Date: Sep 7, 2015
Source: جريدة الحياة
اللاذقية في عهدة موسكو بحثاً عن تسوية
لندن - إبراهيم حميدي 
بيروت - «الحياة»، أ ف ب - تسلم خبراء روس مطار اللاذقية الساحلية غرب سورية ورفعت موسكو «مستوى ونوعية» الانخراط العسكري في سورية على أن يرتبط إرسال قوات روسية بتشكيل تحالف دولي ضد الإرهاب بقرار من مجلس الأمن. وأوضح مصدر قريب من موسكو لـ»الحياة» أن الرئيس فلاديمير بوتين يريد «الحفاظ على التوازن العسكري في سورية ومنع انهيار الجيش النظامي، لفرض تسوية سياسة وتشكيل هيئة حكم انتقالية على أساس بيان جنيف». وجرت أمس اتصالات لفك عزلة السويداء بعد احتجاجات عقب اغتيال الشيخ وحيد البلعوس وسط حديث الإعلام الرسمي عن تبني عنصر من «جبهة النصرة» العملية. 

وقال مصدر آخر إن الانخراط الروسي تضمن إرسال ضباط رفيعي المستوى وعن احتمال إرسال طيارين روس لشن غارات وتسليم مقاتلات «ميغ - 31» الاعتراضية وطائرات استطلاع، إضافة إلى ذخيرة وقوة تدميرية أكبر ووصول ناقلات جند ومشاركة روسية في بعض المعارك من بينها المواجهات مع مقاتلي المعارضة في ريف اللاذقية. وأكد المصدر تسلم خبراء روس مطار اللاذقية في شكل كامل و»أن مزيداً منهم سيصلون قريباً».

واتخذ بوتين القرار بناء على «دعوة رسمية» وجهها الرئيس بشار الأسد الذي أبلغ وسائل إعلام روسية أن «الوجود الروسي في أماكن مختلفة من العالم بما فيها شرق المتوسط ومرفأ طرطوس السوري ضروري جداً لإيجاد نوع من التوازن الذي فقده العالم بعد تفكك الاتحاد السوفياتي». وعُلم أن مدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك زار موسكو سراً قبل زيارة وزير الخارجية وليد المعلم ولقائه بوتين ونظيره سيرغي لافروف في 29 حزيران (يونيو) الماضي. وتردد أن مسؤولاً أمنياً آخر زار روسيا أيضاً. وجاء قرار موسكو تفعيل «معاهدة الصداقة» للعام 1980 وتوسيع البنية العسكرية بعد مشاورات، خصوصاً أن سورية ترتبط باتفاق دفاع مشترك مع إيران منذ 2006. وقال المعلم أخيراً إن بوتين «وعد بدعم سورية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً».

وأوضحت المصادر أن موسكو لم ترسل قوات برية، مشيرة إلى أن هذا القرار مرتبط بتشكيل «تحالف ضد الإرهاب» بقرار دولي، الأمر الذي سيكون أحد بنود المؤتمر الذي تعمل موسكو التي تترأس على عقده على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك نهاية الشهر الجاري بالتزامن مع دعوة الرئيس باراك أوباما إلى قمة للتحالف الدولي - العربي لمحاربة «داعش» في نيويورك في 27 الشهر الجاري، في وقت تتجه فرنسا وبريطانيا وهولندا والدنمارك وأستراليا للانضمام إلى شن غارات في سورية.

إلى ذلك، أوردت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) أن «الجهات المختصة» قبضت «على الإرهابي الوافد أبو طرابه الذي اعترف بالمسؤولية عن التفجيرين الإرهابيين» في السويداء الجمعة وقتل في أحدهما البلعوس، لافتاً إلى أن «أبو طرابه ينتمي إلى جبهة النصرة». وقال رئيس «اللقاء الديموقراطي» اللبناني وليد جنبلاط: «إن حبل الكذب قصير، أبو طرابه هو أبو عدس الدرزي»، في إشارة إلى أحمد أبو عدس الذي ظهر في فيديو وتبنى اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري في شباط (فبراير) 2005.

