| | Date: Mar 26, 2019 | Source: جريدة النهار اللبنانية | | تحليل: كيف يؤثّر قرار ترامب حول الجولان على مصالح الروس؟ | جورج عيسى
يشكّل اعتراف الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب بسيادة تل أبيب على هضبة الجولان نكسة على جبهات عربيّة وإقليميّة وحتى دوليّة عدّة، لعلّ الجبهة الروسيّة قد تكون واحدة منها. استفادت موسكو من انخراطها العسكريّ في النزاع السوريّ عبر استعادة جزء أساسيّ من دورها الدوليّ المتراجع بعد انهيار الاتّحاد السوفياتيّ. لكن ثمّة حدود للدور المستعاد. فإضافة إلى أنّ روسيا غير قادرة على تحويل انتصارها العسكريّ إلى سياسيّ، يبدو أنّ استراتيجيّتها بمدّ الجسور مع مختلف الأطراف الإقليميّة في المنطقة تصطدم أهدافها بجدار أميركيّ صلب.
في أواخر تشرين الأوّل الماضي، لم تخرج قمّة اسطنبول بنتائج حاسمة حول سوريا باستثناء دعوتها إلى استمرار التهدئة في إدلب وتشكيل اللجنة الدستوريّة قبل نهاية 2018. في تلك القمّة الرباعيّة بين روسيا وتركيا وفرنسا وألمانيا، لم يتصاعد أيّ دخان أبيض حول احتمال مساهمة أوروبا في إعادة الإعمار. ويبدو أنّ جولة وزير الخارجيّة الروسيّ سيرغي لافروف الخليجيّة أوائل آذار الحاليّ لم تثمر تحرّكاً عربيّاً باتّجاه سوريا. في كلتا الحالتين، كان حضور واشنطن المعنويّ واضحاً في فرملة أيّ خطوة سياسيّة ترعاها روسيا في هذا الإطار.
هلسينكي تنقلب على بوتين؟
إنّ اعتراف ترامب بسيادة إسرائيل على الجولان ضربة إضافيّة للديبلوماسيّة الروسيّة في سوريا. لا يمكن بدايةً فصل سياسة التواصل الروسيّ مع جميع القوى في المنطقة عن هدفها برعاية المفاوضات وجهود السلام، وهي ميزة ستُحرم منها روسيا إلى حدّ بعيد بفعل القرار الأميركيّ. من جهة ثانية، تؤكّد خطوة ترامب مرّة أخرى حدود النفوذ الذي تتمتّع به موسكو داخل سوريا. لكن لوضع الجولان أهمّيّة تاريخيّة بارزة بالنسبة إلى دولة تهدف إلى استعادة "أمجاد" الاتّحاد السوفياتيّ.
كان تمّوز الماضي شهر تألّق بارز للرئيس الروسيّ. خلاله، اختتم بطولة ناجحة لكأس العالم على مستوى المنتخب والتنظيم والحضور السياسيّ. وخلاله أيضاً، استطاع خلق بلبلة داخليّة كبيرة في واشنطن عندما حوّل قمّة هلسينكي منصّة لمناورة ترامب وانتزاع اعتراف منه بأنّ روسيا لم تتدخّل في الانتخابات الرئاسيّة، قبل أن يتراجع نسبيّاً عن موقفه في اليوم التالي. وإضافة إلى الهالة الإعلاميّة التي أحيطت ببوتين آنذاك، تمكّن الأخير في القمّة من إظهار نفسه كشريك للولايات المتّحدة في صناعة القرارات الدوليّة. ومن أبرز مفاجآت بوتين في تلك القمّة استعادته للقرار 338 خلال المؤتمر الصحافيّ المشترك مع ترامب.
كان للاتّحاد السوفياتيّ دور أساسيّ بإصدار هذا القرار في مجلس الأمن لإنهاء حرب 1973 التي كانت هضبة الجولان جبهة أساسيّة فيها. بالتالي، كان ذكر بوتين للقرار تصريحاً واضحاً بأنّ مهمّته تحقيق وساطة بين تل أبيب ودمشق وأيضاً بين الأولى وطهران بما أنّ الأخيرة ترى في الجولان جبهة عسكريّة متقدّمة. بناء على ذلك، تأتي خطوة ترامب الأحاديّة الجانب كضربة محتملة لدور الوساطة التي تبحث عنه روسيا انطلاقاً من دولة بذلت جهداً عسكريّاً وسياسيّاً كبيراً فيها كي تحوّلها قاعدة لنفوذها الشرق أوسطي. ومع العثرات الأخرى التي واجهتها موسكو في سوريا، يضاعف القرار الأميركيّ من نكساتها هناك.
