Date: May 17, 2011
Author: AbdelAziz Karraky
Source: the network
لحظة سحب المشروعية

عندما نسمع عن القمع والظلم الذي كانت تمارسه الأنظمة السياسية العربية، التي عصفت بها الثورات، ونقارن حجم الثروات التي تم تكديسها في أبناك أوروبا والولايات المتحدة وبعض الدول الآسيوية، باسم الحكام ومن يدور في فلكهم، بالمعاناة والفقر التي  عاشتها ولازالت الشعوب، نصاب بدهشة لامثيل لها. فهذه التلفزة في تونس تقتحم قصر بن علي الذي يفاخر مغارة علي بابا فتعرض ما ظهر من كنوزه، و لا شك أن الأمر نفسه موجود في دول أخرى، فكيف كانت الشعوب العربية تصبر على تحمل كل ذلك الظلم؟ وكيف تحولت إلى مسخرة تدعو إلى البحث في قدرة العرب الفائقة على تحمل الاستبداد؟


لقد سبق للمفكر الألماني ماكس فيبر أن وضع نمذجة للمشروعية، وحصرها في ثلاثة وهي التقليدية التي تقوم على تقديس التقاليد وتجعل منها آلية لاختيار الحكام، والكاريزماتية التي ترتكز على الاعتقاد بقدرة الحكام الفائقة الذين تسند إليهم السلطة في ظروف حرجة فيقودون شعوبهم نحو التخلص منها، ثم المشروعية العقلانية، التي تعتمد اختيار الحكام بناء على قواعد وضوابط قانونية وضعت على أساس عقلاني. وعلى العموم، فإن المشروعية هي التي تجعل الأفراد يقبلون الخضوع برضاهم لسلطة الحاكمين.
لقد بنت الأنظمة السياسية العربية مشروعيتها على كل شيء ما عدا الديمقراطية، وبحثت لا هتة عن أفكار ومشاريع تجدد وتشد بها عضد رصيدها من المشروعية، و لعبت القضية الفلسطينية والحروب ضد إسرائيل عنصرا مهما في هذا المجال، إذ كان على الشعوب أن تقبل انتخابات مزورة، وعدم توزيع الثروات، والفقر والبؤس والظلم، واستبعاد الحرية والمساواة والمحاسبة...، بذريعة أن  حالة الحرب حاضرة، وأن العدو يتربص وقد يهاجم في أي لحظة وحين.


 واستحسن بعض الحكام قوانين الطوارئ، التي وضعت أصلا لتدوم عادة فترات صغيرة فإذا بها تعمر عند العرب عشرات السنين. غير أن توقيع اتفاقيات السلام، جعل شبح الحرب يبتعد، والكلام عن التعبئة لم يعد ينفع كآلية لشحد الهمم، واستغربت الشعوب العربية، وهي تشاهد تكدس الفلسطينيين في مشهد مخز، أملا في أن تفتح بوابة رفح، لكي يطلوا عبرها على العالم، حيث انتقلت مصر من الدولة التي طالما تغنت مع الشعوب العربية بالحرية، واحتضنت المناضلين الشرفاء، إلى دولة تتفرج على إبادة الشعب الفلسطيني، فما رضي الشعب المصري بذلك، ولا قبل بالاستكانة إلى دور الشرطي المدافع عن أمن إسرائيل أولا. وفي سياق اللهث وراء تدعيم المشروعية المتآكلة تم توظيف الرياضة، وكرة القدم على وجه الخصوص كرياضة شعبية، فتحولت مقابلة عادية بين فريقي شعبين شقيقين، هما الشعب المصري والجزائري، إلى معركة حقيقية ذكرتنا بالعصر الجاهلي، وبهويتنا القبلية، وتنافس فيها الحكام في البلدين في جر الشعوب نحو الكراهية ورفض الآخر، بشكل لم يسبق له مثيلا في التاريخ العربي، وعند انتهاء المباراة اتضح أنها تركت جروحا عميقة لدى الشعبين، يصعب رتقهما في القريب من الآجال.   وفي المقابل باتت الأنظمة السياسية تشكو من عجز متواصل في مجال المشروعية، وامتد النزيف إلى أن وصل إلى مرحلة الإفلاس الحقيقي، فما عادت الشعوب العربية تقبل بأية مشروعية غير تلك التي تكرس الديمقراطية بكل مضامينها ، وباتت الشعارات هي الشعب يريد إسقاط النظام، وإرحل... إنها لحظة سحب المشروعية، اختفت معها الرعايا، وتراجع الجلادون رهبة لا رحمة، وما عاد الموت يخيف، وعند استرخاص الحياة في سبيل الحرية ولد المواطن العربي الجديد.
لقد مات ماكس فيبر في سنة 1920، ولو كتب له أن يعيش اليوم لكتب  بأن  العرب أكدوا أن المشروعية التي تصلح لكل زمان ومكان  هي المشروعية الديمقراطية. و قبله مات مونتسكيوه وغيره ممن كتبوا عن الاستبداد الشرقي ماذا كان عساهم يقولون لو شهدوا ربيع الثورات العربية، واستنشقوا أريج زهورها؟