وقالت لـ «الحياة» مصادر من السويداء إن «عناصر معظم الفروع الأمنية انسحبوا من مراكزهم وأخذوا وثائق رسمية وإن مواجهات حصلت فقط في فرع الأمن العسكري حيث قتل ستة عناصر على الأقل مع إطلاق سراح معتقليين منه»، مشيرة إلى أن «قوات الدفاع الوطني» و «درع الوطن» التي تضم عناصر من أهالي السويداء لم تستجب لطلب النظام «حماية مرافق الدولة» ضد مقاتلي عناصر «مشايخ الكرامة» التابعين للشيخ البلعوس المعروف بمعارضته للنظام. وجرت أمس محاولات لاعادة فتح الطريق بين السويداء وريف دمشق حيث يعيش دروز، مع استمرار انقطاع الإنترنت والاتصالات.

روسيا تتسلم مطار اللاذقية لإقامة قاعدة تمركز مئات الجنود

عكف مسؤولون غربيون على البحث في مغزى قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «رفع مستوى ونوعية» الانخراط العسكري المباشر في الأزمة السورية، في وقت تأكد وصول مئات الخبراء الروس إلى مطار اللاذقية الساحلية وتسلمهم إدارة المطار من القوات النظامية السورية تمهيداً لتمكز مئات الجنود الروس فيها قبل نهاية العام.

ووفق المعلومات المتوافرة لـ «الحياة»، فإن الانخراط العسكري الجديد، تضمن إرسال ضباط رفيعي المستوى وقيام طيارين روس بشن غارات جوية وتسليم مقاتلات «ميغ - 31» الاعتراضية وطائرات استطلاع، إضافة إلى ذخيرة وقوة تدميرية أكبر ووصول ناقلات جند (بي إم بي) من الطراز الجديد.

واتخذ الرئيس الروسي قرار تكثيف الوجود العسكري بناء على «دعوة رسمية» وجهها الرئيس بشار الأسد بالتزامن مع قوله (الأسد) في تصريحات لوسائل إعلام روسية قبل أسابيع أن «الوجود الروسي في أماكن مختلفة من العالم بما فيها شرق المتوسط ومرفأ طرطوس السوري ضروري جداً لايجاد نوع من التوازن الذي فقده العالم بعد تفكك الاتحاد السوفياتي». وزاد أن الانخراط «يعتمد على خطة القيادة الروسية السياسية والعسكرية لنشر القوات في المناطق المختلفة وفي البحار المختلفة وخطة التوسع بالنسبة لهذه القوات».

وقبل زيارة وزير الخارجية وليد المعلم موسكو ولقائه بوتين ونظيره سيرغي لافروف في 29 حزيران (يونيو) الماضي، زار مدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك سراً العاصمة الروسية وتردد أيضاً زيارة مسؤول أمني آخر، للبحث في ملفات التعاون العسكري وفكرة بوتين تشكيل تحالف لمحاربة «داعش».

وكان الجانب السوري، طرح صيغاً عدة للتعاون العسكري بموجب «معاهدة الصداقة والتعاون» الموقعة عام 1980، بينها توسيع ميناء طرطوس الذي لا يتضمن قوات عسكرية ومعدات لوجيستية، بل يقتصر على عمليات الصيانة الفنية لسفن الأسطول الروسي خلال عبوره المتوسط كل أشهر.

ووفق معلومات سورية وروسية، فإن ميناء طرطوس يعود تأسيسه إلى بداية السبعينات من القرن الماضي حيث جرى تبديل بعض القطع العسكرية فيها عام 2009، أي بعد سنوات من زيارة الأسد الأولى إلى موسكو في 2005 وعودته إلى التركيز على العلاقة مع روسيا بعد تعثر في الانفتاح على الغرب وأميركا.

وتطلب توسيع البنية العسكرية في الساحل السوري قراراً سياسياً على المستوى القيادي و «مراعاة» التوازن الاستراتيجي في المنطقة والعالم، خصوصاً أن سورية ترتبط باتفاق دفاع مشترك مع إيران وقعه الطرفان العام 2006، إضافة إلى بحث ثلاثي لتسلم إيران القاعدة العسكرية الروسية في سورية. وقال المعلم بعد لقائه بوتين نهاية حزيران أن الرئيس الروسي «وعد بدعم سورية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً».

