Date: Apr 25, 2015
Source: جريدة النهار اللبنانية
لبنان: "معارك الفراغ" تُحيي "عقد" الانسحاب السوري! وملف التمديد يتداخل مع الجلسة التشريعية
"رياح التشريع" تعصف بالعلاقة بين بري وعون التعطيل لن يُنتج رئيساً
إذا كان إحياء الذكرى المئوية للإبادة الارمنية طغى أمس على المشهد الداخلي مع استقطاب هذه الذكرى التفافاً لمعظم القوى السياسية حول الأحزاب الارمنية الثلاثة التي أبرزت عرضاً توحيدياً في المناسبة متجاوزة انقساماتها السياسية، فان لبنان سيكون غدا على موعد مع تفاعلات داخلية مختلفة في الذكرى العاشرة لانسحاب القوات السورية في 26 نيسان 2005. ذلك ان الموعد "الرسمي" لانجاز تاريخي انهى عصر الوصاية السورية الذي رزح تحته لبنان عقوداً لم ينه الانقسام الداخلي الذي لا يزال يجرجر ذيوله في الظروف الحالية عبر التطورات المتصلة بالحرب السورية سواء ما يتعلق بتداعياتها الضخمة في أزمة النازحين السوريين اليه الذين تفوق اثقالهم قدرته على الوفاء بمتطلباتهم، أم بالمواجهة الدائمة والشرسة مع الارهاب. أما من الناحية السياسية فان الواقع الراهن، وان كان تحرر من كل وجوه الوصاية المباشرة القديمة، يبرز نواحي شديدة الخطورة في استمرار تقييد مشروع الدولة المستقلة والناجزة السيادة بتدخل اقليمي "بديل" وليس ادل على "حضوره" المباشر أو الضمني من تمادي ازمة الفراغ الرئاسي المشارفة طي سنتها الاولى في 25 أيار المقبل. يضاف الى ذلك ما بدأ يثير مخاوف متجددة من تقييد العمل الحكومي وتعطيل الدورة النيابية فيما تتجمد الملفات الحيوية المتصلة بمصالح اللبنانيين على خلفية معارك سياسية تنذر بتصاعد تداعياتها تباعاً.

وسط هذه الأجواء، أحيا الارمن اللبنانيون الذكرى المئوية للابادة بمشهد شعبي وسياسي عارم بلغت ذروته في مسيرة حاشدة انطلقت من كاثوليكوسية الارمن الارثوذكس في انطلياس الى الملعب البلدي في برج حمود حيث أقيم مهرجان خطابي للاحزاب الارمنية الطاشناق والهنشاق والرامغفار وسط حضور سياسي واسع لمختلف القوى السياسية والحزبية من معظم الاتجاهات والطوائف.

أما في الملفات الداخلية، فعادت الأزمة الناشئة عن اصطدام مساعي رئيس مجلس النواب نبيه بري لتحديد موعد للجلسة التشريعية للمجلس بمقاطعة الكتل المسيحية الثلاث الرئيسية "تكتل التغيير والاصلاح" وحزب "القوات اللبنانية" والكتائب الى المربع الاول، فيما بدأت تتظهر ملامح أزمة صامتة جديدة بين بري ورئيس "تكتل التغيير والاصلاح" النائب العماد ميشال عون. وتخوّفت مصادر نيابية مواكبة لهذه الازمة من تداخل ملف الجلسة التشريعية الذي يشكل موضوع الموازنة وسلسلة الرتب والرواتب أحد أبرز بنوده العالقة مع ملفات اخرى "غير مرئية" باتت تطرح في الكواليس كشروط لرزمة كاملة من الاستحقاقات ولا سيما منها موضوع التمديد لقادة أمنيين وعسكريين. وقالت ان الاسبوع المقبل يرجح ان يشهد تحركات كثيفة من اجل السعي الى حلحلة الامور من خلال وساطات ستتولاها جهات سياسية ونيابية لئلا يذهب التصعيد والتمسك بالمواقف المتعارضة الى حدود تهدد بتفاقم الازمة وتنعكس تالياً على الحكومة. ولفتت في هذا السياق الى ان مراجع وقيادات سياسية تبلغت في الايام الاخيرة معطيات مباشرة عن امكان ذهاب العماد عون الى خطوات تصعيدية في حال تكريس الاتجاه الى التمديد للقادة الامنيين والعسكريين وصولاً الى سحب وزرائه من الحكومة ووضع حلفائه امام امر واقع محرج.

