Date: Apr 15, 2019
Source: جريدة الحياة
هوية الصراعات داخل الجيش السوداني - فارس بن حزام
لنتخيل أن وزير دفاع النظام السوري العماد علي أيوب يخرج معلناً الانقلاب على رئيسه بشار الأسد، ويشكل مجلس حكم انتقالي يضم مدير الأمن القومي علي مملوك، ومدير المخابرات الجوية جميل الحسن، وقادة عسكريين من أركان النظام. هذا ما تم فعلاً صباح الخميس الماضي في السودان.

وما لم يحسب أركان حكم البشير حسابه أن يحبط سيناريو المخطط المستعجل، فسقط قبل أن تغيب الشمس عندما خالف الغاضبون قرار حظر التجوال، وعادوا للاعتصام أمام مقر قيادة الجيش. وما لم يحسن هؤلاء قوله، الادعاء في أول يوم أنهم حكموا «استجابة لرغبة الشعب السوداني»، وأنه «تظاهر أمام مقر قيادة الجيش، ليطلب منا استلام السلطة، فاستلمناها». هل دعا المعتصمون الجيش لاستلام الحكم؟ طبعاً، لا. بل كانت الدعوة صريحة: «الانحياز لمطالب الشعب».

لقد اختارت قيادة الجيش السوداني سلوك الطريق الخاطئ، فقادت عملية مستعجلة افتقدت إلى الحكمة والوعي الكافي بما يدور خارج أسوار القيادة العامة، واصطدمت بحاجز أوقف سيرها تماماً. وما تأخر إعلانها رسمياً لأكثر من تسع ساعات إلا مؤشر على حالة الارتباك والخلاف الشديد بين القادة الكبار، ولو أنها سلكت مسار دستور البلاد والتزمت بنصه، لأسقطت حجة الغاضبين، وعززت موقفها.

إن الالتزام بالدستور مبدأ لا يجب أن يتجاوزه جنرال ولا قافز إلى السلطة؛ لأنه الضامنة الصلبة لأي عملية انتقال سياسي في البلاد، سواء السودان أم غيره. وفي حالة إعفاء الرئيس البشير، كان سيبقى نائبه الفريق عوض بن عوف – أسرع متنازل عن السلطة - عضواً فاعلاً في مجلس رئاسي ثلاثي يقوده رئيس المجلس الوطني، وكانت ستؤول إليه القيادة العليا للقوات المسلحة، غير أن السلطة تعمي البصيرة، وربما الخوف من سوء المصير، والبحث عن الحصانة.

والأجواء داخل المؤسسة العسكرية تفصح عن خلافات تزداد عمقاً بين أركانه، بعضها يظهر بتصريحات ودعوات، وبعضها يتسرب إلى دوائر القرار المراقبة للشأن السوداني. وعندما اختار وزير الدفاع اقتلاع رئيسه وقيادة المرحلة، وجد داخل قلعته من يخالفه التوجه، ومن يجرؤ على قول «لا» في وجه القائد، ومن يشهرها أمام الرأي العام، رفضاً لتولي الجيش زمام الأمور. لقد بدا أن همّ المجلس الانتقالي المستعجل حماية نفسه من الملاحقة وتحصين أعضائه، فهم أركان حكم البشير، وقادة معاركه ومنفذو منهجه، وإن عوقب الرئيس السابق، فلن يعاقب بمفرده.

واليوم تبدو مهمة قائد الجيش شاقة جداً أمام تسارع الأحداث وسلسلة التنازلات المنتظرة، والأقرب أن يستيقظ السودان على «سقوط ثالث».