Date: Apr 25, 2015
Source: جريدة النهار اللبنانية
رستم غزالة رمز الوصاية السورية ذهَبَ مع أسراره عشيّة ذكرى الانسحاب
سوسن أبو ظهر
كل نفس ذائقة الموت، لكن وفاة ضباط المخابرات لا تمر مرور الكرام في التاريخ. فضحاياها قد تجد بعض العزاء وربما التشفي، والأنصار والحلفاء يبكون ويرثون، وربما شككوا في الأسباب المعلنة. وبين هؤلاء وأولئك، ليست هذه السطور إلا محاولة لقراءة سيرة رجل مثير للجدل فارق الحياة في ظروف غامضة.

إنه رئيس شعبة الأمن السياسي السابق في الجيش السوري اللواء رستم غزالة، المولود في بلدة قرفا بريف درعا عام 1953. الخبر غدا حقيقة بعد سيل من الشائعات طارده منذ نحو شهرين على خلفية شجار عنيف مع اللواء رفيق شحادة، رئيس شعبة الأمن العسكري سابقاً، تسبب بإقالة كليهما في آذار.

لا يُعرف الكثير عن طفولة غزالة وسني شبابه الأولى، غير أن صحيفة "البشاير" الالكترونية المصرية أوردت بعض جوانبها في سيرة مطولة نشرتها أخيراً. وفيها أن الفتى الفقير انتسب إلى مدرسة الاتصالات السلكية واللاسلكية في دمشق لكونها توفر مساعدة مالية رمزية وتضمن العمل بعد التخرج. وقد توظف في مركز البريد المركزي في العاصمة السورية. ثم تقدم بصفة طالب حر الى امتحان الشهادة الثانوية، وانخرط في الكلية العسكرية وتخرج ضابطاً منتصف سبعينات القرن الماضي، وتابع دورة تدريبية في الاتحاد السوفياتي السابق، وانتقل لاحقاً إلى شعبة المخابرات العسكرية.

أمس اكتفى التلفزيون السوري بالقول إن غزالة قضى نتيجة "وعكة صحية". وبذلك تبقى أيامه الأخيرة في أحد مستشفيات منطقة المزة لغزاً. فحتى أطراف المعارضة السورية، وما أكثرهم، لا يجمعون على رواية واحدة لما تعرض له. فهل ذهب به مرض في التجويف الصدري نتيجة تسميمه، أم عانى إصابة في الرأس على خلفية الضرب المبرح، أم سُحل لشل الجزء السفلي من جسده وأُرجئ إعلان الوفاة أسبوعاً؟ وهل تمرد ابن درعا على الدور الذي رسمه له النظام وأحرق قصره في مسقطه عمداً في تحد للأوامر لئلا يسلمه إلى مقاتلين "أجانب"، أم فضحت نهايته صراعاً جديداً داخل الأجهزة الأمنية السورية؟ وهل عُذب لأنه "باع صناديق من الوثائق والمستندات" تتعلق بعمله في لبنان لـ"جهة ما"، على ما ورد في بعض المواقع السورية، وفيها أسرار تتعلق باغتيال رئيس الوزراء اللبناني سابقاً رفيق الحريري؟

حاكم لبنان
من العبث الحديث عن غزالة من دون العودة إلى تلك السنوات التي أمضاها في لبنان، فقد كان الرجل الأقوى فيه، في وصف لوكالة "الأسوشيتد برس". ولا يمكن ألا يُسجل المرء أن إعلان الوفاة جاء قبل يومين من الذكرى العاشرة للانسحاب العسكري السوري من لبنان بعد "انتفاضة الأرز" التي ضاعت تماماً كما الثورة السورية، وبينما تعيد شهادات صحافيين وسياسيين أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان رسم معالم تلك الأيام السود، خصوصاً أن لجنة التحقيق الدولية استجوبته أكثر من مرة. ولعله كان الشاهد الأخير من أذرع النظام السوري في لبنان على تلك الجريمة وسواها مما سبقها وتلاها، بعد غياب غازي كنعان وجامع جامع.

وفي بداية حياته العسكرية كان غزالة ضابطاً في كتية مدفعية في لبنان. وفي ذروتها انتقل إلى جهاز الأمن والاستطلاع، وخلف كنعان عام 2002 في رئاسة المخابرات العسكرية السورية في لبنان. ومن المفارقات أن يكون الرجلان اللذان جمدت الولايات المتحدة أرصدتهما بعد اغتيال الحريري، انتهيا في ظروف غامضة.

من عنجر أحكم نظام الوصاية قبضته على مفاصل البلاد، وعلى الرؤساء والوزراء والنواب والمؤسسات السياسية والإعلامية والاقتصادية، وما فضيحة "بنك المدينة" التي ارتبط اسم غزالة بها بقوة إلا أحد الأمثلة. وتُقدر الثروة التي جناها من الخوات التي فرضها على سياسيين بينهم الحريري، بنحو 400 مليون دولار.

ويذكر أن غزالة عاد إلى دمشق بعد الانسحاب السوري مزوداً "بندقية المقاومة" التي أهداها اليه "حزب الله" مودعاً. وسرعان ما نُقل إلى فرع المخابرات العسكرية في ريف دمشق. وأنهى مسيرته في خدمة النظام السوري برتبة لواء ورئاسة شعبة الأمن السياسي من عام 2012 الى حين إقالته.

يبقى أن الأسابيع المقبلة ستحدد ما إذا كان غيابه سيقلب المعادلات في درعا، خصوصاً أنه لن يوارى هناك بل في دمشق اليوم، كما نقلت "وكالة الصحافة الفرنسية" عن مصدر مقرب من أسرته.