Date: Mar 22, 2019
Source: جريدة النهار اللبنانية
تحليل: أيّ تحوّلات محتملة تطرأ على الحرب السوريّة؟ - جورج عيسى
مع دخولها عامها التاسع الأسبوع الماضي، لم تتأثّر الحرب السوريّة بقدرة موسكو وطهران ودمشق على حسم موازين القوى الميدانيّة الداخليّة لصالحها. في وقت يراقب العالم المعركة الأخيرة التي تخوضها قوّات سوريا الديموقراطيّة "قسد" ضدّ آخر جيب لداعش في قرية الباغوز، تثار تساؤلات عن المرحلة التي ستعقب نهاية التنظيم. وبما أنّ الإدارة الأميركيّة قرّرت إبقاء 400 جنديّ في سوريا لفترة غير محدّدة حتى بعد هزيمته، يُرتقب أن تشهد العمليّة السياسيّة مراوحة في المدى المنظور. هذه المراوحة قد تساهم بدورها في إبراز الخلافات حتى ضمن المعسكر السياسيّ الواحد.

سباق روسيّ-إيرانيّ

منذ يومين، أوفد الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين وزير دفاعه سيرغي شويغو إلى الأسد محمّلاً إيّاه "رسالة". جاءت الزيارة عقب استقبال الرئيس السوريّ بشار الأسد لرئيسي الأركان العراقيّ والإيرانيّ، وكذلك، بعد زيارة الأسد لإيران الشهر الماضي. وبرز تشابه بين الآليتين الأمنيّتين المتّبعة لدى كلّ من موسكو وطهران أثناء التحضير لزيارات الأسد إلى روسيا وإيران في إشارة إلى تزاحم نفوذ ضمنيّ بين البلدين حول دمشق. ويبدو ذلك كأحد انعكاسات تعثّر قمّة سوتشي الماضية. فكلّما طال تأخّر معالم الاتّفاق حول إدلب ومناطق شمال شرق سوريا والعمليّة السياسيّة عموماً، زادت احتمالات التوتّر الثنائيّ بسبب سباق النفوذ في المناطق الخاضعة للأسد.

وكان وزير الدفاع السوريّ علي عبدالله أيوب قد أشار إلى أنّ الجيش "سيحرّر هذه المنطقة (الخاضعة لسيطرة الأكراد) كما حرّر معظم المناطق الأخرى في سوريا" موضحاً أنّ ذلك سيتمّ إمّا عبر "المصالحات الوطنيّة" أو "بالقوّة". لكنّ تحرّكاً سوريّاً في هذه المناطق يبقى مستبعداً في ظلّ الوجود العسكريّ الغربيّ في تلك المناطق، بعكس إدلب التي قد تتدهور فيها الأوضاع بشكل أسرع إذا سقط اتّفاق الهدنة الذي تمّ التوصّل إليه في أيلول الماضي. لكن حتى هذا الاحتمال قد لا يكون مرتفعاً بما أنّ التصريحات الروسيّة لا توحي بذلك حتى الآن.

رأى الكاتب السياسيّ جوناثان سباير في مجلّة "فورين بوليسي" أنّ سوريا تشهد ثلاث حروب داخل مناطق الصراع التي يسيطر عليها الأسد (60%) والتي تسيطر عليها "قسد" (30%) إضافة إلى إدلب وجوارها (10%). تتعرّض إدلب وحماة لقصف مدفعيّ يوميّ من قوّات النظام، لكن شمالاً في عفرين، سُجّل 220 هجوماً متفرّقاً بين آذار 2018 وكانون الثاني 2019 وقُتل حوالي 100 شخص في شباط. ومن المحتمل أن تكون وحدات حماية الشعب منخرطة في هذه الهجمات بحسب الكاتب.

وقُتل 236 مقاتلاً أو موظفاً مدنيّاً أو مسؤولاً من "قسد" منذ آب 2018 بسبب هجمات لا ترتبط بالمعركة الأماميّة مع داعش، بحسب المرصد السوريّ لحقوق الإنسان. تتهم قسد تركيا بهذه العمليّات لكنّ سباير لا يستبعد أيضاً تورّط قوّات الأسد وحلفائه الإيرانيّين وداعش فيها. ومع أنّ مناطق الأسد أكثر استقراراً نسبيّاً، فهي تتعرّض أيضاً لأعمال عنف داخليّة وحركات تمرّديّة محدودة واستهداف لنقاط عسكريّة كما حصل في 6 شباط. ويضع الكاتب احتمالاً بوجود صراع داخليّ بين الأسد والإيرانيّين والروس وحتى بين الأجهزة الأمنيّة السوريّة نفسها.

