Date: Apr 18, 2015
Source: جريدة الحياة
تحقيق: الإعدامات وسيلة «داعش» لمخاطبة السكان في ريف حلب
جلال زين الدين 
لجأ تنظيم «داعش» لوسائل عدة لفرض تمدده، وإحكام سيطرته، وإرهاب أعدائه، وكانت الإعدامات العلنية والكثيرة أبرز هذه الوسائل، إذ كانت هذه الإعدامات مدروسة من ناحية نوعيتها، وتوقيتها، وأهدافها، وتخدم خطط التنظيم وأهدافه الرئيسة، وحملت رسائل على المستويين الداخلي والخارجي. يقول المحامي مصطفى من ريف حلب الشرقي: «هدف الإعدامات ترسيخ قناعات بالقوة، وإزالة أخرى، ولم يكن هدفها يوماً إنزال العقوبة فقط، ولو أراد التنظيم فعل ذلك فقط لما أعدم بالساحات العامة، وصلب الجثث أياماً، ولما صورها بأسلوب هوليودي احترافي». أما الإعدامات التي تدل على ضعف بنية التنظيم، وتفككه الداخلي فتتم سرياً داخل السجون المغلقة كإعدام أبو عبدالرحمن المصري في مدينة الباب وعدد من القادة لاعتراضهم على إعلان الخلافة.

وتختلف رسائل التنظيم تبعاً لعملية الإعدام، فلكل صنف رسائله وأهدافه، وإن اشتركت جميعها بخط وهدف عريض يتمثل ببث الرعب في صفوف الجميع سواء كانوا أعداء أم رعية أم منتسبين في صفوف التنظيم، ويمكن تصنيف إعدامات التنظيم تحت عدة نقاط أبرزها:

عمليات إعدام الأجانب سواء كانوا مقاتلين (الكساسبة) أو صحافيين أو عاملين بالإغاثة، هدفها إظهار قوّة التنظيم، والتأكيد أنه قوّة ضاربة لا تخشى أحداً مهما كان قوياً. قال خطيب التنظيم في المسجد الكبير في مدينة منبج إثر إعدام عامل إغاثة أميركي: «إن الدولة الإسلامية لا تخشى أحداً وها هي أعدمت أميركياً كافراً، ولا يقدم على فعل هذا إلا الدولة الإسلامية التي تقف في وجه أميركا ومن ورائها أمم الكفر قاطبة».

التصوير الاحترافي لعمليات الإعدام ينصب في خدمة هذا الهدف، وفعلاً نجح التنظيم باستقطاب الإعلام، وكثيراً ما كانت عمليات الإعدام الخبر الأول على محطات التلفزة، والصحف، والشبكة العنكبوتية، مما ساعد التنظيم على تحقيق الهدفين التاليين بحسب اعتقاده، وهما: بثّ الرعب في صفوف أعدائه مما يجعلهم يفكرون ملياً قبل معاداة التنظيم، وثانياً جذب مقاتلين جدد تستهويهم المشاهد الدموية بحق رعايا ما يسمّى «الدول العظمى»، ويسعى التنظيم عبر هذه الإعدامات في الوقت ذاته لرفع الروح المعنويّة لمقاتليه.

عمليات إعدام عناصر التنظيم العلنية سواء كانوا أمراء أو مقاتلين عاديين، الهدف منها تحصين البيت الداخلي، وإعطاء رسائل لخلايا الاستخبارات الدولية النائمة أنّ مصيرهم أسود إن تم كشفهم، وأنَّ الانضباط خطٌّ أحمر، وفي هذا السياق تمً إعدام أبو عبدالله الكويتي الأمير الشرعي بالميادين علناً، وإعدام أمير أمني كبير من جرابلس في منبج منذ شهر، وإعدام أحد عناصر التنظيم في حي الحمدانية في منبج الأسبوع الماضي لتعاونه مع السجناء في مدينة الباب. ويقول المربي عبدالقادر من مدينة منبج في ريف حلب الشرقي: «الناس تشعر بالرضا، وتتقبل ظلم التنظيم، وممارساته المتشددة إذا رأته يعدم الأمراء، فذلك يعطي انطباعاً بأنّ التنظيم يحكم بميزان العدل».

إعدامات المخالفات الدينية والحدود الشرعية تتعلق بالزنا للمحصن، والسحر والشعوذة، ويهدف التنظيم الى إيصال رسالة بأنَّ دولة الخلافة الإسلامية ساهرة على حماية الشرع، وإقامة الدين، وتطبيق الحدود.

الإعدامات العلنية للثوار والإعلاميين والمتعاونين معهم على كافة الصعد، وأحياناً المتعاطفين معهم، وتعد هذه أخطر، وأكثر إعدامات التنظيم، تلقى سخطاً ورفضاً في الشارع السوري، ويقول المحامي أبو محمود من ريف حلب الشرقي: «هذه الإعدامات ربما ستكون الشرارة التي ستفجر الغضب الشعبي، والشارع المحتقن، فلم يتقبل الشارع أن يوصف الأبطال والثوار بالكفرة الخونة المرتدين، لتكون نهايتهم الإعدام العلني بشكل مهين ومذل» ويعمد التنظيم لصلب المعدومين من الثوار أياماً حتى تتعفن الجثث، وتصدر روائح كريهة، ويرفض دفنهم في مقابر المسلمين، وقد أعدم التنظيم الأسبوع الماضي في قرية دابق خالد حسين الحاج البالغ 70 عاماً قائد كتيبة شهداء غزة التي شاركت بتحرير مدرسة المشاة بعد خطفه من منطقة غرناطة في ريف حلب الشمالي، ولم يشفع له سنه قتاله ضد نظام الأسد، كما أعدم الأسبوع نفسه أحمد محمد ابن جرابلس في منبج بتهمة التعامل مع الإعلاميين.

واللافت أنَّ التنظيم لا يميز بين معارضين إسلاميين ووطنيين – إذا صح التقسيم - بل نجده أشد دموية نحو الإسلاميين، يقول الشيخ صالح من ريف حلب: «التنظيم يخشى الإسلاميين أكثر من غيرهم لأنهم يسحبون الشرعية الدينية التي يتبجح التنظيم بتمثيلها» ويتهم التنظيم بنقض العهود والاتفاقات التي أبرمها مع الثوار الذين رموا السلاح، ومن ذلك إعدامه أواخر شهر شباط (فبراير) الملازم عبيدة الأحمد أبو الحارث أحد أمراء النصرة بتهمة الردة رغم تسليمه السلاح، وإعطاء التنظيم الأمان له. فالتنظيم لا يأمن أي مقاتل أو ثائر رفض الانضمام إليه.

تختلف الإعدامات في تفاصيلها الصغيرة، لكنها تشترك بخط الرعب الناظم والجامع لها وقد صلب التنظيم على حاجز تويس الفاصل بين مناطق الثوار ومناطق التنظيم الأسبوع الماضي أحد الأشخاص ليترك الجثة أياماً ويراها الآلاف يومياً.