ولوحظ ان رئيس كتلة "المستقبل" الرئيس فؤاد السنيورة لم يخف في هذا السياق قلقه أمام زواره امس مما بلغته حال البلاد "حيث الرئاسة مخطوفة بفعل افساد لعقول اللبنانيين والمسيحيين منهم على وجه الخصوص بمقولة الرئيس القوي"، التي قال إنه لا يرفضها "لكنه ينظر اليها بطريقة مختلفة من خلال حكمة الرئيس وقدرته على الجمع بين اللبنانيين". كما أكد السنيورة رفضه التعامل مع تعيينات قيادة الجيش "بمنطق الصفقة"، معتبراً انه "ليس في منطق الامور ما يسمح بتركيبة تحمل عون الى الرئاسة و(العميد) شامل روكز الى قيادة الجيش وقد يكون منطقياً أ:ثر السير بروكز مقابل تنازل عون عن الرئاسة". 

الحريري
الى ذلك، واصل الرئيس سعد الحريري لقاءاته في العاصمة الاميركية فاجتمع أمس مع نائب الرئيس الاميركي جو بايدن وكذلك مع زعيمة الاقلية الديموقراطية في مجلس النواب نانسي بيلوسي وسواهما. وفي لقاء له مع منسقي تيار "المستقبل" في الولايات المتحدة أكد الحريري مضي التيار "في محاربة قوى التطرّف سواء اسمها حزب الله أو القاعدة"، موضحا ان "مشروعنا يقوم على فكرة بناء الدولة ودعم الاعتدال الذي يتعارض مع سياسات الفوضى التي يمارسها الحزب". غير أنه شدد على المضي في الحوار مع الحزب، قائلاً ان هذا الحوار "يشكل في مكان ما صمام أمان للبنانيين الذين يخشون تجدد الحرب الأهلية والخلاف السياسي يجب ان يحل من خلال الحوار".

المشنوق
وإذ برز في كلام الحريري تأكيد دعمه لوزير الداخلية نهاد المشنوق في مواجهة الحملة التي يتعرض لها شهدت طرابلس أمس تحركات مناوئة للمشنوق قامت بها مجموعات من أهالي الموقوفين في سجن رومية وعمدت الى قطع أوتوستراد طرابلس في محلة نهر أبو علي ووجهوا انتقادات حادة الى تيار "المستقبل" والوزير المشنوق. واعاد الجيش فتح الطريق مساء.
ويعقد الوزير المشنوق مطلع الأسبوع المقبل مؤتمراً صحافياً يتحدث فيه عن عملية سجن روميه الأخيرة، "ليوضح بالصور والأرقام والتقارير، كل الحقائق التي تكشف المغالطات والمبالغات التي سادت بعض التصريحات في الفترة الأخيرة"، كما أفاد مكتبه الاعلامي. وأعطى وزير الداخلية أوامره بالتحقيق في الكلام عن تجاوزات حصلت وتحصل أثناء سوق الموقوفين إلى القضاء من جانب العسكريين، وأكد أنه "ستتخذ أقصى العقوبات المسلكية بحق المرتكبين في حال ثبوت التهم عليهم". كما طلب المشنوق منذ أيام من اللجنة الدولية للصليب الأحمر إجراء كشف على السجناء وإعداد تقرير مستقل عن أوضاعهم الصحية والطبية.

"رياح التشريع" تعصف بالعلاقة بين بري وعون التعطيل لن يُنتج رئيساً... وكفى انتظار الخارج

رضوان عقيل
لم تمنع "الحزوقة" التي حلّت بازعاج على حنجرة رئيس مجلس النواب نبيه بري من الكلام وبصوت مرتفع أو اخفاء علامات غضبه على عدم تجاوب الكتل النيابية المسيحية في الحضور الى مجلس النواب والمشاركة في الجلسة التشريعية "المعلقة" على شريط من الخلافات والتباعد في وجهات النظر، ولا سيما بعدما امتنع نواب "تكتل التغيير والاصلاح" عن تلبية نداء "تشريع الضرورة" ثم التحاقهم في ما بعد بقطار زملائهم في كتلتي الكتائب و"القوات اللبنانية" ليلتقي هؤلاء على تطيير هذه الجلسة بحجة الحفاظ على حقوق المسيحيين والقول ان الاولوية تبقى لانتخاب رئيس للجمهورية.

ومن يطلع على الموقف الحقيقي لبري من الجلسة التشريعية، يلمس لديه عتباً شديداً على السياسة التي ينتهجها نواب العماد ميشال عون لأنه كان يعول على حضورهم لاضفاء غطاء الميثاقية على الجلسة حتى لو تغيب نواب الكتائب و"القوات".

ويبدو ان هذه القوى الثلاث لا تريد أن تسجل على نفسها أمام ناخبيها والرأي العام المسيحي انها سارت في "تشريع الضرورة" على رغم أهمية المشاريع التي جرى الاتفاق عليها في الاجتماع الاخير لهيئة مكتب المجلس، ولا يحبذ هؤلاء ان يسجلوا على أنفسهم انهم تناسوا الاستحقاق الأهم وهو انتخاب رئيس الجمهورية، الموقع الماروني الاول في لبنان.

