| | Date: Apr 14, 2018 | Source: جريدة الحياة | | مصير مجهول لناشطي دوما ومخطوفيها ونازحو الغوطة يجدون صعوبة في التعرف إلى منازلهم | دمشق (سورية) أ ف ب
مع إجلاء «جيش الإسلام» من مدينة دوما، يبقى مصير المئات من المخطوفين والمفقودين لديه مجهولاً، بينهم أربعة ناشطين حقوقيين بارزين اتهم بخطفهم قبل سنوات من دون أن تتوافر أي معلومات عنهم حتى الآن.
وأفرج «جيش الإسلام» عن عشرات المخطوفين لديه كجزء من اتفاق أعلنت عنه دمشق الأحد، وتخلله إجلاء آلاف المقاتلين والمدنيين من دوما، فيما لم تتضح أي معلومات عن مصير مئات آخرين.
وبين هؤلاء الناشطين الحقوقيين رزان زيتونة ووائل حمادة وسميرة خليل وناظم الحمادي، الذين خطفوا في 9 كانون الأول (ديسمبر) عام 2013 ولم تتبن أي جهة عملية خطفهم ولم ترشح أي معلومات عن مكان تواجدهم أو مصيرهم، فيما اتهم حقوقيون وأفراد من عائلاتهم «جيش الإسلام» الذي كان يسيطر على المدينة بخطفهم، الأمر الذي نفاه الأخير.
ويقول باسل حمادة شقيق وائل: «حالياً، لا نعرف أين هم». وزاد: «خوفنا أكثر كون جيش الإسلام سلّم دوما للنظام وليس لدينا أي خبر عنهم».
وشارك الناشطون الأربعة بفاعلية في الحركة الاحتجاجية التي اندلعت ضد النظام عام 2011، كما عملوا على توثيق الانتهاكات التي ارتكبتها أطراف النزاع.
ويقول باسل: «نشعر بالعجز، لقد وجهنا رسائل عدة إلى دول وسفراء وقادة وملوك، لكن لا أحد تمكن من إيصالنا إلى طرف خيط». وزاد: «أتوقع ألا آراهم مجدداً، وإن كنت آمل أن أكون مخطئاً وأن يكونوا على قيد الحياة ويتم الإفراج عنهم».
وتُعد زيتونة من أبرز محامي المعتقلين السياسيين في سورية. ونالت عام 2011 «جائزة زخاروف لحقوق الإنسان» من البرلمان الأوروبي. كما حصلت عام 2016 على «جائزة مارتن-اينال» التي تعتبر بمثابة «نوبل» حقوق الإنسان.
أما الخليل فهي ناشطة سياسية مخضرمة عملت على مساعدة نساء دوما في إعالة أنفسهن عن طريق مشاريع صغيرة. وكان حمادي من مؤسسي لجان التنسيق المحلية وهي عبارة عن شبكة من الناشطين تولت توثيق يوميات النزاع والضحايا منذ اندلاعه.
ويعرب حقوقيون سوريون بارزون يقيمون حالياً في ألمانيا وتابعوا من كثب القضية، عن مخاوفهم انطلاقاً من أنهم لا يملكون سبباً كافياً للاعتقاد بأن المفقودين على قيد الحياة. ويقول المحامي ميشال شماس: «أخشى أن تكون تمت تصفيتهم منذ البداية».
ويشاطره الشعور رئيس «المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية» المحامي أنور البني الذي كان معتقلاً لدى السلطات السورية قبل اندلاع النزاع، قائلاً: «لا أمل بأن يتم الكشف عن مصيرهم في أي مكان».
وقالت الباحثة في «هيومن رايتس ووتش» سارة كيالي، إن قضية النشطاء الأربعة «لم تدرج على ما يبدو لمناقشتها كجزء من اتفاق الإجلاء من دوما».
وفي موازاة ذلك، لا يزال مصير ثلاثة آلاف مخطوف لدى «جيش الإسلام» مجهولاً، وفق ما أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الذي اتهم «الجيش» باستخدامهم كـ «دروع بشرية».
وبموجب اتفاق الإجلاء، أفرج «جيش الإسلام» الأسبوع الحالي عن مئتي مخطوف لديه، بينهم سكان من منطقة عدرا العمالية خطفهم الفصيل نهاية 2013. وظهر بعضهم في مقاطع فيديو في 2015 في أقفاص حديدية على متن شاحنات جالت مدينة دوما.
ومع تقدم الجيش السوري في الغوطة الشرقية إثر هجوم في 18 شباط (فبراير) الماضي، وبدء تنفيذ اتفاقات إجلاء المقاتلين المعارضين منها قبل ثلاثة أسابيع، التقى مراسلو «فرانس برس» عشرات الأشخاص الذين أمضوا أياما قرب المعابر ينتظرون معرفة مصير المخطوفين من عائلاتهم.
وقال رئيس النظام السوري بشار الأسد خلال لقائه عدداً من عائلات مخطوفين الأسبوع الماضي: «لن نفرط في أي مفقود أو مخطوف... وإن كان على قيد الحياة سنحرّره مهما كلف الأمر».