وتضمنت الإجراءات الروسية ايضاً، نشر «الورشة العائمة 138» التابعة للأسطول الروسي في طرطوس بدل «الورشة 56» لصيانة الأسطول الروسي. وتضمنت المجموعة الجديدة «وحدة لمكافحة الإرهاب من الكتيبة الخاصة التابعة للأسطول الروسي في البحر الأسود». وكانت تضم مركزاً لتأمين المستلزمات المادية والفنية للسفن و50 بحاراً روسياً، إضافة إلى ثلاث منصات عائمة وحوض إصلاح سفن ومستودعات.

وكانت «نيويورك تايمز» كشفت أول من أمس أن روسيا أرسلت فريقاً عسكرياً ضمن خطوات شملت «نقل وحدات من المساكن المسبقة الصنع تتسع لمئات الأشخاص إلى موقع عسكري سوري وتسليم محطة لمراقبة الملاحة الجوية»، في حين أفادت «دي تلغراف» أمس بأن روسيا أقامت برج مراقبة للملاحة الجوية في ريف اللاذقية وجهزت وحدات سكنية لألف مقاتل قرب مطار اللاذقية.

وفيما قال بوتين الجمعة أنه ما زال من المبكر جداً الحديث عن مشاركة عسكرية روسية في سورية لمكافحة «داعش» مع إشارته إلى استمرار تقديم «معدات عسكرية وتأهيل قواتها (سورية) التي نسلحها»، اتصل وزير الخارجية الأميركي جون كيري بنظيره الروسي مساء أول من أمس، للقول أنه في حال تأكدت تقارير الدعم العسكري «يمكن أن تؤدي إلى تصعيد النزاع ومزيد من الضحايا الأبرياء وزيادة تدفق اللاجئين وخطر مواجهة مع التحالف الذي يقاتل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الناشط في سورية»، إضافة إلى إعرابه عن «القلق» من ذلك.

ومن المقرر أن يدعو الرئيس باراك أوباما إلى قمة للتحالف الدولي - العربي لمحاربة «داعش» على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في 27 الشهر الجاري في وقت تتجه فرنسا وبريطانيا وهولندا والدنمارك وأستراليا للانضمام إلى شن الغارات في سورية، بالتزامن مع سعي روسي لعقد قمة مشابهة لتشكيل تحالف بقيادة روسية ضد «داعش» في سورية.

وعلمت «الحياة» أن مسؤولين أمنيين وعسكريين غربيين عقدوا اجتماعات عاجلة لتقويم انعكاسات الموقف الروسي ومعناه. وقال ديبلوماسي غربي أن «هناك رأيين: أولهما، أن روسيا تريد منع انهيار مؤسستي الجيش والأمن بعد الانتكاسات الأخيرة أمام فصائل إسلامية وهي تريد تعزيز قوة الجيش ضد تنامي دور الميليشيات بما فيها الشيعية التابعة لإيران، بحيث تكون موسكو قادرة أكثر على فرض تسوية سياسية على أساس بيان جنيف، بما يتضمن تشكيل هيئة حكم انتقالية أو حكومة وحدة موسعة ضمن إصلاحات سياسية جوهرية ما يعني عملياً سحب البساط من إيران لاتخاذ المبادرة السياسية قبل بدء التفاوض الغربي مع طهران بعد إقرار الاتفاق النووي الشهر المقبل. ثانيهما، أن روسيا تريد الدفاع عن النظام السوري وتشكيل تحالف ضد «داعش»، ولن تسمح تحت أي ظرف من الظروف بتنحي الأسد الذي تعتبره شرعياً، وأقصى ما يمكن أن تقبله هو إدخال بعض الشخصيات المعارضة وإحداث تغييرات شكلية مع تعزيز موقف النظام في الإقليم الممتد من دمشق إلى طرطوس» في الساحل.

وأشار الديبلوماسي إلى «تشدد روسي» في الأيام الأخيرة ظهر في حديث بوتين الأخير عن موافقة الأسد على إجراء «انتخابابات برلمانية مبكرة» وتقاسم السلطة مع «معارضة بناءة»، وتأكيد لافروف قبل أيام أن الأسد «شرعي»، وضرورة تحالف الغرب مع الجيش السوري «ضد الإرهاب». وشبه الديبلوماسي تصعيد الدعم العسكري الروسي بتوقيع «معاهدة الصداقة» قبل 35 سنة في خضم الصراع ضد «الإخوان المسلمين» وبعد توقيع اتفاق كامب ديفيد للسلام.