النتائج ليست كلّها سلبيّات
في مقابل هذه العثرات، ثمّة إيجابيّات تلوح أمام الرئيس الروسيّ من أماكن أخرى. مارتن إنديك، سفير أميركيّ سابق إلى تل أبيب وممثّل خاص لأوباما لعمليّة السلام بين الإسرائيليّين والفلسطينيّين، قال في حديث إلى صحيفة "نيويورك تايمس" الأميركيّة إنّ بوتين سيستخدم قرار البيت الأبيض "كذريعة لتبرير ضمّه للقرم"، إضافة إلى أنّ اليمين الإسرائيليّ سيستخدمه أيضاً كذريعة لضمّ الضفّة الغربيّة. ولم يكن إنديك وحده من أثار هذه الفرضيّة التي وجدت مكاناً للتحليل حتى في بعض الصحف الإسرائيليّة نفسها.
إيفان غوتسمان وآبي سيبلرشتاين قدّما أمس في صحيفة "هآرتس" الإسرائيليّة نظرة مشابهة لتلك التي عبّر عنها الديبلوماسيّ الأميركيّ السابق. بالنسبة إليهما، يعزّز قرار ترامب مطالب بوتين في القرم، ولهذا السبب، وصفا قرار ترامب بأنّه "هديّة التي لا تُقدّر بثمن" للرئيس الروسيّ. وذكرا أنّه حين أرادت واشنطن الاعتراف باستقلال كوسوفو عن صربيا أوائل سنة 2008، كرّرت روسيا إشاراتها بأنّها ستتعامل مع القرار كسبب للتحرّك في أوسيتيا الجنوبيّة وأبخازيا في جورجيا. وحرصت موسكو على استخدام كوسوفو كنقطة تفاوض مع الأميركيّين حين توجّهت دباباتها صوب جورجيا في آب 2008.
من جهته، وصف بروفسور شؤون الأمن القوميّ في الكلّيّة الحربيّة البحريّة الأميركيّة جون سكيندلر الرئيس الروسيّ ب "المستفيد الحقيقيّ" من قرار ترامب. ورأى في مجلّة "سبيكتايتور" بنسختها الأميركيّة أنّ الأخير لا يهتمّ بالنظام الدوليّ المبنيّ منذ سبعين سنة تقريباً و "موسكو فهمت الرسالة". وعلى الرغم من إدانة موسكو للخطوة باعتبارها "خرقاً مباشراً لقرارات الأمم المتّحدة" فإنّ رسالة الروس الحقيقيّة غير المنطوق بها حتى الآن هي: "إذا كان بإمكان أميركا الاعتراف باحتلال إسرائيل لمرتفعات الجولان على أنّه شرعيّ، فلماذا لا يمكن الجميع فعل الأمر نفسه لاحتلالنا القرم؟"
بناء على ذلك، يرسل قرار ترامب إشارة إلى أنّ قوّة احتلال ستصبح شرعيّة بنظر الدول الكبرى، بشرط أن تستطيع التمسّك بالأرض المحتلّة إلى فترة طويلة. لكنّ سكيندلر لا يقصر تحليله على تل أبيب أو موسكو فقط. بالنسبة إليه، حتى بيجينغ تنتظر تحرّكات ترامب لترسم خططها في بحر الصين الجنوبيّ.
تأثير مزدوج
على أيّ حال، يبدو أنّ لقرار ترامب تأثيراً مزدوجاً على المصالح الروسيّة. فإذا كانت الأخيرة ستتضرّر في الشرق الأوسط عموماً وسوريا خصوصاً عبر اعتراف أميركيّ بسيادة تل أبيب على الجولان، فإنّ ترامب سيعزّز على الأرجح المصالح المباشرة لموسكو في مداها الحيويّ الأقرب إليها. لكن من غير المتوقّع أن تتصرّف روسيا على هذا الأساس في وقت قريب. المرجّح أنّها ستستمرّ بمعارضة ترامب في خططه حول سوريا، طالما أنّه غير مستعدّ للتفاوض حول "الهواجس" الروسيّة في أوروبا. لكن عندما تحين لحظة التفاوض حول القرم أو حتى لوغانسك ودونيتسك، فقد يذكّر حينها بوتين مفاوضيه الأميركيّين ب "ازدواجيّة" معاييرهم بين الشرق الأوسط وشرق أوروبا. | |
|