نازحو الغوطة يجدون صعوبة في التعرف إلى منازلهم
زملكا (سورية) - أ ف ب
شعرت أم محمد بالضياع بين أكوام الركام والأبنية المتصدعة وسط شارع رئيس في بلدة زملكا في الغوطة الشرقية بينما كانت تبحث عبثاً عن منزلها، بعدما طغى الدمار على حارتها وغير معالمها الرئيسية.
تقف الخمسينية حائرة وسط الشارع واضعة يدها على ذقنها. تتلفت بحثاً عما تستدل به إلى منزلها. وتقول: «لم أجد منزلي بعد، لقد تغيّرت ملامح المنطقة في شكل كامل، وفقدت كل علاماتها الرئيسة». وتضيف أم محمد التي أقامت أكثر من عشر سنوات في زملكا، إثر نزوحها إلى دمشق قبل ست سنوات هرباً من المعارك: «منزلي قرب الثانوية في شارع القابون، لكنني لم أجدها ولم أجد الشارع نفسه».
تسير أم محمد نحو شارع فرعي برفقة جندي سوري يحاول مساعدتها على تحديد الأماكن بدقة. وتشير بيدها إلى أحد المنازل، تدخل منزلاً تلو آخر من دون جدوى. وتقول بغصة: «كانت زملكا جنة، لكنها الآن مليئة بالمتاريس والتراب، والمداخل كلّها مغلقة بالألغام (...) خاطرت بنفسي لكي أصل إلى هنا، ولن أرجع حتى أعثر على البيت وأدخله».
وعلى رغم أنها ترتدي معطفاً طويلاً نسقته مع حجابها البني اللون، لكن ذلك لا يمنعها من تسلّق الردم برفقة الجندي الخبير في المنطقة بوصفها ساحة معركة، من دون أن يعرف معالمها قبل اندلاع النزاع وسيطرة الفصائل المعارضة عليها عام 2012. وتختصر المرأة أحلامها في الوقت الراهن بأن تلقي «نظرة قد تكون الأخيرة» على منزلها الضائع بين الدمار.
وعلى غرار أم محمد، تعتري الحيرة وجوه النازحين الذين فروا من الغوطة الشرقية إثر سيطرة الفصائل المعارضة عليها لدى عودتهم إلى بلداتهم للمرة الأولى.
وفي زملكا أيضاً، بحث بشير الأربعيني مطولاً قبل العثور على ورشة النجارة التي يملكها، ليجدها خالية وقد تدمرت واجهتها. ويقول بحزن شديد: «لو لم تكن الورشة على الطريق العام، لما تمكنت من التعرف عليها، واضطررت لتسلق أكوام من التراب والركام».
أما في منطقة الزبلطاني شرق دمشق، يتجمع المئات من المدنيين بانتظار أن تسمح لهم القوات الحكومية بدخول حي جوبر المجاور وبلدات في الغوطة الشرقية لتفقد منازلهم التي غادروها منذ سنوات. وتجلس أم راتب على كرسي صغير جلبته معها وتضع فوق رأسها بطانية تقيها أشعة الشمس، بانتظار السماح لها بالدخول. وتقول المرأة التي تجاوزت الخامسة والستين من عمرها وهي تنظر نحو السواتر الترابية: «جئتُ وحدي لأرى منزلي في كفربطنا، لا أعلم إذا كان لا يزال موجوداً أم تحوّل إلى ركام». وتضيف: «لو لم يبقَ فيه إلا تراب، سأفرد هذه البطانية وأجلس في بيتي».
قرب أم راتب، يتجمع مدنيون بانتظار العودة إلى مناطقهم. يحمل بعضهم العلم السوري، ويهتف آخرون بعبارات مؤيدة للجيش، فيما تعمل جرافة كبيرة على إزالة التراب تمهيداً لفتح الطريق.
إلى عربين، وعلى هامش جولة نظمتها القوات الحكومية لعدد من وسائل الإعلام ومن بينها «فرانس برس»، تشق السيارات طريقها بصعوبة. على ضفتي الطريق، تبدو المنازل وكأنها تتمايل على بعضها البعض. بعضها بدا بلا أسقف، كما أن معظمها بلا شرفات أو جدران. ويتناثر الغبار بعد كل خطوة في الأزقة التي يغطيها الركام. وتبدو ملامح البلدة الرئيسة وقد اختفت في شكل كامل باستثناء ساحة صغيرة قرب مسجد من دون قبّة، ولوحات قديمة خرقها الرصاص عليها تسمية «شارع عمر بن عبدالعزيز- منطقة عربين».
واضطر فؤاد محجوب (63 عاماً) إلى الانتظار مع أفراد عائلته ساعات طويلة تمهيداً لدخول بلدة عين ترما المجاورة لتفقد منزله ومشغل خياطة قربه.
ويقول بينما يُمسك بيده بعصا صغيرة يرسم فيها دوائر على الأرض والعرق يتصبّب من وجهه: «لقد تركت كل ما أملك على بعد أمتار قليلة فقط، أتمنى ألا يكون الدمار قد طال ورشتي ومنزلي». ويضيف بينما ينظر إلى حفيدته خديجة: «هذه البنت لم تر منزل جدّها بعد، عمرها ست سنوات، لا تعرف عين ترما إلا من خلال الصور. لكن إذا رجعنا، سأعوّضها عن كل السنوات الصعبة». | |
|