Date: Mar 29, 2015
Source: جريدة الحياة
تحقيق: أولويات المساعدات الإنسانية يجب أن تتضمن صحة النساء
محمد عبد الأحد 
تستضيف دولة الكويت هذا الأسبوع المؤتمر الثالث للمانحين لدعم الوضع الإنساني في سورية. وكانت قد استضافت المؤتمرين الأول والثاني للمانحين بمشاركة عدد من الدول العربية والأجنبية والمنظمات غير الحكومية الإقليمية والدولية، وبلغت قيمة التعهدات المقدمة من الدول المشاركة في المؤتمر الأول الذي عقد في كانون الثاني (يناير) 2013 نحو 1.5 بليون دولار وارتفعت إلى 2.4 بليون دولار في المؤتمر الثاني في 2014.

يأتي المؤتمر هذا العام في ظل استمرار المعاناة الإنسانية لعدد ضخم من السوريين، واضمحلال الأمل في نهاية قريبة للنزاع المسلح الذي يعصف بسورية وأسفر حتى اليوم، بحسب مسؤولة الأمم المتحدة الأرفع للشؤون الإنسانية عن تهجير حوالى نصف الشعب السوري سواء داخلياً أو إلى دول مجاورة أو أبعد، وأدى إلى انخفاض متوسط أعمار السوريين نحو عشرين عاماً بحسب تقرير مشترك لمركز أبحاث سوري تم كتابته بالتعاون مع الأمم المتحدة.

ماذا يتوقع السوريون من مؤتمر الكويت؟

بينما يجمع المراقبون على أن الحل في أي نزاع متعدد الأطراف هو في الأخير حل سياسي توافقي، ترى المنظمات الإنسانية أنه، وبانتظار الحل السياسي، يجب مساعدة السوريين، والمدنيين في شكل خاص، على مواجهة صعوبات بات من شبه المستحيل على معظمهم مواجهتها من دون دعم، إذ يعتمد اليوم نصف السوريين على المساعدات الإنسانية بأشكالها المختلفة، سواء داخل سورية أو في الدول المجاورة، وذلك رغم شح الموارد الذي دفع بعض المنظمات التي تعتمد على تمويل الدول أن تلجأ لجمع التبرعات من الأفراد مباشرة حتى تتمكن من تغطية التزاماتها لعام 2015 في مجالات حيوية كتوزيع المواد الغذائية.

السؤال إذاً هو ماذا تتوقع المنظمات الإغاثية من المؤتمر وكيف يمكن أن يؤمن المانحون خلال السنة موارد توازي التزامات يقومون بها في المؤتمر؟ نقاشات طويلة تجمع العاملين في مجال المساعدات الإنسانية، لكن ما يفرقهم عموماً هو المجالات التي تغطيها منظماتهم، كإيجاد مأوى أو توفير طعام أو تعليم أو حماية قانونية للمتضررين مثلاً. وتختلف المنظمات الدولية (وخصوصاً الأممية منها) عن نظيراتها غير الحكومية في طريقة عملها والاجراءات التي تتبعها مع الحكومات المضيفة مثلاً لكن أيضاً مع المتضررين، سواء من ناحية التغطية الجغرافية وامكانية الانتشار، أو من ناحية الاحتياجات التي تتخصص في تغطيتها. فلكل منظمة مهمة تؤديها بحسب طبيعة عملها (طبية، تعليمية، حقوقية...) أو بحكم إمكاناتها وموازنتها.

وبينما اعتاد المتابع للأزمات الإنسانية على أسماء بعض المنظمات الكبرى التي تسارع بالاستجابة، قد تبدو منظمات أخرى مجهولة الهوية للوهلة الأولى. فقد فوجئت مؤخراً باستنكار أحدهم لخدمة طبية قدمها صندوق الأمم المتحدة للسكان لناس فروا من سورية إلى منطقة البقاع في لبنان. «ما معنى أن يتم تركيزكم على عمليات الولادة والصحة الإنجابية بينما يموت بعض اللاجئين من الجوع والبرد؟» سألني الشخص. استوقفني السؤال لأنني كخبير يعمل في مجال الصحة الإنجابية والأمومة لم أفكر من قبل بمقارنة أولوية الغذاء على الصحة، أو الملجأ على التعليم، الخ... فبالنسبة إلي، حق المتضرر أو اللاجئ بصون كرامته يرتكز على محاولة تأمين كل ما يمكن أن يشعره بأنه لم يفقد إنسانيته، لذا فللاجئ الحق بالمأوى والحماية القانونية والطعام والتعليم والصحة، بما في ذلك حصول النساء على خدمات طبية نسائية وإنجابية.

