Date: Feb 21, 2018
Source: جريدة الحياة
ضربات تركية تتصدى لميليشيات النظام السوري في عفرين
موسكو، لندن – سامر الياس، «الحياة» 
تسابقت الأحداث في سورية أمس، بين «حمام الدم» الذي تتعرّض له غوطة دمشق الشرقية نتيجة ضربات جوية ومدفعية «هيستيرية» للنظام أدّت إلى مقتل 210 أشخاص في الساعات الأربع والعشرين الماضية، وفق آخر حصيلة وثقها «المرصد السوري لحقوق الإنسان» مساء أمس، مع وصول «قوات رديفة» للنظام السوري إلى منطقة عفرين شمال غربي البلاد دعماً للمقاتلين الأكراد، على رغم تحذيرات أنقرة من «عواقب وخيمة» لهذه الخطوة وقصف تركي أجبرها على الانسحاب. أتى ذلك فيما تستعدّ فرنسا لإجراء محادثات مع روسيا وإيران في الأيام المقبلة، محذرة من أن الوضع يتوجّه إلى الأسوأ في سورية.

وأفادت وكالة «الأناضول» موكب «القوات الشعبية» بتراجع لمسافة 10 كيلومترات من عفرين، بعدما واجهته طلقات تحذير تركية. وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن المقاتلين الموالين للنظام السوري «توجهوا نحو عفرين، لكن القصف المدفعي أجبرهم على العودة من حيث أتوا». وأكد أن «هذا الملف أغلق هنا حالياً». وأشار إلى أن الموكب مؤلف من «جماعة شيعية تصرفت في شكل أحادي» وتوعدها بثمن باهظ، لافتاً في الوقت ذاته إلى «اتفاق» مع روسيا وإيران بخصوص عفرين، من دون أن يقدّم تفاصيل.

تزامن ذلك مع توجّه طائرة عسكرية تحمل 1200 جندي من الوحدات الخاصة التركية انطلقت من ولاية إزمير (غرب) إلى منطقة عفرين، للمشاركة في عملية «غصن الزيتون»، وفقاً لـ «الأناضول». وتعهّد أردوغان في كلمة أمام البرلمان أمس، بفرض حصار على مدينة عفرين «خلال الأيام المقبلة»، معتبراً أن «بهذه الطريقة سيتم قطع المساعدات الخارجية للمنطقة والمدينة ولن تتوافر للتنظيم الإرهابي (وحدات حماية الشعب الكردية) سبل التفاوض مع أحد».

وكان «الإعلام الحربي» التابع لـ «حزب الله» اللبناني أول من كشف عن دخول مئات من عناصر «القوات الشعبية» عفرين آتية من حلب، وذلك بعد ساعات قليلة من إعلان أردوغان أن محادثات هاتفية أجراها مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين أول من أمس، أدّت إلى «إحباط» اتفاق توصّلت إليه دمشق مع القوات الكردية.

وفي خضمّ هذه التطورات المتسارعة، كانت لافتة دعوة موسكو كلاً من أنقرة ودمشق إلى إجراء «حوار مباشر» بهدف «حلّ» أزمة عفرين. وقال وزير الخارجية سيرغي لافروف إن موسكو تدرك المخاوف الأمنية التركية على حدودها الشمالية، كما أنها تدرك تطلعات الأكراد، لكنّه لفت إلى «محاولات بعض القوى الخارجية التحرّك وفقاً لأهداف لا تمت بصلة إلى تطلعات الشعب الكردي، وإنما تهدف إلى تحقيق أهداف جيوسياسية ضيقة»، في إشارة غير مباشرة إلى الدعم الأميركي لما تصفه روسيا بـ «النزعة الانفصالية» لدى الأكراد.

وأوضح الناطق باسم «وحدات حماية الشعب» الكردية نوري محمود في بيان أن «الحكومة السورية لبّت الدعوة واستجابت لنداء الواجب وأرسلت وحدات عسكرية للتمركز على الحدود والمشاركة في الدفاع عن وحدة الأراضي السورية وحدودها». وأوضح الإعلام الرسمي السوري أن هذه القوات «ستنخرط فى مقاومة العدوان التركي» في إطار «دعم الأهالي والدفاع عن وحدة أراضي سورية». وبث التلفزيون السوري الرسمي مباشرةً من منطقة عفرين صور دخول «القوات الشعبية» الموالية للنظام. وأظهرت الصور عدداً من المقاتلين وهم يستقلون شاحنات صغيرة مع عتادهم العسكري وأسلحتهم.

