| | Date: Mar 30, 2018 | Source: جريدة النهار اللبنانية | | لبنان: التشريع المستعجل يمرّر الموازنة ويفاقم التكاليف | اذا كانت الجلسة الماراتونية لمجلس النواب في يومها الثاني انتهت الى ما ارادته لها الحكومة والمجلس من حيث انجاز اقرار موازنة سنة 2018 قبل انعقاد مؤتمر "سيدر" في باريس في السادس من نيسان المقبل فان الجلسة خرجت بمجموعة معطيات ودلالات بارزة تعكس الواقع السياسي والمالي والاقتصادي القائم بكل تعقيداته وخصوصاً عشية استحقاق الانتخابات النيابية. صحيح ان المجلس حذا حذو الحكومة في بذل جهود استثنائية لاستدراك التأخير في اقرار الموازنة ضمن المهلة الدستورية الاصلية، ولكن صحيح أيضاً ان التشريع تحت ضغط الوقت المتأخر وفي توقيت شديد الالحاح جعل الشكوك والسلبيات والمحاذير تتعاظم حيال الموازنة التي كانت أساساً موضع تشكيك واسع لجهة امكان تحقيقها الاصلاحات المطلوبة والتوازن المالي والاقتصادي في حدوده الدنيا، فجاء اقرارها المستعجل ليفاقم الشكوك وليرسم مزيدا من التعقيدات أمام أفق السياسات الاصلاحية المالية. ولم يكن ادل على هذه النتيجة من السرعة القياسية التي استلحق بها المجلس اقتراب ولايته من نهايتها، اذ ما كاد ينتهي مساء أمس من اقرار الموازنة حتى أقر أيضا عدداً من المشاريع الملحة والعالقة ضمن جدول ملحق لجدول أعمال الجلسة ضم 26 مشروعاً، فاقر قانون المياه، وكذلك تعديل المادة 84 من قانون الانتخاب للدورة المقبلة المتعلق بالبطاقة الانتخابية والبيومترية لمرة واحدة تجنباً للطعن في نتائج الانتخابات المقبلة.
وتوزعت نتيجة التصويت على قانون الموازنة على 50 نائباً أيدوا القانون، فيما عارضه النائبان سامي الجميل وسيرج طورسركيسيان وامتنع 11 نائبا عن التصويت هم النواب الحاضرون من كتلة "حزب الله" والنواب خالد الضاهر ونبيل نقولا وغسان مخيبر.
أما في ملف القضاة، فان المجلس أقر اعطاءهم ثلاث درجات على رغم معارضة رئيس الوزراء سعد الحريري، كما اقرت استقلالية الصندوق التعاضدي للقضاة وأعيد تحديد العطلة القضائية لشهر ونصف شهر.
أما في البعد السياسي والمالي والاقتصادي للواقع الذي عكسته الجلسة، فبدا رد الرئيس سعد الحريري على المداخلات النيابية ودفاعه عن سياسات الحكومة بمثابة تمهيد للمشاركة في مؤتمر "سيدر" الاسبوع المقبل من جهة، كما شكل محاولة متقدمة لتبديد المخاوف والشكوك التي تصاعدت حيال الوضع المالي أخيراً. ولعل العامل اللافت في هذا السياق تمثل في التنسيق والانسجام بين الرئيس الحريري ووزير المال علي حسن خليل لجهة التقائهما على نفي ان يكون لبنان دولة مفلسة وهو امر لاقاهما فيه أكثر من مرة في الايام الاخيرة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
الحريري
وأسف الحريري "للكلام العشوائي" عن الفساد مطالباً بإعطاء أسماء الفاسدين "لنحاسبهم حتى لو كانوا من تيار المستقبل". وطمأن الى "اننا لسنا دولة مفلسة، لكن الآن لا يمكننا ان ندفع كل ما يطلب، وما قاله رئيس الجمهورية كان ردا على ترف البعض". وحمل على من ينتقدون إنجاز الموازنة سريعا والإعداد لمؤتمر "سيدر"، متسائلاً "من سيستفيد منه؟ أنا أو البلد"؟
وعن ملف الكهرباء، قال الحريري: "الحكومة قدمت خطة متكاملة للكهرباء وتحاول أن تؤمن الكهرباء الموقتة خلال 3 إلى 5 سنوات حتى إنتهاء الحل الدائم والحكومة سوف تجد حلا لموضوع دير عمار قبل انتهاء ولايتها. ولا يمكننا تأمين الكهرباء وهناك مشاكل بالتوزيع، من هنا وضعنا الخطة واتجهنا الى دائرة المناقصات واتفقنا بالإجماع في مجلس الوزراء على دفتر الشروط، الى أن أصبح الموضوع سياسياً وسيكلفنا الكثير. المزايدات التي تحصل في هذا الموضوع ما كنا لنصل إليها لو مشينا بالخطة منذ الـ 2010. وأكد ان "هناك مشاكل وخلافات سياسية في البلد لكن بغض النظر عنها نعمل على إنجاز الملفات الكبرى"، مشيراً الى أن "الإصلاحات البنيوية الحقيقية هي بتحسين أوضاع العمل، وبعدم ترك الشعب اللبناني موظفا لدى الموظف في الإدارات العامة".
