Date: May 10, 2011
Source: جريدة الحياة
تونس ومخاوف الثورة - محمد الأشهب

انه زمن الهروب من الثورة الى الثورة. هكذا تبدو الصورة في تونس، من منظور أقل تفاؤلاً. ومنذ ان بدأت أفواج المهاجرين غير الشرعيين يتسللون بالآلاف من السواحل التونسية في اتجاه الجزر الإيطالية، طرح سؤال جوهري حول دلالات الفرار من بلد انتعشت فيه آمال التغيير.
البعض عزا التظاهرة الى غياب الرقابة الأمنية على السواحل، في ضوء تراجع النفوذ الأمني الذي كان يفرض قبضته الحديدية على البلاد. والبعض اعتبرها مشاهد تفجر المكبوت في المشاعر والأحلام. غير أنه في الوقت الذي انشغلت فيه ايطاليا وشركاؤها الأوروبيون بتداعيات المشكلة، الى درجة لوحت فيها فرنسا بالتملص من التزامات اتفاقات شينغن، لم تحظ الظاهرة بما يجب من الاهتمام في البلد المعني. وفهم ان للثورة أسبقيات تطاول ترتيب الفترة الانتقالية بأقل ما يمكن من الخسائر والأضرار.


ساد اعتقاد بأن الشاب البوعزيزي أحرق نفسه ليتحول جثمانه الى شعلة أنارت طريق الثورة. لكن التجربة التونسية التي صنعت لنفسها امتدادات إقليمية وعربية، لم تفلح في إلغاء مخاوف محلية، تارة باسم فلول الثورة المضادة وأخرى تحت شعار استمرار نفوذ النظام البائد. وهذا الرهان الذي يحدد مسار الثورة يراوح مكنه. ففي أقل تقدير لا يمكن تصور طريق التغيير مفروشة بالورود.
السؤال الجوهري، من يقف وراء افتعال هكذا تشوهات، بصرف النظر ان كانت موجودة بهذا الحجم وهذه الأهمية، أم أن هناك من يعنيه فتح منافذ جانبية لتعريف رهانات التغيير في غير مقاصدها الحقيقية. فالأهم ليس الإمعان في التوقف عند محطة معينة، وانما معرفة الأطراف التي تحرك المشهد اليائس بهذه الطريقة التي تشجع فقدان الأمل.


في مقدم الفرضيات ان الأمور لو سارت في الاتجاه الصحيح نحو بلورة مصالح الاستحقاقات المقبلة التي ستلغي الفترة الانتقالية بقوة الأشياء، أي من خلال إقامة مؤسسات اشتراعية وتنفيذية وموازية منبثقة من صناديق الاقتراع، فإن ذلك سيقطع مع كل المبررات التي تحتمي بها الأطراف المتصارعة. وقد يجوز الاعتقاد بأن ما تحفل به الساحة التونسية من اتهامات متبادلة المواقع والمنطلقات يندرج في سياق الحؤول دون الوصول الى هذه المرحلة الحاسمة التي لن يعود ممكناً معها توجيه السهام، وانما الإذعان لإرادة الاختيار الشعبي، في حال كان ديموقراطياً ونزيهاً وخالياً من الشوائب.
لأن المطلوب المزيد من الثقة والهدوء لتحقيق ذلك العبور، يصبح وارداً ان خضوع المشهد التونسي لبوادر التشكيك ونزعات الصراخ لا يزيد عن محاولات جديدة لوضع العصي في دواليب الحركة التاريخية المتغيرة على إيقاع الآمال. ولعل أفضل طريق يكمن فيه الانتقال هنا والآن الى منطق الدولة التي يتحمل فيها الجميع مسؤولياته. وليس محض صدفة أن صورة الاهتزاز بدورها في مصر، فثمة تشابه في التجربتين، وثمة تحديات مشتركة، مع فارق البعد المحلي وخصوصيات المشاكل.


رئيس الوزراء التونسي الباجي قايد السبسي اختار في أول جولة له خارج تونس أن يطوف على العواصم المغاربية، فقد رأى ان الفضاء المغاربي هو المحيط الأقرب لاستيعاب التجربة وإحاطتها بضمانات إقليمية تنعش الآمال. والحال ان رئيس الوزراء المصري الدكتور عصام شرف كان اختار تأكيد الانفتاح على دول مجلس التعاون الخليجي. وربما ان الفرق في التوجهين، ان الخليجيين معتزون أكثر بتجربتهم التي استطاعت الصمود في وجه كل الهزات، فيما الاتحاد المغاربي كان نصيبه أقل وعثراته أكثر. الا أن الأهم ان خارج فضاءات التكتل، لا يمكن لأي دولة منفردة أن تتغلب على صعوباتها.
الإشارات قوية، على طريق التلازم بين الرهانات المحلية والإقليمية، ودور المحيط يكمن في مساعدة الدول المعنية بالتغيرات الداخلية على تلمس طريقها بثقة ووضوح. ان ذلك لا علاقة له بأي نوع من التدخل، ولكنه تجسيد لمظاهر التضامن، عسى ألا تقع الثورات في فخ المصائد التي تتربصها من كل جانب.