بالتوازي مع التطورات في الشمال، شهدت غوطة دمشق الشرقية أعنف عمليات قصف مدفعي وغارات بمروحيات، تحت غطاء جوي روسي، ما أدّى إلى مقتل 210 أشخاص على الأقل، بينهم 54 طفلاً خلال 48 ساعة، أعلى حصيلة ضحايا في الغوطة منذ عام 2015، وفق «المرصد».

وقال مدير «المرصد» رامي عبدالرحمن إن القصف التصعيدي يمهّد لهجوم برّي من جانب القوات النظامية والجماعات المتحالفة معها، لافتاً إلى أن العميد في القوات النظامية سهيل الحسن قائد عملية الغوطة الشرقية، ينفذ استراتيجية «الأرض المحروقة» بهدف تدمير الحاضنة الشعبية لمقاتلي المعارضة وخطوطهم الخلفية، وتأليب الشارع المعارض على الفصائل. وأضاف في تصريحات أمس، أن القوات النظامية تتعمّد استهداف المناطق المدنية «بضوء أخضر» من روسيا، التي أكّدت في وقت سابق سعيها إلى تطبيق «تجربة» حلب الشرقية على الغوطة، أي مواصلة القصف العنيف وحصار المنطقة إلى حين إجبارهم على المغادرة.

وكشفت مصادر لـ «الحياة» أن «موسكو تدعم جدياً حسم الأوضاع في الغوطة الشرقية، لكنها تخشى من كلفة المعارك الإنسانية العالية في منطقة جغرافية صغيرة بكثافة سكانية كبيرة». وتابعت المصادر أن «الأنباء عن تصدر سهيل الحسن (النمر) العملية تكشف عن دعم روسيا العملية، خصوصاً أنه كان الضابط الوحيد الذي دُعي إلى قاعدة حميميم أثناء زيارة بوتين لها».

ودانت المعارضة السورية الهجوم على الغوطة الشرقية واعتبرته «حمام دم» و «جريمة حرب»، مشيرة إلى أنها قد تنسحب من مفاوضات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة احتجاجاً على ذلك. وحذّر المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا من أن تصعيد القتال في الغوطة الشرقية قد يجعلها «حلب ثانية».

في غضون ذلك، أعلن وزير خارجية فرنسا جان إيف لو دريان أمس، أنه سيسافر إلى روسيا وإيران في الأيام المقبلة لبحث الحرب في سورية. وصرّح لو دريان أمام مشرعين فرنسيين: «نتجه صوب كارثة إنسانية»، مضيفاً: «الآتي أسوأ في سورية إذا لم نتحرك».

عناصر رديفة لقوات النظام السوري تدخل عفرين دعماً للأكراد

دخلت قوات موالية للنظام السوري منطقة عفرين الخاضعة لسيطرة الأكراد أمس، بعد ساعات من إعلان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان أن محادثات أجراها مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين أدّت إلى «إحباط» اتفاق لانتشار قوات سورية في المنطقة الخاضعة لسيطرة الأكراد والتي تتعرّض منذ شهر لهجوم عسكري تركي. أتى ذلك فيما دعت روسيا إلى إجراء «محادثات مباشرة» بين أنقرة ودمشق من أجلّ «حلّ» أزمة عفرين.

وأفادت وسائل إعلام سورية رسمية بأن قافلة «القوات الشعبية» الرديفة للنظامية تعرّضت لقصف تركي خلال دخولها المنطقة، ما أدّى إلى هروب الصحافيين. وعرض التلفزيون السوري لقطات لمسلّحي «القوات الشعبية» يدخلون عفرين. وظهر المقاتلون بزي مموه وهم يلوّحون بأسلحتهم وبعلم سورية من مركباتهم لدى عبورهم نقطة تفتيش تحمل شارة قوات أمن كردية. وأوضحت «وحدة الإعلام الحربي» التابعة لـ «حزب الله» أن المقاتلين من القوات الشعبية المؤيدة للحكومة السورية بدأوا في دخول منطقة عفرين التي يسيطر عليها الأكراد في شمال غرب سورية قادمين من حلب عن طريق معبر الزيارة شمال نبل.