غياب الثقة

ستشكّل هذه الحروب عبئاً على حياة السوريّين مع تضاؤل آمال السلام في الداخل. لكن ماذا عن الحروب الأخطر التي يمكن أن تطلق تداعيات أكبر على المستوى الإنسانيّ والسياسيّ؟ إذا كانت الولايات المتّحدة قد قرّرت الإبقاء على عدد محدود من جنودها في سوريا فإنّها غير راغبة حاليّاً بالانخراط في محادثات ديبلوماسيّة مع روسيا وتركيا لتحصين الوضع الأمنيّ في إدلب بحسب ما كتبه هاردين لانغ في صحيفة "ذا هيل" الأميركيّة. لانغ الذي يشغل منصب نائب مدير منظّمة اللاجئين الدوليّة غير الحكوميّة، شكّك أيضاً في إمكانيّة أن يردع 200 جنديّ أميركيّ في شمال سوريا صراعاً ضمن ما يوازي ربع مساحة البلاد.

تشكّل هذه الظروف وغيرها تربة خصبة لتبادل نظرات التشكيك بين مختلف القوى الفاعلة في سوريا ومن ضمنها تلك التي انخرطت في تحالف واحد أو أقلّه في تفاهم واسع. وإذا بدأت مؤشّرات صراع خفيّ بين الروس والإيرانيّين في دمشق، فإنّ أجواء من الريبة يمكن أن تكون قد بدأت بالظهور في جانب آخر من الصراع. ففي صحيفة "هآرتس"، كتب شيمون ستاين وشلومو بروم مقالاً تحت عنوان: "لا إسرائيل ولا إيران تثقان بروسيا. لكن فقط بوتين يستطيع تفادي حرب بينهما". وجد الكاتبان أنّ تل أبيب وطهران ليستا مهتمّتين بنزاع شامل في سوريا بالرغم من أنّ التصعيد "محتمل دوماً" بسبب "أخطاء في الحسابات أو سوء تفاهم أو ضغوطات سياسيّة داخليّة". يعتقد الكاتبان أنّه لدى روسيا إمكانيّة لتفادي ذلك لكنّ طهران وتل أبيب تدركان أنّ لهذه الدولة أجندتها الخاصّة في سوريا وهذا ما يقوّض ثقتيهما بها، طالما أنّهما ستضعان مصالحهما الأمنيّة الجوهريّة في يد الكرملين كما أضافا.

تحوّلات متزامنة

إنّ غياب الثقة الإسرائيليّة ببوتين، بالرغم من إعطائها ضوءاً أخضر ضمنيّاً لضرب المراكز الإيرانيّة في سوريا وعمله على إبعاد المقاتلين الإيرانيّين حوالي 80 كيلومتراً عن حدود الأراضي المحتلّة، يظهر مدى هشاشة التفاهمات في المشهد السوريّ. يضاف إلى ذلك أنّ تآكلاً محتملاً في ثقة الطرفين بموسكو، بصرف النظر عن اعتراف الكاتبين بأن لا طرف ثالثاً مؤهّل للعب هذا الدور، عامل قد يسهّل حدوث "خطأ في الحسابات".

إنّ الأنباء عن الانفجارات العنيفة التي هزّت مساء الثلاثاء ضواحي دمشق بحسب المرصد السوريّ لحقوق الإنسان دليل إضافيّ على أنّ النزاع في سوريا يرتدي أشكالاً مختلفة مع مرور الوقت. إنّ تحوّل الحرب الشاملة التي شهدتها سوريا خلال السنوات الماضية إلى ثلاث حروب "موضعيّة"، لا يعني أنّ أشكالاً أخرى إضافيّة من الحروب ليست احتمالات قائمة بذاتها. يبدو أنّ سوريا لن تتوقّف عن كونها حقلاً جاذباً للصراعات الإقليميّة، مضافة إلى تلك الداخليّة، في المدى المنظور.