Date: May 3, 2019
Source: جريدة الحياة
نماذج ودروس عن فهم الغرب لمعاناتنا - فارس بن حزام
احتاج مجلس الأمن سنوات، ليصنف أحد أخطر الشخصيات في باكستان إرهابياً، ومثلها احتاج العالم ليأخذ خطوة السعودية ضد أسامة بن لادن على محمل الجد.

ومثلما عانت المنطقة الإرهاب عند بدايته، واجهت دولها مصاعب جمة في إشراك الدول الكبرى والمنظمات ضمن معاركها ضده.

داخل مجلس الأمن، زال الحاجز الصيني، فصنفوا قائد تنظيم "جيش محمد" في باكستان مسعود أظهر إرهابياً. شخصية متطرفة يشبه كثيراً من عرفناهم، يحمل خطاب التطرف ذاته، ويرفع راياته السود.

وعلى مدى سنوات، واجه المجلس العقبة الصينية لإدانة المجرم، والسبب ببساطة؛ مناكفة الهند لصالح باكستان.

المناكفة السياسية ليست جديدة، والسعودية عانتها طويلاً. في عام 1992، لاحقت المملكة أسامة بن لادن، وحذرت السودان من استضافته، ونبهت العالم من خطورة نشاطه، ولم يأبه أحد لذلك. وتطور الوضع باعتداء في الرياض نهاية العام 1995، ووقعت الخرطوم في الحرج، فأبعدت بن لادن ومن معه إلى أفغانستان، مروراً بقطر.

واستمرت المملكة تحذر وتدعو إلى تصنيف هذا الكيان (القاعدة) منظمة إرهابية، وتجاهلها الغرب ومنظماته، حتى وقع الاعتداء على السفارتين الأميركيتين في تنزانيا وكينيا في عام 1998، فاقتنعت واشنطن بمفردها أن الرياض على حق، وحافظت لندن على حماية مجرمي التنظيم، من منسقين وداعمين وممولين، إلى أن حدث الاعتداء الكبير في نيويورك في عام 2001، لتستيقظ بريطانيا، وتبدأ إجراءات محدودة، فصفعها الإرهاب في عام 2005، وانتفضت نصف انتفاضة ضد كل ما له شأن بتنظيم "القاعدة"، مبقية على الجذور الفكرية تتمدد في حدائقها.

وما شهدته السعودية عاشته مصر أيضاً، إذ ذاقت ويلات الإرهاب من الثمانينات وحتى منتصف التسعينات، وبقيت وحيدة بلا دعم غربي، وكانت عواصم الغرب ذاتها الملاذ الآمن لجناحي الإرهاب السياسي والإعلامي.

وتالياً، تمددت "القاعدة" في العراق، ولم يتحرك العالم، وتابع المشهد وكأنه صراع تحده الجغرافية. استهان الأردن كثيراً، واكتفى بمراقبة ناعمة لمرضى التطرف، وتركهم يحتفون بجرائم التنظيم، ويحيون حفلات الزواج بأناشيد تمجد الإرهاب، ولم يستوعب القائمون على الأمن كارثة تساهلهم، إلا عندما أصاب الزرقاوي العاصمة عمّان بجرح عميق نهاية العام 2005.

للأسف، احتاج الغرب أن يمسه الإرهاب في عقر داره، ليستوعب ما أصاب دولنا من أذى، ويأخذ خطوات جادة في مواجهته.

أما أسوأ مناكفة، سواء كنت ترعاه لخلاف سياسي، أو تستخدمه ورقة ضغط حالية أو مستقبلية، فإن الإرهاب حتماً سيرتد إليك. وفي ذلك دروس للإفادة، ومنها ألا يستهان بالإرهاب إن كان بعيداً عنك ولا يضر بمصالحك، ولا يهدد أمنك.

وفي عصرنا الحالي، بات انتقال الإرهاب أسرع مما سبق، على رغم كم الإجراءات الأمنية الوقائية؛ لأن أصل الخطر يكمن في الفكرة المتمثلة بدعاة التطرف، وليس في تنفيذها المتمثل في إرهابيين يستخدمون كقطع حديثة، بدلاً من آخرين انتهت صلاحيتهم أو هلكوا.