ورأى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس، أن «المصالح المشروعة لضمان أمن تركيا يمكن أن تتحقق في شكل كامل من خلال الحوار المباشر مع الحكومة السورية». وأكد إدراك موسكو «مخاوف تركيا مما يحدث في سورية على طول حدودها. وبطبيعة الحال، ندرك تطلعات الأكراد»، مضيفاً: «لكن ما لا نعترف به وما نعارضه هو محاولات بعض القوى الخارجية التكهن بهذه التطلعات للتحرك في سورية والمنطقة ككل، وفقا لأهداف لا تمت بصلة الى تطلعات الشعب الكردي، وإنما تهدف إلى تحقيق أهدافهم الجيوسياسية ضيقة الأفق»، في إشارة غير مباشرة إلى الدعم الأميركي لما تصفه روسيا بـ»النزعة الانفصالية» لدى الأكراد.

وأعلن الكرملين عن التحضير لعقد قمة روسية - تركية - إيرانية في مدينة اسطنبول في نيسان (أبريل) المقبل، للبحث في الأوضاع السورية. ويسبق هذه القمة اجتماع لوزراء خارجية البلدان الثلاثة في موسكو في 14 آذار (مارس) المقبل.

وقال أردوغان في تصريحات صحافية أمس، إنه «تم إيقاف (الانتشار السوري) في شكل جاد ... لقد تم إيقافه»، ورداً على سؤال عما إذا كان نشر القوات توقف بعد محادثات هاتفية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، أجاب أردوغان: «نعم لقد توقف بعد هذه المحادثات». وقال ناطق باسم الحكومة التركية أن أردوغان أجرى محادثات أول من أمس مع كل من بوتين والرئيس الإيراني حسن روحاني تعلقت بالوضع في سورية.

وتوعّد أردوغان في كلمة أمام البرلمان أمس، بأن قوات بلاده وحلفاءها من فصائل «الجيش السوري الحر» سيبدأون حصار عفرين في الأيام المقبلة، في إطار العملية التركية التي بدأت قبل شهر لإبعاد وحدات «حماية الشعب» الكردية عن حدودها الجنوبية. وقال: «سيبدأ حصار وسط المدينة بسرعة خلال الأيام المقبلة»، مضيفاً: «بهذه الطريقة سيتم قطع المساعدات الخارجية للمنطقة والمدينة ولن تتوافر للتنظيم الإرهابي سبل التفاوض مع أحد».

وأشار إبراهيم قالن، الناطق باسم الرئاسة التركية أمس، الى أن الأنباء الواردة في شأن اتفاق النظام السوري مع «الوحدات» بخصوص عفرين «تهدف الى تحقيق أغراض دعائية، إلا أن ذلك لا يعني عدم وجود مساومات سرية وقذرة بينهما». وأكد قالن في تغريدة عبر «تويتر» أمس، أن العملية العسكرية التركية «ستستمر من دون توقف» حتى تحقيق أهدافها، مضيفاً: «ليفعلوا ما يشاؤون. عملية غصن الزيتون ستستمر بنجاح وفق الخطة المرسومة لها، ولن تتوقف قبل تحقيق أهدافها». سبق ذلك تصريح تلفزيوني أدلاه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قال فيه إن القوات السورية «لم تدخل بعد» منطقة عفرين، وإنه «من غير الواضح ما إذا كانت ستدخلها».

وكانت وسائل إعلام سورية رسمية وقيادات كردية أعلنت التوصلّ إلى اتفاق مع دمشق يقضي بدخول «قوات شعبية» إلى عفرين خلال أيام، وسط غموض أحاط ببنود الاتفاق. وتحدّث القيادي الكردي البارز بدران جيا كرد، الذي يعمل مستشاراً لـ»الإدارة الذاتية» الكردية في شمال سورية، عن «ضغوط خارجية» قد تحول دون أن يمضي الاتفاق قدماً، في حين لفت مسؤول سياسي كردي مطلع على مفاوضات عفرين، إلى أن روسيا «ربما تعارض الاتفاق لأنه يعقّد جهودها الديبلوماسية مع تركيا». وبعد ساعات من تسريب هذه الأنباء، رحّبت تركيا بانتشار قوات سورية «إذا كان هدفها القضاء على الإرهاب»، في إشارة إلى المقاتلين الأكراد، لكنّها حذّرت من أن «لا يمكن أحداً وقف القوات التركية» إذا كان هدف الانتشار حماية الأكراد ودعمهم في المعارك.