سعودية على عملية التأليف. أما العقبات المتوقعة فهي المعروفة بالتنازع على حجم التمثيل وعلى الحقائب السيادية والخدماتية، وبمطالبة الطائفة الشيعية بوزارة المال، أو بمطالبة "حزب الله" بحصة لحلفائه من الطائفة السنية، وكلها مطالب قد يبدأ البحث فيها بعد الانتهاء من انتخاب رئيس وهيئة مكتب لمجلس النواب. لئلا يؤدي المستبعد ان تشكّل حجر عثرة على طريق ولادة الحكومة، والا ادى ذلك الى عرقلة انتظام الحياة السياسية وتعطيل عمل المجلس مع بداية انطلاقته، خصوصاً انه لا يمكنه أن يجتمع في غياب الحكومة.