ولا يخفي متحمسون لانعقاد الجلسة، سواء كان بري أو سواه من قوى سياسية ونيابية أخرى، القول ان جملة من "المزايدات" تسيطر على مواقف القوى المسيحية ولا تعرف الخروج منها.
ويبقى الامر الذي لا يقنع بري هو تغنّي كثيرين بالديموقراطية وتطبيق الحياة البرلمانية واعمال الرقابة على الحكومة والاتفاقات والعيش في رحابها، وكيف لا يفعلون هذا الامر في قلب ساحة النجمة، وكيف يعطل التشريع عند استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بذريعة عدم جواز القيام بهذه الواجبات التشريعية في ظل حكومة مستقيلة. ورد آخرون في ما بعد أنه لا يجوز التشريع في ظل عدم انتخاب رئيس للجمهورية، واستمر الامر على المنوال نفسه بعد التمديد الثاني للبرلمان. ويجري في النهاية تعطيل التشريع بالذرائع نفسها والخاسر الشعب اللبناني، مع العلم ان الحكومة تتولى صلاحيات رئاسة الجمهورية ويمكن المجلس التشريع في شكل طبيعي، في وقت تقوم السلطة التنفيذية، في الداخل والخارج بدور رئيس الجمهورية وتطبيق الجزء الأكبر من صلاحياته، وما هو حاصل أن ما يسري على الحكومة لا يطبق على مجلس النواب المكتوب عليه أن لا يشق طريق التشريع.

وما يحزن بري هو ما وصلت إليه طريقة التعاطي مع البرلمان وسط هذه "الحفلة من المزايدات"، علماً أن ثمة مشاريع عسكرية وإنمائية سيخسرها لبنان، وأن ثمة اتفاقات تشترط البلدان التي وُقعت معها مصادقة مجلس النواب عليها. ويبقى "أخطر" هذه المشاريع المهددة ذاك الذي قدمه البنك الدولي لجر المياه من سد بسري إلى بيروت، وللمرة الأولى ينفذ البنك هذا المشروع الذي يفترض أن يشمل الاستملاكات ايضاً، وإذا لم يقر في المجلس فسيخسره لبنان، ونوابه وسياسيوه يتفرجون على هذه الخسائر و"نقول لهذا المشروع وسواه باي باي، في وقت نخسر فيه صدقيتنا امام الحكومات والمؤسسات الدولية".

والسؤال: بعد بروز هذا الخلاف بين بري وعون الى العلن الى اين ستؤدي العلاقة بينهما؟
ثمة من يرى انه من الظلم القول ان العماد عون هو من يعطل التشريع في المجلس ويحرم الجلسة التشريعية الميثاقية المطلوبة لأن الأفرقاء المسيحيين الاخرين لا يركضون وراء التشريع ودب الروح في البرلمان، وتتحمل بكركي جزءاً من هذه المسؤولية من دون التقليل من موقعها وتذكيرها الدائم بالإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية.

ويرى هؤلاء أن لا مصلحة وطنية في أن تنفجر بين بري وعون، وأن تبقى خلافاتهما تحت الطاولة ولا مصلحة لأي من الطرفين والبلد ككل في وقوعهما في أزمة جديدة، وان مساحة التلاقي بين الرجلين تبقى أكبر من مساحة التناقض، ولا سيما أن أمام الحكومة محطات صعبة في الايام المقبلة مثل التعيينات في الأجهزة الأمنية والعسكرية التي سيقاتل عون من اجلها وفرض التعيين في الحكومة وقطع الطريق على التمديد، وان تيار "المستقبل" سيتفرج على "حشر" عون والتضييق عليه حتى من داخل بيت 8 آذار، ولا سيما ان "التيار الأزرق" لم يعط عون كلمة نهائية في تعيين العميد شامل روكز قائداً للجيش منعاً لوصوله الى هذا المركز الحساس، إضافة الى عدم إغضاب الكتائب و"القوات" وتقوية الحجة التي تقول ان الاولوية تبقى لانتخاب الرئيس الذي من حقه قول كلمته في رأس هرم المؤسسة العسكرية.

وفي خضم هذا التخبط الذي تعيشه السرايا الحكومية في جلسات مجلس الوزراء وسيطرة "رياح التعطيل" على سماء ساحة النجمة، يستمر بري في سورة غضبه، لأن اللجان تنشط وتعمل وتجتمع من دون ترجمة اعمالها في جلسات تشريعية. ووصل به الأمر الى القول: "هل يستحق النواب رواتبهم التي يتقاضونها من اللبنانيين ولا يبادلونهم ولو بتشريع الضرورة؟".
ويعتقد بري ان هذه السياسة "لا تساعد ابداً في انتخاب رئيس الجمهورية حتى لو فتحت ابواب الحوار بين الدول المؤثرة في المنطقة، وان المشكلة تبقى عندنا وليست في الخارج، وانه في الامكان انتخاب رئيس مع عدم التعويل على انتظار الخارج و"كفى"، حتى لو اجترحت الحلول والتسويات في اليمن وكل المنطقة".