ورأى وزير المال علي حسن خليل "أننا أمام ازمة في نمو الدين، لكننا بالتأكيد لسنا دولة مفلسة، انما دولة موثوق بها مالياً وتحترم التزاماتها ولم تتعرض يوماً لانتكاسة في دفع التزاماتها للجهات المقرضة"، مقراً في المقابل "بحصول تجاوز في بعض اصول التعيينات والتوظيفات". وأكد أن "لا شيء مقدسا والتسويات التي تتضمنها الموازنة ليست سطحية انما هي اسلوب قانوني لكنه ليس صحياً ولا يعبر عن انتظام حقيقي لعمل الدولة ولا يساوي بين الناس بشكل منظم". واوضح "أننا في حاجة الى اعادة هيكلة ديننا العام ويجب فتح حوار حول كلفته لكن لا يمكن ان نقول لأحد اننا نريد ان نستدين منك من دون دفع فوائد".
في غضون ذلك، وأفاد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون امس ان كلامه عن الافلاس كان" تحذيريا وانه متفائل بما ستؤول اليه الاوضاع في لبنان "، مشددا على انه "مهما كانت الامور صعبة يمكننا تجاوزها وخلق جو من التفاؤل من غير ان يؤدي بنا الواقع الى حال من الاحباط".
الانتخابات
اما على الصعيد السياسي، فينتظر ان تشهد عطلة الجمعة العظيمة وعيد الفصح لدى الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الغربي اتساع الحملات الانتخابية في مختلف المناطق، علماً ان اعلان اللوائح الانتخابية يتوالى فصولا. وقد تشكل المناسبتان فرصة لمزيد من الاتصالات والمواقف السياسية على هامش احياء رتبة سجدة المصلوب التي تقام في كنيسة جامعة الروح القدس- الكسليك وقداس الفصح الذي يرأسه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في بكركي، واللذين يشارك فيهما رئيس الجمهورية واركان الدولة وقادة سياسيون ووزراء ونواب. ورجحت مصادر سياسية مطّلعة ان يجتمع الرئيس عون مع قادة سياسيين على هامش الغداء الذي يلي رتبة الجمعة العظيمة اليوم.
وتتصاعد في هذا السياق الضجة حول ممارسات صرف النفوذ وما يتردد عن استفحال عامل المال الانتخابي في مناطق مختلفة. وقالت أوساط رسمية لـ"النهار" إن ملف نزاهة الانتخابات ومراقبة عملياتها ومراحلها بدأ يهدد فعلاً بتداعيات استباقية خصوصا ان الفترة المتبقية من المهلة الفاصلة عن موعد الانتخابات تحمل ملامح سلبية لهذه الجهة تحديدا ما لم تتخذ الاجراءات الحازمة التي تلجم ظواهر التوظيف الرسمي والسياسي للاهداف الانتخابية. ولعل في خروج موضوع الاعتراض على سفر وزير الخارجية جبران باسيل الذي اثير في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة والذي تردد انه حجز طائرة خاصة امس للسفر، دليلا على عدم امكان الحكومة التستر على تداعيات واقع حكومة مرشحة بمعظم اعضائها للانتخابات وما يمكن ان يتركه التهاون حيال الانتهاكات لقانون الانتخاب من انعكاسات على الاستحقاق وصورته الداخلية والخارجية.
فهد: لملاحقة كل مسؤول فاسد بعيداً من الحصانة
لليوم الثاني على التوالي اعتكف القضاة في لبنان في اطار الدعوة التي وجهها لهم مجلس القضاء الاعلى . والقى فيهم رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي جان فهد، في حضور النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود ورئيس هيئة التفتيش القضائي القاضي بركان سعد وسائر هيئة مجلس القضاء من دون ان يشير فيها الى تعليق الاعتكاف. وناشد فيها السلطتين التشريعية والتنفيذية اقرار القوانين التي تحفظ كرامة القاضي واستقلاله".
واعتبر ان اي "مقارنة بين القضاء وبين التدريس الأساسي أو الجامعي وممارسة أي وظيفة عامة هي مقارنةٌ في غير محلّها، وإن كان البعض يستعملُها سبيلاً لزيادة مكتسباته لان الدستورُ أوجب إيجادَ الضمانات اللازمةِ للقاضي لكي يمارسَ مهامَه باستقلالية تامة"، مشيراً الى ان" القاضي لا يتقاضى راتباً مقابلَ عملِه سنداً الى قوانين العمل أو الموظفين أو الموجبات والعقود، بل يتقاضى راتباً وتقديماتٍ اجتماعيةً لضمانِ ممارسته لسلطة الحكم باسم الشعب اللبناني باستقلال وتجرد وحيادية".
واكد ان" مكافحة الفساد في الإدارة غيرُ متوقفةٍ على مبادرة من القضاء، بل تنتظرُ من النواب إقرارَ التعديلات التشريعية اللازمة التي تُفسِحُ للقاضي ملاحقةَ كلَّ مسؤول فاسد بعيداً من الحصانات القانونية الموجودة"، لافتاً الى ان "الإشراف القضائي على سير الانتخابات النيابية هو حاصل لا محالة فليس القضاء من يعطل سير الحياة الديموقراطية في لبنان وهي أساس وجوده". | |
|