تظهر الإحصاءات الصادرة عن المنظمات الطبية والإنسانية أنه في حالات الحروب والاضرابات ترتفع نسبة الوفيات المرتبطة بالولادات والتي كان يمكن تجنبها إلى 60 في المئة، أي أن وفاة النساء مرتبط بعدم حصولهن على الرعاية الطبية اللازمة لإبقائهن على قيد الحياة إما بسبب تعطل النظام الصحي في مكان تواجدهن، أو بسبب عدم إمكانية الوصول إلى المستشفى في الوقت المناسب. قد لا تظهر هذه الأرقام على الشاشات، قد تغطي عليها صور الأطفال المتجمدين من الثلج أو صور الجموع الهاربة من عنف القتال، لكن كلمات أم سمعناها في مخيم الزعتري أخيراً تعبر أكثر من أي أرقام وإحصاءات: «لولا الدكتورة كانت ماتت بنتي. وصلنا المركز الطبي وأنقذوها وهي على آخر نفس».

ولعلنا نتساءل إذا ماتت الأم لا قدر الله أثناء الحمل أو المخاض فماذا يكون حال أطفالها وزوجها وأسرتها من بعدها؟ هذا السؤال يثار لـ 15 أماً تلدن يومياً في مخيم الزعتري وغيرها من الأمهات اللواتي يلدن في مخيمات أخرى أو في أماكن النزوح واللجوء، ماذا لو لم نقدم لهن الخدمات الصحية اللازمة لتوفير ولادة آمنة في ظروف تحفظ كرامتهن الإنسانية.

نطرح هذا السؤال ونحن نشعر بالرضا والامتنان في صندوق الأمم المتحدة للسكان حيث احتفلنا بميلاد الطفل الرقم 2000 في مخيم الزعتري منذ أسابيع قليلة ماضية ونحمد الله أنه لم تحدث وفاة واحدة أثناء الحمل أو الولادة في أي من العيادات التي يدعمها الصندوق في كل مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن.

توفير عيادات في المخيمات للمرأة خصوصاً تلك التي تقدم الخدمات والمعلومات والمشورة الطبية التى تتعلق بالصحة الإنجابية يكون بالنسبة للمنظمات الإنسانية جزءاً من خطة أوسع للعمل على دعم النظام الصحي والمراكز الصحية الموجودة أصلاً في أماكن النزوح واللجوء. فإن هجرة السكان ونزوحهم غالباً ما يشكل عبئاً ثقيلاً على المجتمعات المضيفة، وقد لا تستطيع النظم الصحية المحلية من حيث التمويل أو الأطقم الطبية أو الأدوية والمستلزمات الطبية الوفاء باحتياجات هذه الأعداد الكبيرة من النازحين واللاجئين، بتوفير الدعم الفني والمالي واللوجستي للمستشفيات والمراكز الطبية.

تشكل النساء ممن هن في سن الإنجاب حوالى ثلاثة ملايين من أصل ما يزيد على 12 مليون شخص تأثروا بالتزاع، نصف مليون منهن حوامل اليوم، قد يحتاج ما يقرب على 70.000 منهن إلى تدخل جراحي طارئ وقت المخاض بحسب الإحصاءات الطبية. يجب أخذ هذه الأرقام في الاعتبار عند الحديث عن موازنة المساعدات والخيم والوجبات الغذائية والتعليم والصحة، فالصحة الإنجابية وصحة الرضع جزء من الخدمات الصحية التي يجب على المنظمات توفيرها. فالحياة تستمر رغم الدمار والموت الذي بات يحيط بسورية، ومراكز الصحة الإنجابية في أماكن مثل مخيم الزعتري في الأردن أو دوميز في كردستان العراق تعج بنساء يراجعن الأطباء وينجبن أطفالاً يتلقون اللقاحات في هذه المراكز أيضاً.

* المدير الإقليمي لصندوق الأمم المتحدة للسكان للمنطقة العربية.