| | Date: Apr 1, 2019 | Source: جريدة الشرق الأوسط | | سلامة وفساد ليبيا المرعب - جبريل العبيدي | «بلغ السيل الزبى»، قالها الراحل إدريس السنوسي ملك ليبيا عندما اعتلى الفساد الطبقة السياسية، فصرخ الملك الصالح في وجوه السياسيين الفاسدين في حينها، وطالبهم بالكف عن الفساد والنهب، واليوم بعد عقود من رحيله تواجه ليبيا موجة تسونامي من الفساد والفاسدين يتصدرها بعض السياسيين والنافذين في السلطة.
الفساد الذي هو انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة وله أنواع وأشكال وأوجه كثيرة، منها الفساد السياسي المتمثل في إساءة استخدام السلطة العامة لأهداف غير مشروعة، من خلال الرشوة والاختلاس وممارسة الابتزاز والمحسوبية، المتمثلة في الفئوية والحزبية والجماعة والقبلية والمناطقية أحياناً. بيد أننا في واقع الأمر لسنا أمام حالة ليبية متفردة، بل تكاد تكون ظاهرة متفشية في العالم بأسره، لكن الأمر في ليبيا زاد على حده.
صرخة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة غسان سلامة كانت بمثابة دقٍ لناقوس الخطر المحدق بهذه البلاد، فقد شخّص الحالة وعرّى هؤلاء النهّابين المتسلقين الذين يعيثون في البلاد فساداً، هؤلاء الذين كانوا ينتقدون النظام السابق وفساده، تبين أن ما سرق في غضون سبع سنوات عجاف يفوق ما فُقد من مال طوال الأربعة عقود التي هيمنت فيها الديكتاتورية على البلاد. الفساد في ليبيا يتكرر اليوم بصورة أبشع، باعتماد سياسة التجويع للشعب الليبي ونهب ثرواته وإذلاله.
سلامة قال في تغريدة له عن مسؤولين وسياسيين ليبيين: «بلد نفطي يصدّر 1.3 مليون برميل نفط يومياً، لديه مئات مدارس الصفيح وعشرات المستشفيات المترهلة لم ينفقوا ولو مليماً على صيانة منشآته من الميزانية التي يخصّص 60 في المائة منها لمرتبات موظفيه، ومئات الملايين أتعاب محاماة للخلافات في مؤسساته، هل هو على هذه الحال بمجرد الصدفة؟».
إنها حقيقة مؤلمة فعلاً، وفضيحة مدوية مرفوعة الرأس من دون خجل، فمن يصدق أن في ليبيا مدارس من الصفيح بينما تطفو هذه المدارس على بحيرة نفط، يتكالب عليها المتكالبون والفاسدون.
في ليبيا «هناك مليونير جديد يولد كل يوم» كما قال سلامة، رغم أن ليبيا ليست بلداً صناعياً ولا بها زراعة تذكر ولا تجارة تصنع المليونيرات، مما يؤكد حجم الفساد الكبير والنهب الممنهج لمقدرات الشعب، الذي لا يمكن تغطيته، ولهذا تفاعل الشارع الليبي بإيجابية مع صرخة سلامة في وجه الفاسدين، بينما غضب على سلامة من كانت على رأسه «بطحة» كما يقول المثل الشعبي، فوصفها مجلس المشري غير الدستوري بالقول: «اتهامات سلامة للسياسيين تشويه متعمد للمؤسسات الحكومية»، بينما طالب 46 عضواً في مجلس النواب، النائب العام بفتح تحقيق، واعتبر آخرون أن تصريحات سلامة هي للضغط على السياسيين للقبول بالمشروع الذي يزعمون أن سلامة يسوق له عبر «المؤتمر الجامع»، بل وصفها أحد النواب بأنها «مجرد ابتزاز سياسي هدفه من جهة الضغط على الساسة للقبول بالإملاءات»، بينما عدّها البعض بأنها تهييج للشارع.
ففي ليبيا غادرت حكومة، أهدرت 6 مليارات دولار على قرطاسية مكتبية، ولم تجر أي محاسبة أو عرض لإقرارات ذمة مالية، لا قبل تولي الحقائب الوزارية ولا بعدها، بل غادر بعض وزرائها خارج البلاد؟ في حين كان الفشل يحفها من كل جانب، فقد كان هناك فشل ذريع في الملف الصحي غير مسبوق، وشبكة طرقات عجزت عن رصف ولو جزء بسيط منها، وجسور عارية من الحواجز، فتحولت لمقبرة طائرة لعابريها.
إنهم يفرون بالمال العام إلى خارج البلاد في سطو مستمر في رابعة النهار وظلمات الليل، بينما أطفال بعض مناطق ليبيا يتعلمون في مدارس من صفيح بارد في الشتاء حار في الصيف، فيما المسؤول وأبناؤه وحتى خفيره يتنقلون في سيارات مصفحة ثمن الواحدة منها كفيلة ببناء فصول لائقة لتعليم الأطفال!
الفساد تنوع وتشتت، ففي مجال نهب الأموال المجمدة وضياعها، كشفت صحيفة «بولويتيكو» الأميركية، عن مليارات الجنيهات الإسترلينية المفقودة من الأموال الليبية المُجمدة في المصارف البلجيكية كمثال على نهب الأموال الليبية.
الفساد الحكومي، مستشرٍ في ظل وجود مستشفيات لا تجد فيها سريراً لمريض أو عناية منتظمة، ونقص شديد في الأمصال والتطعيمات وأدوية الكلى والأورام، بينما صرفت عشرات المليارات خارج البلاد في مشاريع العلاج بالخارج وجرحى «الثوار» الملف الأكثر فساداً في ليبيا.
انتشار الفساد تسبب في عدم تكافؤ الفرص بين الجميع، بسبب انتشار المحسوبية، وقد ينتهي في المجتمع بحالة من الإحباط والسلبية، بسبب حالة الغبن والظلم.
صحيح أنه لم يبق من الخجل إلا كلماته القاموسية، فقد رحل في سماء الله الواسعة.
كاتب وباحث ليبي | |
|